المخطط الجغرافي كما ارسل من الوسيط الاسرائيلي الى شركة لبنانية لربط بديل عن محطة الباروك
منذ اليوم الأوّل لإثارة ملف محطة الباروك من جانب وزارة الاتصالات، دار نقاش في جانب يتّصل بعلاقة ما لإسرائيل بهذا الملف. حرص وزير العدل إبراهيم نجار على نفي الأمر، ثم بوشر التحقيق من جانب مديرية الاستخبارات في الجيش بناءً على أمر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية
يرى وزير الاتصالات جبران باسيل أن ثمّة بندين في ملف محطة الباروك: الأوّل يتعلّق بالاستخدام غير المشروع، ما يؤذي المال العام، ويمثّل اعتداءً على الدولة. أمّا الملفّ الثاني، فتحوطه الأسئلة الكبرى بشأن وجود وقائع وإشارات إلى علاقة أحد المشغّلين في محطة الباروك بشركات يديرها إسرائيليّون، وأن الموزّع الأساسي موجود في إسرائيل. لكن باسيل يقول إنه ليس الجهة الصالحة لاتهام أحد، وإنه كما فعل عند إحالة ملف المخالفات القانونية على النيابة العامة المالية، فهو أحال ما يراه ملفاً على النيابة العامة نفسها، ثمّ أحاله منفرداً على النيابة العامة التمييزية. رفض باسيل التورّط في أيّ اتّهام، لكنه خاض معركة متدرجة ضد وزير العدل وفريق آخر من الذين تدخّلوا لإقفال الملف لأنهم لا يريدون التحقيق بوجود علاقة ما بإسرائيل.
ومع أن باسيل يحتفظ لنفسه بملف وأوراق يعتقد أنها تفيده في مواجهة هذه الحملة، فإنّ البحث الأمني والقضائي في الأمر انطلق من وثائق أوّلية جمعها متخصّصون، وجرى دعمها بمعلومات عملت على تجميعها جهات أمنية رسمية.
«الأخبار» تعرض في ما يأتي جانباً من هذه المعلومات، وهي لا تمثل طرف ادعاء فيه، بل تنشر محتوى وثائق رسمية ومراسلات موجودة في وزارات الاتصالات والعدل والدفاع، وهي الآن محور تحقيقات تتولّاها مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني، كما جرى إطلاع بعض المراجع السياسية الرسمية والحزبية على مضمونها.
■ الرواية الأمنيّة ــ التقنيّة
صورة عن العقد بين شركة «Com net» لشراء خدمات انترنت بواسطة شركة ليست مسجلة في اسرائيلصورة عن العقد بين شركة «Com net» لشراء خدمات انترنت بواسطة شركة ليست مسجلة في اسرائيلتبدأ الحكاية من كون محطة الباروك قد انطلقت من خلال شركة نالت ترخيصاً في زمن تولّي الوزير جان لوي قرداحي حقيبة الاتصالات. وفي وقت لاحق، جرت صفقات تجارية ذهبت من خلالها ملكية هذه الشركة ونشاطها إلى آخرين. وفجأةً برز إلى السطح اسم نديم ووليد حويس، اللذين يملكان شركة win dsl وهي مسجلة في مؤسسة «رايب» العالمية. وقد أدّت شركة آل حويس دور الوسيط في تزويد عدة موزعين للإنترنت بسعات انطلاقاً من محطة خارج لبنان، وثمّة شبهات كثيرة في وجود هذه المحطة في إسرائيل.
وبحسب التحقيقات الميدانيّة، جرى استخدام هوائي محطة mtv لإقامة مركز الوسيط، ليجري الربط بين المحطة الأم ومحطة بيت مري، حيث توزّع ما يُعرف بـ«الحزم» إلى موزّعي الإنترنت الذين يتولّون نقلها إلى الزبائن والمشتركين. وقد جرى التثبّت من جانب الجهات المعنية من أنّ الموزّعين الأكثر شهرة هم: شركة com net التي يملكها نبيل مبيص وجيمس فيليبي ومركزها يقع في سنتر ميرنا شالوحي، وشركة moscanet ومركزها الكرنتينا ولديها ترخيص من وزارة
الوسيط الإسرائيلي يقترح محطّة ربط بين المالكيّة وجبل صافي فبيروت فالضاحية
معدّات مصنّعة في إسرائيل توفّر خدمة فائقة والسرعة وبأسعار تقلّ عن الدولة 3 أضعاف
الاتصالات، وشركة global proof ومركزها في الدورة يملكها اغوب تيكيليان وهي غير مرخصة وتعمل تحت اسم شركة virtual isp المرخصة، علماً بأن آل حويس يستخدمون شركة hot spot لإصدار الفواتير. وتعدّ شركة global proof الزبون الأكبر لدى شركة win dsl وتتزوّد منها بما يقارب 150 mb/s بسعر ألف دولار أميركي شهرياً لكل E1.
وبحسب التقرير نفسه، فإن شركة آل حويس تحصل على حاجتها من شركة عالمية هي Tiscali ويقع مركزها الرئيسي في لندن، إضافةً إلى مركز آخر رئيسي لها في إيطاليا، وهي مزوِّد رئيسي للإنترنت في أوروبا. لكنّ ممثّلها في الشرق الأوسط حيث بدأت تعمل منذ حوالى أربعة أعوام، هو الإسرائيلي رونين نيهاوس، وله صفة المدير الإقليمي، ومركزه في تل أبيب.
ومن خلال تحقيقات إضافية، تبيّن أن تل أبيب لا تضم مكتب المدير الإقليمي فحسب، بل أيضاً مركزاً رئيسياً للمحطة، موزّعاً للإنترنت في المنطقة، ولا سيّما أنّه تبيّن لفنيّين من وزارة الاتصالات أن شبكة الربط الموجودة في محطة الباروك تعرضت مرات عدة للتشويش، ما اضطر المعنيين إلى استخدام أجهزة بديلة لإتمام عملية الربط، الأمر الذي أتاح لهم تجاوز برنامج الحماية (Firewall)، حتى إنه حصل في بعض الأحيان أن ظهرت العناوين الإسرائيلية بعدما كانت محمية من خلال هذا البرنامج.
■ التعرّف إلى الموزّع الإسرائيلي
صورة عن العقد بين شركة «Com net» لشراء خدمات انترنت بواسطة شركة ليست مسجلة في اسرائيلصورة عن العقد بين شركة «Com net» لشراء خدمات انترنت بواسطة شركة ليست مسجلة في اسرائيل بعد التدقيق من جانب الجهات المعنية التي أعدّت هذا التقرير، تبيّن أن هناك مشكلة بدأت تنمو بين آل حويس والشركات الزبائن لديها، وخصوصاً أن هناك من أعطى إشارة لهؤلاء إلى أن الأسعار مرتفعة جداً، علماً بأنه بسبب قرار المدير العام لأوجيرو عبد المنعم يوسف بعدم توسيع خدمة الـE1، ظلت كلفته مرتفعة نسبياً، إذ يتقاضى آل حويس ألف دولار أميركي بدلاً شهرياً مقابل 2500 دولار لأوجيرو، وهو الأمر الذي استغلّته شركات خاصة للعمل عليه مع زبائن كثر. لكن جيمس فيلبي، أحد أصحاب شركة COM NET، حاول من جانبه الحصول على أسعار أقلّ.
في هذه الأثناء، دخل على الخط ناصر فرحان، وهو مواطن أردني أبلغ فيلبي أنه يمثّل TISCALI في الشرق الأوسط، وتوافقا على عقد لقاءات لدرس العروض الجديدة. وحدث أن زار فرحان بيروت مرتين، توجّه في إحداهما إلى وزارة الاتصالات، ثم التقى فيلبي وقال إنه مستعد لتزويد COM NET بسعر 650 دولاراً أميركياً بدلاً شهرياً، أي أقل بـ350 دولاراً عن سعر آل حويس. ولما سأله فيلبي عن كيفية حصول الربط مع الأردن، وما إذا كان سيجري عبر سوريا، ردّ فرحان بأنّه لا حاجة إلى ذلك، فلدينا القدرة على الربط المباشر مع إسرائيل، وهناك إمكان تقنيّ لتحقيق ذلك. وأبلغ فرحان مفاوضيه أنه سيجري إتمام العقد والصفقة في قبرص.
وبعد استطلاع الأمر، تبيّن أن الوسيط في قبرص هو الشخص الذي يتولّى أعمال التواصل وعقد الصفقات نيابةً عن المدير الإقليمي لشركة TISCALI الموجود في إسرائيل. لكنّ هذا الوسيط تبيّن أنه إسرائيلي هو الآخر، ويدعى جيري ارنشتاين، وله عنوان واضح في قبرص وكذلك في إسرائيل، بما في ذلك رقم هاتفه الإسرائيلي وهو (00972 39003000) ولديه عنوان آخر في بريطانيا.
لكن اللافت في هذا السياق، أنه لدى التفاهم على عقد صفقة، أبرز أرنشتاين أوراق شركة أخرى تتولّى عقد الصفقة، وهي شركة INFRAG التي لا أصول لها في إسرائيل، وهي غير مدرجة على لائحة الشركات الإسرائيلية المعنية في هذا العالم. وحاولت «الأخبار» الحصول على معلومات عنها، إلا أنها فوجئت بعائق تقني مع رسالة اعتذار من أحد المواقع تفيد بأن المعلومات الإضافية عن الأشخاص والمجموعات غير متوافرة لأسباب خاصة.
■ جبل صافي فبيروت فالضاحية
صورة عن لائحة المواد المطلوبة لاقامة محطة جبل صافيصورة عن لائحة المواد المطلوبة لاقامة محطة جبل صافيلكن العقد الذي وقّع مع هذه الشركة بموافقة جيمس فيلبي نفسه وتوقيعه، تضمّن طلب معدات في غاية الدقة والتطوّر، مع اقتراح مخطّط جغرافي للوصل من دون الحاجة إلى خدمات آل حويس في محطة الباروك. ويشير هذا المخطط إلى إمكان استخدام تقنية عالمية هي FIBER AIR يجري تشغيلها من خلال معدات خاصة من تصنيع شركةCERAGON NETWORKS الإسرائيلية. وهذه المعدات قال عنها عاملون في هذا الحقل إنها الأكثر تطوراً وتعقيداً، ويصل قطر الهوائيات فيها إلى 1.8 م. وهي ذات سرعة فائقة مع ثبات في الإشارة حتى على مسافة بعيدة تتجاوز 80 كلم.
أما خط الربط المقترح من وسيط قبرص جيري ارنشتاين، فيبدأ من نقطة المالكية في فلسطين المحتلة باتجاه جبل صافي في أعالي إقليم التفاح في الجنوب، ومنها باتجاه محطة أخرى في رأس بيروت، ومنها يجري الانتقال إلى أيّ موزعين آخرين، بما في ذلك تحديد خط العمل باتجاه الضاحية الجنوبية لبيروت.
ولم يكتفِ الإسرائيلي جيري ارنشتاين بما حصل، بل بادر إلى خطوة إضافية. فبعدما فكّكت وزارة الاتصالات معدّات اتصال غير شرعية كانت موضوعة على أحد الأبراج في جبل تربل في الشمال، اتصل جيري باللبناني جيمس فيلبي عارضاً عليه تكلفة أقلّ مقابل تزويد COM NET بالخدمة. وبعدما توطدت الاتصالات والعلاقة بين فيلبي وارنشتاين، كشف الأخير لفيلبي أنه هو المزوّد الرئيسي لشركة آل حويس عبر محطة الباروك. وهنا حاول فيلبي ابتزاز حويس بما يعرفه من أجل الحصول منه على الخدمة بأسعار أقل، أو أنه سيذهب مباشرة إلى ارنشتاين. وتبيّن من خلال مراقبة التواصل بين الفريقين، أن فيلبي طلب من ارنشتاين في وقت معيّن التوقف عن مراسلته عبر بريده الإلكتروني الرسمي، وأعطاه عنواناً خاصاً على المواقع المفتوحة.
وفي هذا السياق، بعد قيام فريق من وزارة الاتصالات بمواكبة قوّة منتدبة من النيابة العامة بتفكيك أجهزة اتصال غير شرعية في محطة الباروك، أشار التقرير بشأن هذه المهمة إلى أنه جرى التأكد من وجود «رابط ميكروي للربط الخاص بشركة آل حويس، وقد وُجِّه أحد هوائياته نحو الجنوب، فيما وُجِّه الآخر نحو بيت مري، وأن الأجهزة المستخدمة هي من تصنيع شركة CERAGON NETWORKS الإسرائيلية. وقد عمد البعض إلى محاولة محو العلامة التجارية للشركة (اللوغو) بواسطة اليد. وقد تأكد في وقت لاحق أن وزير الاتصالات أبرق إلى النيابة العامة طالباً التحرك ومصادرة هذه الأجهزة.
معلومات وتواريخ
- بدأ تشغيل محطة الباروك بتاريخ 8 تشرين الثاني عام 2006.
- لجأت شركة معنية إلى تفكيك معدات بيت مري مباشرةً بعد تفكيك معدات محطة الباروك.
- تشير تقديرات الجهات المشرفة على التحقيق إلى أنه يصعب من حيث المبدأ توفير تغطية لعمل محطّة الباروك لولا تدخّل نافذين على أكثر من مستوى في الدولة، وهو اعتقاد تعزّز بعد تبيان هويّات الشخصيات التي راجعت خلال الأسبوعين الأخيرين لمنع ملاحقة أحد.
- يقول معنيون من الشركات إنهم كانوا يزوّدون المؤسسة العسكرية ورئاسة الجمهورية الخدمة، وإنهم وفّروا في وقت سابق خدمات مماثلة لجهات قريبة جداً من حزب الله. وتحدّثوا في التحقيقات عن عرض خدمة من جانب قوات «اليونيفيل» في الناقورة لخدمة 15 ألف مستخدم، وأن هذا العرض هو السبب في توجيه أحد الصحون إلى الجنوب.
- جرى تحديد نقطة ربط إضافية من الباروك باتجاه البقاع، وتعرّفت الجهات المعنية إلى هوية عدد من الأشخاص المتصلين بعملية استيراد لمعدّات جديدة.
- أجريت عملية بحث وتحرٍّ عن الأشخاص المفترض مقابلتهم في التحقيق، وبينهم الوسطاء وأصحاب الشركات، إضافة إلى التقنيين. وجرى التدقيق في الأحوال الشخصية والمالية لعدد من المعنيين، وتبيّن أن أحد الشركاء في ملكية المؤسسات العاملة كان قد أوقفه الجيش اللبناني في منطقة الأرز في تشرين الأول من عام 2008 بتهمة حيازة مخدّرات، وأُطلق سراحه بعد مداخلات استمرت 4 أيام. كذلك سيجري الاستماع إلى موظف يتولّى التحويلات المصرفية، وآخر تولّى عملية تركيب الربط.
تعليقات: