عدنان الحاج
وتوقع الأسوأ حتى صيف 2011 لغياب القرار السياسي 3 قرارات فورية أمام الحكومة: تأمين 1500 ميغاوات وتمويل بـ3 مليارات دولار وإزالة التعديات
يمكن القول ببساطة كلية انه لا حل لمشكلة الكهرباء من الآن وحتى العام 2012، وان التقنين في الصيف المقبل سيكون أصعب من الصيف هذه السنة، وكذلك صيف العام 2011 سيكون أصعب من صيف العام 2010 نتيجة الأداء الحكومي القائم والمستمر على ما يبدو. فالحاجة لاستهلاك الطاقة تزداد بشكل كبير وبسرعة قياسية من وسط بيروت إلى الضاحية الجنوبية والضواحي الأخرى وصولاً إلى منطقة المارينا في ضبية والبحصاص في طرابلس، نظراً لتزايد المجمعات السكنية والمجمعات التجارية بشكل يفوق التقديرات ويتخطى معدل النمو الطبيعي للاستهلاك المقدر بخمسة في المئة سنوياً، هذا إذا كانت الكمية المنتجة 2250 ميغاوات وليس 1500 أو 1600 كما هي الحال اليوم. في المقابل إن القدرة الإنتاجية واستجرار الطاقة من الخارج تتراجع نتيجة قدم المعامل الموجودة لا سيما معملي الجية والذوق ونتيجة تشابه الطقس وأوقات الذروة للاستهلاك بين لبنان والدول التي يستورد منها الطاقة وهي سوريا ومصر.
أكثر من ذلك يمكن القول إن الكهرباء تحولت إلى قنبلة موقوتة في وجه استمرارية أية حكومة حتى ولو كانت حكومة اتحاد وطني أو وحدة وطنية أو حتى «حكومة التحالفات الإقليمية».
المشكلة كبيرة باعتبارها دخلت المرحلة القصوى من التأخر في الانجاز وإنشاء أي معمل لسد النقص بين حاجة الاستهلاك وقدرة الإنتاج وهذه المعضلة الأولى لاستمرار التقنين. فالواقع يقول إن دراسة تلزيم وإنشاء أي معمل بطاقة 1500 أو 1000 ميغاوات، وهي الحاجة المطلوبة حتى العام 2012 لسد النقص الحالي، تحتاج إلى ما بين سنتين ونصف السنة إلى ثلاث سنوات بين إعداد دفتر الشروط وإجراء التلزيم والمباشرة بالتنفيذ والانجاز. فقد أكدت كهرباء فرنسا في تقرير لها إلى مؤسسة كهرباء لبنان والدولة اللبنانية أن الحاجة هي لإنتاج 1000 ميغاوات إضافية حتى العام 2012، وان العملية كان يجب أن تبدأ في العام الماضي. أما الاستثمار المطلوب لهذا المعمل فيتراوح بين المليارين و 3 مليارات دولار. وليس مهماً أن يكون المعمل على الفحم الحجري لتخفيض كلفة الإنتاج أو على الغاز أو حتى على النفط الخام باعتبار أن مشكلة الوقت باتت أساسية وضاغطة مهما كانت قدرات الحكومة المقبلة.
بالأرقام البسيطة وبحسب آخر تقارير الإنتاج لكهرباء لبنان فإن الطاقة المنتجة مع الكمية المشتراة من مصر وقدرها حوالى 90 ميغاوات تصل إلى حوالى 1550 إلى 1600 ميغاوات، في حين أن الطلب خلال الفترة الحالية يصل إلى 2400 ميغاوات خلال النهار، أي أن النقص يبقى بحدود 850 ميغاوات أي بما نسبته أكثر من 35,5 في المئة. هذا، مع أن معامل الكهرباء تعمل حالياً بكل مجموعاتها من دون أي أعطال وتوقيف لمجموعات بداعي الصيانة، وإلا فأن الأمر كان كارثة فعلية، وهذا يسجل لمؤسسة الكهرباء برغم العجز المالي وضعف جهازها البشري.
إشارة هنا إلى أن سوريا كانت تبيع لبنان حوالى 100 ميغاوات إلا أنها متوقفة عن تزويد لبنان نتيجة مشكلات لديها من جهة، وحاجتها إلى تأمين الطاقة في أوقات الذروة كما في لبنان لتشابه أحوال الطقس في موسم الصيف.
مخاطر أزمة الكهرباء تكمن في الحاجة إلى قرار سياسي وتحمل المسؤوليات فوراً من قبل الجميع كون هذه المشكلة قضية تهم حياة الناس والقطاعات الاقتصادية والإدارات والمؤسسات وقطاعات المياه والصحة، في ضمان سلامة الغذاء والمواد الاستهلاكية، وحتى قطاعات النقل والسياحة تماماً كما أهمية قطاع الاتصالات والخدمات.
البد في موضوع الكهرباء يسير بسرعتين مختلفتين أو متناقضتين:
- السرعة الأولى هي النمو السكاني في المناطق الكثيرة وقيام المشاريع الكبرى وهو أمر سيزداد في حال الاستقرار ما يرفع الطلب بشكل كبير في المناطق ذات الكثافة السكانية، وتجمعات النشاطات التجارية والاقتصادية من وسط بيروت وعودة الأسواق التقليدية، إلى الضاحية الجنوبية والضواحي الأخرى ومنطقة المارينا في ضبية وصولاً إلى البحصاص في طرابلس والشمال.
- السرعة الثانية هي في تزايد التعليقات والتعديات على الشبكات وتخريب الشبكات ودخول المحطات، ما يزيد من حجم المناطق الخارجة عن قدرة الدولة والمؤسسة على حماية منشاتها وشبكاتها، ما يرفع من نسبة الهدر ويقلل من قيمة الجباية ويزيد العجز نتيجة الفوضى في العديد من المناطق بفعل التشرذم السياسي الذي ساد خلال السنوات الأخيرة.
فمن جهة هناك حاجة إلى التجهيز والتقوية والتطوير لتلبية الاحتياجات، ومن جهة أخرى هناك سرقات وتعديات تخفض من القدرة وتزيد الأعطال والعجز المالي.
إشارة هنا إلى أن موازنة كهرباء لبنان للعام 2009 بلغت حوالى 2366,5 مليار ليرة في حين أن الإيرادات المقدرة تتراوح بين 930 و1000 مليار ليرة ما جعل المؤسسة تطلب سلفة خزينة بقيمة 1425 مليار ليرة أي ما يقارب المليار دولار لسد العجز عن العام 2009، بحسب الموازنة المقرة من مجلس إدارة الكهرباء والمحالة إلى وزارتي الطاقة والمالية بصفتهما وزارتي وصاية على الكهرباء وماليتها.
في نهاية الأمر وبعد أكثر من 19 دراسة منذ العام 1990 حول إصلاح الكهرباء للوزراء المتعاقبين. وبعد أكثر من 15 تقريراً مختلفاً من إدارة الكهرباء والمؤسسات والصناديق المختلفة المعنية بتمويل بعض احتياجات الكهرباء من البنك الدولي إلى البنك الإسلامي ومؤسسة التمويل الدولية إضافة إلى كهرباء فرنسا... بعد كل هذه التقارير والدراسات والملاحظات عليها من مختلف الأطراف المحلية والخارجية، لا يمكن لأي حكومة تجاهل مهما كانت تركيبتها تجاهل الاستعجال باتخاذ القرارات الآتية لاستعادة تحسين الكهرباء اعتباراً من العام 2011 أو حتى 2012:
1- القرار الأول هو إقرار مشروع إنشاء معمل أو معملين بطاقة 1500 ميغاوات ليس المهم المنطقة في طرابلس أو سلعاتا أو الجية شرط أن تبدأ الدراسة والتلزيم من الآن، إضافة إلى استثمارات جديدة في إنشاء وتوسعة بعض محطات النقل من الضاحية الجنوبية والبحصاص في طرابلس والمارينا في ضبية إضافة إلى وسط بيروت الذي يحتاج محطة للأسواق الجديدة بطاقة تصل إلى 13 ميغاوات. هذه المشاريع إذا بدأت اليوم تحتاج إلى سنتين أو سنتين ونصف لإعطاء نتائجها وتوفير الطاقة اللازمة لسد النقص. حتى مشروع الوزير طابوريان بشراء مولدات وهو خطوة مرحلية، فإن تنفيذه يحتاج إلى 18 شهراً بالحد الأدنى أي سنة ونصف السنة ولا يؤمن كل الحاجة. وهذه الخطوة تحتاج إلى تمويل بقيمة 2,5 إلى 3 مليارات دولار بالحد الأدنى.
2- القرار الثاني يتعلق بالوضع المالي للمؤسسة، وخصوصاً موضوع التعرفة وارتباطها بكلفة الإنتاج لوقف العجز والخسائر في المؤسسة التي ترهق المواطن والخزينة وتكلف الدولة عجزاً سنوياً يتراوح بين 800 مليون ومليار دولار وفقاً لموازنات السنوات الأخيرة وتبعاً لتطورات أسعار النفط. وهذه الخطوة تحتاج إلى قرار سياسي باعتبار أن أحداً من المرجعيات السياسية لا يستطيع تحمل قرار زيادة التعرفة، على الرغم من أن المواطن يدفع فاتورة ثانية إلى المولدات الخاصة بواقع 50 و60 دولاراً على الخمسة أمبيرات أي ما يوازي خمسة أضعاف سعر تعرفة الكهرباء ولا أحد يعترض. بينما تعديل التعرفة لن يصل إلى هذه الزيادة أو حتى نصفها لقاء تأمين الكهرباء لمدة 24 ساعة يومياً. تبقى الإشارة الأخيرة وهي أن كل الدراسات المحلية والدولية تضمنت إشارة إلى ضرورة إعادة النظر بالتعرفة على اعتبار أن التعرفة الحالية موضوعة على سعر برميل نفط بحدود الـ20 دولاراً (بين 18 و25 دولاراً منذ الثمانينيات). وهناك موضوع إزالة التعليقات والسرقات على الشبكات الذي يؤدي إلى هدر بالعائدات بشكل كبير بسبب الخلافات السياسية ما يزيد التعليق وتخريب المحطات في المناطق البعيدة عن سلطة الدولة، وحتى الواقعة ضمن السلطة باعتبار أن المناطق تغار من بعضها في التخلف عن الدفع وزيادة التعديات.
3- القرار الثالث وهو الأهم يتعلق بتعزيز الجهاز البشري لمؤسسة الكهرباء وتفعيل الإدارة. فالاستثمارات الكبيرة الجدية والقائمة تحتاج إلى جهاز بشري يحميها ويحافظ على تطويرها وعائداتها من جهة، ويمنع التعديات عليها من جهة ثانية. وهذا القرار يحتاج إلى استعادة هيبة الدولة المفقودة في العديد من المناطق، ما يؤدي إلى سرقات الأسلاك وخطوط التوتر العالي والدخول إلى المحطات وفرض أوامر على العاملين بالتغذية لمناطق على حساب أخرى، في ظل أنظمة التقنين القاسية التي يعيشها المواطن والمشترك في كل المناطق تقريباً، بما فيها العاصمة بيروت، بينما الجهاز في المؤسسة عاجز عن تنفيذ محضر مخالفة أو غرامة على ألاف المخالفين من أصل المليون ومئة ألف مشترك في مؤسسة كهرباء لبنان. تبقى النقطة الأخطر وهي أن العناصر الكفوءة في مؤسسة كهرباء لبنان، إما أنها تغادر المؤسسة الى فرص أفضل أو أنها تطلب إجازات غير مدفوعة لتعمل بالقطاع الخاص وهذا سبب هزالة الصيانة في أجهزة كهرباء لبنان.
هذه قرارات تحتاج لخطوات وقرارات سياسية قبل أي شيء آخر. إذ من دون تفاهم الحد الأدنى لا يمكن لجهاز المؤسسة إزالة التعديات وتحسين الجباية في المناطق المتعددة. مع العلم بأن إزالة التعديات وتحسين الجباية و تخفيف الهدر من 40 إلى 15 في المئة، يزيد الإيرادات حوالى 200 مليار ليرة، أي حوالى 135 مليون دولار وهي تحل جزءاً من العجز. أما وصول الغاز من مصر والمنتظر منذ سنوات فإنه يساهم في تخفيض كلفة الإنتاج في معمل البداوي بحوالى 100 مليار ليرة، هذا إذا وصل باعتبار أن عمليات التجهيز وتشغيل المعمل على الغاز انتهت منذ نيسان من العام 2005، على أساس انتظار وصول الغاز من سوريا التي تعرضت هي نفسها لنقص في الغاز وعدم توافر كميات للتصدير. المهم أن الغاز يوفر بعض النفقات ويخفف قليلاً من العجز، لكنه لا يؤمن طاقة إضافية لسد النقص.
تعليقات: