رائحت المعمول تتغلغل في الحارات وتعلن قدوم العيد
بيروت:
يحكي الكبار في السن من أهالي بيروت ان مظاهر عيد الفطر السعيد لم تكن تنتظر التماس هلال شوال، ذلك ان رائحة العيد كانت تتغلغل في البيوت والحارات مع الاستعدادات التي تخيم على العائلات، وأهمها تحضير «المعمول» أو «كعك العيد» كما هي التسمية في عدد من الدول العربية. وغالباً ما كان يبدأ تحضير هذه الحلوى المرتبطة بالمناسبات ليلاً بعد الافطار، ليفوح عبق السميد المعجون بماء الزهر والورد عندما تعد النسوة عدتهن من المواد وتحجز كل عائلة دورها لدى فران الحيّ ليصار بالتدريج الى خبز أقراص «المعمول» بحيث تكون «الصواني» جاهزة ما أن تعلن دار الإفتاء عن انتهاء شهر الصوم المبارك. هذا التقليد لا يزال سائداً في لبنان، إلا أن صيغته تغيرت، فتقلص عدد العائلات التي تعد «المعمول» في المنازل. كذلك انتفى دور فران الحيّ ليحل محله فرن البيت كلما اقتربت الأعياد. ولا علاقة للمستوى الاجتماعي بالمواظبة على صنع «المعمول» في البيوت، فكل الميزانيات تصلح لشراء هذه الحلويات التي تباع بالدزينة وتتراوح أسعارها بين المتهاودة والمرتفعة الثمن حسب المحل أو الحيّ. ليبقى ان الأمر يرتبط ارتباطاً مباشراً بـ«ست البيت» وحرصها على استقبال العيد على طريقتها الخاصة أو تفضيلها اختصار الوقت وتوفير الجهد وشراء حلوياتها من أحد المحال التي تتحضر أيضاً قبل أيام لتلبية طلبات الزبائن. وفي حين تعتبر أقراص «المعمول» من الحلويات اللبنانية التي تجمع الطوائف المسيحية والإسلامية في لبنان، لا سيما مع إطلالة عيد الفطر وعيد الفصح (أو العيد الكبير كما تسميه عامة المسيحيين)، نجد أن العائلات في القرى والأحياء المختلطة غالبا ما تتساعد في تحضير هذا النوع من حلوى العيد الذي يحسب فيه الحساب لإشباع شهية أفراد العائلة بقدر ما يحسب للضيافة يوم العيد ولأيام أخرى بعده. لذا نادراً ما تنفرد ربة المنزل بهذه «الورشة» الموسمية، بل تنتظر «تفرغ» كل أفراد العائلة للمشاركة في تحضير «المعمول» لأن الاعتقاد الشائع يربط المشاركة بالبركة التي تحل في البيت عندما يأخذ كل فرد على عاتقه مهمة محددة لإنجاز الأقراص قبل حلول العيد، خصوصاً اذا كانت الكمية كبيرة بما يتوافق مع حجم العائلة.
ولنبدأ قصة إعداد هذه الأقراص المثيرة للشهية والمسيلة للعاب، فتحضر ربة المنزل «السميد» وهو مسحوق ناعم من القمح وطحين «الفرخة» والسمن، بحيث يخلط كل كيلوغرام ونصف الكيلوغرام من السميد مع كيلوغرام واحد من طحين الفرخة، وكيلوغرام من السمن المذاب. وفي الماضي كانت العائلات الميسورة تلجأ الى السمن الحموي البالغ الدسم، أما اليوم فالحمية ومكافحة الكولستيرول يتحكمان بنوع السمن ومدى الدسم المسموح به. ولا تستقيم عجينة «المعمول» إلا عندما يفرك الخليط باليد حتى «يعشق» بعضه البعض الآخر ويترك لليوم التالي، حيث يضاف اليه السكر بمقدار كوبين وقليل من «الخميرة» والمحلب ويعجن بماء الورد وماء الزهر على دفعات بحيث لا يتحول العجين الى سائل ولا يبقى مفتتاً.
في هذه المرحلة يبدأ الاصطفاف حول طاولة كبيرة. البعض «يقرّص» العجين على شكل كرات وكل كرة بحجم حبة الجوز، والبعض الآخر يبدأ عملية النقر ويشارك في هذه العملية أكثر من شخص يجيد هذه الحرفة، ويتشاركون أيضاً في عملية الحشو وإقفال القرص بعد وضعه في أداة خشبية معدة لهذه المناسبة بأشكالها المختلفة، ونزع القرص من الأداة أو القالب عن طريق ضربه على الطاولة، ويلجأ البعض الى تغليف القالب بقطعة ناعمة من القماش التي تستخدم لنزع القرص بطريقة أسهل وأسلم.
وقبل المباشرة بهذه العملية تكون ربة المنزل قد حضّرت الجوز الناعم، والفستق الحلبي الناعم، والتمر المنزوع النوى والمعجون مع الزبدة. ويضاف الى الجوز والفستق كمية من السكر ورشتين من ماء الورد وماء الزهر ورشة من المحلب. وتقرص أقراص المعمول بالجوز على حدة والمعمول بالفستق الحلبي على حدة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أقراص التمر التي تختلف شكلاً ومضموناً عن أقراص المعمول، بحيث تتميز أقراص التمر بالاستدارة وقلة السماكة، فيما تأخذ أقراص الفستق الحلبي شكلاً طولياً. وتلجأ بعض العائلات الى رفد أقراص المعمول بأكثر من اقراص التمر، أي بالـ«سنبوسك» التي تعد من العجين نفسه، لكن الواحدة منها تقفل بأصابع اليد بعد أن تحشى باللوز الناعم والسكر وماء الزهر وماء الورد. ومن العائلات ايضاً من يلجأ الى اعتماد أصابع التمر بدلاً من أقراص التمر، واللجوء الى نوع من الكعك المطيب.
ومن بين المتحلقين حول طاولة التحضيرات ينبري أحدهم الى رص الأقراص في صواني الفرن الكهربائي إذا كان المطلوب خبز الأقراص داخل المنزل أو في «صدور» واسعة من الألومنيوم إذا كان يراد خبز الاقراص في فرن الخبز. ويحرص الخبّازون والخبّازات على «تشقير» أقراص التمر من الجهتين، فيما لا يشمل التشقير أقراص المعمول بالجوز والفستق الحلبي. وفور إخراج الصواني أو الصدور من الفرن يرش السكر الناعم على المعمول فقط من دون اقراص التمر وأصابعه والسنبوسك.
وفي ما مضى، كانت «الطابونة» ـ أي الفرن المعد يدوياً من الطين المشوي ـ في بعض القرى النائبة تكرس بعض الأيام التي تسبق العيد لخبز المعمول وأقراص التمر، ما كان يعطي العيد نكهة مميزة في تلك القرى، لكن تلك العادات بدأت تتوارى، لا بل الاندثار مع تزايد الإقبال على شراء المعمول وأقراص التمر من محال الحلويات العربية التي اشتهرت بها الطوائف الإسلامية في بيروت وطرابلس وصيدا، وغالباً ما تلف تلك الاقراص بالورق الشفاف من باب حمايتها من كل الملوثات. إلا أن من يعرف «طعمة فمه»، كما يقال في لبنان، لا يمكن ان يرضى بديلا عن «معمول» البيت.
* مقادير تحضير المعمول:
كوبان من السميد.
1/2 كوب زبد.
1/4 ملعقة شاي سمسم.
ملعقتا خميرة. ملعقة شاي سكر.
1/2 كوب ماء دافئ.
* الحشو:
1/2 كوب جوز مفروم ناعما/ أو 1/2 كوب من الفستق الحلبي أو عجوة التمر.
1/2 كوب سكر.
ملعقة كبيرة ماء زهر.
* الطريقة:
- ينخل الدقيق ويوضع فى وعاء عميق ويرش عليه السمسم.
- يوضع الزبد على النار لمدة 5 دقائق، ثم يرش على الدقيــــق ويقلـــب بملعقة خشبية حتى يهدأ.
- يفرك السمن في الدقيق حتى يغلف حبيبات الدقيق جيـــدا.
- توضع الخميرة في كوب، ويضاف لها السكر وقليل من الماء الدافــئ حتى تذوب وتصب على الدقيق، مع التقليب حتى يتم الحصول على عجينة يابسة متجانسة.
- يغطى المقدار ويترك حوالي ساعة حتى يخمر.
- بعد مرور ساعة تدعك العجينة خفيفا باليد، وترش بماء الزهر وتقطع إلى كرات صغيرة الحجم.
- تجوف وتحشى بالجوز أو الفستق الحلبي أو التمر وتلم الأطراف على الحشوة ويضغط عليها حتى تصير بيضاوية الشكل.
- تترك لمدة 10 دقائق، بعدها توضع فى فرن متوسط الحرارة لمدة 35 دقيقة، حتى تنضج ويصفر وجهها.
- يرص المعمول فى طبق التقديم ويغلف، لتقديمه أثناء الضيافة.
تعليقات: