أصبح تهويد "إسرائيل" للقدس حقيقة يعرفها القاصي والداني والعمليات في هذا الاتجاه من قبل الحكومة والمنظمات قائمة على قدم وساق، إلى جانب ذلك هناك تحضيرات تقوم بها منظمات يهودية متطرفة لبناء مايسمى الهيكل الثالث على أنقاض مسجد الصخرة، وازداد عد هذه المنظمات وتوسع نشاطها الذي يصب في هذا الغرض، وأخذت في الفترة الأخيرة لا تتردد في الإعلان عن نيتها والعمل على تحقيق هدفها، ومن هذه المنظمات واحدة تسمى «حركة التحضير للهيكل» يرأسها حاخام حسيدي اسمه يوسف إلباوم، وهو ينتمي إلى مجموعة من الحسيديم اسمها مجموعة «غر»، وبنت هذه المجموعة بعض المستوطنات، أهمها «عمانوئيل» في الضفة الغربية، ويحاول هذا الحاخام أن يؤكد على تصميمه لتحقيق هدفه بالأفعال والأقوال، فهو منذ فترة يأخذ مجموعة من أعضاء حركته وبعض الحاخامين - كل شهر - للصلاة عند المسجد، وهو يعلن ذلك ولا يخفيه، ويبرر عمله بقوله إن الحضور اليهودي على جبل الهيكل هو الذي يقنع العالم بأن اليهود جادون في هذه القضية، ومع أن فتاوى الحاخامين الكبار لا تجيز الدخول إلى المسجد خوفاً من يداس قدس الأقداس الذي يزعمون بأنه في هذ المنطقة «وقدس الأقداس في شريعتهم يحرم دخوله إلا من قبل كبير الكهنة»، يصر الحاخام يوسف الباوم على أن هناك فتاوى تجيز الدخول إلى المكان، وكان بعض الحاخامين المتطرفين في "إسرائيل" أجاز في الفترة الأخيرة لليهود الدخول إلى المسجد والصلاة فيه، كذلك يرفض فكرة أن الهيكل يجب أن يبنى بعد ظهور المخلص اليهودي - كما أفتى بعض الحاخامين أيضاً - ويرى بأنه ليست هناك علاقة بين الاثنين «إذ أننا نؤدي الكثير من الفرائض من دون انتظار المخلص، إضافة إلى أننا من دون الصلاة في الهيكل وتأدية شعائره نبقى نصف يهود وليس يهوداً كاملين، وإن كثيراً من كتبنا المقدسة تضم الكثير من الأحكام والفرائض التي تتعلق بالهيكل، وإننا من دون تطبيق ذلك، فإن اليهودية أيضاً تبقى ناقصة».
ويقول أىضاً: إنه ليس هناك حقل من حقول الهلخا «الشريعة اليهودية» ليست فيها مشاكل ولا يعني وجود المشاكل عدم وجود حلول ولا بد لنا من إيجاد حل لكل مشكلة، ونحن أمامنا نموذج الحل الذي طرحه رئيس الحاخامين شلومو غورن لقضية مسجد الصخرة.
يذكر أنه كشف النقاب أخيراً بأن هذا الحاخام -عندما كان رئىس حاخامي الجيش - اقترح على القائد العسكري الذي احتل القدس عام 1967 بأن يدمر المسجد، مستغلاً فوضى الحرب.
وعندما يسأل هذا الحاخام عن النتائج التي ستترتب على تهديم المسجد، فهو فقط يسترجع قصة بناء الهيكل الثاني التي وردت في العهد القديم ويقارن بين حال اليهود القوية اليوم وحالتهم آنذاك، حيث أن اليهود الذين رجعوا من الأسر البابلي إلى فلسطين كانوا قليلين «إذا الغالبية منهم لم تذهب إلى فلسطين» كما أنهم كانوا فقراء معوزين اعتمدوا على المساعدة المالية من يهود بابل، ومع ذلك فإن أول شيء قاموا به هو بناء الهيكل المقدس، ويقول إن هذا وحده الذي أعطى لرجوعهم من الأسر معنى وبهذه الطريقة وحدها يرجع الحضور الإلهي كما ورد في العهد القديم «ابنوا لي خيمة وسأسكن فيها».
كما أنه «من دون الهيكل الحقيقي لا يمكن لليهود - كشعب مقدس - أن يعرف معنى القدسية» وهو يقول إنه منذ أن «أصبح جبل الهيكل تحت سيطرتنا، فإننا لم نعمل شيئاً لاستثمار هذه الفرصة، إنه أقدس مكان لليهود عندنا، لكننا لم نقم بعمل شيء.
ويحضر هذا الحاخام الآن لاحتفال كبير في أىلول / سبتمبر يسمى «عيد الهيكل» وسيتضمن هذا الاحتفال تمثيلاً للطقوس والشعائر وأشياء أخرى تتعلق بالهيكل ويصحب ذلك أيضاً أداد موسيقي، إضافة إلى كلمات يلقيها حاخامون يؤكدون للحاضرين على نيتهم لتحقيق بناء الهيكل الثالث.
وكان الحاخام نفسه أعلن في السنة الجارية بأن حركته ستأخذ أطفالاً صغاراً من أبناء الكهنة وتقوم على تربيتهم في مكان معزول ليحافظوا على طهارتهم ويكونوا كهنة الهيكل في المستقبل، كما أنه مهتم أيضاً بالعثور على «البقرة الحمراء» التي تعتبر من أهم الأضاحي في الهيكل، كما أنه ينشط وحركته في أعمال «معهد الهيكل» وهذا المعهد أوجد في الثمانينات للتحضير لإقامة الهيكل ويهتم بالدراسات التي تتعلق به كما أنه يقوم بعمل الآلات والملابس، وهو الآن يضم 60 نموذجاً من مجموع 90 كلها بالمقياس الحقيقي، كما أن هذا المعهد يعرض فيلماً للزائرين - وهم عشرات الألوف بضمنهم طلاب المدارس - يبين فيه طقوس الهيكل وشعائره كما أنه يوزع كتيباً بالعبرية والانكليزية والفرنسية، وأسس هذا المعهد حاخام كان زميلاً للحاخام المتطرف مئير كهانا الذي اغتيل قبل سنوات، وطبقاً لما يقول مؤسسه يتلقى هذا المعهد إعانات خاصة إضافة إلى الإعانات الحكومية، ومن المسؤولين الذين يرون ضرورة بناء الهيكل الآنحاغي يوكتيل وهو مساعد رئيس الحزب الديني القومي ووزير التربية الحاخام اسحق ليفي.
والدعوة إلى بناء الهيكل على أنقاض مسجد الصخرة ليست جديدة ولم تقتصر على أفراد بل كانت هناك جماعات تدعو إلى ذلك في صحفها الخاصة، وجاء في مقال افتتاحي لنشرة «نقوداه» لسان حال جماعة غوش أمونيم عام 1986 مانصه:
«إن ما هو لائق في ما يخص أرض "إسرائيل" الكاملة يجب أن يكون لائقاً أيضاً في ما يخص جبل الهيكل.. ولئن كنا من أجل العودة إلى أرض "إسرائيل" الكاملة من أجل إقامة الدولة استعجلنا قدوم المخلص فيجب علينا بالمنطق نفسه أن نبني الهيكل الآن، بالإضافة إلى خطر هذه المنظمات وما يمكن أن تقوم به أصبح هنا خطر آخر مصدره بعض أفراد الجيش المتطرفين، فقد كثر عدد هؤلاء في الفترة الأخيرة - وهم يتميزون بلبس القلنصوة المزركشة «الكباه» ووصل بعض الضباط منهم إلى مناصب عليا في الجيش - وقد يصبح أحد هؤلاء قريباً مسؤول الاستخبارات العسكرية.
ومنذ سنين حذر أحد ضباط الاحتياط مما يمكن أن يقوم به هؤلاء حيث قال: «أنا أعرف معرفة شخصية مقاتلين من نخبة وحدات الجيش من خريجي أفضل اليشيفوت «المدارس الدينية» في أورشليم قد أفعموا حماسة مسيحانية «عسى أن يعاد بناء الهيكل سريعاً في أيامنا».
وهؤلاء الأشخاص غير المسؤولين ربما استولوا على طن من المتفجرات ومضوا تحت ستار من ضباب الفجر يقتربون من جبل الهيكل في بعض ناقلات الجند المدرعة ليزرعوا المفتجرات عند قبة الصخرة وأن توصلوا إلى زرع بضع مئات من الكيلوغرامات فسيكون في قدرتهم تسوية القبة بالصخرة».
إن هناك مؤشرات كثيرة تدل على أن هذا سيحدث خصوصاً إذا بقيت الدول العربية تجتمع لإصدار قرارات من دون القيام بخطوات عملية فعالة ومؤثرة.
تعليقات: