كاظم الساهر في اختتام «بيت الدين»: حبيبكم مين؟

 خلال الأمسية (وائل حمزة)
خلال الأمسية (وائل حمزة)


«قولي أحبك» و«أجمل ما في الكون» و«علّمني حبك» أغنيات عديدة تفاعل معها الجمهور... لكنّ «بغداد» ظلّت كلمة السرّ بين المغنّي العراقي ومحبيه

مساء أول من أمس، كانت الأصوات تتناهى إلى المسامع، كلما اقتربنا من القصر الأثري في بيت الدين، موسيقى تتسرب نحو الطرقات المحيطة، فيما اكتظت بالناس سطوح البيوت وطاولات المطاعم والطريق الفرعية المؤدّية إلى القصر. جمهور «الخارج» يتمايل، يردّد الكلمات، يصفق، يتحمس، يتمايل، يتفاعل مع كل كلمة يغنيها «نجمه». إنها ليلة كاظم الساهر، المطرب العراقي يطل للمرة الرابعة على التوالي في إطار «مهرجانات بيت الدين». المشهد في المدرج المخصص للجمهور لا يختلف عن الخارج. يشعر المرء وهو يصعد السلالم بحثاً عن مقعده بأنه بين أناس مأخوذين بنجمهم، لا يتلفّتون لغيره، لا يتنبّهون للعابر، عيونهم شاخصة، أيديهم مرفوعة ورؤوسهم تتمايل، بل إنّهم كثيراً ما يتحمسون فيقفون ويرقصون.

الفواصل بين الأغاني ملأها الجمهور بكلام حماسي، ردد أكثر من مرة «حبيبكم مين؟ كاظم»، ثم علا التصفيق. الكل في المدرج يحفظ كل أغاني الساهر. لم يعد «سر» المطرب العراقي سراً. علاقته بجمهوره قائمة على عناصر بدت واضحة أول من أمس في السهرة. بدايةً، هو صاحب صوت جميل، تبرز طاقاته أكثر على المسرح، فيما يخفت بريق هذا الصوت قليلاً في الأغاني المسجلة. كما أن له حضوراً مميزاً، قوته في رقّته، في إحساسه العميق بما يغنيه، حتى كاد بعضهم يشبّهه بالراحل عبد الحليم حافظ. لكن كاظم ابن زمانه، يعرف كيف يقدم الأغاني التي لا تخرج عن الموجة التجارية، أو لنقل إنّه يعرف كيف يختار ما يعجب الجمهور العادي، من دون

سمراء بملامح جميلة حملت العلم العراقي وراحت تصرخ

إسفاف في اختيار الكلام أو اللحن. وقد أفاد من قدرته على غناء بعض قصائد نزار قباني ليبني عليها جزءاً من شهرته العربية. أما الألحان، فمعظمها من تأليف الساهر نفسه، وفي ذلك ضعف. فهو إن عرف مساحات صوته، إلا أنه لا يعرف كيف يبرز كل طاقاته ليقدم تلوينات جديدة. إذ تتشابه موسيقى بعض الألحان حتى تكاد الأذن تخلط في ما بينها. مرة جديدة، بدا الساهر كريماً مع جمهوره، لم «يكسر خاطره»، رغم أن السهرة مخصصة للقصائد إلا أنه قدم من خارج هذا «الريبرتوار» أغنية «ضمني على صدرك»... عندها «انهارت» بعض النساء، ثم غنى لساعات، وبعدما ودّع الجمهور عاد وغنى له. ولا بد من الإشارة إلى أن جمهور الساهر متنوّع، كباراً وشباناً، نساءً ورجالاً.

«قولي أحبك» و «أجمل ما في الكون» و «علّمني حبك» و... هي بعض أغنيات الساهر أول من أمس. لكن «بغداد» بدت كلمة السر، كان التفاعل بين المطرب وجمهور في حدّه الأقصى حين راح يغني «كثر الحديث عن التي أهواها... بغداد وهل خلق الله أجمل منك في الدنيا؟». على الشاشة المقابلة للمدرج، توالت الصور، المطرب، الفرقة الموسيقية وفتاة بين الجمهور، سمراء بملامح جميلة تحمل العلم العراقي وتصرخ فرحاً...

---------------------------------------------

كاظم الساهر يختتم مهرجانات بيت الدين

عناية جابر - السفير

ختام «مهرجان بيت الدين» كان مع الفنان العراقي كاظم الساهر، الذي أحيا حفله ليل الخامس عشر من آب أول من أمس السبت، وحضره جمهور غفير ضاقت عنه المدرجات، والأماكن الخلفية، وحتى الباحة المحيطة بالقصر، التي سمحت للساهرين خارج مكان العرض، بسماع الساهر، والسهر مع صوته الصادح. جمهور دأب على موافاة نجمه، في استضافات متتالية من إدارة المهرجان، التي رصدت حضوراً لافتاً للمطرب العراقي ووفرت منذ ما يقرب السنوات الأربع، لقاء يوشك ان يكون سنوياً ثابتاً، ما بين المطرب وجمهوره.

بداية، لا بد من الاشارة بمناسبة حفل الساهر الذي اكد على نقطة النهاية لعروض بيت الدين لهذه السنة، على التنوع الفني الذي لحظته برمجة المهرجان، وعلى الالتفاتة (التحية) التي قدمتها لكل من كوكب الشرق أم كلثوم مع الفنانة المصرية أمال ماهر، والشاعر الفلسطيني محمود درويش مع أوركسترا شباب فلسطين ومارسيل خليفة في غنائية أحمد العربي. برمجة لصيف 2009 من مهرجان بيت الدين، ضمت اسماء فنية لامعة، بعضها تمت استضافته لأكثر من مرة، من مثل المغني الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، والمطرب كاظم الساهر على ما ذكرنا، بالإضافة الى المخرج والموسيقي الصربي أمير كوستاريكا، والفنان اللبناني العالمي، الموسيقي غبريال يارد برفقة أوركسترا بودابست، الى المغنية اللبنانية حنين والفرقة الكوبية المصاحبة (سون كوبانو)، الى الموسيقي غي مانوكيان، وفي سجله الكثير من الجوائز عن الموسيقى العربية وافضل ألبوم للرقص.

عودة الى حفل الساهر الذي انتظره جمهوره بلهفة، مع ملاحظة غلبة الجنس اللطيف الذي يبدو انه شحذ نفسه رومانسيا لليلة تطلق مكبوتاته العاطفية التي يجيد المطرب العراقي، اللعب عليها سواء باختيار كلمات أغانيه (وتنصب في هذه الآونة على خزائن شعرية من دفاتر الشاعر الراحل نزار قباني)، الى اطلالة المطرب نفسها، المتألمة والمبتسمة في آن، في ملامح يغلبها الشجن عدة العاشقين الأكثر تأثيراً.

تعثر طفيف

في أغنية «بيروت» استهلال الساهر الغنائي لجمهوره: «لم يبق سوانا في المطعم/ لم يبق سوى ظل الرأسين الملتصقين» بدا الإصغاء تاماً، وسرحت الشابات والأكبر سناً، في التقاط معاني الكلمات، وإلباسها احوالهن وأحوال عشقهن. لم يتعمد الساهر بداية صاخبة لحفله، والأخير على ما بدت البرمجة مخصص بأغلبه لغناء شعر قباني، الذي على ما يبدو، وجد فيه الساهر حضناً دافئاً لصوته، وان كنّا نحب سماع «عراقيته» الغنائية، او استعادته لناجحة للغناء العراقي الجميل الذي أطل فيه على الجمهور اللبناني في بداية مشواره الفني.

ثمة تعثر طفيف حدث، ما بين ترتيب غناء المطرب، ومحاكاة الكورس (الصبايا المنشدات) ما دعا بالمطرب الى الاعتذار: «سامحونا» وإعادة الفاصل الغنائي. لحظنا النبرة الحادة Aigu والعالية من المنشدات كما فاضى علّو صوت الموسيقى احيانا على صوت المطرب.

هي السنة الخامسة إذاً، لحضور الساهر في مهرجان بيت الدين على ما افادت المسؤولة عن إدارة المهرجان، ما يشي بعلاقة وثيقة لصاحب الصوت الثري، وجمهوره اللبناني.

«زيديني عشقاً» لقباني، شاءها الساهر أغنية تالية على استهلاله، لقيت من الجمهور ما يحبه من المهرجانات، اعني ذلك التفاعل القائم على حفظ الأغنية وترديدها، فابتدأت الآهات عالية، من علاقة بالأغنية وكلماتها، الى تمكن الساهر منها من طول ترديدها، والإضافات الطربية التي تنشأ من الترديد الذي ذكرنا.

كرّت سبحة الأغاني في الليل المضبب بالندى وسمعنا: «كبري عقلك يا عمري» أغنية تدغدغ مشاعر المستمعات، وترضي بكلماتها في آن غرور المستمعين الذكور، بدت موسيقاها جامعة لكلاسيكي في مقاطع، وللحديث في مقاطع اخرى. ترك الساهر مساحة لعزف الآلات إفرادياً، فأظهرت الفرقة العازفة براعة كل في مساحتها وعلى آلتها.

اعتمد الساهر «تكتيكا»، إذا صح التعبير، تمثل في تقديم اغنية جديدة على آذان الساهرين، وأتبعها بأغنية قديمة للقبض على انتباه الجمهور الذي لا يبدي حماسة في العادة للجديد الذي يجهله. وهكذا فعل في برنامجه حين اعقبت أغنية «كبري عقلك» أغنية قديمة للساهر وقباني، واحسبها الاشهر في ريبرتواه: اني خيرتك فاختاري/ ما بين الموت على صدري/ او فوق دفاتر اشعاري.

ساعة ونصف الساعة من الغناء غير المقطوع بفترة استراحة مع صوت هادئ، جميل ومتمكن ويعرف مكامن جماله، وجمهور ما زال يراهن على الرومانسية، رغم كل ما يجري في العالم. مع جديد الساهر وقديمه، كان ختام بيت الدين لهذه السنة.

تعليقات: