شفيق الحوت البوصلة
جبه النكبة بعناد صموده. طوال نضاله المستنير كان مقتنعا بأن فلسطين لن تترك، او بالاحرى يستحيل ان يتركها العرب. التزامه وحدة الامة العربية ميّز ادمانه التفاؤل. كان هذا الالتزام بدوره منبثقا من ادراكه ان عدالة قضية شعبه سوف تعجل في استنفار ديمومة التوجه نحو وحدة الامة، لانه كان مصراً على ان المشروع الصهيوني لا يقاومه الا تنسيق ملزم وجاد بين الاقطار العربية.
عندما قامت الجمهورية العربية المتحدة ادرك ان المستحيل صار ممكنا وان وعد التحرير لم يعد بعيد المنال. ثم جاء الانفصال، فسلم به من غير ان يستسلم لاستمراره. وكما فعل حيال نكبة 1948 جبهه بعناده وصموده وبمرارة لم تفارقه مذذاك. واستمر رسوخ قوميته العربية يوفر له عناصر الصلابة التي الهمت كل من ساهم في معاركه الفكرية والسياسية، لان اخلاقيته ومبدئية التزامه جعلتا الصلابة في الموقف نقيضا للتحجر.
كل خطاب القاه، كل مقال او كتاب نشره كان اضاءة لخريطة طريق حددت مسارها بوضوح رداً على "خرائط الطرق" التي ساهمت في تزوير وتشويه ما رسمه لشعبه مع رفاق له امثال فايز صايغ وادوارد سعيد وهشام شرابي – رحمهم الله – لفلسطينهم الحبيبة. هؤلاء مثل شفيق الحوت في نضالهم لم تستهوهم "الواقعية" التي تلغي وجدانية وحرمة فلسطين القضية ولم يسقطوا في مصيدة اوسلو التي تحولت بالوعة لثوابت مقتضيات المقاومة وشروطها. هكذا هؤلاء الاعلام ساهموا في اثراء الوحدة الوطنية في فلسطين مما يجعل استرجاع ارث شفيق الحوت في يوم رحيله دافعا لاسترجاع لحمة الشعب الفلسطيني بعد الانشطار المعيب والمذل الذي نختبره كلنا ونعيش مآسيه وتداعياته. فشهادة شفيق الحوت اليوم هي الادانة الواضحة لشطط الانشطار ولمن لم يكتفوا بالتسبب به بل كانوا وراء استمراره.
شفيق الحوت الذي مثل فلسطين في لبنان حيث عاش ورفيقة عمره وجهاده بيان، ساهم في جعل بيروت قدس شعبه في انتظار عودتها محررة عاصمة لفلسطين... كما وفر دفء الاحتضان للاجئين الذين اقنعهم بمرحلية لجوئهم مؤكدا حقهم في العودة غير القابل للتصرف.
مع شفيق الحوت، لنا نحن المتفائلين بمستقبل واعد للأمة تجارب تتسم بمرارة ممزوجة بالامل... نعمل على أساس ما ساهم في اقناعنا جميعا به من ان كل سقطة تعامل كأنها موقتة. كان في كل مرة نفرمل تأكيد الثوابت القومية وخصوصا في صياغة قرارات الامم المتحدة بغية تجنب ممارسة اميركا حق الفيتو، يقول: فليكن! وعندما شاركنا، شفيق ومحمود درويش وكاتب هذه السطور، في اعداد خطاب أبو عمار في الامم المتحدة عام 1974، كانت روعة مساهمة الشاعر المبدع ممزوجة بالفكر القومي العميق لشفيق الحوت ضامنا لخطاب تاريخي.
ولعل الوسام الاهم الذي ناله شفيق الحوت هو منعه من دخول مصر للمشاركة في ندوة تراجع سيرة أحمد الشقيري في مناسبة مرور 25 سنة على وفاته. كان وساما استحقه كونه لم يعترف بأن مصر العروبة طبّعت مع اسرائيل، مصر العروبة التي أحبها حتى يومنا هذا.
شفيق الحوت اختزل معاناة شعبه طوال حياته، وكان فكره الملتزم والمستنير بوصلة يتلخص ما تنطوي عليه من توجيه للابحار وسط الاحباط والمآسي بـ"لا تستقيلوا". وعلى شعب فلسطين خصوصا والعرب عموما أن يجيبوا القائد شفيق الحوت: لن نستقيل!
مقابلة تلفزيونية أعدّها وأجراها حيدر الغول مع شفيق الحوت
تعليقات: