المطبخ الإيراني من أقدم مطابخ العالم وأغناها
يعتبر أكثر ارتباطاً بتركيا واليونان والهند..
لندن:
انتشرت المطاعم الإيرانية في أوروبا وأميركا واستراليا وغيرها من دول العالم التي تضم جاليات إيرانية، في العقود الماضية. ورغم ازدياد انتشارها، فإن الخلط غير المقصود بين المطبخ الإيراني والمطبخ المتوسطي والشرق أوسطي من قبل الأجانب، والخلط المقصود من قبل أصحاب المطاعم للتمتع بهوية جغرافية معينة، يمكن لهم الترويج لمطاعمهم من خلالها حالا، من دون انتعاش وارتقاء المطعم الإيراني الذي لا يزال يعتبر من أقدم وأغنى المطابخ في العالم. وفي الحقيقة أن التقاطعات بين المطبخ الإيراني ومطابخ دول المتوسط أو الشرق الأوسط أو الدول المجاورة ليست حادة، رغم أن هناك بعض الأطباق المشتركة بسبب العوامل التاريخية والفترة العثمانية. وأن المطبخ الإيراني أكثر ارتباطا وتقاطعا أو تناغما مع المطبخين التركي واليوناني، اللذين كانا جزءا من المطابخ الفارسية أيام الإمبراطورية التي ضمت البلدان لبعض الفترات التاريخية. على أية حال فإن النقص في الخبرة كما يقال احد أهم الأسباب التي حالت من دون تطور وارتقاء المطبخ الإيراني حديثا ليأخذ موقعه الصحيح إلى جانب المطابخ المعروفة. وتركز المطاعم الإيرانية في الخارج على طبق الكباب (اللحم المشوي - وهو أنواع) وبعض أنواع الحساء، وهي كثيرة في العواصم الأوروبية في لندن (منطقة كينزينغتون - بايز ووتر - شمال لندن) وفي باريس وبرلين وأمستردام وروما، وأهمها في الولايات المتحدة في لوس انجليس في ولاية كاليفورنيا وواشنطن دي سي وفانكوفر وتورينتو في كندا فضلا عن سيدني وبعض دول الخليج العربي وغيره. أما في إيران فقد انتشرت في السنوات الماضية ظاهرة المأكولات السريعة، وأدت رغبة الجيل الجديد في هذا المضمار إلى افتتاح الكثير من محلات الهامبرغر والبيتزا والدجاج المقلي على الطريقة الأميركية. وصار بالإمكان العثور على المطاعم الإيطالية والصينية واليابانية والعربية في العاصمة طهران. ومع هذا يبقى الكباب على أنواعه وسندوتشاته عماد السوق التجاري الاستهلاكي السريع في البلاد.
على أية حال فإن المطبخ الإيراني الحديث أشبه بالمطبخ الهندي من ناحية التنوع لكثرة الأقاليم واختلاف الأحوال الجوية فيها. فكل منطقة لها مطبخها وتقاليدها المحلية الخاصة بها في تحضير السلطات والحلويات والمشروبات والمطيبات وغيرها من أطباق الكباب والحساء. وتعرف من الأطباق «تشلو كباب» (Chelow kabab) الذي يعني اسمه «كباب مع أرز إيراني» (تشلو). ويعتبر هذا الطبق طبقا وطنيا بجدارة، وهو عبارة عن طبق مصنوع من الأرز الباسماتي أو الإيراني المطبوخ على البخار مع الزعفران وبعض الزبدة إلى جانب شتى أنواع اللحم المشوي. ومن التقاليد القديمة وضع بيضة على الأرز إلى جانب بعض البندورة المشوية والسماق.
وهناك الكثير من أنواع الكباب أيضا، «كباب كوبيديه» (Kabab Koubideh) المصنوع من اللحم المفروم (غنم أو بقر) المخلوط بالبصل المفروم والملح وأحيانا بالتوابل، خاصة الفلفل الحار ومسحوق التومريك والبقدونس، وهو قريب جدا إلى كثير من أنواع الكباب في تركيا ولبنان وسورية وفلسطين ويعرف في لبنان بالـ«كفتة»، ويباع طازجا ويشوى عادة عند اللحامين. وأحيانا تخلط المطاعم الإيرانية بين «كباب كوبيديه» و«كباب بارغ» (Kabab Barg)، ويطلقون على هذا الطبق اسم «سولتاني» (Soltani) أو «كباب خاص»(Kabab-e Makhsoos). ومن الأطباق الوطنية أيضا أطباق الـ«خوريشت» (Khoresht)، التي تعتبر مجموعة من الأطعمة أو اليخنات المقدمة إلى جانب الأرز الإيراني أحيانا أو ما يعرف بالـ«بولو» (polo)، وتشبه هذه اليخنات بشكل عام أطباق الكاري الهندية خصوصا الأطباق التي تعتمد على الخضار أو الأطباق النباتية. ومن مميزات المطبخ الإيراني هو استخدام الكثير من الزعفران في المآكل خصوصا اليخنات. ومن أشهر هذه اليخنات: يخنة «خورشيت فسنجان» (Khoresht-e fesenj?n) التي يتم تحضيرها من عصير الرمان والمسحوق البندق والدجاج أو البط وأحيانا اللحم أو السمك. وتقدم اليخنة التي تتمتع بالطعمين الحلو والحامض أو الـ«مز»عادة إلى جانب أرز الـ«بولو» الأصفر أو الأبيض.
وهناك يخنة «قورميه سابزي» (ghormeh sabzi) المشهورة جدا (من أصول أذربيجانية)، وهي من اليخنات التي تقدم إلى جانب الأرز، كما هو الحال في الهند والعالم العربي وتركيا، وهي محضرة من اللحم (لحم الغنم في معظم الأحيان) والأعشاب المقلية والبقدونس والكراث والسبانخ والكزبرة والفاصوليا الحمراء المعروف بـ«كدني بينز» والبصل الأخضر والبصل اليابس والليمون المجفف وأحيانا مع البطاطا بدلا من الفاصوليا، وأحيانا مع نبتة الحلبة وأحيانا من دونها. ومن المطبخ الإيراني الرئيسي أيضا ما يعرف بـ«آش» (aash) أو بكلام آخر الحساء الثخين أو المكثف. وهذه مجموعة من الأطباق المرغوبة جدا في مناطق أذربيجان. وأشهر أنواع هذه الأطباق «آش- انار» (Ash-e an?r)، وهو نوع من أنواع الشورباء أو الحساء الذي يعتمد على الرمان وعصيره ولحم البقر والنعناع والبازلاء الصفراء وشتى أنواع البهارات. وقد اعتمد اسم الطبق اسما لرواية أميركية عام 2006 وحملت الرواية طرق تحضير الطبق المعروف. وبالطبع يعتبر الأرز من الأطباق الهامة على أنواعه وألوانه ويقدم إلى جانب اللحوم، كما سبق وذكرنا وجانب أنواع اليخنات وأحيانا بعض الخضار. من أطباق الأرز المعروفة، طبق «بغالي بولو » مع الفول الأخضر، وطبق «لوبيا بولو» وطبق «سابزي بولو»(Sabzi polo). وتعني كلمة «سابز» اخضر و«سابزي» تشير إلى بعض أنواع الأعشاب والخضار. ويحضر الطبق عادة من الأرز المطبوخ مع الأعشاب المقدم إلى جانب السمك (مع الكزبرة والبصل الأخضر والحلبة والبقدونس والشومر والتوابل). ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المطبخ اليوناني من أكثر المطابخ التقليدية القديمة التي تستخدم الأعشاب والتوابل والفاكهة (المشمش والرمان والسفرجل والزبيب) بكثرة إلى جانب الأرز ولحم الغنم والدجاج والسمك. كما يكثر الإيرانيون من استخدام البصل والكسورات والقرفة والليمون والزعفران والبقدونس.
من ناحية الأرز، أو «بيرينج» (berenj) بالفارسية، فقد استوردوه واستوردوا أو توارثوا أنواعه من القارة الآسيوية والهند بشكل خاص، وقد أحبوا وزرعوا أنواع الباسماتي لروائحه الطيبة إضافة الى أنواع أخرى مثل «شامبا» و«راسمي» و«دودي» (المدخن). وتعتبر المناطق الشمالية في موطن الأرز في البلاد من ناحية الزراعة والاستهلاك، إذ انه على العكس المناطق الأخرى أهم من الخبز.
بشكل عام، يترك الطباخون أرز الـ«بولو » الأرز منقوعا بالماء والملح قبل غليه وطبخه، وبعض الأنواع الأخرى تتم إضافة الماء إليها بعد الغليان مرة أخرى، وبعد نضوجها يتم تبخيرها لتنفصل الحبات عن بعضها البعض. لكن المتفق عليه في المطبخ الإيراني هو ترك أرضية من الخضار أو اللحم أو المكسرات أو الفاكهة في قاع قدر الأرز قبل طبخه. ويطلقون على هذه الأرضية اسم «تاه- ديغ» (Tah-deeg). وهو ما تقوم به النساء أحيانا في لبنان وفلسطين عند تحضير المحاشي خصوصا ورق العريش، إذ يتركون طبقة من اللحم المدهن أو شرائح البطاطا أو الجزر لإغناء طعم الطبق وامتصاص أي إمكانية للاحتراق خلال عملية الطبخ. أما في إقليم غيلان فيأكلون الأرز مطبوخا تماما أي بعد الانتهاء من الغلي وجفاف الماء ويطلقون عليه اسم «كاته» (Kateh) وهو من أسهل وأسرع أنواع الأرز من ناحية التحضير والطبخ، وهو مثال عام عن أنواع الأرز الموجودة في المناطق المحيطة ببحر قزوين. وهناك أيضا ما يطلق عليه بـ«دامي» (تعني المطبوخ على البخار) وهي مجموعة من أطباق الأرز المخلوطة مع الحبوب والمطبوخة على نار هادئة. ومن أشهر أنواع الدامي طبق الـ«تا- جين» الذي يشمل لحم الغنم واللبن وصفار البيض والأرز بالطبع والزعفران. تعتبر إيران من الدول الغنية من الناحية الزراعية ومن المنتجة للكثير من أنواع الفاكهة والخضار المعروفة والمحلية، بسبب الأحوال الجوية المناسبة. وفيما لا تخلو مائدة من الخضار أو الأعشاب «سابزيجات» (sabzijat)، يصعب التفكير في المطبخ الإيراني من دون الفاكهة التي تحتل عادة وسط طاولة الطعام. ومن المعروف أن بعض أنواع الفاكهة الإيرانية أطيب وأكبر من غيرها من أنواع الفاكهة في الدول الأخرى، ويعتمد الأمر على الأرض والمناطق الزراعية التي تحتوي على تراب خصب. وفضلا عن أكل شتى أنواع الفاكهة الطازجة، فإن الإيرانيون يكثرون من تناول المجفف منها ويستخدمونها في الطبخ في حال تعذر الفاكهة الطازجة، وتحضير الكثير من الأطباق وبشكل خاص، التمر (إيران من أهم الدول المصدرة والمنتجة للتمر في العالم) والزبيب والتين والمشمش والدراقن. ومن الفاكهة المعروفة في إيران: الرمان والحمضيات والبطيخ والعنب بأنواع كثيرة لا تحصى ولا تعد، وهناك الكرز الحامض والحلو والسفرجل والخوخ والتفاح والإجاص وغيره.
أما من حول الخضار، فيقال إن الباذنجان هو «بطاطا إيران»، وأن الإيرانيين مولعون بالسلطات الخضراء الطازجة المخلوطة بالثوم والحامض والملح وزيت الزيتون، ويكثرون من استخدام القرع والبطاطا والسبانخ والجزر والفاصوليا والكوسا واللوبياء والفول، مع اللحم والأرز.
ولا يمكننا نسيان البصل والبندورة والخيار (بأنواع كثيرة) تحظى بشعبية كبيرة في البلاد. وكما هو الحال في تركيا واليونان وبعض الدول الأخرى، يطلق الإيرانيون على المحاشي اسم «دولمه» (Dolma) اليوناني الأصل. لكن في الحالة الإيرانية لا ينطبق الأمر على الخضار المحشية مثل البطاطا وورق العريش والملفوف والكوسا والباذنجان والبندورة والفلفل الحلو وغيره فقط، بل يطال الفاكهة المحشية خصوصا التفاح والسفرجل.
المطبخ الإيراني مطبخ متنوع من الدرجة الأولى وأطباقه أكثر تنوعا وجرأة ومخيلة، إذ يمكن العثور على خليط من البط والرمان والبندق والخوخ ولحم الغنم والسبانخ والقرفة والليمون والبرتقال والثوم والدجاج والزبدة والخوخ في طبق واحد. تقليديا، يتناول الإيرانيون على الفطور شتى أنواع الخبز خصوصا «النان» و«لافاش» و«سانغاك» و«باربان» والزبدة والجبنة البيضاء المعروفة ب«بانير» أو المالحة المعروفة بـ«فاتا» وأحيانا الكريم المكثف وشتى أنواع مربى الفاكهة. ويعرف الإيرانيون أيضا ما يطلق عليه بطبق «حليم» (Haleem) وهو من الأطباق المشهورة جدا في الباكستان خصوصا في حيدر آباد وشمال الهند وشمال العراق ودول القوقاز وعدد من الدول الإسلامية، وهو من أطباق شهر رمضان أيضا.
ولا بد لطبق حليم الاحتواء على العدس والقمح واللحم، وعادة ما يشمل القمح ولحم البقر أو الدجاج أو اللحم المفروم والعدس والتوابل، ويطبخ على نار هادئة لمدة ثماني ساعات على الأقل حتى يصير الخليط أشبه بالـ«هريسة». ولأن الطبق يحضر خلال الليل، يستخدم كأحد أطباق الفطور عندما يكون جاهزا عند الصباح للفطور. وبالطبع لا ننسى الشاي الذي يتم تناوله بشكل عام مع الفطور باستثناء إقليم خورسان حيث يقدم الشاي قبل وبعد الغداء والعشاء. وتختلف طريقة صنع الشاي من منطقة الى منطقة أيضا، لكنه من المشارب التقليدية الرئيسية في البلاد.
ويطلق الإيرانيون على أطباق «المازة» التي تزين كل المائدة عادة بغض النظر عن المنطقة والإقليم، اسم «مخلفات» (بمعنى ثانوي أو ملازم لوقعات الطعام)، وهي عبارة عن أطباق من الأعشاب البرية مثل الحلبة والحبق وغيره، ومجموعة من أنواع شتى الخبز والجبن (بانير أحيانا) مع الخيار المقشر والمقطع وشرائح البندورة والبصل، أضف إلى ذلك اللبن والليمون أو عصيره ومخلل الخيار.
تعليقات: