في سياق الجدل الذي أثارته قضية «النهار»، هنا مساهمة نقدية من زميلنا الكاتب والأكاديمي المقيم في كاليفورنيا أسعد أبو خليل
يقول الراحل جورج حاوي عن غسان تويني: «غسّان ديموقراطي إلا حين يصل إلى السلطة» («جورج حاوي يتذكّر»، ص. 85). مناسبة هذا الكلام هي المؤتمر الصحافي الذي عقده بعض الصحافيّين المصروفين من النهار، حيث ورد فيه على لسان إلياس خوري أن «النهار» «جريدة الدفاع عن الحريّات»، طبعاً، قضيّة المصروفين قضيّة هامة ومُحقّة. إن مبدأ الصرف الكيفي والطريقة المُهينة في الصرف تستحق الاستنكار والمطالبة بوضع الضوابط القانونيّة أمام حريّة رأس المال في إلحاق الظلم... ونقابات لبنان الصحافيّة مرتبطة هي نفسها بالسلالات الخارجيّة والداخليّة التي تسيطر على التمويل الإعلامي.
لكن نتساءل: أين ومتى وكيف كانت «النهار» نصيرة الحريّات؟ في الستينيات، عندما لم تدافع عن أهل المخيّمات حين كان المكتب الثاني يفرض منع التجوّل في المخيمات، وحين كان الجنود يتلصّصون على النسوة؟ هل دافعت «النهار» عن مناضلي اليسار والثورة الفلسطينيّة في الستينيات عندما قُتل متظاهرون ومساجين سياسيّون؟ هل دعمت «النهار» حق الترخيص للأحزاب اليساريّة والتقدميّة في الستينيات؟ كانت «النهار» في كل تلك المعارك في صف السلطة. وكانت مشغولة بحملة مكافحة الشيوعيّة التي ملأت صفحاتها. جريدة «المُحرّر» (والسفير من بعدها) هي التي كانت تناصر الحريّات.
صحيح أنّ «النهار» كانت تصطدم مع الحكم أحياناً، لكن ليس بناءً على مواقف مبدئيّة أو دفاعاً عن الحريّات. لم تكتب «النهار» دفاعاً عن ضحايا التنكيل الذي تعرّض له القوميّون السوريّون بعد الانقلاب (وإن عادت وتذكّرت قضيّتهم متأخرة). كانت «النهار» تختلف مع العهود على أمور شخصيّة وسياسيّة، كأن يعترض شارل الحلو على الثناء على منافس أو معارض له أو أن تعارض الجريدة سليمان فرنجيّة لأنه غضب منها. أما الحريّات فهي كانت آخر هموم «النهار».
ولم تزد السنوات «النهار» إلا قساوة، وخصوصاً أنّ مشروعها اليميني ـــــ الطائفي (شبهت مقالة في «النهار» أهل الضاحية بالجرذان، كما ذكرت مي ضاهر يعقوب في مذكراتها) برز من دون حجاب بعد الثمانينيات، وخصوصاً بعد صعود جبران تويني. وكيف يمكن أن ننسى دور «النهار» أثناء حكم أمين الجميل: لم تكتف
كانت ولا تزال صوت اليمين الطائفي والنخبوي الطبقي
الجريدة بالتنظير للسلام المُهين مع إسرائيل والتحضير لاتفاقيّة 17 أيار، بل غطّت على عمليّات القمع التي مارستها القوى العسكريّة الموالية للجميّل، حيث كانت الفتيات يُخطفن من قلب الطريق الجديدة في وضح النهار. وكان الانخراط في عمليّات ضد العدو الإسرائيلي جريمةً يُعاقب عليها القانون. و«النهار» لم تكن يوماً في صف مقاومة إسرائيل، ومقالات جبران تويني في هذا الخصوص صدرت حتى قبل انسحاب عام 2000، عندما قرّرت قوى 14 آذار (بمفعول رجعي) أن «الخلاف» مع إسرائيل انتهى.
لم تناصر «النهار» قضيّة حريّات العاملات الأجانب في لبنان. على العكس، روّجت لنظريّة التفوّق اللبناني البلهاء التي تساهم في الممارسة العنصريّة. وإذا أردنا دراسة وضع العمّال السوريّين والشعب الفلسطيني في لبنان لقلنا إنّ «النهار» ساهمت في تأجيج مناخ الكراهية ضدهم... حتى في حقبة سيطرة النظام السوري، لم تتمتّع الجريدة بشجاعة، وخصوصاً أن لها تاريخاً من التستّر والتغطية على أكثر الأنظمة العربيّة رجعيّة ووحشيّة. لا، «النهار» لا يمكن أن تستحق لقب الدفاع عن الحريّات. ومقالات ريمون جبارة العنصريّة ضد الشعبين الفلسطيني والسوري (وهو رفض أي تمييز بين فلسطيني مدني وفلسطيني عسكري أثناء الحرب الوحشيّة ضد مخيّم نهر البارد) تدخل في سياق جريدة «النهار» العام. «النهار» كانت وبقيت ولا تزال صوت اليمين الرجعي الطائفي (والنخبوي الطبقي) في لبنان.
تعليقات: