زاهي وهبي: ينظر إلى العالم بعيني أمّه

زاهي وهبي: ينظر إلى العالم بعيني أمّه
زاهي وهبي: ينظر إلى العالم بعيني أمّه


بين العاصمة بيروت، فوق بساط الصحافة المرئية والمكتوبة، وعيناثا المهجّرة دائماً، تراكمت تجارب زاهي وهبي المتشعّبة. في تلك البلدة الجنوبيّة، على مشارف الجليل الفلسطيني، في غرفة من حجر وتراب يخرج من بين جدرانها ينبوع ماء في الربيع، ولد ابن أمه ووحيدها زاهي عام 1964. ذاكرته مترعة بالينابيع، من تلك الغرفة الصغيرة، إلى كهف «بئر كبعا»، ملاذ الفارين من جحيم القصف على عيناثا، إلى بئر دار العائلة في طير دبا... رصيده في الشعر ورثه من جدّيه، ومن خاله نظام الدين فضل الله، الذي كان يحفظ كلَّ التراث الشعري العربي، إضافةً إلى حكايات أمِّه ومرويّاتها وأدعيتها.

اليوم ما زال زاهي ينظر إلى العالم بعيني امرأة، وهذه المرأة هي أمّه. «كنت طفلاً وحيداً، فقاربت العالم وقرأته وتعاملت معه من خلال هذه المرأة. أعتقد أن رفضي للتسلط الذكوري هو رفض لكلّ تسلط واستبداد وطغيان».

خمس سنوات من طفولته عاشها في عيناثا قبل أن يهجِّره القصف مع والدته إلى بيت جدِّه في طير دبا. هناك، وزَّع بياناً حزبياً وهو في الحادية عشرة، وهناك أيضاً، اعتقله الإسرائيليون مع رفاقه قبل أن يبلغ السابعة عشرة. نُقلوا إلى نهاريا داخل الأراض الفلسطينية المحتلَّة، ثمّ إلى معتقل عتليت في فلسطين المحتلّة، فإلى معتقل أنصار. بعد خروجه من المعتقل، أوقف على أثر تظاهرة في ثانوية بنت جبيل، فاضطرت والدته إلى أن ترحل به نحو بيروت التي وصلاها عام 1985 وكان الاحتلال قد بدأ يتقهقر عن صيدا والنبطية وبعض مناطق الجنوب.

في العاصمة اللبنانية، عاش مرحلة قاسية، متنقّلاً بين مناطق مختلفة: من الأوزاعي إلى حيّ السلم، إلى حيّ ماضي والغبيري، وبرج أبي حيدر، والصنائع فالحمرا... ما يعزّيه أن والدته بقيت معه. «أتت توصلني إلى المدينة لتضمن أنني عبرت الحواجز الإسرائيلية بأمان ثمّ تعود إلى الضيعة؛ للأسف، عادت بعد عشرين عاماً في نعش، بعدما عاشت معي كل هذه المعاناة».

رصيده المعرفي جمعه من قراءات لشعراء فلسطين (محمود درويش، سميح القاسم، فدوى طوقان وتوفيق زياد...) ولشعراء الجنوب، إضافةً إلى مطالعات في الفكر الماركسي والروايات السوفياتية. هذا كلّه، يضاف إليه نضج تجربة الاعتقال، ساعده على تثبيت أولى خطاه في عالم الصحافة بدءاً بإذاعة «صوت المقاومة الوطنية». «كنت أكتب خواطر ووجدانيات أقولها قبل إقفال الإذاعة في منتصف الليل، وأنام داخل الاستديو. في الصباح كانت تأتي الزميلة مريم البسّام، وكانت حينها مهندسة صوت، فتوقظني لتبدأ الإذاعة بثّها من جديد». عمل أيضاً في جريدة «الحقيقة» ثمّ دخل «النداء» حيث بقي ستّ سنوات، فيها تعلّم «فك الحرف وصياغة الخبر»، ولاحقاً أصبح سكرتير تحرير إلى جانب الزميل إبراهيم الأمين. عندما قرّر «الحزب الشيوعي» إقفال الجريدة عام 1991، وتحويلها إلى مجلة كان وهبي من بين الذين نقلوا إلى تلفزيون «نيو. تي. في». هناك أعدَّ برنامجاً ثقافياً عنوانه «بين هلالين»، حاور فيه الشيخ إمام ومحمد صبحي وسوسن بدر والإخوة بصبوص وغيرهم... بعد سنة من البرنامج، سبّبت كتاباته في جريدة «النهار» خلافاً بينه وبين مدير القناة حنا صالح، وفُصل، على أثر ذلك ترك التلفزيون أواخر عام 1992.

حينها، أرشده أحمد قعبور إلى تلفزيون «المستقبل»، فالتحق به مع قعبور وفايق حميصي وربيع مروة وفادي أبي سمرا والراحل باسم زيتوني، بعدما كان قد سبقهم ربيع الشامي وسعيد طه... فأسسوا جميعاً القسم الثقافي في التلفزيون. من محرّر للمادة الثقافية في نشرة الأخبار إلى برنامج «قرأت لكم»، فالبرنامج السياسي «القلوب عند بعضها»، راح يراكم تجاربه المهنيّة... في هذا الوقت أصبح محرراً ثابتاً في الصفحة الثقافية لجريدة «النهار» فكتب النقد الأدبي والشعري والمسرحي.

إلى أن جاء عام 1996 ووافقت إدارة «المستقبل» على برنامج «خليك بالبيت» الذي شرّع له باب الشهرة، وبقي على الشاشة حتّى اليوم. «هو طبعاً تجربة استثنائية وهائلة في حياتي، يقول. كان «خليك بالبيت» الجامعة الحقيقية التي تخرَّجت منها... التقيت ضيوفاً متنوعين؛ من الشاعر إلى الراقصة، من رجل الدين إلى الزعيم السياسي، من الأسير المحرر إلى المطرب، من المخرج إلى الإعلامي، من المحيط إلى الخليج... هذا العالم أغناني، ورفدني بما لا يقاس من المعرفة والعلم والخبرة...»

يؤمن زاهي وهبي بتأثير الوراثة الجينيّة، في ما يخصّ ملكة الشعر. «قد يكون حبل السرّة الثاني الذي لم ينقطع مع عائلتي هو القلم. الشاشة الحقيقية التي أطل منها على نفسي هي الورقة البيضاء. أنا ولدت شاعراً بالجينات وبالنشأة الوجدانية في الجنوب الساهر مرّة تحت ضوء القمر، ومرّة تحت لهيب القصف الإسرائيلي».

باكورته الشعريّة «حطّاب الحيرة» صدرت عام 1990، ثمّ كرّت السبحة من «صادقوا قمراً» (1992) إلى «تتبرج لأجلي» (2007) و«يعرفكِ مايكل أنجلو» (2008). ويوقّع الشاعر ديوانه الأخير «راقصيني قليلاً» (الدار العربية للعلوم/ ناشرون ــــ بيروت؛ منشورات الاختلاف ــــ الجزائر) في عمَّان في 16 آب (أغسطس) الحالي في ذكرى مرور عام على رحيل محمود درويش.

في 2005، أصبح أوَّل عربي ينال الجنسية الفلسطينية، إذ منحه إياها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقر السفارة الفلسطينية في الأردن، بحضور درويش وبعض المثقفين والقادة الفلسطينيين. أما السياسة، فمسألة أخرى... لم يعمّر زاهي وهبي كثيراً في الشيوعية الحزبية. يقول إنّه لم يعد يؤمن «بالحزبية بمعناها الحديدي والأيديولوجي الضيق». ويضيف: «اخترت أن أكون مستقلاً. أنا أمين لجذوري السابقة، ولتجربتي ونشأتي... لكنني أؤمن باستقلالية الشاعر والمثقف والفنان. عندما يكون الفنان مستقلاً، يستطيع أن يخدم القضايا النبيلة والعادلة أكثر».

5 تواريخ

1964

الولادة في عيناثا (جنوب لبنان).

1982

اعتقله الاحتلال الإسرائيلي وسجنه قرابة سنة بين نهاريا وعتليت في فلسطين ثم في أنصار في جنوب لبنان.

1990

صدور ديوانه الأول «حطّاب الحيرة»

(دار الفارابي)

1996

انطلاق برنامجه «خليك بالبيت» على شاشة «المستقبل» وهو مستمر حتى اليوم

2009

صدور ديوانه «راقصيني قليلاً» (العربية للعلوم/ بيروت ــــ الاختلاف/ الجزائر) الذي يوقِّعه في السادسة والنصف من مساء الأحد المقبل في «تجمع المدارس العصرية» في عمَّان بدعوة من «مؤسسة فلسطين الدولية» في ذكرى رحيل محمود درويش

تعليقات: