لماذا لم تعاود القوى الامنية حربها على شبكات عملاء إسرائيل؟
أوساط أمنية: ضربنا بنية العدو التجسّسية، وإعادة هيكليتها تتطلّب 5 إلى 6 سنوات..
لماذا لم تعاود القوى الامنية اللبنانية حربها على شبكات عملاء إسرائيل في الداخل، بعدما اجتازت أشواطا متقدمة في هذا الاطار خلال الاشهر الاولى من السنة، فتمكنت مخابرات الجيش وقوى الامن الداخلي من كشف أكثر من 19 شبكة تضم أعتى محترفي التجسس والتخريب والتفجير والقتل لمصلحة اسرائيل، علما ان القوى الامنية سجلت نجاحات باهرة شهد لها القريب والبعيد؟
سؤال لطالما استوقف المتابعين والغالبية العظمى من الرأي العام اللبناني، وترددت أصداؤه بهمس في المجتمعات المغلقة، ليبلغ ذروته بعدما طرحه رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط عبر الاعلام الاسبوع الماضي، من دون ان يلقى اي جواب من اي جهة أمنية.
فأين اصبحت هذه المعركة؟ ولماذا خبت فجأة؟ وماذا عن سؤال جنبلاط في هذا الصدد؟ أسئلة وجهتها "النهار" الى مسؤول أمني معني ليجيب عنها بهدوء الواثق من ان "الاشجار المثمرة دائما ترمى بالحجار" (...)، مستحضرا تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي برمته على الصعيد الاستخباراتي تحديدا، وقال: "لا تنس أننا نخوض حربا في مواجهة مجموعات محترفة ذات أبعاد تحضيرية وتمويهية كبيرة، وهذا النوع من المواجهات مختلف كليا عن مواجهة المجرمين الجنائيين، اذ ان مواجهة الاجرام الجنائي، ذات وتيرة متواصلة وانجازات دائمة، وهي جزء طبيعي من الحياة اليومية، فالمجرم الجنائي يقوم يوميا بجرائمه، ورجل الامن يقوم يوميا بتوقيفات في هذا الاطار.
اما الجريمة المنظمة والارهابية فمختلفة تماما، هي ليست يومية وليست دائمة، وبالتالي فان عمليات القبض على مجرميها ليست دائمة.
فالجريمة المنظمة عموما هي الاكثر تحضيرا وتمويها، فما بالك بالعمليات التجسسية التي تعتبر الأكثر احترافا ودقة وتنظيما في هذا السياق؟".
من المؤكد ان كل عدو يعمل على "زرع" شبكات في ساحة عدوه، تعمل على الاستعلام والتخريب، وان هذا النوع من الاجرام يتميز بتحضير وتمويه نوعيين، ليكون هناك شبه استحالة في كشف هذه الشبكات وضربها.
ومن المعروف ان طريقة تركيب مثل هذه الشبكات وتدريبها وتمويهها دائما ما تعكس حالة الفريق الذي ركّبها ويشغّلها، بحيث انه اذا كان هذا الفريق المشغل متقدما على الصعيد العلمي، فإن هذه الشبكات بلا أدنى شك ستكون متقدمة ومحترفة وتستخدم استراتيجيات متطورة، واذا كان متخلفا، فانها ستعكس تخلفه في طريقة بنيتها وتركيبتها ووسائلها ايضا.
وهنا يعترف المصدر، بأن المقاربة الواقعية تفترض القول بان "عدونا متقدم علميا وتجسسيا وليس متخلفا، وبالتالي فان هذه الشبكات أفادت من تقدمه في هذا الاطار. وكل الدول العربية التي خاضت حروبها الاستخباراتية مع العدو الاسرائيلي، كانت تكتشف شبكة من هذا النوع كل 10 أو 15 أو 20 عاما، ومع ذلك تسجل هذه الاكتشافات في تاريخها المشرف، وفي سجلاتها الذهبية، ثم يعمل الكتّاب والمخرجون على تركيبها في افلام سينمائية تعكس الانجاز الوطني الكبير لرفع معنويات شعبها وجيشها واجهزتها الامنية، وكلنا يتذكر الافلام السينمائية التي انتجت في هذا الاطار، وكم من الروايات التي حيكت حولها لاعتبارها العمل انجازا قوميا عاليا.
والاسرائيلي ايضا يفعل ما فعله كثير من البلدان العربية للاغراض عينها، ليعكس حجم "انجازاته" من خلال "الطنطنة" الاعلامية، والشواهد على ذلك كثيرة في هذا المضمار".
ولئلا نستغرق كثيرا في تفاصيل تاريخ الصراع الاستخباراتي المفتوح بين العرب عموما واسرائيل، نسأل محدثنا عن الهدف من استحضار مثل هذه الشواهد فيجيب: "ان ما سبق ان ذكرنا ما يعكس حقيقة واقعية مفادها ان وتيرة كشف هذه الشبكات التجسسية نادر جدا، وبالتالي فان ما وفقنا في كشفه من شبكات عميله، فاجأنا به كل أجهزة العالم العربي، كما فاجأنا أجهزة العدو الاسرائيلي الذي اكتشف أننا في أعمالنا هذه ضربنا بنيته التجسسية التي عمل دهرا على بنائها، ولم تقتصر اعمال قوى الامن الداخلي والجيش على كشف 19 شبكة تجسسية فحسب، "بل نستطيع القول أن اسرائيل الآن باتت تحتاج من 5 الى 6 سنوات لكي تعيد بناء هيكليتها التجسسية في الشكل الذي كانت عليه، اذا استطاعت تحقيق ذلك".
وكيف للعدو الاسرائيلي ان يخسر هذا النوع من المعارك "الحساسة" بهذه البساطة، يقول: "عملنا هذا لم يكن ابن ساعته، بل استغرق عامين كاملين من التحضير والترقب، ولا أخفيك أننا عند تسجيل الضربة الاولى كنا نفضل الابتعاد عن الاعلام لو كانت ظروفنا طبيعية. وكان هناك رأيين على مستوى القيادة الامنية للعمليات، الاول يوصي بأن تنفذ العملية بصمت ثم يعلن عنها لاحقا عبر الاعلام، والثاني يقول بضرورة ان نلعب لعبة الحرب النفسية من خلال الاعلام، وهذا ما يفعله عدونا بشكل دائم، والآن اعلن ان الحرب النفسية التي خضناها من خلال الاعلام ساهمت الى حد كبير في انهيار التركيبة المخابراتية للعدو الإسرائيلي في مجتمعنا".
وماذا تقول للذين يشككون في ان يكون منطلق هذه الانجازات الامنية وطنيا صافيا، انما شابته غايات أخرى، والدليل انها توقفت كليا بعد الانتخابات النيابية؟
"يجيب: لست ساحرا لأخرج من طربوشي أرانب وحماما ساعة أشاء، وهذه المطالبات تدل على ان مطلقيها غير ملمّين باللعبة الامنية والاستخباراتية، وهي غير مهنية، وغير واقعية البتة، وغريبة عن المصلحة العامة، والا فليذكروا لنا وتيرة اكتشافات الاجهزة العربية لهذا النوع من الشبكات التجسسية لمصلحة العدو الاسرائيلي سواء اجهزة الامن السورية أو الاردنية أو المصرية أو الفلسطينية أو الايرانية من خلال "حزب الله" في لبنان مثلا، وليقارنوها بوتيرة كشف قوى الامن الداخلي والجيش عندنا 19 شبكة محترفة احترافا عاليا خلال 3 اشهر".
وكيف ينظر قادة الامن في لبنان الى ما تحقق، وإلامَ يطمحون في هذا الاطار، يؤكد "ان القادة الامنيين في لبنان يعتبرون ما سجل حتى الآن على هذا الصعيد، مفخرة في تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلي، يستحق ان يسجل بأحرف من ذهب في كل سجلات تواريخ الحرب الاستخباراتية بين العرب واسرائيل. لكنهم بالتأكيد لن يناموا على هذا المجد ولن يكتفوا به، ان هذه الانجازات تضع على اكتافنا عبئا أكبر من السابق وتحفزنا على انجازات أكبر واقوى في هذا السياق، باعتبار ان صراعنا مع العدو الاسرائيلي مفتوح ومستمر، ومن الطبيعي اننا نتوقع ان يغير عدونا طريقة تجنيده للاشخاص وآليات عمل الشبكات، والتكنولوجيا الموضوعة بتصرف هذه الشبكات التجسسية. اما نحن فمن الطبيعي أننا ملتزمون قرارنا بأن الاولوية لهذا النوع من الضربات الامنية، لان مثل هذه الشبكات هي التي تمثل الخطر الاكبر على المجتمع اللبناني".
تعليقات: