«الشكشوكة».. طبق الفقراء الذي يثير شهية الأغنياء

البساطة عنوانه
البساطة عنوانه


تونس:

تفوح رائحة البصل من جميع الأطباق، تلك الرائحة التي طالما هرب منها أفراد الأسرة في تونس وربما في كامل بقاع الدنيا ولكن الحاضرين في مهرجان الأكلة الشعبية بالمنستير في دورته الأولى (الساحل الشرقي للبلاد التونسية) تماسكوا وأصروا على أن تكون الدورة الأخيرة من دورات المهرجان مخصصة لـ«الشكشوكة» كطبق تونسي أصيل يرجع تاريخه إلى مئات السنين.

الشكشوكة طبق الطبقات الفقيرة بالأساس، مكوناته من الخضر البسيطة في معظم الأحيان(طماطم- فلفل- بصل- بطاطا)، ولكن بعض العائلات التونسية تضيف إلى هذه المكونات البيض فتسميها العائلة في تونس «شكشوكة نابلية» نسبة إلى مدينة نابل التونسية.. هذا الطبق الفقير نسبيا وجد من الحظ ما يكفي في مهرجان الأكلة الشعبية. والشكشوكة أكلة شعبية بامتياز ولكنها هذه المرة وجدت ما يكفيها من الحظوة فإذا السياح المتدفقين خلال هذه الفترة على تونس قد أحبوا هذا الطبق البسيط وحاول كل الحاضرين تذوقه، أما وقد تفنن الطباخة في تزيينه وعرضه على طاولات مزركشة، فقد أصبح طبقا مميزا، وإذا أضفنا إلى ذلك طبخ الشكشوكة بزيت الزيتون، فإن رائحة الزيت المتوهجة قضت نهائيا على رائحة البصل، وأصبح الوصول إلى الأطباق المهيأة بعناية غاية قد يكون من الصعب إدراكها.

تقول نجاة بلخيرية مديرة المهرجان إن الاختيار على أكلة الشكشوكة يأتي بالأساس في إطار التعريف بالأكلات الشعبية التونسية والتأكيد على قيمتها الصحية في الموروث الغذائي التونسي.. ولعل التعريف بهذه الأكلة المعتمدة على مادة البصل أساسا، تؤكد أهميتها الصحية التي تعرفها المرأة في المنستير(مكان التظاهرة) وبقية النساء التونسيات اللاتي تربين على عادات غذائية متوارثة من جيل إلى آخر.. ولا تزال عديد العائلات في منطقة الساحل تعتبر شكشوكة البصل أكلة أساسية تقدمها لزوجها البحار بإضافة طبق السمك.

ويبدو أن للبصل فوائد عدة إذا استعمل في الطب القديم من بين الوصفات الصحية في عهد الإغريق، وتؤكد كل الدراسات حسب ما أكدت عليه نجاة بلخيرية أن رائحة البصل أو عصارته وكذلك أوراقه تقضي على الجراثيم الضارة وميكروبات مرض السل، كما ينظف البصل الجسم من الأملاح الضارة، وينقي الدماء وينشط القدرة الجنسية كما يقوي الأعصاب وهو مفيد ضد السعال والربو وأمراض المفاصل والصداع والمغص والجروح المتعفنة.. وهو كذلك يحتوي على مضادات حيوية طبيعية كتلك الموجودة في "البنسلين".. كل هذه الخصائص الطبيعية تعطي للبصل أهمية خاصة في التغذية وهو ما استدعى التعريف به من خلال هذا المهرجان.

وأنت تتجول بين الأواني الفخارية والنحاسية المنتصبة على الشاطئ البحري، تتأكد أن الشكشوكة التي كان الأطفال الصغار يبدون كرههم لها باعتبارها طبقا يتكرر أكثر من مرة في الأسبوع، قد وجدت هذه المرة ضالتها إلى جانب خبز الطابونة وخبز الطاجين والخبز القيرواني ذائع الصيت، بالإضافة لزيت الزيتون الشهير بالمنطقة.. شكشوكة البصل كما يسميها سكان الساحل، وشكشوكة القرع وشكشوكة البطاطا وشكشوكة الخضر وشكشوكة الباذنجان وشكشوكة الفول، كلها أصناف من المأكولات لمسمى واحد حتى وان تعددت تركيبته.. وتنافست الشكشوكة التونسية مع نظيرتها المغربية والأخرى الفرنسية وتمكنت الشكشوكة من التفرع إلى أصناف مبتكرة مثل شكشوكة البصل بالمرقاز والشكشوكة باللحم المفروم المسماة «بنادق» وشكشوكة البصل بإضافة القديد، وقد اقبل عليها السياح الحاضرون بكثافة في هذا المهرجان، إلى جانب شكشوكة الحلزون وكلها ابتكارات أضفت على التظاهرة الكثير من الحيوية والنشاط.

عن أهمية البصل في التغذية يقول نور الدين أبو مسعد المختص في التغذية، إن مشاكل صحية عديدة أصبحت متفشية بين الأجيال الجديدة على غرار السمنة جراء ابتعادهم التدريجي عن العادات الغذائية الأصيلة.. فالقيمة الغذائية لطبق الشكشوكة الذي يبدو للوهلة الأولى طبقا فقيرا، لا يمكن إنكارها فهي سهلة الهضم وتحتوي على الخضر الضرورية للنمو، كما أن إضافة البيض لها أو قطعة من اللحم أو السمك تجعلها ذا فوائد غذائية وصحية لا تحصى.. وبالإمكان تعويد الأطفال الصغار على تناولها إذا عرفنا أن الكثير من العائلات تستعمل مكوناتها الأساسية لطبخ البيتزا، وهذه فرصة إضافية لتمريرها مع قطع البيتزا.

تعليقات: