شكراً قطر... لكن متى ينتهي الإعمار؟

 مبنى مهدم في بنت جبيل
مبنى مهدم في بنت جبيل


أيقظت ذكرى حرب تموز السنوية الثالثة آلام قضية إعادة إعمار ما تهدّم خلالها، وعادت محلّ أخذ ورد في أوساط أبناء القرى الجنوبية ولا سيما في ما يتعلق بالتعويضات. وبخلاف ما هو متوقع، لا يختلف الوضع كثيراً في القرى التي تبنّت دولة قطر إعادة إعمارها، ولا سيما عيتا الشعب التي يشكو أبناؤها من آلية غير عادلة في احتساب التعويضات المتعلقة بالترميم

بنت جبيل:

تكاد عيتا الشعب أشبه ما تكون بورشة مفتوحة للبناء. لكن على الرغم من أن النسبة الأكبر من منازلها التي تهدّمت أُعيد بناؤها من جديد (نحو 1200 منزل)، لا يشعر زائر هذه البلدة الأسطورية في مقاومتها للاحتلال الاسرائيلي، بأنها نهضت من الحرب المدمّرة التي شهدتها في تموز 2006. مشهد الدمار الذي لحق ببعض البيوت ما زال على حاله، وكذلك الشوارع غير المعبّدة التي تنتشر فيها الحفريات الكبيرة والصغيرة. هذا ما يدفع عدداً من أبناء البلدة إلى الشكوى من تأخر دفع التعويضات، أو عدم كفايتها لإنجاز عملية إعادة الإعمار، حيث هناك اليوم نحو 40 منزلاً لم يُعَد بناؤها، فيما بعض المنازل لم ترمّم كما يجب فتسلّلت مياه الأمطار إلى داخلها.

يشكو يوسف محمد صالح من عدم كفاية المبلغ المالي الذي حصل عليه (2400 دولار) لإصلاح منزله القديم المبني من الحجر الصخري والطين، والذي تفسّخت معظم جدرانه، وأصبحت مياه الأمطار تتسرّب الى غرفه. يقول «منزلي قديم، وبعد الحرب أصبح يحتاج إلى الهدم وإعادة البناء من جديد، لكنني قدّمت اعتراضاً على المبلغ الذي حصلت عليه وأنتظر زيادته، والقطريون لن يقصّروا عندما يتأكدون من حجم الضرر الذي لحق بمنزلي» لكنه يلفت إلى مرور عامين ونصف على انتهاء الحرب «وما زلنا نعيش بين الركام». ويبيّن صالح أن «في عيتا الشعب أكثر من 38 شخصاً يعانون من عدم كفاية التعويضات لإصلاح منازلهم المتضررة وهم ينتظرون إنصافهم».

ويؤكد يوسف حسن دقدوق، أحد أصحاب بيت قديم في البلدة أن من الصعب إعادة ترميم هذه المنازل، لافتاً إلى أنه حصل على مبلغ 5000 دولار ليرمّم منزله «لكن من دون جدوى، فالجدران يجب هدمها لأن المياه لا تزال تتسلّل الى داخلها». ويوضح دقدوق أنه لا يدين القطريين، «أغلب أبناء البلدة المتضررين حصلوا على حقهم من التعويضات، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار حال المنازل القديمة التي لا ينفعها الترميم». المشكلة نفسها يعاني منها المواطن محمود حسن سعد الذي تهدّم جزء من منزله، وحصل على مبلغ 7000 دولار لترميمه، لكنه لا يزال يسكن حتى الآن في غرفة واحدة صالحة للسكن.

يوضح عضو المجلس البلدي في عيتا علي سليم سرور أن «قطر أشرفت على عملية إعادة الإعمار وبدأت دفع التعويضات منذ شهر شباط 2007، واستطاعت إعادة بناء 80% من المنازل المهدمة. لكن المشكلة بقيت بالنسبة إلى المنازل التي لم ينفعها الترميم وهي لا تتجاوز 40 منزلاً إضافة الى بعض المنازل الحجرية التي لم تُهدم بهدف الحفاظ على تراث المدينة». وأكد أن «حزب الله وعد الأهالي بدفع ما هو لازم إذا لم تكن التعويضات القطرية كافية لبناء منازلهم». أما بالنسبة إلى الطرقات والبنى التحتية، فيوضح سرور «لقد أعاد القطريون بناء كل المدارس والمساجد المهدمة، وتولى حزب الله مسؤولية وضع شبكة المياه تحت الأرض، على أمل أن يعمل على تزفيت الطرقات في أقرب وقت ممكن».

مشكلة عيتا

في البيوت القديمة

التي لم ينفعها الترميم

الوضع مختلف في بنت جبيل، بعدما تم الاتفاق مع القطريين على حلّ المشكلات المتعلقة بالتعويضات وإعادة البناء. يقول مدير المكتب الفني المشرف على إعادة إعمار وسط بنت جبيل المهندس هيثم بزي: «حُلت جميع المشكلات المتعلقة بإعادة إعمار البلدة، وقد تجاوب القطريون لحلّ جميع المشكلات العالقة وخصوصاً المتعلقة منها بالوحدات المهدّمة الصغيرة الحجم، إضافة الى منح جميع أصحاب المنازل التراثية المتضرّرة تعويضات تعادل التعويضات المخصصة للمنازل المهدمة للحفاظ على تراث المدينة». لكنه يلفت إلى عدم حلّ المشاكل المتعلقة بالبنى التحتية وشبكات الكهرباء والهاتف مطالباً المعنيين بالتعاون «لإكمال ما أنجز من إعمار».

ويوضح بزي أنه بالنسبة للمنازل التراثية «جرى الحفاظ على 102 منزل حجري، وقد استخدم في سبيل ذلك 100 ألف حجر قديم جمعها المجلس البلدي من المنازل المهدمة لإعادة استخدامهم في عملية البناء».

اللاّفت أن جميع المحال التجارية في بنت جبيل سوف تبنى من جديد بشكل هندسي متناسق، وفق ما يقول رئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزي، شارحاً: «السوق الجديدة ستغطيها القناطر الحجرية الملبّسة بالقرميد، وسيُعاد بناء 115 محلاً تجارياً من أملاك المجلس البلدي إضافة إلى محال تجارية أخرى، مع ضرورة إنشاء حمام خاص في كل محل تجاري وبناء الأرصفة والبنى التحية اللاّزمة، وتعبيد خطيّ سير، واحد للذهاب وآخر للإياب».

يزيد عدد المنازل الحجرية القديمة المتضررة والقابلة للترميم داخل وسط بنت جبيل عن المنازل الـ102، ويعود تاريخ بناء أغلبها إلى نحو 200 سنة أو أكثر. وهي مشيّدة بطريقة هندسية لافتة تجسّد تراث بنت جبيل العريق الذي كاد يندثر بعد تهدم أكثر من 1250 منزلاً في حرب تموز، من بينها العدد الأكبر من المنازل التراثية.

ويحدّد المكتب الفني اللون الخارجي للمنازل، ونوع الحجر الذي يجب استخدامه في عملية بناء المنازل المهدمة، واللاّفت أن أغلب المنازل التي تهدمت بالكامل يعيد أصحابها بناءها بالباطون المسلّح، لكن ستُلوَّن بألوان تشبه الحجر الصخري، من بين ذلك اعتماد الطين الملوّن بلون يشبه لون الحجر القديم. يُذكر أن جميع مدارس بنت جبيل ومساجدها قد أعيد بناؤها على نفقة قطر، إضافة الى مبنى وزارة الشؤون الاجتماعية ومبنى مؤسسة مياه جبل عامل. ويعمل أحد أبناء المدينة على بناء فندق من ثلاث طبقات للسيّاح وأبناء بنت جبيل المغتربين.

تعليقات: