جنبلاط ردّ على اصالة ارسلان بأحسن منها..
في أيار من العام 2008 وبينما كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط محاصراً في كليمنصو وبينما كان الجبل يتلقى القذائف من الضاحية الجنوبية, جسّد الامير طلال ارسلان الاصالة ولم يغدر بخصمه التقليدي زعيم المختارة في لحظة ضعف نتيجة انعدام موازين القوى العسكرية والديموغرافية, متعالياً بذلك على مصلحته الشخصية وواضعاً مصلحة الجبل وكرامة الدروز في المرتبة الاولى وفوق أي اعتبار آخر.
أمسك الامير طلال بسماعة الهاتف وطلب النائب جنبلاط ليؤكد له أن "أي مــسّ بكرامتك هو مــسّ بكرامتنا" وسعى لدى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لطمأنته أن الجبل لا يمكن إلا أن يحمي ظهر المقاومة ورتّــب أكثر من لقاﺀ بين قــيــادة الــحــزب الاشــتــراكــي وقــيــادة حزب الله في منزله في خلده. فهذه هي اصلاً عادات وتقاليد الموحدين الــدروز الذين بحكمتهم وتوحدهم عند المخاطر الخارجية يتغلّبون على الازمات ويحفظون وجودهم.
ولم يتأخر رد النائب جنبلاط على خطوة ارســلان, فردّ التحية بأحسن منها وفي أكثر من مناسبة تقديراً منه للخصوصية الدرزية ولرغبة كبار مشايخ الطائفة. المرة الاولى عندما زاره في دارتــه في خلده قبل سفره الى الدوحة للوقوف على رأيه من أي اتفاق بين أقطاب طاولة الحوار, والمرة الثانية عندما سعى ليكون ارسلان وزيــراً في أول حكومة وحدة وطنية بموجب اتفاق الدوحة متنازلاً عن حقه بتمثيل احادي للطائفة الدرزية طالما أنه باستثناﺀ النائب أنور الخليل يضم في كتلته سائر النواب الدروز.
وتابع جنبلاط خطواته الايجابية تجاه ارســلان فترك مقعداً شاغراً على لائحته في دائرة عاليه لمصلحة ارسلان رغم أن قوى 8 و14 آذار كانت تخوض في 7 حزيران الفائت معركة شرسة لنيل الاغلبية في برلمان 2009.
ولكن قبل موقف جنبلاط وخلاله وبعده لم يبدّل الامير طلال خطابه السياسي وموقعه من المعارضة الى الموالاة بل أصــرّ على موقعه داخل المعارضة وعلى تحالفه مع رئيس "تكتل التغيير والاصــلاح" العماد ميشال عون وحزب الله ورئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية, وأعـــاد الــحــرارة الــى علاقته برئيس مجلس الــنــواب نبيه بــري وسحب مرشحه وليد بركات من المنافسة الانتخابية في الجنوب تدعيماً لوحدة المعارضة وكذلك لم يسعَ الى ترشيح عضو المجلس السياسي في الحزب الديمقراطي الشيخ مروان خير الدين في حاصبيا.
وجاﺀت نتائج الانتخابات لتظهر فوز ارسلان والى جانبه النائب فادي الاعـــور فــي بعبدا, وتشكلت كتلة رباعية تضم الــى ارســـلان والاعـــور النائبين ناجي غاريوس وبلال فرحات ولــكــن كــلا منهما بمثابة وديــعــة الاول للعماد عــون والــثــانــي لحزب الله. ولدى تسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الــتــزم ارســلان موقف المعارضة ولــم يسمِ سعد الحريري, ولدى البحث في التأليف لــم يــكــن يــتــصــوّر أحـــد أن ارســـلان سيدفع ثمن تهافت المعارضة على الحصص ورفــض كل طرف توسيع دائرة الشراكة الحقيقية التي كانوا هم أنفسهم يطالبون 14 آذار بها, وينتقدون استئثارها بالسلطة وبــالــحــكــومــة. والاغـــــرب أن النائب جنبلاط الــذي اقترح توزير ارســلان جاﺀه الجواب سلبياً وبمثابة "طعنة" لارسلان ولتمثيله في قلب المعارضة, خصوصاً بعدما ارتاح بعض اطراف المعارضة على وضعهم ولم يعودوا مهتمين بأي مقايضة.
واذا بقي استبعاد الامير طلال من حصة المعارضة على حاله, يكون ارسلان يتعرّض مرة ثانية لقلة الوفاﺀ بعد الموقف الذي تُرجم في انتخابات 2005 في عاليه وبعبدا عندما لم ينل ارســلان اصــوات حــزب الله في زمن التحالف الرباعي, قبل أن يعود ويوافق بعد فترة وفي قمة عزلة حزب الله على تحديد موعد لمسؤولين في الحزب زاروه في خلده لاعادة وصل ما انقطع بين خلده والضاحية.
وما يسري على حزب الله يسري كذلك على الجنرال عون الذي يُعتبر ارسلان أحد أعضاﺀ تكتله ويُحسب مع نواب زغرتا الثلاثة من ضمن النواب الـ 27 الذين يفاخر بهم العماد عون ويطلب حصة وزاريـــة على اســاس هذا العدد. فمن المستغرب ألا تتم مقايضة مقعد مسيحي في الحكومة بمقعد درزي للوزير ارســـلان وهو اساسي في "تكتل التغيير والاصلاح" إذا لم يطرأ جديد.
هذه هي أجــواﺀ العتب والمرارة التي يشعر بها أنصار الوزير ارسلان الــذي لن يقدم له المقعد الــوزاري حيثية سياسية اضافية بقدر ما سيعكس واقع تمثيله الفعلي في الجبل الــذي لا ينكره حتى النائب جنبلاط نفسه. ومن شأن عدم معالجة هذه القضية أن يعيد خلط الاوراق داخل المعارضة, وأن يثير الاشمئزاز من سلوك بعض الاطــراف الذين لا يكترثون إلا بمقعد نيابي أو وزاري بالزائد وليس بالناقص.
تعليقات: