تيّار أحمد الأسعد في الثلاجة بانتظار الإمداد

أحمد الأسعد
أحمد الأسعد


يتهكّم بضعة شبّان في قرية جنوبيّة قريبة من مدينة صور على أبو علي، سائق حافلة عليها صورة للرئيس نبيه برّي وأخرى للإمام موسى الصدر. ليس إعلان الانتماء إلى حركة أمل هو مصدر التهكّم، بل تاريخ الرجل في الأشهر القليلة الماضية. فهو كان من أبرز المؤيّدين للمرشّح الخاسر في مرجعيون ـ حاصبيا، أحمد الأسعد.

فأبو علي على عداء تاريخي مع حركة أمل. لذا، كان يرتبط بعلاقات جيّدة مع مسؤولي حزب الله والحزب الشيوعي في تلك القرية. لم يجد أبو علي أفضل من وضع صورة «الأستاذ والسيّد موسى» على حافلته لتبرئة نفسه من العلاقة بالأسعد، بعدما دخل تيّاره السياسي (لقاء الانتماء اللبناني) في الثلاجة، بحسب أحد المسؤولين في التيّار.

إذاً، وبحسب مسؤولين قريبين من أحمد الأسعد، فإنه مع انتهاء الانتخابات النيابيّة ظهر حجم «الخيانات» التي تعرّض لها رئيس اللقاء من العديد من العناصر والمسؤولين المفرّغين الذين كانت تصل رواتب بعضهم إلى 800 دولار أميركي في الشهر، إضافة إلى توفير سيّارة وهاتف نقّال. ويتحدّث مسؤولون آخرون عن جبن عدد آخر، دفع بمن قبض الأموال طيلة أشهر إلى عدم انتخاب الأسعد، وهي «خبريّة» تُضحك العديد من الناشطين السياسيين في الجنوب، «لأننا كنا نتوقّع هذه التصرّفات من هؤلاء، لكون العمل مع الأسعد ارتبط بالمال»، يقول مسؤول في أحد الأحزاب العاملة في الجنوب. فيما يرى مقرّبون من الأسعد أن سبب جبن هؤلاء يعود إلى الضغط السياسي والأمني الذي تعرّضوا له. ويذكّر أولئك المقرّبون بحرق السيّارات نموذجاً لما تعرّضوا له.

وجاء سفر أحمد الأسعد إلى خارج لبنان (يقول مقرّبون منه إلى الأردن ومصر بداعي العمل: «فهو عنده علاقات خارجيّة») بعد الانتخابات ليزيد «الطين بلّة»، فيرتفع الشعور بالوحدة لدى الناشطين في لقاء الانتماء، مع غياب البيانات الأسبوعيّة. وهكذا، بدأت علاقة هؤلاء باللقاء تفتر، وراحوا يبتعدون شيئاً فشيئاً عن تيّارهم السياسي، وخصوصاً أن دفع الرواتب توقّف.

لاحقاً، بدأ الحديث في القرى الجنوبيّة عن استقالات في صفوف اللقاء الأسعدي، وبدأت تعود صور نبيه بري وحسن نصر الله إلى منازل قام أصحابها بإخفاء تلك الصور قبل الانتخابات. وقد يكون مركز اللقاء في الشيّاح أحد الأمثلة، حيث لم يعد يُداوم فيه إلّا شخصان.

ثم بدأت تصفية السيّارات التي امتلكها التيّار الأسعدي. فباع حوالى 52 سيّارة، ليُبقي على 49 واحدة، في ظلّ معلومات عن إلغاء العقد مع الشركة التي كان يُفترض أن تزوّده بـ181، تسلّم رسمياً منها مئة سيارة.

يقول مقرّبون من أحمد الأسعد إن الرجل عانى من مشكلة بعد توقف مصادر تمويله (وهي سعوديّة) عن الدفع بعد الانتخابات. «وهذا كان قاسياً علينا، لكوننا وعدنا الناس بأن مشروعنا يتجاوز الانتخابات»، يقول أحد المعتكفين عن العمل حالياً.

وتضع بعض الجهات ثلاثة عوامل أدّت إلى وقف التمويل السعودي:

1 ـــــ النتائج المخيّبة في الانتخابات، وخصوصاً أن الأسعد لم يحصل على عدد يُذكر من أصوات الناخبين الشيعة.

2 ـــــ التقارب السعودي ـــــ السوري.

3 ـــــ أوضاع معيّنة داخل المملكة العربيّة السعوديّة، وهذه معلومات غير مؤكّدة حتى اليوم.

لكن اليوم، هناك تطورّات إيجابيّة، بحسب أحد المسؤولين الأساسيين في تيّار الأسعد. ينقل الرجل ارتياح رئيسه منذ حوالى أسبوع، إذ سيُفرج عن الأموال قريباً. وللدلالة، ينقل عنه قوله منذ أيّام: قريباً سيكون عندنا وسيلتنا الإعلاميّة الخاصّة بنا.

ويُشير المسؤول إلى أن لقاء الانتماء اللبناني دخل الثلاجة من أجل إجراء إعادة هيكلة والتخلّص من العناصر غير الثابتة في مواقفها، «التي أضرّت أكثر مما أفادت». ويُشير مسؤول آخر إلى أن الأسعد سيعمل في الأشهر المقبلة على بناء كوادره بطريقة صحيحة، وعلى إعادة التواصل مع الحالة الأسعديّة، أو ما بقي منها. لذا، فهو يُعدّ لإقامة إفطار كبير في أحد فنادق العاصمة يدعو إليه الرعيل القديم خصوصاً. ويرى هؤلاء أن الأسعد أخطأ كثيراً عندما «فلش التيّار ليحوي ما هبّ ودبّ»، بحسب تعبير أحدهم، معتبراً أنه لن يبقى إلّا القليل من الآلاف الذين تفرّغوا للعمل في صفوف لقاء الانتماء.

ويتحدّث الأسعديون عن تقويم للخطاب السياسي، «وخصوصاً أننا لم نملك برنامجاً سياسياً نُقدّمه للناس»، يقول مقرّب من الأسعد. ويضيف أن زعيمه لم يملك شيئاً سوى شتم حزب الله وحركة أمل. وفي هذه النقطة يُشير الرجل إلى أن من بين الأمور المطروحة تخفيف حدّة الخطاب، «لأن الحدّة تُدمّر ولا تُعمّر».

ويرى أحد القريبين من الأسعد أن التيّار لم يُقدّم شيئاً للناس، لا مساعدات ولا خدمات. لهذا السبب هو يلفت إلى أن العمل الرئيسي في المرحلة المقبلة سيكون على هذين العنوانين. ويُعيد التذكير بحديث قديم للأسعديين عن إنشاء بعض المصانع وشراء مستشفى أو اثنين، إذ «لا تزال المفاوضات جارية مع أحد مستشفيات صور، لكن هناك مشكلة مع وزارة الصحّة».

في الجنوب، ثمّة من يرى أن حالة أحمد الأسعد انتهت. المقرّبون منه يُقرّون بصعوبة وضعه، لكنّهم يرون أن الأمور لم تنتهِ بعد. أحمد الأسعد غامر بما لا يملكه، لكنّ المصيبة في الذين آمنوا به واستقالوا من أعمالهم ليُديروا تياره. عدد هؤلاء يتجاوز خمسين شخصاً. خمسون أسرة تحوّلت إلى ضحيّة.

تعليقات: