(كريستيان بستاني ــ لبنان)
تزدحم المنتجعات السياحية ونوادي الترفيه بالرواد خلال هذا الصيف، أصحابها يرحبون بكل «الزوار» إلا الخادمات الأجنبيات، هذا النوع المتكرر من التصرفات العنصرية يمر دون أي عقاب في بلادنا، فالقانون اللبناني لا يعالج هذه المسألة
نزلت المستخدمة الفيليبينية إلى حوض السباحة لمرافقة ابنة مشغليها، ما كادت الماء تلامس جسدها حتى صاح بها أحد الحراس، ناهراً إياها، وطالبها بمغادرة الحوض على الفور. صيحات الحارس تمازجت مع صراخ السباحين، رجالاً ونساءً، مستهجنين وجود «خادمة» بينهم، ومستنكرين كيف تدخل حوضهم «امرأة من بلد يصدّر الخادمات».
هذا ما حدث أخيراً في أحد المسابح التابعة لمجمع سياحي ضخم في بيروت، وهو مشهد يمكن أن يتكرر في منتجعات ومطاعم ومقاهٍ في مختلف المناطق اللبنانية، حيث يرفض الرواد وأصحاب المؤسسة والعاملين فيها السماح للخادمات الأجنبيات بالاستمتاع بالترفيه الذي يقدمه المنتجع. لكن ما حصل في «البيسين» البيروتي لم ينته عند حدود «الاستنكار» و«صيحات الغضب»، إذ تدخلت مشغلة الخادمة، وهي سائحة خليجية وامرأة محجبة. وطالبت بعودة الفيليبينية ريتا إلى الحوض، لأن ذلك من حقها، وأضافت أنها هي من طلبت منها مرافقة الابنة. عندها أذعن الحارس، والغاضبين، لطلب السائحة، تراجع عن «أوامره» الأولى، وادّعى أن في الأمر سوء فهم، وأنه لم يرد الإساءة لأي أحد، ولكنه مضطر للرضوخ لقوانين المنتجع التي لا تسمح بالنزول إلى الحوض إلّا بثياب السباحة، فيما الفيليبينية كانت بكامل هندامها، ولكن السائحة لفتته إلى أنه حين نهر العاملة لم يورد حجة لباس البحر في كلامه.
ثمة حاجة ملحة وسريعة لسن القوانين التي تحمي العمال الأجانب من التمييز العنصري
سانتور عاملة أثيوبية، قضت أخيراً نهار الترفيه عند مدخل منتجع سياحي تديره مؤسسة رسمية. كان مشغلوها قد وعدوها بيوم جميل على شاطئ البحر، جمعت حاجاتها في شنطة قديمة، حملت المايوه ولفت زجاجة الزيت في منشفة، أحضرت الشامبو والصابون، عند مدخل المنتجع شبكت يدها بيد ابن مشغليها، تقدمت بفرح وثقة مع أفراد العائلة نحو مدخل المنتجع، نظر إليها الحارس بغضب، ثم التفت إلى سيدة العائلة وقال لها بلهجة لطيفة ولكن حازمة «مدام وجود الخادمة في المنتجع سيثير غضب الرواد، حفاظاً على برستيج السيدات الأخريات، نمنع هذه الخادمة من الدخول إلى المنتجع»، وبعد أخذ ورد ومفاوضات استمرت عشر دقائق سُمح لسانتور بالجلوس على كرسي عند باب المنتجع في انتظار أن ينقضي يوم مشغليها الترفيهي.
ريتا وسانترا خرجتا من السجن الذي يفرضه المشغلون عادة على الخادمات الأجنبيات، تخطتا عتبة البيت، سُمح لهما بشيء من الرفاهية، لكن الأسوار من حولهما تتخطى «أوامر المدام والزوج وآلهما»، إنهما ضحية قوانين العبودية الجديدة، والعنصرية الآخذة في التنامي في المجتمع اللبناني ضد كل من يأتي من دولة نامية، ويشتغل في وظائف فقيرة.
تثير تصرّفات حارسي المنتجعين والرواد سؤالاً عن حق الخادمة في الترفيه والاستمتاع بما يستمتع به مشغلوهم وأبناء الشرائح الاجتماعية المختلفة، كما يُطرح السؤال عن كيفية معاقبة من يأتي بكلام وتصرفات عنصرية.
ما هو القانون الذي يحمي الخادمة الأجنبية من التمييز العنصري في أماكن الترفيه؟
المحامي زياد خالد، الناشط في عدد من الجمعيات التي تهتم بحقوق الإنسان، يقول «للأسف القانون اللبناني لم يُعالج هذه النقطة، إلا في حالة تعرض الضحية لقدح وذم»، وفي الحالة الأخيرة إن الضحية إذا تقدمت بشكوى فإن القدح والذم يُعتبران جنحة تصل مدة عقوبة مرتكبهما في الحد الأقصى إلى 3 سنوات.
لكن المحامي خالد ذكّر بأننا «إذا نظرنا إلى مقدمة الدستور اللبناني نقرأ بأن لبنان التزم بكل المواثيق الدولية التي تصدر عن منظمة الأمم المتحدة، ما يعني أن لبنان ملزم بإدخالها في تشريعاته، الأمر الذي لم يحصل حتى يومنا هذا بالنسبة إلى مضامين معظم الاتفاقيات» ومنها بالطبع المواثيق التي تعاقب التصرفات العنصرية، ولفت خالد أيضاً إلى أن الملكيات الخاصة وصفقات الهيمنة على الأملاك البحرية، سمحت لمتنفذين بالسيطرة على مساحات كبيرة عند الشاطئ اللبناني واستثمارها، ما جعل المنتجعات أملاكاً خاصة يديرها صاحبها، ويفرض فيها شروطاً يراها مناسبة لعمله. في هذا الإطار يمكن أي «صاحب» منتجع أن يحدد من يُسمح له بالدخول إليه، ومن يُمنع من ذلك، الملكية الخاصة بهذا المعنى تجعل المنتجع أشبه بمنزل لصاحبه الحق باستضافة من يشاء. بهذا «المفهوم» التجاري وغير الشرعي، تتعلل إدارات المسابح ونوادي الترفيه لمنع الخادمات من الاستمتاع بخدمات المنتجعات.
■ ما هو الحل؟
الإجابة بسيطة، الثقافة الاجتماعية تحتاج إلى الوقت الطويل لتُنظف من المفاهيم العنصرية، ولكن ثمة حاجة ملحة وسريعة لسن القوانين التي تحمي العمال الأجانب في لبنان من التمييز العنصري الذي يعانونه.
العطلة ممنوعة
يُلاحظ المتابع لأحوال الخادمات الأجنبيات في لبنان، وخاصة صاحبات البشرة الداكنة، أن غالبية مشغليهم لا يسمحون لهم بيوم ترفيهي، ويمنعونهن من اللقاء بعضهن بعضاً، وذلك بحجة أن «لقاء خادمة بابنة بلدها سيسمح لها بالنقاش معها، وقد تتفقان على أمر ما، كالهروب من منازل مشغليهم أو كسر الأوامر». هذا من جهة، من جهة ثانية، بات من المعروف أن غالبية الخادمات لا يعملن وفق دوام محدد، هن في خدمة أهل البيت ليل نهار، ولا تتمتع الخادمة بيوم عطلة وفق ما ترعاه قوانين العمل في لبنان. لا تنتهي المأساة عند هذا الحد، فلا يحق للخادمة غالباً أن تختار الثياب التي تريد ارتداءها، بل يفرض عليها زي معين لا يفارق جسدها إلا حين تخلد إلى النوم، أي بعد أن تنتهي طلبات «المستر» والمدام وكل الأولاد والزوار.
لقطة
عند الحديث مع مندوبي أو مسؤولي جمعيات لبنانية تُعنى بحقوق الإنسان، يتنبه المرء إلى زيادة الاهتمام بقضايا الخادمات الأجنبيات، وثمة عدد من المراكز التي تطلق في الفترة الأخيرة أعمالاً بحثية لإصدار دراسات تتعلق خاصة بقضية التمييز العنصري ضد الخادمات الأجنبيات في منتجعات السياحة وأماكن الترفيه.
ماري دوناي من المركز اللبناني لحقوق الإنسان، تلفت في حديث مع «الأخبار» إلى أنه في الفترة الأخيرة كثرت الشكاوى المتعلقة بمنع خادمات من النزول إلى أحواض سباحة، أو الاعتراض على جلوسهن إلى طاولة واحدة مع «لبنانيين وسياح» في المطاعم.
غالباً ما تترافق الاعتراضات بعبارة «عنصرية» تتعلق بلون البشرة وجنسية الخادمة وملبسها، وقد تُجبر الخادمة على المكوث أمام بوابة المنتجع.
تعليقات: