حيـدر الغـول رجـل المهمـات المتعـددة فـي «المنـار»

الراحل الغول
الراحل الغول


فاجأ الجميع بتسجيل وصيته بصوته.. وأهوال معتقل الخيام لم تفارقه..

قبل حوالى عشرين يوماً أطلّ الزميل حيدر الغول، كعادته، على مشاهدي قناة «المنار». هو الذي اعتاد أن يصبّح المشاهدين في «مع الحدث» ويقرأ أبرز مقتطفات الصحف العربية والعبرية. أحد لم يعرف أن الاطلالة تلك ستكون الأخيرة لـ«الحاج حيدر» كما يناديه زملاؤه. أي من المشاهدين لم يكن ليتخيل أن الغول، بأدائه وصلابته على الشاشة، يصارع المراحل الأخيرة من مرض عضال اكتشفه منذ أشهر فقط. لم يلتزم الغول بدوامه في «المنار» الأسبوع الماضي كي يخضع إلى عملية جراحية في الرأس، لكن النجاة لم تقدر له، فغادر الدنيا، صباح أمس الأول، تاركاً حزناً عند مشاهدي قناة «المنار» وأسرتها، وأسرة ثانية أصغر مؤلفة من زوجته علا حمود، وأولاده الثلاثة سارة (8 سنوات)، حسين وحسن (10 سنوات). كما ترك مفاجأة لزملائه على كومبيوتر عمله متمثلة بوصية سجلها بصوته، قال فيها كلمة الوداع قبل عمليته الجراحية، فبدأ في مطلعها بمناجاة خاصة وتحدّث فيها عن الإعلام والإعلاميين داعياً إياهم إلى قول الحق ولو على قطع رؤوسهم. أما الشق الذي حرك أفئدة محبيه الكثر، فيطلب الراحل فيه من عائلته وأولاده، وأمه تحديداً، أن يتسلحوا بالصبر وألا يستسلموا للحزن والبكاء، ثم يتحدث إلى والده الذي لم يعرفه (توفى يوم كان عمره ثلاث سنوات) قبل ان يختم متوجهاً إلى السيد حسن نصرلله.

حتى اللحظة، لا تزال وصية الغول رفيقة الكثير من زملائه في «المنار»: «عندما نشتاق إلى حضوره نستمع إليه كما لو انه معنا»، يقول الزميل ضياء طعام، وهو يستذكر كيف انه أتى إلى القناة عام 2000 ليكون الغول أول من يستقبله، خصوصاً انه كان يقدم برنامج «السادسة» (عن الصحافة العبرية) ثم «الرابعة» الذي توقف بعد حرب تموز، وكيف كان معطاء لا يبخل بإسداء نصيحة أو تقديم عون.

ليس التفاني المهني، الذي جعله يطل رافضاً الاستسلام للمرض ومصراً على تطوير أدائه وإلقائه، ما يميز الراحل فقط، فابن بلدة الخيام الذي ولد العام 1970، دفع ضريبة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، فاختبر فظاعات سجن الخيام طوال سبع سنوات (1988 لغاية 1995)، حيث كان بين الذين قادوا انتفاضة السجن العام 1989. عند خروجه ، عمل سنة واحدة كإعلامي في وحدة العلاقات الخارجية في «حزب الله»، قبل ان ينتقل إلى أسرة «المنار» عام 1997. علماً ان بداية الغول في «المنار» كانت كمراسل ميداني ثم انتقل ليعمل كمذيع في مديرية البرامج السياسية.

يتذكّر مسؤول العلاقات الإعلامية في «المنار» ابراهيم فرحات الراحل لقاءه معه في الأيام الأخيرة «بقي ذهنه حاضراً برغم العملية، وكانت ذاكرته ممتازة قبل أن يعود ويصاب بانتكاسة. هذا رجل خبر سنوات من الأسر وكان دوماً مميزاً بانطلاقته واندفاعه، لم يتراجع الاعتبار الوظيفي عنده عن المرتبة الأولى يوماً، إلى جانب طيبة ميزت سلوكه فكانت علاقته ممتازة مع الجميع من دون استثناء». هذا الرصيد من المحبة الجامعة دفع زملاءه إلى تشييعه، أمس الأول، في مأتم رمزي من أمام مقر القناة، حيث ارتفع صوته عبر مكبرات وهو يتلو وصيته الأخيرة قبل أن يوارى الثرى في بلدته الخيام بحضور رسمي وشعبي.

أرشيف متنقل

يشير الزميل أبو طعام إلى الخصال الكثيرة التي ميزت الغول «هدوءه الشديد وابتسامته، «حتى هو ومعصّب» علامتان فارقتان. كان رحب الصدر ويواجه كل الأمور ببسمة. قال لي ذات مرة إن سنوات الأسر عودته ان يرى كل ما هو خارج المعتقل جميلاً. ولم يكن يستكين في عمل بل كان دائم التطور. لم أره مرة واحدة يقوم بعمل واحد، بل يحاول دوماً تعلم كل جديد». هكذا كان الغول يقدم البرامج أمام الكاميرا، ولكنه كان يضطلع بمهمة أخرى خلفها هي تنظيم أرشيف «المنار» . ويبدو أن عمل الغول في الأرشيف كان محورياً خصوصاً عند لجوء الزملاء إليه لتنفيذ تقاريرهم. هنا يؤكد أبو طعام: «بلا شك هناك مرحلة انتقالية سيمر بها فريق الأرشيف بعد غياب الغول. لقد دمر عدوان تموز أرشيف «المنار» وكُلف هو بإعادة ترميمه لأنه كان مراسلاً وقادراً على تحليل الصور وتوثيقها. كمراسلون، كنا ننتظر قدومه عند حاجتنا للقطة خاصة، لأنه يعرف بدقة ماذا نريد». ويبدو ان الشغف بالأرشيف دفع الغول إلى تكوين أرشيف خاص به لأحداث يتوقع ان تثير اهتماماً في ما بعد: «كان حدسه قوياً وغالباً ما احتفظ وسجل شرائط خاصة كنا نطلبها بعد فترة، وإذا به يعطينا إياها من أرشيفه الخاص».

بغياب الغول تخسر قناة «المنار» أحد أبرز وجوهها الذي تميز برصانة في التقديم والإلقاء والتنوع في الاختصاصات. أما أسرة الغول الصغيرة التي فقدت في غيابه الأب والزوج والإبن فتبقى معتصمة بما جاء في وصيته، ولو أنها تعلم أن الجرح يلزمه الكثيرمن الوقت كي يندمل.

المزيد من صور المرحوم حيدر الغول

كلمة عباس حسن عواضة: "حيدر.. لن نراك إلا في عيون أهلك"

كلمة د. يوسف غزاوي: "حيدر الغول والابتسامة المقاومة"

كلمة حسين زلزلة: "حيدر... عزّ علينا فراقك"

كلمة فؤاد عواضة: "حيدر... ودّعتنا باكراً"

كلمة علي ضاوي: "حيدر... أعياك المرض حتى إستسلمت"

سجلّ التعازي بالمرحوم حيدر الغول

أنقر هنا لمشاهدة مقابلة تلفزيونية أجراها حيدر الغول مع شفيق الحوت

تعليقات: