في الوقت الذي تمتلئ فيه أعمدة الصحف و شاشات التليفزيون بإخبار المفتشين الذين يبحثون في العراق عن أسلحة الدمار الشامل داخل البيوت و المصانع المهملة والجامعات، يغض الغرب ، وخصوصا أمريكا ، الطرف عن اكبر مستودع لأسلحة الدمار الشامل فيما بين لندن و بكين ، بأنواعها المختلفة من بيولوجية و كيماوية و نووية .ية .ية .
و عندما يواجه المسئولون الغربيون بهذه المفارقة ، يكون الجواب إن إسرائيل لم تستعمل هذه الأسلحة مثل العراق . و قال جون نجرو بونتي للحياة (16/1/2003) مبررا ذلك، إن "إسرائيل لم تستخدم هذه الأسلحة ضد شعبها أو جيرانها" ، و هذا كذب صريح ، فإسرائيل استعملت هذه الأسلحة حتى قبل أن تولد، و استعملتها عام 1948 بغرض إبادة اكبر عدد من الفلسطينيين ، و منعهم من العودة إلى ديارهم .
وثائق جديدة - تسميم عكا
هذه جريمة كشف عنها النقاب أخيرا من واقع ملفات الصليب الأحمر في جنيف التي أصبحت متاحة للباحثين الآن . بعد سقوط حيفا في 22/4/1948، تدفق آلاف المهاجرين من حيفا إلى عكا، و ازدحمت بسكانها ، و كانت لا تزال تحت الحماية البريطانية . و في الأسبوع الأول من مايو، بدأت القوات الصهيونية بمحاصرة المدينة، ثم أطلقت عليها وابلا من قنابل المورتر ، و كانت مياه الشرب تصل إلى المدينة من قناة تأتى من القرى الشمالية قرب كابري التي تبعد 10 كم عن عكا، و تعرف في بعض مواقعها بقناة الباشا . (انظر الخريطة) . و تعترض طريق القناة إلى عكا مستعمرات صهيونية ، شرقي و غربي المزرعة التي تبعد حوالي 6 كم عن عكا . و في نقطة ما عند القناة ، حقن الصهاينة المياه بجرثومة التيفود ، وسرعان ما انتشرت حمى التيفود بين الأهالي و الجنود البريطانيين.
و يقول تقرير الصليب الأحمر رقم (G59/1/GC, G3/82) انه يوم 6/5/1948 توجه مندوب الصليب الأحمر دوميرون من حيفا إلى عكا بصحبة الدكتور ماكلين طبيب الصحة لتفقد أحوال اللاجئين بعد تفشي التيفود بينهم . وجاء في التقرير "إن الوضع خطير ، و أن تفشي المرض شمل المدنيين و رجال الجيش و الشرطة". و قال البريجادير بفردج مدير الخدمات الطبية العسكرية ، إن هذه أول مرة يحدث فيها هذا الوباء في فلسطين (رغم حالات النزوح و الهلع بين السكان في أنحاء فلسطين). و قال التقرير إن هناك خوف أن ينتشر الوباء عن طريق اللاجئين المتجهين إلى لبنان . و في أول إحصاء يقول التقرير إن المصابين 70 مدني و 55 بريطاني ، و إن هذا هو الحد الأدنى للإصابات لان كثيراً من السكان يخشون الإبلاغ عنها. و في نفس اليوم عقد اجتماع موسع في مستشفى الصليب الأحمر اللبناني في عكا حضره البريجادير بفردج و الكولونيل بونيت عن الجيش البريطاني ، و الدكتور ماكلين عن الخدمات الطبية المدنية و دي ميرون عن الصليب الأحمر و المستر كينيون قائم مقام القضاء ، و السيد حكيم حاكم صلح عكا و الأطباء دهان و الأعرج من الصليب الأحمر اللبناني و مهندسي البلدية و آخرون و قرروا الآتي :
لقد انخفض عدد سكان عكا من 000ر25 إلى 000ر8 (بسبب النزوح) ، و لقد اكتشفت 70 حالة من الإصابة بالتيفود . و قرر الحاضرون إن "الوباء محمول بالمياه" و إن هناك حالات كثيرة مختفية و أخرى متفرقة بين القرى. وتم تنظيم عملية تطعيم كل الأهالي و رش المدينة بالمطهرات و تعقيم المياه و تجهيز كل المستشفيات الخالية و أخرى مؤقتة لاستقبال الإصابات ، و تحديد تنقل الأهالي . كما قرر الحاضرون عدم استعمال مياه القناة ، و استعمال الآبار الارتوازية و المياه من المحطة الزراعية شمال عكا (انظر الخريطة) بدلا من ذلك .
ووافق الجنرال ستوكويل في حيفا على طلب الصليب الأحمر بإرسال طائرة خاصة إلى القدس لإحضار عقاقير طبية . وفي تقرير مؤرخ في 12/5 ، ذكر مندوب الصليب الأحمر إن الحالة ازدادت سوءا ، و إن الكهرباء انقطعت عن المدينة ، و أن غياب رئيس البلدية الذي سافر إلى بيروت اضعف من السلطة المحلية ، و انه رغم إلحاح الصليب الأحمر فان البلدية لم تتمكن من إصلاح قناة المياه "التي هي مصدر الوباء" ، وان نتيجة الوباء هي "منع الأهالي من العودة إلى ديارهم". وفي تقرير بتاريخ 13/5 ، يذكر المندوب عدم تمكن السلطات البلدية ، خصوصا بغياب رئيس البلدية ، من وضع حد لنزوح الأهالي من المدينة، و يمدح الأطباء و الممرضين التابعين للصليب الأحمر اللبناني بعملهم الإنساني الكبير، و قد جاء ليساعدهم الدكتور دباس من يافا و السيدة بهائي من حيفا .
وفي تقرير 16/5، يشرح المندوب كيف اشتد هجوم الهاجاناه على المدينة بالمدافع وقذائف المورتر ، و طافت سيارات إسرائيلية بها مكبرات الصوت تنادي "أمامكم الاستسلام أو الانتحار، سنبيدكم إلى آخر رجل" ، مما أدى إلى سقوطها بتوقيع بعض وجهاء المدينة على وثيقة الاستسلام. و بدأت حالة من الإرهاب الصهيوني تعم المدينة ، فاعتقل كل شاب و شيخ و اعتبر أسير حرب حتى لو كان مدنيا ، و انتشرت عمليات النهب في المدينة و هامت النساء و الأطفال بدون مأوى و طعام . و حقق الصليب الأحمر في صحة واقعة اغتصاب صبية أمام أهلها على يد عدد من جنود الهاجانا. و جاء في تقرير مفصل للفتنانت بيتيت مراقب الهدنة الذي زار المدينة بعد سقوطها إن عملية نهب منظمة لمحتويات المنازل قام بها اليهود لاستعمال المهاجرين الجدد و لمنع الأهالي من العودة. و قال إن اليهود اقترفوا مذبحة سقط فيها 100 مدني ، خصوصا من سكان المدينة الجديدة الذين رفضوا النزوح الى المدينة القديمة حسب الأوامر الإسرائيلية ، و يذكر قصة محمد فايز صوفي من هؤلاء الذين رفضوا الانتقال . لقد نجا محمد بأعجوبة و مات ثلاثة من زملائه بإرغامهم على شرب سم السيانيد ثم ألقيت جثثهم في البحر .
أما البريطانيون ، الذين أتوا قبل 30 عاما لحماية الأهالي الفلسطينيين و تأهيلهم لحكم أنفسهم ، فقد غادروا البلاد في جنح الظلام ، و نقلوا كل المصابين بالتيفود إلى بورسعيد للاستشفاء . و لم يحققوا في كيفية الإصابة ومن وراءها ، مع انهم يعلمون أو يشكون في من الفاعل . وقد جاء في الرواية الإسرائيلية إن الإصابة بالتيفود كانت نتيجة الازدحام و سوء الأحوال المعيشية . و لو كان هذا صحيحا، فلماذا لم يحدث في أماكن أخرى من فلسطين ، و حدث فقط في عكا لأول مرة في فلسطين ، كما قال الضابط البريطاني ؟ و لماذا أصيب جنود الجيش البريطاني و أحوالهم المعيشية افضل ؟ و لماذا توقفت الإصابات الجديدة بعد إقفال مياه القناة؟
عملية غزة
لقد تم لإسرائيل ما تريد من بث جرثومة التيفود ، إذ أخليت المدينة و هجرها معظم أهلها ، و لم يتمكنوا من العودة إليها ، تماما كما كان الهدف الإسرائيلي من تلويث المياه. و بعد هذا النجاح ، لجأت إسرائيل بعد أسبوع واحد إلى تطبيق نفس الخطة في غزة. ففي يوم 22/5/1948 قبضت القوات المصرية على 2 يهود متلبسين بمحاولة تلويث مياه غزة. و هذا نص البرقية المرسلة من رئاسة القوات المصرية في غزة إلى رئاسة الجيش المصري في القاهرة :
"الساعة 20ر15، 24 مايو : ضبطت مباحث القوات المصرية اثنين من اليهود هما دافيد هورين و دافيد مزراحي كانا يحومان حول قوات الجيش، و بالتحقيق معهما اتضح انهما مكلفان من القائد الصهيوني موشي بتسميم مصادر المياه التي يستقي منها الجيش (والأهالي) بميكروب التيفوس و الدوسنتاريا، و قد ضبطت معهما زمزمية مقسومة من الداخل بحاجز ، و من القسم الأعلى مياه عادية صالحة للشرب و النصف الأسفل خلاصة الميكروب و به فتحة سفلى خفية . وقد اعترفا بأنهما جزء من فريق مكون من عشرين شخصا ، أرسلوا من رحوبوت ، بمثل هذه المأمورية. وقد أعطى كل منهما اعترافا خطيا بيده باللغة العبرية و بإمضائه . وقد قمنا من جانبنا بالإجراءات الصحية اللازمة."
و جاء في مذكرات الحرب لدافيد بن جوريون النص الآتي في 27/5/1948:
"التقطنا برقية من غزة جاء فيها انهم اعتقلوا يهوديين يحملان جراثيم الملاريا و اصدروا تعليمات بعدم شرب الماء". وهذا الوصف الموجز لا يفي بالغرض ، وهذه صفة كتابات بن جوريون الذي يعي المسئولية التاريخية فيما يكتب . لكن تفاصيل البرقية وخلفيتها جاءت بشكل أوسع في كتاب يروحام كوهين "في وضح النهار وظلام الليل" ، تل أبيب ، 1969 بالعبري ص 66-68.
و بعد التحقيق مع المجرمَيْن ، اعدما بعد ثلاثة شهور من القبض عليهما . و في 22/7/1948 ، قدمت الهيئة العربية العليا إلى هيئة الأمم المتحدة تقريرا مطولا من13 صفحة ، يتهم اليهود بالتخطيط و التنفيذ وإقامة المختبرات لحرب الإبادة ضد العرب باستعمال الجراثيم والبكتريا "وهو سلاح غير إنساني" . كما يتهم التقرير إسرائيل بنشر الكوليرا في مصر في خريف 1947 و في سوريا في فبراير 1948 . وقد نشر هذا التقرير الصحافي الأمريكي توماس هاملتون ، الذي حاز جوائز عدة لتحقيقاته الصحفية ، في نيويورك تايمز في 24/7/1948.
ما هي قصة نشر الكوليرا في مصر و سوريا ؟
كتب البروفيسور سيث كاروس بحثا مطولا في اكثر من 220 صفحة عن "الإرهاب البيولوجي و استعمالاته منذ عام 1900" ، و نشره مركز الحد من انتشار الأسلحة في جامعة الدفاع الوطنية بواشنطن عام 2001. و جاء فيه تحت عنوان "الإرهابيون الصهاينة" ذكر واقعة تسميم مياه عكا و غزة. و ذكر أيضاً أن راشيل كاتزمان أخت دافيد هورين ، الذي اعتقل في غزة سألت الضابط المسئول عن أخيها ، لماذا سممتم المياه ؟ قال لها "هذه هي الأسلحة المتوفرة لدينا" .
كما ذكر كاروس أن الصحافة العالمية اهتمت بانتشار وباء الكوليرا في مصر ، و نشرت التايمز اللندنية أول خبر عن ذلك في 26/9/1947 ص 4 . وما إن جاء شهر يناير 1948 ، حتى بلغت الوفيات 262ر10 شخص من الوباء. و انتشر الوباء أيضا و لكن على نطاق اصغر في سوريا في 21/12/1947. وقد ضربت السلطات السورية حصارا صحيا على القرى المتضررة و منعت الدخول إليها إلا للطواقم الصحية و المياه و الأغذية المعتمدة و لذلك توفى 18 شخصا فقط من اصل 44 إصابة .
ذكر البروفيسور كاروس أيضا أن هذه المعلومات عن مصر و سوريا قدمتها الهيئة العليا في تقريرها السابق ذكره . و ذكرت جريدة الاورينت الصادرة في بيروت أن شرطة دمشق قد قبضت على عدد من الصهاينة الذين نشروا الوباء في سوريا لإحباط خطة الإعداد لجيش الإنقاذ ليدخل فلسطين . كما نفت الحكومة البريطانية اتهام الإخوان المسلمين لهم بان الإنجليز سلموا لمصر أمصال تطعيم غير صالحة لتسميم المصريين.
خطة بن جوريون لاستعمال الاسلحة البيولوجية
لم يتردد بن جوريون لحظة في استعمال الجراثيم و الميكروبات ضد العرب حتى قبل إنشاء الدولة . وقصة ذلك يرويها بكل وضوح الدكتور افنر كوهين ، باحث أول في مركز الدراسات الدولية و الأمن في جامعة ماريلاند ، وهو أيضا مؤلف كتاب "إسرائيل و القنبلة". وقد نشر بحثه هذا في مجلة استعراض الحد من الأسلحة The Non Proliferation Review ، عدد الخريف 2001. و نظرا لخلفيته ، فانه يبرر الكثير من أعمال إسرائيل و لكنه يورد كثيرا من التفاصيل الهامة ، و معظمها مستقي من مصادر علمية منشورة و لكنه اخذ إفادات بعض الضباط الذين استعملوا الأسلحة الجرثومية أو عملوا على تطويرها .
بدأ بن جوريون قبل إعلان الدولة بجمع العلماء اليهود الألمان ، و بعضهم عمل مع النازيين ، من اجل إنشاء وحدة في إسرائيل للحرب الجرثومية . و كان هدفه واضحا ، إذ كتب لأحد عملاء الوكالة اليهودية في أوروبا يأمره بالبحث عن علماء يهود لكي "يزيدوا قدرتنا على القتل الجماعي" . كان مستعدا دائما لإبادة العرب للخلاص منهم و الاستيلاء على أرضهم ، فان لم يكن ذلك بالمذابح و الطرد ، فليكن بالإبادة الجماعية .
أحد هؤلاء العلماء اليهود هو افراهام ماركوس كلينبيرج الذي كان متخصصا في الأوبئة في الجيش الروسي ، و الثاني هو الألماني ايرنست دافيد بيرجمان، و الثالث و الرابع هما الأخوان اهارون و افرايم كاتاشالاسكي.
و حصل خلاف شديد بين حاييم وايزمان أول رئيس للدولة و بن جوريون . إذ أن وايزمان كان يرغب بشدة في إنشاء مؤسسة علمية مجردة ، تم إنشاؤها بعد ذلك في رحوبوت باسم معهد وايزمان . بينما كان بن جوريون يخطط لإنشاء وحدة علمية لاستعمال الجراثيم في الحرب تحت لواء الهاجانا- أو الجيش الإسرائيلي .
و بينما اتجه معهد وايزمان إلى البحوث العلمية الصرفة و التطبيقية ، انشأ بن جوريون منظمة "همد" العلمية داخل الهاجانا. و من هذه انبثقت منظمة "همد بيت" ، التي ترأسها أولا الدكتور الكساندر كينان، المتخصص في الميكروبات ، و اختارت لها مقرا في أبو كبير بيافا ، و غرضها الحرب الجرثومية ، و أحيطت بالسرية التامة.
و عندما احتل الصهاينة ارض فلسطين عام 1948 و هجّروا أهل 530 مدينة و قرية ، أصبحت لديهم أبنية كثيرة خالية ، لذلك اختار رئيس الأركان يجال يادين مكانا منعزلا فيه مبنى فخم و بعيد نسبيا عن العمران، أصبح المقر الدائم للحرب الجرثومية ، و تغير اسم المنظمة من "همد بيت" إلى مركز إسرائيل للبحوث البيولوجية (IIBR) ولا يزال هناك إلى اليوم . يقول افنر كوهين إن مقر المركز محاط بالسرية ولا يظهر على الخرائط أو الصور الجوية . و هذا غير صحيح.
موقع المركز
في الثلاثينات من القرن الماضي ، كانت الطريق من الرملة إلى النبي روبن ، حيث يقام الموسم المشهور كل عام ، تمر بمنطقة وادي حنين ، وهي أرض رملية قريبة من البحر . أما من جهة البر ، فكانت أرضا سبخة (بصة) . و لقد اشترت عائلة التاجي الفاروقي معظم هذه الأراضي ، وزرعت فيها بيارات برتقال ، و أصبحت قبيل عام 1948 تصدر مئات الآلاف من صناديق البرتقال إلى أوروبا . و على الطريق الممتد شمالا و جنوبا بين يافا و القبيبة ، بنى شكري التاجي الفاروقي لنفسه قصرا جميلا مستطيلا و طويلا من دورين على تلة صغيرة ، على ارض مساحتها 134 دونما و 29 متراً مربعا و نمرة القطعة 549/32 و رقم سند الملكية 260/42 Eمؤرخ في 16/3/1932. و بنى كذلك مسجدا على طريق الإسفلت من يافا إلى غزة تحول الى كنيس يهودي باسم غولات يسرائيل . و على تلة أخرى على بعد كيلومتر واحد إلى الغرب بنى ابن عمه عبد الرحمن حامد التاجي قصرا آخر على عدة مباني تحول إلى مستشفى للأمراض العقلية . و تحيط بيارات البرتقال بكل من القصرين في كل الاتجاهات.
لقد اختار يجال يادين قصر شكري التاجي الفاروقي مقرا لمركز البحوث البيولوجية ، ولا يزال فيه إلى اليوم (انظر الصورة) . و يحيط بالمبنى حائط خرساني ارتفاعه مترين، و عليه أجهزة التقاط الحركة و المراقبة . وقد توسع المقر أخيرا بإضافة 50 دونما إلى مساحته و موقعه ليس سرا. فاحداثياته هي:
حسب شبكة فلسطين/إسرائيل : 263ر128 شرقا و 022ر147 شمالا
أو حسب شبكة إسرائيل الحديثة: 263ر178 شرقا و 022ر647 شمالا.
أو حسب الإحداثيات الجغرافية : 34 درجة و 46 دقيقة و 27 ثانية شرقا و 31 درجة و 55 دقيقة و 7 ثوان شمالا .
و يقع المركز في وادي حنين (الاسم العبري : عيانون) على مسافة 500 متر ، على يمين المتجه جنوبا، من تقاطع الطريق 42 المتجه إلى يبنه و الطريق 4303 المتجه غربا خارجاً من نس تسيونا ، عند نقطة نهاية الخط المزدوج 42. و إلى الغرب مباشرة من المركز على ساحل البحر يقع مركز إطلاق الصواريخ في قاعدة بالماحيم. انظر موقع المكان في صورة جوية أخذت عام 1945 للقصر و المنطقة . الخط المضلع حول القصر يبين حدود المباني الحالية لمركز البحوث البيولوجية.
الحرب الجرثومية
وقد قامت الصحفية سارة ليبوفيتس – دار (وهي الآن تعمل في جريدة هارتس) باستجواب العالم افرايم كاتاشالاسكي (تغير اسمه إلى كاتسير) والعالم الكساندر كينان والضابط الكولونيل شلومو جور المسئول عن وحدة الجراثيم ، ونشرت المقابلة في جريدة حداشوت في 13/8/1993 صفحة 6-10 بعنوان "الميكروبات في خدمة الدولة".
وفي المقابلة تهرب هؤلاء من الإجابات الصريحة ، ولكنهم اعترفوا بأنهم وضعوا خططا لدراسة احتمالات الحرب الجرثومية. كما قابلت الضابط الذي اقترف جريمة تسميم عكا ، فقال لها " لماذا تبحثون عن المشاكل التي حدثت قبل 45 عاما؟ ماذا تكسبون بنشر هذا؟ أنا لا اعلم بشيء". ثم قابلت الضابط الذي دبر خطة تسميم غزة ، فقال لها بغضب "لن تحصلي على إجابات مني أو من غيري". أما الكولونيل شلومو جور فقال: "لقد سمعنا عن وباء التيفود في عكا وعملية غزة . كانت هناك إشاعات كثيرة ولا ندري إن كانت صحيحة أم لا". وكتبت الصحفية تعليقا على المقابلات : "كل ما عُمل في تلك الأيام بدافع الإيمان والتفاني اصبحوا يتسترون عليه اليوم كالعار . أما الأحياء منهم ، فمعظمهم فضل الصمت ، وبعضهم ألغى المقابلة في آخر لحظة ، وبعضهم اقفل الخط عندما عرفوا بموضوع السؤال ، و أحدهم قال : "ليس كل ما عملناه في الماضي يستوجب المناقشة".
ويعمل الآن في المركز 300 موظف ، منهم 120 من حاملي الدكتوراه في قطاعات مختلفة من علوم البيولوجي والكيمياء والرياضيات والبيئة والفيزياء ، ويعاونهم حوالي 100 فني مؤهل تأهيلا عاليا .
وقد احتج سكان مدينة نس تسيونا القريبة بان المركز يشكل خطرا كبيرا على السكان في حال حدوث حادث ، خصوصا وانه سبق وقوع حادث خطير ، وكادت السلطات تأمر بإخلاء السكان ، ورغم أن الموضوع يعالج بتكتم شديد ، إلا أن مصادر في اللجنة العلمية بالكنيست أفادت بأنه خلال 15 عاما ، قتل 3 وجرح 22 من العاملين في المركز .
ولا شك أن سكان نس تسيونا والمناطق العمرانية المكتظة شمالها حتى تل أبيب ، سيتعرضون لخطر شديد يستوجب الإخلاء الكلي إذا ما تعرض المركز لحادث خطير ، وانطلقت الجراثيم والميكروبات المخزونة فيه إلى الفضاء ، خصوصا إذا هبت الرياح الجنوبية الشرقية نحو الشمال .
ورغم الإنكار والمراوغة ، فان تواتر الأنباء عن تطوير الأمراض والسموم في المركز ، يكشف حقيقة العمل الإجرامي الذي يتم فيه . وبين التكتم والإعلان ، تحرص إسرائيل على تسريب المعلومات المخيفة لردع العرب عن محاولة استعمال سلاح مماثل. وقبل العدوان الثلاثي على مصر بقليل طلب بن جوريون من العلماء أن " يضعوا خطا ثانيا" للدفاع باستعمال سلاح "غير تقليدي ولكنه رخيص" ، وطالبهم بالإسراع في تحضير هذا السلاح "كأنما كان يعد العدة لعمل ما" ، ويحتاج إلى بديل آخر لو فشل السلاح التقليدي. وقد اتضح فيما بعد أن هذا العمل المرتقب هو العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 .
وقد اعترف المؤرخ العسكري الدكتور اوري ميلشتاين بأنه "في كثير من القرى العربية التي جرى احتلالها سممت مصادر المياه فيها لمنع الأهالي من العودة إلى ديارهم" .
أما نعيم جلعادي فهو يهودي عراقي جنده الموساد واستقر في إسرائيل وخدمها بإخلاص إلا انه بعد فترة اكتشف العنصرية التي يمارسها الاشكناز على اليهود الشرقيين أمثاله ، فهاجر إلى أمريكا ، وهناك صرح للصحفيين بتجاربه هناك (انظر مجلة لينك عدد إبريل – مايو 1998) . قال إن موشي ديان اصدر أوامره بطرد العرب من قراهم وتدمير منازلهم وتسميم الآبار بالتيفوس والدوسنتاريا ، وقال أن الهاجانا وضعت البكتيريا في المياه التي تغذي عكا من نبع قرب قرية كابري ويمر مجرى المياه قرب أحد الكيبوتزات. ويذكر أيضا حادث تسميم مياه غزة ، وان أحد الضباط قال: "ليس لدينا عواطف في الحرب".
التحقيق الهولندي
في أكتوبر 1992 سقطت طائرة شحن تابعة لشركة العال على ضاحية في امستردام وسببت وفاة 47 شخص ومئات من الإصابات بالأمراض الغامضة مثل مشاكل في التنفس ، وبثور على الجلد ، والاضطرابات العصبية والسرطان . واتضح أن الطائرة البوينج تحمل 50 جالون من مادة DMMP التي يصنع منها غاز الأعصاب سارين ، وهذه الحمولة كانت مرسلة من شركة سولكاترونيك في موريسيفيل - بنسلفانيا إلى مركز البحوث البيولوجية في إسرائيل .
وتكتمت حكومة هولندا على الأمر بالاتفاق مع إسرائيل ، مضحية بذلك بسلامة مواطنيها. لكن المحرر العلمي في صحيفة NRC-HANDELSBLAD اليومية التي تخطي باحترام الرأي الليبرالي، واسمه كاريل كنيبKarel Knip ، قرر التحقيق في هذا الأمر ، ونشر في 27 نوفمبر 1999 اكبر واهم تقرير عن حرب إسرائيل الجرثومية مستعيناً في بحثه بالإنترنت وبأساتذة مختصين في الأسلحة الكيماوية والجرثومية من جامعات استوكهولم وسسكس و برادفورد.
بدأ كنيب باستعراض جميع أوراق البحث المنشورة في العالم الصادرة من مركز البحوث البيولوجية منذ عام 1950 ، ومن كلية الطب بجامعة تل أبيب ومثلها في الجامعة العبرية ، لأنه اكتشف أن معظم الباحثين يعملون بالتبادل في المركز والجامعة . رصد كنيب أسماء 140 عالما ، ولكنه وجد انه من الصعب تتبعهم لأنهم يتنقلون داخل إسرائيل وخارجها ، وخصوصا في مراكز بحوث الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في الولايات المتحدة مثل معهد والتر ريد العسكري وجامعة القوات المسلحة وجامعة اوتاه ومركز البحوث البيولوجية و الكيماوية في ادج وود . ووجد أن التعاون العلمي وثيق أيضا مع هولندا وألمانيا وبريطانيا وكندا . ومن هذا كله استخلص قائمة بالموضوعات التي يطورها المركز الإسرائيلي مثل الأمراض والمواد السامة والمواد التي تفقد القدرة والإرادة مثل الشلل والتشنج والهلوسة وعدم القدرة على التفكير ، وذلك في كل فترة من العقود الخمسة منذ 1948.
في الخمسينات كان اهتمام إسرائيل محصورا في تطوير أمراض التيفود والطاعون وبوجه عام الفيروسات والبكتيريا التي يمكن نشرها عن طريق الجرذان والحشرات ، وتطور الأمر إلى أمراض الحيوانات وخصوصا الدواجن (التي تؤكل) وشمل البحث أيضا مرض الجدري و أمراض الطفيليات ، وهذه كلها كائنات دقيقة ولكنها قوية تصلح لان تكون سلاحا .
وتوسع العمل فيما بعد الستينات إلى المواد السامة ، حيث أن درجة سمها أعلى بكثير من الفيروسات ، ويصنع منها غازات الأعصاب مثل الطابون والسومان والسارين وفي اكس (VX) واكثر من 15 مادة سامة أخرى، وذلك كله بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي أي أيه) للاستعمال في الاغتيالات .
وفي عام 1997 حاولت إسرائيل اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي في حماس في عمان ، غالبا باستعمال السم المعروف ب SEB0، وقد غضب الملك حسين غضبا شديدا لاعتداء إسرائيل على سيادة الأردن والاتفاقيات المعقودة في مثل هذه الأحوال ، وقد اضطرت إسرائيل إلى تسليم الأردن الترياق الذي يلغي تأثير هذا السم.
على أن احدث التطورات في البحوث الإسرائيلية هي في ميدان المواد التي تسبب الشلل والتشنج والهلوسة والمغص وعدم القدرة على التحكم في الحركة والتفكير . وقد فحص المركز الإسرائيلي ، في برنامج التعاون مع الولايات المتحدة ، مئات من هذه المواد ، ولكن بقى استعمالها محدودا لان لا يمكن الوثوق بتأثيرها . وهناك تقارير بأنها استعملت ضد الجيش الصربي ، إلا أنها بدون شك استعملت في خان يونس ضد المتظاهرين في انتفاضة الأقصى . ولا يزال الكثيرون يتذكرون صورة المصابين في المستشفيات على شاشات التلفزيون ، وهم يتلوون من الألم ويتشنجون ويتحركون لا إراديا ، وقد طلبت السلطة الفلسطينية آنذاك استقدام بعثة دولية لتقصي ماهية المادة المسببة ، ولكن طوي الأمر. وللتعمية على هذه البحوث ، تشجع إسرائيل علمائها على نشر أبحاث علمية بريئة لكي تحافظ على مكانة المركز العلمية ، و إمكان التعاون مع مراكز مشابهة والدعوة إلى المؤتمرات ، لذلك يطلب من كل عالم نشر من بحث واحد إلى ثلاثة كل سنة في موضوعات بريئة . كذلك يتولى كل واحد من هؤلاء العلماء منصبا في جامعة أخرى تقوم بأبحاث مساندة خصوصا كليات الطب قسم الميكروبيولوجي في كل من الجامعة العبرية وجامعة تل أبيب ، وقد أصدرت الجامعة العبرية أبحاثا كثيرة عن غاز الخردل ، و أصدرت جامعة تل أبيب أبحاثا كثيرة عن الجمرة الخبيثة (انتراكس) .
ويدعو كنيب في بحثه الشامل جميع الدول إلى تعقب أعمال المركز الإسرائيلي ، الذي يرأسه الدكتور افيجدور شافرمان ، وجميع علماء المركز ، نظرا لخطورة الأعمال التي يقومون بها . ويقوم بهذا التعقب عادة لأعمال مراكز البحوث البيولوجية في العالم ، مركز المخابرات الطبية التابع للقوات المسلحة الأمريكية والأساتذة كيث ياماماتو في جامعة كاليفورنيا ، وجوناثان كنج في معهد ماساتسوتش الفني في بوسطن ، ولكن هذا النوع من الرقابة لا يطبق على إسرائيل ، خصوصا إذا كانت الرقابة أمريكية . كما أن إسرائيل لم توقع أو تصادق على ميثاق الأسلحة البيولوجية لعام 1972 .
الخلاصة
إن تاريخ إسرائيل ملئ بالجرائم ، و أخبثها استعمال أسلحة الإبادة الجماعية ، وهو ما قامت به إسرائيل قبل إنشائها حتى اليوم . وإذا استعرضنا تاريخ الخمسين سنة الماضية فيما يخص هذه الأسلحة ، نجد انه ، باستثناء الحالات الهامة التي سبق شرحها ، استعملت إسرائيل كثيرا من هذه الأسلحة ، ولكن بصورة لا تثير ضجة كبيرة محليا أو عالميا ، وأمثلة ذلك استعمالها في المظاهرات أو ضد الطلاب أو عند الهجوم على حي سكاني أو مدرسة أو بتلويث مصادر المياه في الضفة خلال الانتفاضة أو عند استعمالها المبيدات ضد المزروعات التي تخص أهالي عين البيضا (1968) ، و عقربا (1972) و مجدل بني فاضل (1978) و لبنان (1982) و النقب (2002) أو في تجارب المواد الفتاكة ضد المعتقلين العرب داخل المركز الإسرائيلي ، كما صرح عميل الموساد المنشق فكتور اوستروفسكي.
لكن إسرائيل تملك اليوم اكبر مخزون من الأسلحة البيولوجية والكيماوية في أوروبا وآسيا ، مما يمثل خطرا داهما على المنطقة ، وإذا أضفنا إلى ذلك أسلحتها النووية ، فان العجب كل العجب أن يترك كل ذلك ويطارد كل عالم عربي حتى في بيته. وستبقى إسرائيل خارج طائلة القانون الدولي ، إلى أن تحمي الحكومات العربية شعوبها بإجراءات مضادة ، ولا تكتفي بالركون إلى العجز ، الذي هو هدف إسرائيل من تسريب الأخبار عن قدراتها ، ويجب أن تطور الحكومات العربية سياساتها بحيث يتضح لإسرائيل أنها لو استعملت هذه الأسلحة ستكون هي أول ضحاياها وأسهلها .وأضعف الإيمان أن تسعى الحكومات العربية سعياً حثيثاً مخلصاً في كل المنابر الدولية لجعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل دون استثناء إسرائيل.
خط قناة المياه التي تغذي عكا من الكابري و التي سممتها إسرائيل بالتيفود
قصر شكري التاجي الفاروقي في وادي حنين الذي اصبح مركز البحوث البيولوجية الإسرائيلي
موقع مركز البحوث البيولوجية (رقم 1) في قصر شكري التاجي الفاروقي
، و يقع غربه النبي روبين (رقم 2) و شرقه مدينة نس تسيونا (رقم 3)
تعليقات: