مخاطر حقيقية تحدق بالمصورين الصحافيين مع تراجع عوائد الصحف المالية
الإنترنت يفتح مليارات الصفحات أمام المصورين كي يعرضوا أعمالهم
باريس:
عندما يجتمع المصورون الصحافيون والمعجبون بهم في جنوب فرنسا نهاية شهر أغسطس (آب) لحضور المهرجان السنوي للمصورين الصحافيين «فيزا بور لا أماج»، سيطرح كثير من المهنيين تساؤلات عن مصير مهنتهم هذه. ويأتي ذلك في الوقت الذي تقلص فيه الصحف والمجلات بدرجة كبيرة من ميزانيات الصور أو الأعمال التي تؤدى خارج مكان العمل، وتقوم المحطات التلفزيونية في الوقت نفسه بتقليل تغطية الأخبار بهدف تقليل النفقات والمصروفات. ويتم نشر الصور ومشاهد الفيديو التي يلتقطها الهواة باستخدام أجهزة التليفون الجوال على المواقع الإلكترونية خلال دقائق قليلة من وقوع الحدث. ويرى المصورون الذين يسعون إلى كسب قوت عيشهم من تصوير الأحداث أن هذه تعد أزمة كبيرة. وقد ظهر مؤخرا مؤشر يدلل على هذه الوضع المأساوي، حيث طلبت الشركة التي تمتلك وكالة التصوير «غاما» في 28 يوليو (تموز) الحماية من الدائنين بعد خسارة 4.2 مليون دولار خلال النصف الأول من العام الحالي في الوقت الذي تراجعت فيه المبيعات بمقدار الثلث. وقد منحت محكمة تجارية في باريس مالك وكالة «غاما» «إيديا برس» 6 أشهر كي تعيد ترتيب أوضاع الشركة. ويعمل لدى الشركة 56 شخصا داخل مقراتها في باريس، ويبلغ عدد المصورين بين طاقم العمل 14 مصورا. وتقول أوليفيا ريانت، المتحدثة باسم «إيديا» إن عملية تقليل الوظائف «حتمية» كي تكون الشركة قادرة على المحافظة على نشاطها. وأضافت المتحدثة: «لا يثمر هذا النمط من العمل في الوقت الحالي، ولذا فإنه من دون بعض التغييرات لن تكون له ثمرة في المستقبل».
وتقول ريانت: «المشكلة هي أن الأخبار المصورة تتلاشى».
وتضيف: «تريد (غاما) العودة إلى المجلات والمجلات الإخبارية. سوف نتوقف عن تغطية الأحداث الإخبارية اليومية في مقابل تغطية أكبر للقضايا».
ويظهر تاريخ وكالة «غاما» التغير الذي طرأ على السوق. استحوذت على الوكالة في عام 1999 «هاتشت فيليبتشي ميديا»، وهي إحدى وحدات «لاغاردير» التي قامت بضمها إلى أنشطة أخرى بهدف توفير الصور إلى إمبراطورية المجلات التابعة لها. ولكن، لم يشهد هذا العمل ازدهارا، وتم بيعها في عام 2007 إلى «غرين ريكفري»، وهو صندوق استثماري يقوم بشراء وإصلاح الشركات المتعثرة. وكانت التوقعات بخصوص منافسي «غاما» أفضل نسبيا، فقامت «كوربيس» بالاستحواذ على «سيغما» في عام 1999 وقامت «سود للاتصالات» بالاستحواذ على «سيبا» في 2001. وقد شهدت الصحافة المصورة، التي يقال غالبا إن المصور متثيو برادي بدأها خلال الحرب الأهلية الأميركية، عصرا ذهبيا استمر من قبل الحرب العالمية الثانية إلى السبعينات من القرن الماضي. وكانت مجلات مثل «تايم» و«لايف» و«باريس ماتش»، وواقعيا جميع الصحف الكبرى في العالم، تخصص ميزانية لحشد عدد كبير من المصورين في مواقع الأحداث تنافسا من أجل التقاط أفضل صورة. ولكن في الوقت الحالي ومع تراجع عوائد الإعلانات وعلى ضوء عمليات تسريح العمالة التي تحدث، بات على محرري الصور في كثير من الدوريات التفكير كثيرا قبل إرسال مصور إلى موقع ما، حيث إن هذا الأمر يمكن أن تصل تكلفته إلى 250 دولارا أو أكثر، بالإضافة إلى نفقات أخرى. ويقول جون جي موريس، وهو محرر صور سابق تضم سيرته الذاتية أعواما قضاها يعمل في «نيويورك تايمز» (التي تنشر «إنترناشيونال هيرالد تريبيون») ومجلة «لايف» و«واشنطن بوست»: «أبلغ من العمر 92 عاما، وتمكنت من الاستمرار على الرغم من الأزمات التي منيت بها الصحافة المصورة. ولكن أرى أن الوضع الحالي محبط ولكن لدي رغبة في التفاؤل. لم تكن هناك صور كثيرة كما هو عليه الحال حاليا، ونحتاج إلى مزيد من المساعدة من أجل فرز المعلومات».
وتقول «إديديا برس» إن مشكلاتها تفاقمت بسبب نص في قانون العمل الفرنسي يفرض على الوكالات أن توظف المصورين للعمل طوال الوقت بعد استخدام مقدار معين من عملهم، وهو عيب خطير في الوقت الذي توظف فيه الوكالات المنافسة في الخارج مصورين كثر كمتعاونين من الخارج. وقال ستيفان ليدوكس، المسؤول التنفيذي الرئيسي في شركة «إيديا» بعد جلسة الاستماع داخل المحكمة: «بقينا لأطول فترة يمكننا البقاء فيها، ولكن لم يعد هذا القالب التجاري قادرا على البقاء لوقت آخر. لقد قتلوا الصحافة المصورة في فرنسا بأن طلبوا من الوكالات أن تجعل المتعاونين من الخارج موظفين يحصلون على رواتب ثابتة».
ويقر المصورون الفرنسيون بهذه المشكلة، ولكنهم يقولون إن مديري الوكالات يبالغون في ذلك من أجل تبرير عملية تقليل عدد العاملين. وتسيطر الوكالات الإخبارية الكبرى؛ «أسوشييتد برس» ووكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس) و«رويترز» مع كثير من الوكالات الإقليمية مثل «كيودو» في اليابان و«شينخوا» في الصين على التصوير الإخباري. ولكن يتزعم عمل التسويق وبيع الصور الرقمية شركتان عالميتان هما «جيتي إميجز»، التي تأسست عام 1995 و«كوربيس» التي أسسها عام 1989 رئيس شركة «مايكروسوفت» بيل غيتس. وقد صعدت شركتا التصوير لتحظى بالاهتمام عن طريق شراء المئات من أرشيفات الصور وجعلها متاحة للبيع على شبكة الإنترنت. وعلى الرغم من أنهما مستمران في رعاية الصحافة المصورة، حيث يعمل لدى «جيتي إميجز» 130 مصورا في مختلف أنحاء العالم، نجد أن الشركتين في الواقع عبارة عن خدمتين لإدارة الحقوق الرقمية. وإذا كان مصير شركة «إيديا برس» هو التصفية، فإن أرشيفها الذي يحتوي على نحو 33 مليون صورة، من بينها صور شركة «غاما» و«رافو» و«كي ستون» سوف يكون إضافة قيمة على مقتنيات أي من اللاعبين الكبار. ويقول المسؤول التنفيذي في «جيتي» جوناثان كلين إن 70 في المائة من العوائد تأتي من بيع صور الأرشيف. وأضاف أنه مع إضافة موارد تعتمد عليها عن طريق شركة مع وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس)، فإن الوكالة تكسب حصة تسويقية على حساب الوكالات الإخبارية. وقال كلين: «تعني الصحافة المصورة أن المصورين يمكنهم أن ينقلوا القصص نفسها في صور، وأن هناك أماكن يمكنهم أن ينشروا فيها هذه الصور. وفي دنيا الصحافة المطبوعة، فإن كثيرا من هذه الأماكن، إن لم يكن معظمها، قد اختفى».
ويشير إلى أنه على الرغم من ذلك، فإن هناك أسبابا تدفع إلى التفاؤل لأنه «بفضل الشبكة الإلكترونية هناك الآن مليارات الصفحات أمام المصورين كي يعرضوا أعمالهم». وقال إن هذا الوضع يؤدي إلى أن كثيرا من الصور يتم استخدامها ولكن مقابل أسعار أقل. وأشار جين فرانسوا لورو، منظم معرض «فيزا بور لا أميج» للصحافة المصورة، الذي يقام في بربيجنان بفرنسا على مدى أسبوعين بدءا من 29 أغسطس (آب)، إلى تراجع التأكيد في وسائل الإعلام على الموضوعات الخطيرة كمشكلة أخرى. ويقول: «ينتج المصورون كثيرا من العمل الرائع، ولكن يبدو حاليا أن وسائل الإعلام مهتمة بالشخصيات البارزة، فعندما مات مايكل جاكسون لم يكن ذلك جزءا من الأخبار ولكنه كان الخبر ذاته. كم عدد الصور التي كنا نحتاجها فعلا لجنازته؟».
ويقول لورو إنه سوف ينصح المصورين الصحافيين الناشئين بأن يفكروا بحرص عن التزامهم بالنداء. ويضيف أنه قبل عشرين عاما كان المصور الصحافي يكسب قدرا من المال يمكنه من العيش. ويقول: «لن أقول لك إنك كنت سوف تصبح غنيا، ولكنك كنت تستطيع أن تعيش حياة كريمة، وليس هذا هو الحال حاليا».
ويقول لورينزو فيرجيلي، وهو مصور بارز في باريس، إن متوسط المرتب الذي كان يتقاضاه مصور حر كان يبلغ 2.400 دولار في الشهر، وإن عمل بعد الإنتاج غير المدفوع على الكومبيوتر يستغرق وقتا أطول. وقد أخذ بعض المصورين في العمل لصالح مؤسسات ترويج ومؤسسات كبرى أو شركات من أجل الاستمرار في القيام بما يحبونه، حسب ما قاله فيرجيليز، ولكن يكون التعاقد في النهاية غير مرضٍ ولأنك «تتمتع كصحافي بأخلاق مهنية وبالعمل لديهم، فإنك تخاطر بحياديتك، وتخسر استقلالك».
وقبل عشرة أعوام، كتب ديرك هاستيد، الذي قضى 29 عاما يعمل مصورا مختصا بشؤون البيت الأبيض لصالح مجلة «تايم» في «ديجيتال جورنالست»: «عندما أتحدث عن موت الصحافة المصورة فإني أتحدث فقط عن فكرة التقاط صورة واحدة في طائرة لصالح دورية في وسائل الإعلام العامة». وقد كان نقل القصص مرئيا موجودا منذ العصر الحجري، حسب ما قال، مشيرا إلى أنه «سوف يعزز» بسبب التغيرات التي تحدث. وبالعودة إلى هذا المقال الشهر الماضي كتب هالستيد أن الظروف في الوقت الحالي أسوأ مما كان يتوقع. وأضاف أنه كي تكون مصورا صحافيا اليوم فهذا يعني «أنك مجنون». واختتم قائلا: «هؤلاء الذين سوف يقومون بأي شيء كي يفرزوا قصة سوف يبقون هناك يلتقطون صورا لفترة طويلة».
* خدمة «نيويورك تايمز»
تعليقات: