رون أراد
لجنة عسكرية إسرائيلية جمعت كل المعلومات عنه لكنها لم تستطع تحديد تاريخ وفاته أو مكان دفنه..
أظهر تقرير لجنة عسكرية اسرائيلية كشف النقاب عنه يوم أمس أن الطيار الإسرائيلي رون أراد كان على قيد الحياة حتى العام 1995 وأنه توفي بعد ذلك لمرض أو سواه. وطلب التقرير الإعلان عن أراد أنه ميت مجهول مكان الدفن. غير أن رئيس الحكومة الاسرائيلية في حينه، أرييل شارون رفض التجاوب مع التقرير، كما أن رئاسة الحكومة الاسرائيلية أصدرت يوم أمس بيانا شددت فيه على أن فرضية العمل هي أن أراد على قيد الحياة وأن العمل متواصل من أجل إعادته.
وحاول رونين بيرغمان، الذي يعمل في «يديعوت أحرنوت» وهو متخصص في الشؤون الاستخبارية أن يضع نهاية للغز رون أراد عبر كتاب جديد نزل أمس للأسواق باسم «دولة إسرائيل ستفعل كل شيء». ونشر بيرغمان في الكتاب وثائق سرية إسرائيلية وألمانية تسلط الأضواء على الجهود التي بذلت لمعرفة مصير أراد. وعموما فإن خلاصة الكتاب هي أن أراد ليس على قيد الحياة وأن الحاخام العسكري الأكبر في العام 2005 إسرائيل فايس طلب الإعلان عنه ميتا مجهول مكان الدفن.
غير أن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أعلن ظهر أمس أنه «طالما ليس هناك برهان آخر، فإن فرضية الأساس هي أن رون أراد على قيد الحياة ونحن نعمل من أجل إعادته إلى بيته». وأشارت مصادر في الديوان إلى أن «الجهود لتسليط الضوء على مصير الملاح الجوي الأسير تتواصل». ويشكل هذا الموقف استمرارا لموقف رؤساء الحكومات منذ أرييل شارون الذي رفض العام 2005 الإعلان عن موت أراد، رغم توصية من طاقم خبراء بالإعلان عن أن رون أراد من قتلى الجيش مجهولي مكان الدفن.
وخلافا لما جاء في رواية رونين بيرغمان عن فحوى التقرير الاستخباري الإسرائيلي فإن الحاخام العسكري الأكبر في العام 2005 إسرائيل فايس أكد أمس أنه لم يطلب الإعلان عن موت رون أراد. وقال فايس يوم أمس «لم أبحث في قضية رون أراد، وبالتأكيد لم أقرر أي شيء بهذا الشأن». ودارت سجالات في وسائل الإعلام بين فايس وبيرغمان حيث أكد الأخير صحة الرواية التي نقلها عن وثيقة عسكرية إسرائيلية.
وينشر الكتاب أمر وثيقة إسرائيلية هي خلاصة عمل لجنة سرية تشكلت قبل أربع سنوات وترأسها رئيس شعبة الاستخبارات الجنرال أهرون زئيفي وقالت إن أراد كان على قيد الحياة حتى العام 1995 وأنه توفي في لبنان وهو بحوزة جهات إيرانية بسبب المرض. ولم يعثر على مكان دفنه رغم جهود إيران وحزب الله.
كتاب «دولة اسرائيل ستفعل كل شيء»، الذي يرى النور غدا، يجلب اهم النقاط في تقرير اللجنة وتفاصيل الملفات الاستخبارية في الموضوع: ملف شعبة الاستخبارات والموساد وملف الاستخبارات الالمانية، التي أدارت باسم اسرائيل المفاوضات مع ايران على رون اراد في التسعينيات.
ومنذ البداية يبين الكتاب كيف أدارت إسرائيل أول مفاوضات بشأن أراد مع زعيم حركة «أمل» الرئيس نبيه بري عبر أحد رجال الأعمال. وطلب بري الإفراج عن بضع عشرات من المعتقلين الفلسطينيين مقابل الإفراج عن أراد إلا أن وزير الدفاع الاسرائيلي في حينه اسحق رابين رفض ذلك.
ويذكر الكتاب أن خلافات حدثت في «أمل» دفعت الحاج مصطفى الديراني للانشقاق عنها ومعه أراد. وأبقى أراد في بيت يعود لأحد أفراد عائلة شكر في النبي شيت. ولكن آثار أراد اختفت في ليلة 4-5 أيار العام 1988 حين شن الجيش الإسرائيلي عملية ميدون. وحاولت إسرائيل مقايضة الإيرانيين عبر ألمانيا الشرقية والأمم المتحدة ولكن عبثا.
وفي العام 1992 ، توجه رابين وهو رئيس للوزراء، سرا الى المستشار الالماني هلموت كول وطلب منه تدخل استخباراته. واستجاب كول وكلف بالمهمة برنارد شميدباور، منسق شؤون الاستخبارات في مكتب المستشار. وهذا كان يعرف ان العنوان، حتى لو كان اراد بيد حزب الله، هو طهران. وتوجه الى الاستخبارات الايرانية التي لم تنف علاقتها بأراد، بل سمت حسين موسويان، السفير الايراني في المانيا لتنسيق الاتصال بالاستخبارات الالمانية.
فريق من رجال الاستخبارات الايرانيين انضم الى موسويان حين سافر الى المانيا. ولم يكن هناك شك لمن حضر الاتصالات في أن ايران تدير مفاوضات على اراد وكأن بوسعها أن تأخذ قرارا بشأنه. واراد شميدباور عقد صفقة ودعا وزير الاستخبارات الايرانية علي فلاحيان للبحث في ذلك. وقد وصل فلاحيان الى المانيا ولكنه لم يكن مستعدا لابرام صفقة.
كان الالمان يعتبرون ان فلاحيان كان ضالعا في قتل اربعة من رجال المعارضة الايرانيين في مطعم ميكونوس في برلين قبل سنة من وصوله ، ومع ذلك فقد دعي لزيارة برلين، الامر الذي اثار غضب الاستخبارات الاسرائيلية وجرت مكالمة هاتفية غاضبة بين رابين وكول، في ختامها طرق رابين سماعة الهاتف. بعد ذلك ندم، استدعى اليه رئيس الموساد في حينه شبتاي شافيت وأمره بالسفر فورا الى برلين لمصالحة الالمان والتأكد من أن يواصلوا معالجة قضية الاسرى والمفقودين.
المستوى التالي في ملف «حرارة الجسد» وهو الاسم السري لرون اراد كان حملة لتجنيد شخص توفرت حوله معلومات بانه كان على اتصال مع الطيار الاسرائيلي الاسير. اسرائيل برلوف، الذي كان في حينه رئيس دائرة الاسرى والمفقودين في الموساد، نجح في تجنيد ذلك الشخص واخذ منه افادة. وأكد الرجل انه التقى رون اراد حيا مرتين، مرة في لبنان ومرة اخرى في ايران. وبينت آلة فحص الكذب بانه يقول الحقيقة. ومنح رابين وساما خاصا لبرلوف استثنائيا لقاء ذلك.
وتقاطعت معلومة برلوف مع معلومات اخرى وصلت الى اسرائيل في نهاية الثمانينيات وأضفيت عليها مصداقية عالية. حسب احدى المعلومات فان قادة الاستخبارات الايرانيين قرروا ان تبقى المداولات بمسؤولية الحرس الثوري، مما جعل التركيز للاستخبارات الاسرائيلية في الاتجاه الايراني. رئيس الوزراء رابين عقد مؤتمرا صحافيا اعلن فيه ان مساعد الطيار المفقود محتجز في ايران وان اسرائيل تعتبر ان طهران مسؤولة عن سلامته.
مع انتهاء مهام برلوف حل محله خصمه رامي ايغرا الذي ادعى ان فحص آلة الكذب للمصدر لم يكن موثوقا مما شكك بالنظرية التي تقول ان اراد يوجد في ايدي الايرانيين. في 1994 قضى ايغرا وقتا طويلا في فرنسا والمانيا ونجح في اقناع السلطات هناك بتحرير رجال المخابرات الايرانيين المحتجزين بتهمة تصفية رجال المعارضة اذا ما اغلق الايرانيون ملف اراد نهائيا. واشترط الالمان ذلك بكتاب رسمي من حكومة اسرائيل ووقع رابين الكتاب المطلوب وبعث به عبر الملحقية العسكرية الى برلين.
وهنا وقع خلل، حسب الرواية الالمانية، فان السفير الايراني في بون كان مقتنعا بانه سينجح في حل قضية ميكونوس من دون رون اراد، وهكذا بلغ مسؤوليه في طهران. وبزعم الالمان هذا هو سبب الرفض الايراني ابرام صفقة تتضمن الطيار الاسرائيلي ـ وليس حقيقة ان اراد لم يكن في ايديهم. غير أنه بعد حسم المحكمة الالمانية في قضية ميكونوس تبين للايرانيين انه سيكون صعبا جدا عليهم تحرير رجالهم، وبالتالي فببساطة تركوا كل الامر.
الانعطافة
في بداية 1995 وقعت في المانيا انعطافة اخرى، معناها لم يفهم في الزمن الحقيقي. فقد وصل السفير موسويان الى مكتب منسق الاستخبارات الالمانية اوغوست هننيغ واعلن ان كل ما يتعلق بأراد انتهى. وقال السفير: «اذا كنتم تعتقدون انه في لبنان او في يد حزب الله فتفضلوا بالتوجه الى حسن نصرالله، فلعل بوسعه ان يساعدكم». الالمان فوجئوا جدا وفهموا أنه طرأت انعطافة دراماتيكية في القضية ولكن من دون أن يفهموا لماذا. معنى هذا الاعلان لم يظهر الا بعد عشر سنوات بعد أن حلت اسرة الاستخبارات الاسرائيلية لغز اختفاء رون اراد.
العقيد ليئور لوتان، الذي كان في حينه رئيس دائرة الاسرى والمفقودين في شعبة الاستخبارات، والذي اختطف في حينه مصطفى الديراني، قال لاحقا في مجلس مغلق ان وزن الديراني والشيخ عبد الكريم عبيد كورقتي مساومة في الموضوع كان صفرا. وتنبأ لوتان قائلا: «ان الصفقة خلقت برأيي آلية حقيقية لمرحلة ثانية يكون فيها لحزب الله مصلحة في محاولة استيضاح ما حصل لرون اراد لتحرير من اصبح رمزا وارتفع الى مرتبة القديس: سمير القنطار ».
بعد استكمال الصفقة التي ترافقت واحتجاج من عائلة اراد وصل ليئور لوتان الى منزل تامي اراد حاملا معه كتاب «المخضرم» بقلم فردريك بورسايت مع اهداء شخصي لها. ويتعلق الكتاب بعملية ثأر قام بها اثنان من المخابرات المركزية الاميركية ضد سالبين قتلا احد رفاقهما. وكتب يقول: «سيأتي يوم الثأر لنصفّي الحساب مع المسؤول عن حملة العذابات لعائلة اراد ـ عماد مغنية».
وفي تلك الفترة تشكلت لجنة برئاسة القاضي فينوغراد وقررت حسب المعلومات التي امامها في ذاك الوقت بانه «لا يمكن القول ان رون اراد ليس على قيد الحياة». ومنذ اعادة الجثث الثلاث وتننباوم وتواصل الحوار بين اسرائيل وحزب الله عبر الوسطاء الالمان حول المرحلة الثانية من الصفقة: تحرير قاتل عائلة هيرن من نهاريا سمير القنطار مقابل معلومات عن رون اراد. وسمح رجال حزب الله للالمان ان يفهموا بانهم اذا ما تلقوا مقابلا مناسبا، وليس فقط القنطار فسيبذلون جهدا كبيرا لحل مسألة رون اراد. جرى الحديث ضمن امور اخرى عن تسديد ديون اسرائيلية بنحو 5 ملايين دولار لايران منذ عهد الشاه وحل شامل لمسألة رجال المخابرات الايرانيين المحبوسين في اوروبا وعلى رأسهم سجناء قضية ميكونوس. ويقول رجل استخبارات الماني انه «مثلما كان مهما لحزب الله ان يثبت للعالم العربي بانه الوحيد الذي ينجح حقا في تحرير سجناء فلسطينيين كان يريد ان يثبت للايرانيين بانه نجح حيثما فشلوا: تحرير مقاتليهم من السجن في برلين».
حتى منتصف 2005 بالفعل بذل حزب الله بضع محاولات بدت للالمان صادقة لحل لغز اراد. وعبر الالمان نقل حزب الله لاسرائيل عظاما قال انه عثر عليها في الحفريات التي اجريت في لبنان بمعدات خاصة. في حزب الله كان ثمة اعتقاد انه يوجد احتمال عال بان تكون العظام لرون اراد وذلك بعد أن اشار لهم رجل من الحرس الثوري كان في الماضي في لبنان الى المكان الذي يعتقد بان مساعد الطيار الاسير دفن فيه. فحص الـ دي.ان.ايه للعظام كان قاطعا: هذه لا تعود الى رون اراد. وبالتوازي عمل حزب الله مع ممثلي الحرس الثوري وممثلية الاستخبارات الايرانية في لبنان من أجل تقديم تقرير عن تسلسل الاحداث في القضية الى اسرائيل.
ومن دون صلة بمتابعة المعلومات عن اراد وقعت في تلك الفترة تطورات هامة في فهم اسرائيل لما يجري في الدول المحيطة بها، ولا يمكن هنا كشف تفاصيلها، ولا سيما ايران، سوريا ولبنان ودورها في النشاط المناهض لاسرائيل مما ادى في العام 2005 برؤساء اسرة الاستخبارات الى التوصل الى استنتاج بانه يمكن حل لغز اراد أخيرا.
وتشكلت في شعبة الاستخبارات لجنة خبراء فحصت كل المواد المتجمعة في اطار التطورات برئاسة العقيد ارئيل كارو، وعملت تحت الاشراف المباشر لرئيس الاستخبارات اهرون زئيفي فركش.
والمواد التي عرضت على اللجنة لم تدع مجالا للشك فتوصلت الى الرواية التالية: «رون اراد اختطف على يد «قوة القدس» من حرس الثورة من منزل عائلة شكر في قرية النبي شيت حيث كان يحتجزه مصطفى الديراني الذي لم يكن يرغب في أن يحتفظ بهذه الغنيمة الباهظة التي اخذها من حركة «أمل» خوفا من هجوم للكوماندوس الاسرائيلي، وطلب من الايرانيين حراسة اراد مقابل رعاية الحرس الثوري ودعمه للديراني و منظمته الصغيرة. قائد الحرس الثوري في لبنان، مصطفى حكسر، وافق على عرض الديراني مع تغيير صغير: لم يرغب في أن يقول للديراني ماذا ينوي عمله بمساعد الطيار الاسرائيلي. وعليه فقد استغل عملية الجيش الاسرائيلي في ميدون (ايار 1988) واختطفه من بيت عائلة شكر من دون أن يبلغ الديراني. وحسب تقدير الجنرال زئيفي احتجز رون اراد في لبنان لفترة طويلة، وفي بداية 1990 نقل الى ايران حيث احتجز بشروط عزل وسرية مشددة على مدى زمن ما. والسبب لنقله: اراد الحرس الثوري الاستفادة منه لنفسه، كجزء من صراعات المكانة والصراعات الداخلية الايرانية، وابقاه بالسر فيما نفى المسؤولون الايرانيون المرة تلو الاخرى وجوده في ايديهم».
يتابع تقرير اللجنة: في 1994 اختطفت اسرائيل الديراني. وخشي الايرانيون ان يدينهم بالتدخل في القضية فقرروا إعادة اراد الى لبنان. بين رجال الطاقم هناك من يعتقد ان اراد لم ينقل الى ايران ابدا بل احتجز كل الوقت في لبنان. ولكن حسب الروايتين، فان فترة أسر اراد الاخيرة اجتازها في منشأة سرية للايرانيين في البقاع اللبناني.
هنا تنتهي الاختلافات في الرأي: حسب استنتاجات اللجنة فقد توفي اراد في بداية 1995 بالغالب. بالضبط في نفس الوقت الذي ظهر فيه السفير الايراني موسويان لدى قادة الاستخبارات الالمان وابلغهم بان الايرانيين من الان فصاعدا لا دور لهم في هذه المسألة ويجب إدارة المفاوضات مع حزب الله فقط.
كيف مات رون اراد؟
المعلومات لا تتضمن جوابا قاطعا. وان كان في خلاصة رئيس شعبة الاستخبارات زئيفي لملف المعلومات ورد أنه مرض اغلب الظن بمرض خطير ولم يعالج كما ينبغي. ولا تتضمن المعلومات على الاطلاق المكان الدقيق الذي دفن فيه اراد. ورغم ذلك، فان كل الخبراء في شعبة الاستخبارات ممن فحصوا المادة يعزون لها مصداقية عالية جدا. والجميع واثقون من التقدير بان اراد ليس على قيد الحياة.
خلاف آخر نشب بين اعضاء اللجنة يتعلق بموعد موت اراد في الاسر. معظم الاعضاء مقتنعون بانه لم يجتز العام 1995 حيا. آخرون يتمسكون باستنتاج العقيد كاشي بان اراد مات في نهاية 1996 او بداية 1997. مهما يكن من أمر فان كل اعضاء اللجنة مقتنعون بان اراد عاش على الاقل سبع سنوات بعد أن تم تلقي اشارة حياة اخيرة منه في 5 ايار 1988. كل تلك السنوات، وبعدها بكثير، كانت اسرائيل تسير في ظلام تام بالنسبة لهذه القضية
رون أراد (م.ع.م)
تعليقات: