وتبقى صناعة الفخار في كل زمان ومكان
واحدة من الحرف التقليدية التي تحارب من اجل، البقاﺀ صناعة الفخار في لبنان، حرفة قديمة توارثها أبناﺀ عن آباﺀ عن أجداد فقدر لها الحماية والاستمرار إلى عصرنا، وذلك رغم ما عانته من إهمال وما الحق بها من ممارسات هدفت إلى طمسها وتغييبها كونها رمز حضارة وتاريخ. قديماً كان الفخار المادة الأساسية التي يستخدمها الإنسان في صناعة كثير من مستلزمات الحياة كأواني الغذاﺀ وصولاً حتى مكان السكن أما اليوم فغدا فقط محصوراً في صناعة أواني الزهور وتحف الزينة وديكورات المنازل والفنادق السياحية بشيﺀ من الإبداع الفني.
يرجع البعض صناعة الفخار في لبنان الى 4 آلاف سنة قبل الميلاد نــظــراً لمواكبة شعبه الحضارات الإنسانية وتأثره بها، وقد حملت بعد ذلك العديد من القرى والبلدات اللبنانية اسمها، منها راشيا الفخار التي لا تــزال صناعة الفخار فيها تعتمد طرقاً بدائية، لكنها ذات جودة عاليةرغم افتقارها للآلة التي تساعد في تطويرها وتخفف أعباﺀ كثيرة عن أفــراد العائلة العاملة، فيما يبقى المردود المادي ضئيلاً قياساً بالفترة الزمنية التي يتطلبها إنجاز العمل والجهد الذي يقتضيه.
ويبقى العاملون في هذه الصناعة على أمل حدوث تغيير ما، لجهة دعم القطاعات الانتاجية في المناطق الحدودية. اضافة الى راشيا هناك بيت شباب وغيرها من البلدات التي لا تزال هذه الصناعة التقليدية ترقد حتى الساعة في اقبية منازل بعض هذه البلدات، يتمسك جيل من كبار السن بصناعتها معتمدين على الطين والحرارة العالية التي يولدها احــتــراق الحطب والفحم. اذ بنظر قليلين ممن لا يزالون يسترزقون بهذه المهنة "ليس هناك أبدع من شيﺀ تصنعه بيدك وتسجله بمشاعر وأحاسيس صادقة نابعة مــن عميق قلبك فتكون دلالاتــه إنسانية تاريخية تراثية فنية عريقة تخبر عن الماضي الذي كان وتؤصل لمستقبل مشرق".
عرف اللبنانيون صناعة الفخار منذ قرون وكانوا قبل ذلك يستخدمون الصخر الذي حد من إمكانية الإبداع والتشكيل نظراً لصعوبة التعامل معه، وظلت صناعة الفخار الأولى في لبنان فتنافست المدن اللبنانية بين بعضها على انتاجه فتميزت إحداها عــن الأخـــرى وتــنــوعــت المنتوجات وتـــعـــددت الأشـــكـــال والـــزخـــارف والإبــداعــات الفنية في الصناعات الفخارية وكانت بمثابة مهنة تراثية يتناقلها الأبناﺀ عن الآباﺀ عن الأجداد يضيفون عليها ويزيدون في مجال إبداعهم فيها.
ولــكــن كـــان للتطور والــحــداثــة تــأثــيــره الــســلــبــي عــلــى مــثــل هــذه الصناعة التقليدية ووصلت تبعاته إلــى لبنان حيث بـــدأت الصناعات الحرفية التقليدية تشهد تراجعاً مــلــحــوظــاً أثــمــره تــطــور الصناعات الحديثة ومواكبة العالم لعمليات التصنيع الإلكتروني بخاصة في أواسط الثمانينات من القرن الماضي فبدأ الركود يشوب صناعة الأواني الفخارية وبات العطاﺀ المستمر من قبل الحرفيين ينضب ويتوارى شيئاً فشيئاً حتى بدا واضحاً وجلياً منذ العقد الثالث للقرن الماضي وبقي عدد بسيط من أولئك الصناع المهرة بل والفنانين المبدعين يجابه ويحارب من أجل بقاﺀ حرفته وحرفة أجداد، ه بعضهم عمد إلى شراﺀ آلات حديثة والبعض الآخر أصر أن يستمر بإبداع الصناعة التقليدية من أوان وأباريق وقوارير وصحون مزينة بألوان زاهية وأخرى تصلح كأركان وزوايــا ديكور رائع في جنبات المنزل والحدائق.
تعليقات: