اجبان والبان طازجة خالية من المواد الاصطناعية
متجر منتجاته عضوية لبنانية تحمل شهادة ضامنة..
بيروت:
بين أفياء الأشجار المثمرة ورحاب السهول ونقاء الهواء والأهم التعلّق بالأرض، بدأت القصة. قصّة الاستفادة من الثروات الطبيعية من دون تلويثها بالكيمياويات والأدوية المضادة للحشرات والمحفّزة على النمو بغية زيادة الانتاج. فكان الحلّ: اعتماد المزروعات العضوية، لكنّ هذا الحلّ دربه شاق والتزامه صعب في زمن الاستهلاك الجماهيري والتوق المستمر لزيادة العرض. وعلى صعوبته، قرّر رامح شاعر، وهو طبيب للأسنان، تحويل أرضه التي تصل مساحتها إلى 400 ألف متر مربع في منطقة اللقلوق، التي ترتفع نحو 1700 متر عن سطح البحر، إلى مزرعة خالية من المواد الملوِّثة بعدما لاحظ «تزايد نسبة الأمراض والإصابة بالفيروسات، لا سيما لدى الأولاد». وهذا القرار الذي بدأ منذ اثني عشر عاما، لزمه بذل الكثير من الجهود والتضحيات بمواسم اهدرت خلال السنوات الأربع الأولى بسبب إصابتها بأمراض لعدم رشّها. وعن الحلّ لهذه المشكلة، يردّ شاعر ببساطة: «علينا أن نترك الأرض ترتاح لتخلّص نفسها من ترسّب المواد الملوّثة فتجدّد نفسها، ويعود اليها توازنها الذي كان قد أخلّ به استخدام المبيدات. وهذه الملاحظة البدائية تنبّهت إليها بعدما رأيت أن الأشجار البريّة التي لا تُرش، تتمتّع بصحّة جيدة فيما الأشجار التي خلنا أننا نعتني بها عبر رشّها بالمبيدات، غالبا ما تمرض. واليوم من يمرّ بمزرعتي يرى الكثير من الخنافس، فهذه الحشرة الصغيرة كفيلة بالقضاء على الجراثيم والأمراض التي تصيب الزرع. الخنفساء هي واحدة من البكتيريا الطبيعية التي تحمي الأشجار، فضلا عن اللجوء إلى الأسمدة الطبيعية المغذية». وها هي مزرعته تتحوّل نواة لسلسلة مزارع عضوية تضم 10 «حلقات» تتوزّع على كل الأراضي اللبنانية، لتشكّل ما يشبه «الائتلاف» الزراعي الصحّي، الذي افتتح أخيرا متجر «المرج» للمنتجات العضوية في منطقة الأشرفية في بيروت. وهذا المتجر، هو الوحيد في الشرق الأوسط الحائز شهادات تضمن جودة النوعية وتوافر الشروط العضوية في المزروعات وغيرها من المنتجات وأصناف المونة.
وتؤكّد المسؤولة عن «المرج» هيفا عباس لـ«الشرق الأوسط» أن الهدف من افتتاحه هو «تعميم ثقافة المزروعات والمأكولات العضوية في الأرياف والمدن اللبنانية، لنجابه معا التلوّث الذي يجتاح بلدنا. والمتجر أردناه صلة وصل مباشرة بين المزارع والمستهلك من دون المرور بتجّار وسطاء، لنضمن عدم ارتفاع الأسعار حتى تبقى ضمن مستوى يلائم جميع الفئات الاجتماعية. وهكذا يلاحظ زبائننا أن أسعار منتجاتنا لا تفوق أسعار المزروعات التقليدية، أي تلك التي استخدمت المبيدات والرشوش خلال مرحلة نموّها».
وتوضح «أن أهم ما أردنا تحقيقه، الانتقال من جناح صغير للمأكولات العضوية يعرض في المخازن الكبرى إلى إيجاد مكان يتمتّع بخصوصية ويضمّ كل المكوّنات التي تسمح لربّة المنزل بتحضير طبقها اليومي، من دون أن تضطر للجوء إلى مكوّنات تقليدية. لذلك لم نهمل قطاعات اللحوم والأجبان والألبان، إذ خصصنا إحدى المزارع، وتحديدا في منطقة صنين، لتربية الماشية وفق الطرق الصحية، أي لا نطعمها أعلافا صناعية، إنما نتركها تسرح وترعى في سهول رحبة يلزم أحيانا المشي وقتا طويلا للعثور عليها. وبالتأكيد فإن الذبح حلال حرصا على إرضاء جميع الزبائن». واستطاع المتجر رغم حداثته «أن يدعم أصحاب المزارع العضوية التي نتعاون معها، إذ تحوّل واجهة لهم في المدينة تساعدهم على تصريف انتاجهم وتعمل على تعزيز الطلب عبر توعية الناس على أهمية العودة إلى الزراعة العضوية، فيما يسهّل من جهة ثانية تلبية حاجات الراغبين بالحصول على أكل صحي». وفي هذا الاطار يلفت شاعر إلى أن المزروعات العضوية تعزّز المناعة، «لذلك أتمنّى أن يشكّل المرج مدخلا لتعميم هذه الثقافة التي تجمع بين جودة المذاق والنوعية». وفيما لفتت عباس إلى أن الجغرافية اللبنانية الغنية بتضاريسها وتعرّجاتها وتنوّع ارتفاعاتها تساعد على تنويع هذه المزروعات، شكت من تآكل المساحات الصالحة للزراعة بسبب «زحف الاسمنت». واللافت أن المسؤولين عن «المرج» لم يكتفوا بحيازة «المزارع- الأعضاء» شهادات تثبت جودة المنتجات، لأنهم يقومون بزيارات دورية. كما يحضّرون لاطلاق نظام زيارات المستهلكين للمزارع، لتعريفهم عن كثب بهذا الأسلوب الزراعي. ويخطّطون لتنظيم رحلة في أغسطس (آب) المقبل، ليتسنّى للزبائن الذين يشاهدون صور المزارع تمرّ على شاشة تتوسّط المتجر، التجوّل في السهول الخضراء المحمّلة بالثمار والخضار الصحية وتناول الغذاء في أحضان الطبيعة «المتوازنة».
ولم يكتف أصحاب المزارع العشر بتوضيب ثمار الطبيعة كما هي، إذ إنهم يعملون على تحضير أصناف المونة من الأجبان والألبان والمكدوس والمكبوس والمربيات، تماما كما كانت تفعل الجدات. كذلك، وسعيا وراء الابتكار المستمر فإنهم يواظبون على تقديم أصناف جديدة من المونة فلم يلتزموا لائحة الأصناف التقليدية، لذلك يجتهدون باستمرار في استحداث وصفات جديدة في تحضير المربيات، كالتفاح والأجبان واللبنة «المكعزلة» التي أضيف إليها الثوم والنعناع. وهذه الأصناف بات لها زبائنها من الصغار قبل الكبار. فإحدى السيدات، كارلا يزبك، تنقل «تمنيات» ابنتها التي لم تتجاوز الخمس سنوات إلى أصحاب «المرج» في تحضير صنف من الجبن يبدو أنه نفد منذ أيام. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لست من ملتزمي المأكولات العضوية، لكن التزم بشراء اللحوم من المرج لأنها طازجة وطعمها لا يشبه طعم اللحوم العادية، كما أن نظافة المكان تغريني».
تعليقات: