الثمرة الموسمية التي تؤكل بعدة أشكال في جميع الفصول
دمشق:
أثار منظر وجود حبل التين المجفف والمعلق على أحد جدران مطابخ بيوت المسلسل التلفزيوني الشامي الشهير (باب الحارة) الحنين بين ربات البيوت الشاميات إلى زمن الأمهات والجدات عندما كن في النصف الأول من القرن المنصرم يحرصن وكتقليد لا غنى عنه عن وجود التين المجفف بشكله الدائري والمربوط على شكل حلقات بخيط متين وكعنقود وقلائد إلى جانب عناقيد البامياء والفليفلة المجففة للاحتفاظ به كمونة لفصل الشتاء وكزينة في مطبخ البيت الشامي التقليدي، حيث إن التين ينضج في موسمه كثمار خضراء في نهاية فصل الصيف فيقوم الدمشقيون بتخزينه مجففا على شكل قطع كاملة خاصة أن التين المجفف ارتبط بمجموعة من الأفكار والعادات والاستخدامات بين السوريين، ومنها أن تناوله مجففا يساعد على مكافحة برد الشتاء كما كانت وصفات الجدات الشعبية للوقاية والعلاج من نزلات البرد والأنفلونزا الموسمية الشتوية تعتمد على غلي قرص من التين المجفف والمحفوظ في مطبخ المنزل ومعه حبة لوز غير مقشر (توضع مع قشرها الخشبي السميك) وثمرة تمر ويقدم بعد غليه كشراب للمصاب بالرشح والسعال فيساعد على شفائه، ـ وتقول (صبحية ديروان) وهي ربة منزل دمشقية ـ أتذكر جيدا كيف كانت والدتي تحتفظ بالتين المجفف في المطبخ إلى جانب مكدوس الباذنجان والكشك والسوركه وتقول لنا إن التين ثمار مباركة ومفيدة للصحة وكنا نتناولها مربى أو مجففة في فصل الشتاء، ولكن عندما تزوجت لم أهتم كثيرا بوجود التين المجفف في منزلي، حيث ليس لدي خبرة بتجفيفه ولكني تعلمت من أمي كيفية تحويل ثمار التين إلى مربى، وهذا ما أفعله في موسم التين الأخضر ولكن في السنوات الأخيرة لاحظت أن العديد من البائعين الجوالين والثابتين القادمين من شمال سورية يبيعون التين المجفف في سوق الصالحية والمرجة وباب توما والشعلان فقررت الشراء منهم والاحتفاظ به في مطبخ منزلي كما كانت تفعل والدتي وهذا شاهدناه جميعا كتراث لا بد منه أعادت إحياءه المسلسلات الشامية.
وتؤكد المصادر العلمية أن شجرة التين جاءت من منطقة الجزيرة العربية وتنقلت ما بين حوض البحر الأبيض المتوسط وأميركا وبعض بلدان أفريقيا واستقرت بأعداد هائلة في سورية وتركيا حتى غدت سورية الأولى عربيا والثانية عالميا في زراعتها وإنتاج ثمارها.. إنها التين الشجرة المباركة والثمرة اللذيذة الطعم والمتنوعة الاستعمالات الغذائية التي تحول ثمارها الخضراء والبنية إلى أكثر من عشرين مادة غذائية مجففة ومربى وميبسة أو مضافة إلى حلويات دمشقية، كما أنها أخذت تسميات وأشكالا محلية سورية ظريفة ولطيفة كظرافة طعمها ولطافة منظرها العام وطراوة غلافها.
فالسوريون الذين عرفوا بتفننهم في تحويل الكثير من الفاكهة الموسمية إلى مربيات ومجففات كان التين حاضرا لديهم بقوة، خاصة أن سورية تعتبر البلد الثاني في العالم في زراعة وإنتاج التين ويقول (عبد الخالق سرميني) لـ«الشرق الأوسط» وهو من المهتمين بتحويل الفاكهة الدمشقية ومنها التين إلى مجففات ومربيات: من المعروف أن التين فاكهة الجنة كما ذكر في القرآن الكريم وله فوائد صحية كثيرة فهو ملين للمعدة ولترقق العظام وغني بالكالسيوم وفائدته المتعارف عليها هو استعماله في عدة أطباق على مدار العام، وقد اشتهرت بالتين بشكل خاص مدينة أريحا وجبل الزاوية في محافظة ادلب شمال سورية ويصدرونه مجففا ومربى إلى عدة بلدان ومنها مصر ودول الخليج وإلى روسيا وبكميات كبيرة، وللتين عدة أصناف منه التين الصفراوي حيث تشتهر كل منطقة سورية بنوع معين وأفضله تين جبل الزاوية ويوجد التين في منطقة سرمين وبكميات كبيرة وطريقة تجفيفه حيث إنه موسم فلاحي متكامل أي هناك عائلات تخصصت فقط بزراعة التين وتجفيفه وتسويقه وتخزنه لفصل الشتاء لبيعه في غير موسمه وحاليا وبعدما كثر الطلب عليه خارجيا صار هناك شركات متخصصة وورش شعبية تخزن التين لعدة أيام وتسوقه فيما بعد. وصار هناك تفنن بتحضير التين من قبل السوريين وابتكروا طرقا جديدة لتجفيفه، كما أعادوا تجفيفه بطريقة الأجداد ومنها الطريقة المسماة (التين الهبّول) وتشتهر بها منطقة جبال اللاذقية وهو يحضر من خلال عجن التين المجفف ويضاف له الزبدة البقرية ويجمل بجوز الهند حاليا ويضاف له الفستق الحلبي ويستخدم حاليا بسبب مذاقه اللذيذ كحشوة لعدة أنواع من الحلويات العربية، فالمعروف أن هناك المعمول يحشى بالتمر حاليا أصبحوا يحشونه بالتين الهبول ويصنع منه ما يسمى (بسطيق) وهي كلمة تركية وهو عبارة عن رقائق التين يصنع لعدة الشركات.
وحول الأنواع المجففة من التين وطريقة التجفيف قال سرميني: يتم تجفيف التين حسب النوعين المعروفين منه وهما المفتح والمغلق والأول يضم بحبال وتصنع منه القلائد ويحتفظ به كمونة، وشاهدناه في مسلسل باب الحارة حيث يوضع في المطبخ كمونة وزينة، حيث تجمل المطابخ بها مع قلائد الفليفلة والبامياء ويؤكل صباحا قبل الإفطار، حيث يعتبر ملينا للمعدة وهناك رقائق تصنع في منطقة غرب سورية وتوضع في فصل الشتاء على المدفأة حتى يحمر ويصبح لونه أحمر مقمر فيؤكل وهو لذيذ الطعم كذلك يستخدم في المربيات وتضاف المواد العطرية القوية، حيث يشكل مربى بنوعية ممتازة ويضاف إليه بعض المكسرات ويتم حشوه بالجوز واللوز والفستق، ويباع في أسواق دمشق المتخصصة بالمواد الغذائية كالشعلان، وفي المرجة هناك يحضرون التين على شكل أصابع تشبه الهبول ولكن أقل سماكة. وقد صار التين يستخدم كالتمر بعدة أشكال وهناك ربات البيوت في مناطق إنتاجه بمدينة أريحا السورية. ومن أنواع التين أيضا هناك التين الأسمر، حيث يضاف له الطحين الناعم فيشبه المن والسلوى وتشتهر بهذا النوع من التين منطقة الزبداني غرب دمشق، ولكنه تين جبلي بعل وحبته صغيرة وحلاوته طبيعية، أما تين أريحا فطعمه ألذ وحبته أكبر. أما ألوان التين فهناك الأحمر وهو يسمى كعب الغزال ويستخدم فقط للزينة وكعنصر جمالي ومصدره الأساسي اليونان، وكان ينظر إليه كرمز تاريخي وديني في معتقدات الإغريق حيث كانت شجرة التين توجد في المعابد وصار يزرع في سورية للاستفادة من منظره الجميل ولكن التين الأخضر هو الأساس وهو طعمه لذيذ وهناك التين الأصفر. وللتين فوائد غذائية وصحية كثيرة ـ يضيف سرميني ـ فالتين يوسع القصبات ومفيد لمن يعاني من مرض ترقق العظام ويمكن استخدام 3 حبات تين مع كوب حليب وتغلى بشكل جيد وتضاف له ملعقة عسل حيث يعمل هذا الخليط على تأخير الشيخوخة كما أنها تزيد من نشاط الشخص اليومي ويعتبر الخليط وجبة متكاملة تغني عن الفطور اليومي.
والتين واسمه العلمي (Ficus Carica) ينتمي للأشجار متساقطة الأوراق وهو شجر معمر وفير الإنتاج ويعطي ثماره الطازجة في فصل الصيف وتحديدا في شهري أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول)، ويحتاج لمناطق دافئة شتاء وثماره ذات أشكال كروية أو كمثرية أو كروية مفلطحة وذلك حسب أصنافها التي تصل لعشرة، حيث تختلف أيضا في الألوان والطعم وهو غالبا حلو بدرجات متفاوتة ومنه صنف واحد فقط ذو طعم قليل الحموضة وهو الحبشي والأصناف هي: الخضيري (لونه أخضر مصفر) والبياضي (أصفر مبيض) والعسيلي (بنفسجي) والسلطاني (أصفر) والحبشي (أسود) والأنزوكي (أخضر) والماوردي (زهري) والصفيري (أصفر) والشبلي (بني) والبتركي (أخضر مصفر).
تعليقات: