من «زمن العار»
دمشق :
ليس مفاجئاً أن يكون الأداء التمثيلي هو الأبرز في مسلسل «زمن العار» للمخرجة رشا شربتجي. فهذه الأخيرة تُعرف بأسلوب عملها الذي يقوم عادة على العمل على الممثل بشكل رئيسي، وقد اختارت في مسلسلها الأخير مجموعة تمثيلية تميزت بسعي كل فرد فيها للبحث عن أدوات تعبير مبتكرة في تجسيد دوره، والنتيجة كانت تجاوز الناس حكاية المسلسل، أي ما أحبوه فيها وما رفضوه ليصير «زمن العار» حكاية تعرف بأبطالها، تتراجع فيها أولويات المضمون لصالح من يؤديه، وتتحول علاقة المشاهد بالمسلسل من الحكاية، لتنحصر بالعلاقة مع شخصياته، لا سيما بثينة (سلاف معمار) ويوسف (بسام كوسا) وجميل (تيم حسن) ونورس (مكسيم خليل)، وسهيلة (سمر سامي)، وروضة (نادين تحسين بك). إلا أن علاقة المشاهد بشخصيات المسلسل لن تكون بالغالب بسبب أداء الممثلين لها فقط، إذ لا يمكن لنا تجاهل البناء الدرامي لتلك الشخصيات والتي ساهم الكاتبان حسن سامي يوسف ونجيب نصير والمخرجة شربتجي في تكوينها على مرحلتين. لكن كم اختلفت الشخصيات السابقة كما تابعناها عما كانت عليه على الورق.. وفي ذهن المخرجة شربتجي؟! والسؤال السابق لا يأتي من باب التشكيك بقدرة النص والمخرجة على جذب الناس وإنما يفرضه طغيان أداء الممثلين ونجاحهم في إيصال روح شخصياتهم.
في «زمن العار» يبدو الكاتبان مشغولين بإعادة ترتيب فهمنا للقيم الاجتماعية، وذلك بحشد أكبر عدد من الحكايات المجتمعية النافرة والطارئة في حياتنا المعاصرة والتي تجعل من علاقة أسفرت عن حمل بزواج عرفي أو حتى حمل غير شرعي كما يخيل لشخصيات المسلسل، هو الأقل مدعاة للإحساس بالعار. فالأب «أبو منذر» يتسبب بموت زوجته المريضة عندما يتوانى عن تقديم المساعدة لها أثناء نوبة ضيق التنفس. «نورس» موظف مرتش، «روضة» زميلته في العمل تبرر له الرشوة وتتقاسمها معه، «حسان» يستغل صديقة والده وغنج خالته «سهيلة» في لعبة سمسرة ببيع بيت «أبي منذر». جميع هؤلاء يمارسون فعل العار الحقيقي، ويدفعون بعار «بثينة» الأقل ضرراً ليتستروا به على عارهم الأكبر. ولعل امتلاك الكاتبين لهذه الرؤية الواضحة ترك شيئاً من خلل في الصورة الكاملة للمجتمع الذي يمثله مسلسل «زمن العار»، فتبدو الصورة الإيجابية فيه هي الأخفض صوتاً كما بدت من خلال مساحة ظهور شخصيات عديدة على رأسها (يوسف). في « زمن العار» لا تأتي رشا شربتجي على صعيد عملها كمخرجة بشيء جديد عما قدمته خلال السنوات السابقة. تواصل المخرجة الشابة شغلها على الممثل، وهو ما انعكس بوضوح في أداء الممثلين، في وقت بدت مطمئنة في كثير من الأحيان للنص المكتوب فسعت لإيجاد صورة على مقاسه.. من دون أن يعني ذلك عيباً في أدائها الإخراجي.
ببروز أداء الممثلين اذاً ومقولة النص الناضجة وأمانة الصورة الإخراجية في التقديم، يبدو «زمن العار» مرشحاً ليكون من أفضل مسلسلات الدراما السورية للموسم 2009، وهو ما دعمته استطلاعات رأي كشفت أن المسلسل يحظى بنسب مشاهدة عالية.
تعليقات: