قتيلان و40 جريحاً في يوم «الغضب العارم» لنازحي البداوي


إطـلاق نـار «بـدأ مجـهولاً» علـى مسـيرة العـودة إلـى البـارد.

البداوي :

حصل ما كان في الحسبان، وإستبق الغضب الشعبي للنازحين في مخيم البداوي، مبادرات الحل السلمي في مخيم نهر البارد، فأرادوا في ذكرى مرور أربعين يوما على بداية الأزمة أن ينطلقوا بمسيرة عودة الى منازلهم في المخيم، لفرض حل شعبي على طريقتهم، بعد أن فشلت كل الوساطات والمفاوضات والاتصالات السياسية في إيجاد أي حل ينقذ ما تبقى من مخيمهم ومن ممتلكاتهم، ويضع حدا للمعاناة التي ترخي بظلالها القاتمة على تفاصيل حياتهم اليومية، التي أضيف إليها أمس جرح بليغ تمثل بسقوط قتيلين و40 جريحا خلال المسيرة التي اصطدمت امام مصفاة طرابلس بجدار أقامه الجيش اللبناني لمنعها من إكمال مسيرتها فحصل هرج ومرج دفع بجنود الجيش على أثره إلى اطلاق النار لتفريق المتظاهرين.

لم تكن مسيرة العودة مقررة سابقا، بل ان التحركات التي دعت إليها الجمعيات والاندية والهيئات الفلسطينية الشبابية والاجتماعية والتي بدأت باعتصام مفتوح عند الساعة العاشرة صباحا في مدرسة كوكب التابعة للأونروا، والتعبئة العامة التي أحدثتها الاجواء المؤثرة والاناشيد التراثية الفلسطينية في صفوف الرجال والنساء والاطفال، والكلمات التي ألقاها مسؤولو الجمعيات والنازحون وعدد من الاطفال حول معاناتهم فضلا عن الشهادات التي قدمت عن مخيم البارد وأكدت انه لم يعد فيه حجر على حجر، والشعارات التي اطلقت، كل ذلك ضاعف من حالة الهيجان في صفوف النازحين الذين بدأوا بالبكاء والصراخ وخرجوا عن طورهم مرات عديدة مطالبين بعودة سريعة، وبأن يشعر المسؤولون اللبنانيون والفلسطينيون بمعاناتهم، كما حصلت بعض الانهيارات العصبية.

وقد استمرت الاجواء المشحونة التي لم تجد من يخفف من حدتها في ظل غياب رابطة علماء فلسطين التي أعلنت تعليق نشاطها التفاوضي في ما يتعلق بأزمة البارد، وعدم تدخل الفصائل الفلسطينية باعتبار ان النشاط اجتماعي ـ إنساني لاطلاق صرخة مدوية بوجه المسؤولين المعنيين للاسراع في إيجاد السبل الكفيلة لإنهاء الأزمة، حتى موعد صلاة الجمعة، حيث وبخلاف خطب الجمعة الماضية لم تعط أي بارقة أمل للنازحين، بل على العكس فقد اكدت أن الأمور وصلت الى الطريق المسدود وأن مخيم البارد بات في خطر حقيقي وأن الأيام المقبلة ستكون سوداء. وأشار عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ وليد أبو حيط من على منبر مسجد زمزم الى ان الرابطة تريد ان تضع الناس أمام مسؤولياتها، وأن تكون صريحة معهم بأنها لن تتمكن من استكمال مسيرتها التي بدأتها منذ بداية الازمة نتيجة الظروف الصعبة، مؤكدا ان المبادرة التي تعمل عليها الرابطة كانت مكتوبة وفيها بنود، ولم تكن مبادرة إعلامية فقط، منتقدا من كان يطلق السهام باتجاه هذا العمل الانساني، السياسي والشرعي، معلنا أن الرابطة إتخذت قرارا بتعليق نشاطها التفاوضي، بعد ان حققت بعض المكاسب لجهة حماية ارواح المدنين الذين خرجوا تباعا من جحيم المخيم، داعيا الدولة اللبنانية لان تنظر بعين الرحمة والرأفة بالمعتقلين الفلسطينيين وأن تحترم مأساتهم ومعاناتهم وإنسانيتهم.

امام هذا الواقع خرج النازحون من المساجد يهيمون على وجوههم، وقلوبهم معتمرة بالغضب، الأمر الذي وضع مخيم البداوي على فوهة بركان كانت تنتظر أي شرارة للانفجار، في هذا الوقت كانت الجمعيات الشبابية تستكمل برنامج تحركاتها الاحتجاجية وتدعو عبر مكبرات الصوت الى المشاركة في مسيرة صامتة عند الساعة الثانية من بعد الظهر تنطلق من امام مدرسة كوكب وتنتهي عند مقبرة الشهداء، تعبيرا عن الظلم الذي يلحق بمخيم البارد وأهله في ظل صمت فلسطيني، لبناني وعربي فتجمع كثير من النازحين الغاضبين وأعطوا المسيرة دفعا كبيرا حيث فاق تعدادها الألفي شخص، لم تحملهم اعصابهم على التزام الصمت، فأطلقوا العنان للهتافات والشعارات التي طالبت بالعودة، وانتقدت بشدة من يعرقل حل الازمة، ومنها: «عالبارد رايحين ما بدنا كراتين»، «نهر البارد لا تهتم عندك ناس بتشرب دم»، «من البارد إجانا صوت شعب كامل عم يموت»، «إمشوا إمشوا لقدام إبن البارد شو مقدام»، «يا سنيورة ويا لحود شعب البارد مش يهود». وشيئا فشيئا بدأ الغضب يفرض نفسه على التظاهرة، وأخذت الهتافات تتحول الى شتائم طالت الجميع من دون استثناء، ولدى وصولها الى مستشفى الهلال اراد المنظمون الانحراف بها الى عمق المخيم، رفض عدد كبير من الشبان الامتثال لخريطة الطريق المرسومة لها، وطالبوا المتظاهرين بالخروج من المخيم والسير باتجاه مخيم البارد لحمايته مما يحصل، فلاقت هذه الدعوة تجاوب المئات منهم الذين هتفوا: «على البارد رايحين... شهداء بالملايين».

انشطرت التظاهرة الى قسمين واحدة أكملت المسير الى عمق المخيم، وثانية اتجهت الى خارج المخيم دون ان تنفع كل المحاولات التي بذلها مسؤولو الفصائل الذين تنبهوا الى خطورة الأمر، في ثني المتظاهرين الغاضبين عن النزول الى الشارع، لكنهم اصروا على موقفهم وخرجوا باتجاه منطقة البداوي على وقع الهتافات، وقطعوا الطريق الدولية، وأكملوا سيرهم باتجاه مخيم البارد، فسارع الجيش اللبناني الى قطع الطريق بالملالات وإلى وضع حاجز حديدي لمنع التظاهرة من إكمال طريقها، ولدى وصولها الى الحاجز حاول المتظاهرون اجتيازه فأطلق عناصر الجيش عيارات نارية في الهواء لتفريق المتظاهرين الذين بلغوا ذورة الغضب فحصل هرج ومرج، وترددت معلومات ان طرفا مجهول الهوية اطلق النار على المتظاهرين وعلى نقطة الجيش الذي أطلق النار بغزارة لمنع المتظاهرين من التقدم نحوه، ما أدى الى مقتل شخصين هما: حسام مزيان ومحمود الجندي، وجرح 35 شخصا من بينهم مسؤول الجبهة الديموقراطية في الشمال أبو لؤي أركان، وتردد في ما بعد أن عددا من الجرحى أصيبوا نتيجة عراك بالايدي والعصي مع بعض أبناء مدينة البداوي خلال مرورهم ضمن شوارعها حيث تبادلوا أيضا رمي الحجارة في ما بينهم، كما أصيب آخرون نتيجة سقوطهم على الارض وارتطامهم بدراجات نارية وسيارات خلال هروبهم، وقد نقل الجرحى بواسطة بعض السيارات المدنية وسيارات الهلال الأحمر الفلسطيني إلى مستشفيات صفد داخل المخيم، والبيسار والاسلامي في طرابلس.

بعد ذلك عمل الجيش اللبناني على إعادة فتح الطريق الدولية، واتخذ تدابير أمنية مشددة، وأقام نقاطا ثابتة في منطقة البداوي، في حين عاد المتظاهرون النازحون أدراجهم الى المخيم وتجمعوا امام المدخل الجنوبي عند حاجز فتح الانتفاضة وأشعلوا الاطارات وقطعوا الطريق امام السيارات والمارة، ما دفع بقوى تحالف الفصائل الفلسطينية الى التدخل بشكل عسكري حيث اطلق عناصرها النار في الهواء وأجبروا الجموع الغاضبة على العودة الى داخل المخيم الذي شهد حالة توتر كبيرة في صفوف النازحين، عملت المؤسسات والمنظمات الاجتماعية والفصائل الفلسطينية على التخفيف من حدتها.

وفي ردود الفعل، أكد مسؤول الجبهة الديموقراطية في الشمال ابو لؤي اركان الذي يعالج في المستشفى الاسلامي بسبب إصابته خلال مسيرة العودة الى البارد، انه أثناء برنامج التحركات الذي دعت إليه المؤسسات والجمعيات الاهلية الذي بدأ باعتصام مفتوح داخل مدرسة كوكب، انطلقت تظاهرة سلمية وحضارية بمشاركة مئات النازحين للمطالبة بالعودة السريعة الى المخيم، وقبل أن تنتهي المسيرة قام بعض المتظاهرين بسلوك الطريق الرئيسية وصولا الى مدينة البداوي، وعند وصولها الى مقربة من حاجز الجيش طلبنا من الجيش اللبناني إعطائنا بعض الوقت لاعادة المتظاهرين الى المخيم، وفي هذه الأثناء اطلق الجيش عيارات نارية في الهواء، ثم قام طرف مجهول بإطلاق النار على المتظاهرين وعلى الجيش من داخل المباني المجاورة، فبادر الجيش الى إطلاق النار بغزارة، ما ادى الى سقوط قتيلين وعدد كبير من الجرحى، مطالبا بفتح تحقيق بالحادث لمعرفة ملابساته وتوقيف المتورطين.

من جهته حمّل مسؤول حركة فتح الانتفاضة في الشمال أبو ياسر مسؤولية الدم الذي أريق الى من أخرج الناس من المخيم، مطالبا بفتح تحقيق لمعرفة مطلقي النار لأن الشعبين الفلسطيني واللبناني ومعــهما الجيش الوطني في خندق واحد، وكل ما يحصل هو محاولة لتغيير ساحة الصراع وأطراف الصراع من خلال زرع الفتنة بين اللبنانيين والفلسطينيين وهي مسألة مرفوضة ومدانة من الجميع.

تعليقات: