العميل المتهم علي الجرّاح
في جلسة محاكمة تحولت سرّية بعد إدلائه بمعلومات جديدة و"حساسة"..
فاجأ علي الجراح الموقوف مع شقيقه يوسف بتهمة التعامل مع إسرائيل، هيئة المحكمة العسكرية الدائمة في معرض استجوابه أمس أمامها، بمعلومات لم يسبق له أن أدلى بها في التحقيق الأولي معه في مديرية المخابرات التي أحيل اليها في 25 تشرين الأول الماضي بعدما أعلن الجراح عن توقيفه من قبل "حزب الله" في التاسع من تموز من العام 2008.
ففيما اعترف علي الجراح بتعامله مع إسرائيل منذ العام 1982، إنما بطلب من حركة "فتح" التي التحق بها في العام 1974، أكد على استمراره في هذا التعامل حتى تاريخ توقيفه، حيث عمل حينها لصالح "حزب الله"، بعدما تبلغ من حركة "فتح" أنهم لم يعودوا قادرين على حمايته، إذ طلب منه الحزب في العام 2008 تنفيذ عملية انتحارية ضد السفارة الإسرائيلية في روما، واعدين اياه بأنه سيخرج من السجن بعد توقيفه لحمايته من إسرائيل، بعد سنة ونصف ليس أكثر.
وإزاء هذه المعلومات، قرر رئيس المحكمة العميد الركن نزار خليل وعضوية المستشار المدني القاضي داني الزعني وبحضور ممثل النيابة العامة القاضي رهيف رمضان رفع الجلسة العلنية، ومتابعة استجواب الجراح في جلسة سرية.
وكان سبق للمحكمة أن ردت أمس طلب المحامي شفيق خضرا وكيل علي الجراح عقد جلسة سرية لعدم توافر شروط الطلب للمادة 249 من أصول المحاكمات الجزائية، على أن تحتفظ المحكمة بحقها في عقدها سرية خلال المحاكمة.
واثر إعلان المحكمة قرارها أثار المحامي خضرا مسألة تعرض منزل علي الجراح في البقاع الغربي لإطلاق نار منذ يومين. فسألته الرئاسة عن الجهة التي قامت بذلك، وما إذا كان لديه أي إثبات لحصول الأمر، عندها قال المحامي خضرا إنه قصد منزل الجراح شخصياً حيث أجرت القوى الأمنية والأدلة الجنائية تحقيقاً في الموضوع. وعندها طلب منه رئيس المحكمة إبراز محضر رسمي يثبت ذلك، فاستمهل خضرا لإبراز المحضر مؤكداً أن في الأمر محاولة قتل والحادثة لها علاقة بالدعوى الراهنة.
وطلب ممثل النيابة العامة من جهته رد الطلب لعدم علاقته بموضوع الدعوى.
وفي ضوء ذلك، تدخل الجراح نفسه قائلاً بنبرة حادة وبصوت مرتفع "كنت أحب أن تكون الجلسة سرية لحفاظي على واجبي وحبي للمقاومة، إنما الآن لم أعد أريد ذلك، أريدها علنية ولا مشكلة لدي، ولم يعد من مجال إلا أن تموت عائلتي التي تعرضت للقتل".
أضاف الجراح: "يوم الاثنين الماضي، استدعيت الى غرفة المواجهة في سجن رومية، وأعتقدت أن وكيلي أرسل إلي أحداً من مكتبه، فسألني إذا كنت علي الجراح، وعندما أجبته بالايجاب قال لي بالحرف الواحد: "إن أي تبديل أو تغيير بأقوالك أمام المحكمة فإن حياتك بخطر". وقد أعلمت المحامي بذلك.
وتابع الجراح يقول: "حينها صرخت وركضت وبعدها تعرضت عائلتي لإطلاق النار، وانتظروا الآن لتعرفوا الحقيقة، فلم يعد لدي أي شيء أخفيه".
ثم أضاف الجراح قائلاً: "إني الآن أعطي إشارة للمحكمة في القبض على امرأة تدعى هـ.ف. وأخي خالد لأنهما حاولا أن يضعا غرضاً في غرفة نومي مقابل 10 آلاف دولار ثم رفعا المبلغ الى ثلاثين ألفاً، هناك شهود على هذا الأمر، وإن هذا الغرض يبحث عنه القضاء اللبناني وهو الحقيقة". وسأل الجراح: من الذي دفع لشقيقي وعشيقته المبلغ وأعطاها الغرض. وأنا من حرصي على المقاومة وألا يحصل أي اقتتال طائفي أو مذهبي"...
وهنا قاطعه رئيس المحكمة، مذكراً الجراح بأنه في حال أدلى بمعلومات خاصة سيتم عقد جلسة سرية، طالباً منه عدم إلقاء أي محاضرة بالأخلاق.
وتدخل المحامي فادي الجميل قائلاً إن موكله يوسف الجراح بريء وإن المحقق أورد اسمه في التحقيق، وطلب استجوابه أو إرجاء الجلسة الى موعد قريب.
وفي ظل هذا الجو، قرر رئيس المحكمة السير بالمحاكمة العلنية فتلي القرار الاتهامي ثم سئل علي الجراح عما إذا كان يؤيد إفادته امام مديرية المخابرات فأجاب: "كلا، لقد سلمت الى الجيش بعد 3 أشهر ونصف في 25 تشرين الأول 2008 من "حزب الله" الذي أوقفني في 9 تموز من العام نفسه". وأبرز الجراح ورقة اقتطعها من مجلة "الجيش" ورد فيها خبر أنه مفقود في تلك الفترة.
وسئل: لماذا تنفي إفادتك أمام المخابرات فهل تعرضت للضرب؟ فأجاب: "كلا إنما سألت المحق لماذا تهددوني، ألم يبلغكم الحزب أني أعمل مع المقاومة، لأنهم أخبروني في الحزب أنهم لكي يحموني من إسرائيل، سأحال الى المحاكمة وأسجن سنة أو سنة ونصف، وكان هذا الاتفاق بيننا، حيث أعلموني أنهم أصحاب وعد صادق، على أنه بعد خروجي من السجن أعود للتعامل مع إسرائيل لصالح الحزب".
سئل: لماذا سلموك الى الدولة طالما أنهم طلبوا منك التعامل لصالحهم، فأجاب: "اختلفت معهم، وكان ورد على جهازي برقية إسرائيلية بأنهم مستعدون لاستقبالي واللقاء بي في ايطاليا في 18 تموز، وكان هذا الجهاز موجود معي بعلم من حزب الله".
وبسؤاله أجاب: "التحقت بحركة فتح عام 1974، وقاتلت ضد الإسرائيليين وأصبت" وقال رداً على سؤال: "لدى عودتي من حفل تأبين شخص في القرعون، أوقفتني على حاجز جب جنين المخابرات الإسرائيلية وحققت معي، واتهمتني بأني مخرب، ويا ليتني استشهدت حينها أفضل من أن أمثل الآن أمامكم وأحاكم بتهمة العمالة".
أضاف الجراح: "وتحت التعذيب والضرب طلبوا مني التعامل معهم، فوافقت ونقدوني حينها 400 ليرة لبنانية وأخذوا لي صوراً أثناء قبضي الأموال، كما التقطوا لي صوراً مع إسرائيليين لتهديدي بهم في حال هربت، لأنهم كانوا سيرسلون الصور الى حركة فتح والسوريين.
ورداً على سؤال قال الجراح: "زرت إسرائيل عام 1978 عن طريق بلجيكا، وكان هذا الأمر بعلم وخبر حركة "فتح" والمرحوم خليل الوزير الذي عرض علي أن انشئ تنظيماً وأن أكون موالياً لسوريا، فقلت له إنني لا أستطيع حمل وزر التنظيم، وبعدها صرحت أمامه بما حصل معي في جب جنين عن موضوع الإسرائيليين وطلب مني حينها متابعة التعامل معهم لحماية كوادر حركة فتح وربطني بمسؤول أمني يدعى راجي النجمي.
وايد الجراح ما ورد في إفادته السابقة لجهة لقائه بضباط إسرائيليين الذين طلبوا منه معلومات عن الهيكلية التنظيمية لحركة فتح وأضاف: "كنت حينها قد تدربت على كتاب لحل الشيفرة التي أتلقاها عبر موجة معينة ولم يكن حينها يوجد أجهزة، وعند عودتي من حيفا أخبرت النجمي ما حصل معي".
وطلب الجراح من المحكمة الحصول على مقابلة تلفزيونية أجريت مع ابو موسى في الشام، وما قاله عنه، وأردف الجراح قائلاً: "لو كنت أطمع بالمال لكنت بعت ممتلكات الانتفاضة المسجلة باسمي".
وبسؤاله أجاب: "بقيت في إحدى الزيارات الى حيفا 7 أيام وأعطاني الإسرائيليون مبلغ 7500 دولار عن تعامل سنتين، ثم في العام 1990 زرت إسرائيل آتياً من روما، وسلموني مبلغ 10 آلاف دولار كراتب عن 3 سنوات بعد أن زودتهم بمعلومات عن الانتفاضة.
وعن كيفية حصوله على جهاز متطور ضبط معه قال الجراح: "لم أكن أعلم ما هو البريد الميت إلا عند قاضي التحقيق، إنما تلقيت معلومات من الإسرائيليين عن وجود بريد ميت في محلة الزندوقة، حيث عثرت على الجهاز الذي كان مطموراً في الأرض، وكنت بواسطته أرسل المعلومات الى الإسرائيليين حتى العام 1991".
وتابع الجراح: "زرت أيضاً إسرائيل عام 1996، وفي كل مرة لم يكن يُطلب مني اي معلومات عن السوريين في لبنان".
وعن "الكومودينا" التي عثر عليها في منزله وتم ضبطها قال الجراح: "كان تحوي جهاز إرسال، أرسله لي الإسرائيليون واستلمته من مطار بيروت وهو جهاز حديث، وقد وضعته في غرفة نومي حيث كنت ارسل بواسطته المعلومات الى الإسرائيليين أثناء خلو المنزل من العائلة، وفي أوقات معينة من الليل".
وأفاد الجراح أنه في العام 1998 وأثناء وجودي في روما قابلت النجمي الذي طلب مني أن أوقف عملي مع الإسرائيليين، لأنهم لم يعودوا قادرين على حمايتي، بسبب بدء عملية السلام، ونصحني بأنه إذا وافق اليهود على إعفائي فليكن، وإذا كنت أشعر بخطر على حياتي وعائلتي علي أن احتمي بالمقاومة".
وقال الجراح إن علاقته كانت جيدة مع "حزب الله" منذ حرب "عناقيد الغضب عام 1996، حيث كان حينها رئيساً للجمعية الوطنية، وأنه من خلال هذه الجمعية، تمكن من الحصول على مساعدات من النروج، حيث استحدث مستوصفاً في بلدة عيتنيت وفي القرعون، وبقي طوال فترة الحرب في عيتنيت حيث كان يتلقى مساعدات من النروج وألمانيا، وزعها على قرى جنوبية، حيث أقام هناك علاقة مع أحد مسؤولي "حزب الله".
ورداً على سؤال قال الجراح: "في العام 2001 زرت تل أبيب بعلم من "حزب الله" وكنت أخبر الحاج عباس وهو مسؤول الأمن في البقاع عما كان يحصل معي، وأنا لا أعرف اسمه الكامل. وخلال الزيارة أجريت دورة إعادة تأهيل على جهاز اتصال.
وعن الكاميرا التي ضبطت في سيارته قال الجراح، إنه استحصل عليها من البازورية مرسلة من الإسرائيليين وأضاف: "استلمتها في شباط عام 2008 ووضعتها في سيارتي وكل ذلك بعلم وخبر "حزب الله"، وهي كانت تلتقط صوراً للشارع، ولا تصور أبنية أو خنادق أو مواقع عسكرية، وأنا لم أعرف نية الإسرائيليين في الحصول على تلك الصور، حتى ان خبراء في الحزب وأنا حاولنا جاهدين معرفة السبب وماذا يريد الإسرائيليون منها.
وبسؤاله قال: في تموز طلب الحزب مقابلتي فذهبت بسيارة نوع هوندا تعود لابني وركنتها في الموقف المقابل "لمستشفى بهمن"، وطلبوا مني أن أحضر معي الحقيبة التي تحتوي على مخبأ سري وبداخله 5 شرائط، ففعلت، ثم نقلوني الى مكان في حارة حريك، وذلك حسب الاتفاق القائم بيني وبين الحزب، ثم دربوني على جهاز لكشف الكذب، كي لا يكشفني الإسرائيليون بأني أعمل لصالح الحزب. وعند الساعة السادسة مساء وكان يجب علي أن أغادر حضر الشيح عبد الرحمن والحاج علي وقالا لي أنه لم يعد يهم الحزب هذه الشرائط، إنما أمامي مهمة ومن ورائها سأكون بطلاً، وأن المطلوب مني تنفيذ عملية انتحارية على السفارة الإسرائيلية في روما عبر حقيبة".
وهنا اعترض المحامي الجميل، على اعتبار أن ما يدلي به الجراح يشكل خطراً على الجميع.
وسألت الرئاسة الجراح، عن سبب عدم ذكر هذا الأمر أمام مخابرات الجيش ومن الذي يؤكد أنها صحيحة فأجاب: "اسألهم هم، أسألهم لماذا وضعوا الغرض في غرفتي، ولماذا أطلقوا النار على منزلي".
وعند هذا الحد، قرر رئيس المحكمة رفع الجلسة ومتابعة استجواب الجراح في جلسة سرية حفاظاً على "النظام والأمن والانتظام العام".
وعلم أن المحكمة استكملت استجواب الجراح وشقيقه يوسف في هذه الجلسة الى الثاني من تشرين الأول المقبل لسماع إفادات عدد من الشهود.
تعليقات: