متبرّع فقط في السجلات الوطنيّة.. هل ترفض إنقاذ أخيك الإنسان من الهلاك؟
كنا صغاراً وكانت يولا رفيقتنا في اللعب. كانت مرحة وتضحكنا كثيراً. لكنها، غالباً ما كانت تختفي لأيّام أو تمتنع عن مشاركتنا في النشاطات التي تتطلّب جهداً إضافيّاً. لم نكن نعرف السبب. وفجأة، همس أحدهم أن يولا «عم تغسّل كلاوي». وانتشرت الخبريّة، على الرغم من «ما تخبّروا حدا». أذكر أننا توجّسنا، لكننا ضحكنا. لم يفهم أحد ماذا يعني ذلك «الغسيل». وكلّما كانت يولا تعود، من وقت إلى آخر، كنا نلاحظ بعض الجراح على ذراعيها.
كان الأمر غريباً بالنسبة إلى أطفال في الثامنة والتاسـعة من عمرهم. ورحنا نكبر والجراح على ذراعي يولا تكثر وتتحوّل ندوباً. رحنا نكبر، لكنها هي لم تكن تزداد طولاً مثلنا. حتى لونها تغيّر.
مرّة جديدة، همس أحدهم بعد سنوات أنها بحاجة إلى «زرع كلوة». وتوجّسنا. كنا أطفالاً ولم يكن الأمر منطقياً. لكننا رحنا نتحرّى لنعرف ماذا يعني ذلك.
في تلك الفترة، عرفنا همساً أنه لم تتوفر كلية مناسبة لها. وطوال ثماني سنوات، بقيت يولا «تغسل،» والبحث مستمرّ عن واهب. وعندما بدأ الخطر يتفاقم على حياتها، اختفت كلياً عن الساحة، وكان حلّ أخير فتبرّعت والدتها لها بإحدى كليتيها. كان ذلك في العام 1993.
اليوم، يولا بصحّة جيّدة. لم تزدد طولا، لكن الندوب بدأت تخاوي جلد ذراعيها. أنهت دراستها الجامعيّة وهي تعمل في شركة للمعلوماتيّة.
هذه ليست مجرّد حكاية أطفال يجهلون ما يعني أن يحتاج الإنسان إلى عضو حتى لا يقضي. فكثيرون هم البالغون الذين لا يدركون أهميّة وهب عضو لإنقاذ حياة بشريّة. ما زالوا يتردّدون عند السؤال: «هل توافق على وهب أعضائك في حال الوفاة؟». البعض يستدرك محاولاً الإجابة: «لم أفكّر بالأمر... هذا مخيف!.. قد أفعل... لست أدري...». وقد تكون هنا «أنانيّة» مفهومة: «ابني مات فكيف أرغب بأن يحيا غيره؟!». قد تكون مجرّد جهل مثل ذاك الذي رافقنا لسنوات ونحن لا نفقه شيئاً عن حالة يولا. وقد لا يعنيهم الأمر، ببساطة. لكن السؤال يستكمل: «وماذا إذا وقعت واقعة تطلّبت إيجاد عضو لإنقاذ حياة غال عليك، حتى لا نقول حياتك؟». حينها، يسود صمت.
القضيّة، وهي كذلك، أن الأمر بحاجة إلى توعية وحملات منظّمة لدحض هذا الجهل، وإرساء ثقافة إنسانيّة بامتياز. وهذا ما تعمل على تحقيقه اليوم «اللجنة الوطنيّة لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة البشريّة - نوودت»، إلى جانب مهام تنسيق ومتابعة عمليات الوهب في البلاد. لكن، وبما أن المشكلة ليست لبنانيّة فحسب، كانت «منظّمة الصحّة العالميّة» قد أطلقت في 17 تشرين الأول 2005، اليوم العالمي لوهب وزراعة الأعضاء، على أن تحتفل به كلّ دولة خلال أسبوع وبما ترتئيه مناسباً لمجتمعاتها.
في لبنان، نظّمت اللجنة أسبوعها الوطني وإنما من دون «هيصة» نعهدها في مناسبات مماثلة. فالتمويل هنا محدود، وليس هناك من شركات أبحاث ولا مختبرات أدوية معنيّة مباشرة بالقضيّة... وبالتالي بالتمويل. لكن وعلى الرغم من غياب حملات دعائيّة مركّزة «تستهدف المواطن فتهزّ فيه إنسانيّته»، كانت المنسّقة العامة للجنة الوطنيّة فريدة يونان ونائب رئيس اللجنة الدكتور جورج إسطفان يركّزان جهودهما لتنظيم حملة إعلاميّة يحرصان على أن يوصلا خلالها تلك «القيم السامية والنبيلة التي ينطوي عليها وهب الأعضاء».
لا نملك أرقاماً رسميّة عن الوفيّات العامة في لبنان، لكن «اليازا» سجّلت رسمياً لدينا عام 2008 أكثر من 850 قتيلاً في حوادث سير، وقد تكون عيّنة معبّرة. بحسب منطق منظّمة الصحّة العالميّة، يمكننا القول بأننا دفنا في الأرض أكثر من 850 قلباً وأكثر من 850 كبداً، وأكثر من 3400 كلية وأكثر من 3400 رئة، وأكثر من 3400 قرنيّة، بالإضافة إلى آلاف من الأنسجة الأخرى. وذلك، في حين أن هناك من ينتظرون وطوال سنين قلباً أو كلية أو قرنيّة أو غيرها: «ونحن ندرك أنه بعد الدفن بأيام سوف يتلف الجسد وتلتهمه الديدان. وعلى الرغم من ذلك، ندفنه مع أعضاء وأنسجة تحيي أناساً كثيرين».
الاكتفاء الذاتي يحدّ من المتاجرة
في مقرّ اللجنة الوطنيّة لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة، في الطبقة الثالثة من نقابة الأطبّاء، نلتقي يونان وإسطفان بين أكثر من موعد ارتبطا بها في فترة زمنيّة قصيرة: «الحقيقة أن التوعية أصبحت ضرورة ماسة»، بحسب ما يؤكّد بداية إسطفان المتخصّص في أمراض الكلى: «الجميع أصبحوا يعلمون بأن زرع الأعضاء والأنسجة البشريّة هو العلاج الأفضل لأعضاء توقّفت وظيفتها أو أنسجة لا تعمل». لكن، على الرغم من ذلك، فإن الزرع قليل جداً في لبنان. أما السبب الأساسي فيعيده إلى «عدم تبرّع الناس بالأعضاء والأنسجة». ولأن هذه المشكلة ليست لبنانيّة فحسب، بل عالميّة، يقول أنه على «المرء أن يسقط من حساباته إمكانيّة السفر إلى الخارج للحصول على هذا الزرع. فكلّ بلد يستطيع بالكاد سدّ حاجاته. وما نهدف إليه اليوم، كسوانا من البلدان، هو أن نكفي نحن حاجاتنا بنفسنا». فتدخل هنا التجارة، التي يلفت إسطفان إلى أنها «محرّمة دينيّاً وقانونياً، ونحن لن نتمكّن من محاربتها في الواقع كما يجب، طالما أن الطلب كبير على الأعضاء. لذا، فإن تلك المحاربة تكون بتنمية وهب الأعضاء حتى يصبح لدينا أعضاء وأنسجة كافية تدفع إلى الحدّ منها. وهذا هدفنا».
لكن الناس يخافون من وهب الأعضاء، خصوصاً من الحي. فيطمئن إسطفان هؤلاء بأن «الواهب لن يتأثر في المستقبل عندما يعطي كلية مثلاً». ويشرح أن ما يتمّ وهبه من الحيّ هو الكلى وجزء الكبد الذي لديه القدرة على التجدّد. ويؤكّد أن «الخطر على الواهب بسيط، أقلّ من واحد في المئة. كذلك، هو لن يضطر إلى أخذ أية أدوية بعد الزرع ولا إلى عناية خاصة. الفرق الوحيد أنه سيصبح بكلية واحدة بدلاً من اثنتين. أشخاص كثر يولدون بكلية واحدة ويعيشون من دون أيّة مضاعفات».
المتوفّى واهب كريم
هذا في ما يتعلّق بالواهب الحي. لكن الواهبين الأحياء في العائلة غالباً ما يكون عددهم محدود، «لذا يكون تشجيع الوهب عادة من المتوفّين»، بحسب إسطفان: «فالواهب المتوفّى هو أكثر الواهبين كرماً. يمكنه أن يعطي كلّ شيء وليس من خطر عليه». لكنه يشدّد على القيام بذلك بطريقة طبيّة سليمة وأخلاقيّة.
ويلحظ أنه من المفضّل عدم أخذ أعضاء من واهب تحت سنّ الرابعة لأن شرايينه صغيرة جداً وبالتالي تأتي عمليّة وصلها عند المتلقّي صعبة. كذلك، يُفضّل عدم الأخذ من متوفّين فوق الـ55/60 سنة، بحسب الأعضاء. فهي إذا ما كانت تعاني من مشاكل، لن تؤمّن الوظيفة كاملة.
أما في ما يتعلّق بالأنسجة فيوضح إسطفان أنه ليس هناك من عمر محدّد، شرط أن تكون بحالة جيّدة. وحتى العيون، إذا ما كان الواهب يعاني من ضعف من النظر أو مشاكل أخرى، لا علاقة لذلك بوهب القرنيّة. لا تُنقل فقط إذا ما كان الواهب يعاني من ماء زرقاء.
وككلّ عمل طبّي، للوهب موانعه. فيختصرها إسطفان بالأمراض المعدية التي يمكن نقلها كالسيدا، التهاب الكبد بأنواعه (الصفيرة)، الأمراض السرطانيّة (باستثناء نوع محدود في الدماغ لا ينتشر). كذلك، هناك السكّري («ليس لدينا شيء ضدّه، لكن المرض يتلف الشرايين»)، والأمر كذلك بالنسبة إلى ارتفاع الضغط المزمن. وإذا ما كان الواهب قد تعرّض في السابق لذبحة قلبيّة مثلاً، لا يؤخذ القلب.
الموت الدماغي.. موت حتمي
لكي تتقل الأعضاء من واهب، يشترط أن يتوفّى وفاة دماغيّة تختلف كلياً عن «الكوما»، والتي هي غيبوبة يمكن للمرء أن يصحو منها. ويلفت إسطفان إلى أن الصعوبة تكمن هنا بالنسبة إلى الأهل: «فهم سوف يعتقدون بأن مريضهم ما زال حيّاً. لكنهم لا يعرفون أنه إذا ما توقّفت طرق الإنعاش، فإن المريض ذاهب إلى موت حتمي. لذا، لا نملك وقتاً كافياً للتفكير، فنحن مضطرون لأخذ قرارنا سريعاً إذا ما أردنا الاستفادة من الأعضاء التي قد توهب».
لكن، كم نحتاج من الوقت للتأكّد من الموت الدماغي؟ يشرح إسطفان أنه «عندما يمكننا أن نبرهن أن الدم لا يصل إلى الرأس، هذا يعني أن الموت الدماغي قد وقع. وبعد أن ينقطع الأوكسيجين والدورة الدمويّة عن خلايا الأعصاب أكثر من ستّ دقائق فهي تتلف نهائياً. حتى ولو عادت الدورة الدمويّة إلى طبيعتها بعد ذلك، وحتى لو عاد القلب لينبض.. الدماغ مات. لكن، بالنسبة إلى الناس، فإن الفكرة السائدة تقول بأن الموت هو توقّف في القلب. وهذه فكرة خاطئة».
وللتأكّد من الموت الدماغي، يجب أن يعاين أطباء ثلاثة المريض، كل على حدة: الأوّل طبيب الإنعاش، الثاني طبيب أو جرّاح أعصاب، والثالث الطبيب الشرعي.
بنك للأعضاء؟
حول إمكانيّة إنشاء بنك للأعضاء في محاولة لسدّ عجز ما، يوضح إسطفان أن ذلك «مستحيل». فهذه الأعضاء يجب أن تستأصل وتزرع خلال ساعات. القلب مثلاً خلال 4 إلى 6 ساعات. أما الكلى التي تحتمل الانتظار، فهي لا يمكن أن تتخطى حدود يومين أو ثلاثة.
لكن الأمر يختلف بالنسبة إلى الأنسجة، التي يمكن إنشاء بنك خاص لها. فهي تخدم خارج جسم الإنسان فترات طويلة قد تصل بعضها إلى سنوات. ويشير إسطفان إلى «البنك الوطني للعيون في الكرنتينا. لكننا نسعى إلى إنشاء آخر مجهّز لاستيعاب وحفظ كلّ الأنسجة: العظم والشرايين والجلد والصمامات والأمعاء والنخاع العظمي». ويلفت إلى أنه إذا ما قرّر أحدهم وهب أنسجته اليوم، فهي تحفظ في برادات خاصة بينما ترسل أخرى إلى الخارج.
ممانعة الأهل تعرقل الوهب
تنضمّ المنسّقة العامة يونان إلى إسطفان بعدما أنهت اجتماعاً تحضيرياً لمؤتمر حول أمراض الكلى. وقبل أن تتحدّث عن ذلك المشروع الكبير الذي يجري التحضير له، تلفت إلى أن الوهب، حتى ولو لبّى جميع الشروط، لا يتعلّق فقط برغبة الواهب بل أيضاً بموافقة الأهل.
صحيح أن بطاقة الوهب تعتبر أشبه بوصيّة، وصحيح أن الواهب يستطيع أن ينظّم أخرى رسميّة عند كاتب عدل، «لكنه في حال عارضت العائلة، نوقف كلّ شيء. الكلمة الفصل تعود إليها». وتوضح أن هناك دولاً تقول بأن كل مواطن يولد واهب حتى إثبات العكس... حتى في هذه الدول تعطى الكلمة الأخيرة للعائلة: «يجب الوقوف على خاطرها. فهي المفجوعة». لذا، تنصح يونان الواهب بإخبار عائلته برغبته ومحاولة إقناعها.
لكنها تشير إلى أنه في بعض الأحيان، ومن دون أن يكون المواطن مسجّلاً كواهب، يقرّر الأهل أن يهبوا أعضاءه: «في هذه الحالة، يكون الأهل مطلعين جداً على الموضوع ومؤيّدين له، بالإضافة إلى معرفتهم بميل ابنهم إلى ذلك، من دون أن يكون قد عبّر عن ذلك صراحة». وتخبر عن أم طالبت عند وفاة ابنها بوهب أعضائه لأنه أمضى حياته كلها يضحّي من أجل إخوته وعائلته ومن حوله، بالإضافة إلى استعداده لخدمة الجميع. ارتأت أنه كان ليوافق على الوهب إذا ما سئل.. «لن يبخل بذلك على أحد». لكن، وبعدما وقّعت على الموافقة، حال سبب طبي دون تنفيذ رغبتها.
لوائح وسجلات قيد الإنشاء
في جميع بلدان العالم، لوائح انتظار لمرضى بحاجة إلى زرع أعضاء. لكن في لبنان، ما زالت هذه اللائحة في طور التأسيس. وتعيد يونان السبب إلى عدم حصول اللجنة على بيانات المرضى: «لذا، نحن اليوم بصدد إعداد شبكة مع عشرين مستشفى نسلّمها جميع البروتوكولات التي يجب اعتمادها بهدف تنفيذ المشروع. والمشروع متكامل ابتداءً من لائحة الانتظار مروراً بآلية تنفيذ عمليّة الوهب كلّها.. من الإعلان عن الوفاة وصولاً إلى الاستئصال». وقد بدأت اللائحة تتشكّل بالفعل، لتضمّ حوالى مئة شخص بين قلب وكبد وكلية: «لكن هذا قليل جداً نسبة إلى المرضى الذين هم بحاجة. العدد هو أكبر بكثير، لكنهم لا يقومون بفحوصات ويسجّلون نتائجها. وإذا لم يتسجّلوا على لائحة الانتظار فهم لن يستفيدوا من الأعضاء التي قد تتوفر».
إلى جانب لائحة الانتظار، لا بدّ من وضع سجلّ لعمليات الزرع. وإلى حين اكتمال ذلك، تشير يونان إلى «أننا نلملمها.. فلغاية عام 2008، سجّلنا 960 عملية كلية (منذ 1985) 121 منها من واهب متوفّ. 25 عمليّة قلب. 23 عمليّة كبد، 10 من المتوفين. حوالى 2000 قرنيّة (بدأت في 1979). 250 عمليّة نخاع عظمي».
لكن، يونان تلفت إلى أن الوضع قد لا يكون بالسوء الذي نعتقده. وتشير إلى أن إحدى الإحصاءات تقول بأن 53 في المئة يرغبون بوهب أعضائهم: «لكن ذلك لا يترجم على الأرض، إذ لا يصار إلى إعلان رسمي عن الوفيات». وعن عدد الواهبين المسجّلين اليوم، تعلن أنهم بلغوا 2200 مواطن. لكنها تتوقّع المزيد خصوصاً مع تكثيف النشاطات التوعويّة، لا سيّما في إدخال ثقافة الوهب في المدارس.
مشروع تعاون مع إسبانيا
تعوّل يونان أهميّة على المشروع الكبير الذي يجري التحضير له. يبدأ المشروع في كانون الأوّل المقبل بالتعاون مع فريق إسباني، وهو كناية عن تركيب شبكة منسّقين في عدد من المستشفيات بإدارة فريق طبي إسباني ومساعدة الدولة الإسبانيّة، لتنظيم عمليّة الوهب والزرع. لماذا إسبانيا؟ لأنها تعتبر رائدة في هذا المجال. وقد سجّلت أعلى نسبة وهب في العالم: 34 واهب في مليون نسمة، بينما لم يتعدّوا 22 في المليون في الولايات المتحدة الأميركية. كذلك، فإن النمط الذي يتّبعونه يعتمد اليوم في جميع دول العالم.
وهذا التعاون مع الإسبان سوف يمكّن اللجنة من توظيف كادرات تضمن انطلاقة المشروع، بينما كانت غالبيّة الأعضاء من المتطوّعين.
بالنسبة إلى يونان، «الأمر يتطلّب عملاً طويلاً. لا يمكن أن ينتهي في يوم أو اثنين. حتى إسبانيا حيث نسبة الواهبين هي الأكبر عالمياً، ما زال 40 في المئة من مواطنيها يرفضون الوهب، على الرغم من أن القانون يقول بأن كل إسباني يولد واهباً حتى يثبت العكس!».
الأطباء في مقابل الأعضاء!
قد نكون بحاجة إلى الإسبان لتصويب بعض الآليات الخاصة، لكن لا يمكن أن ننكر بأن التقنيّات متوفّرة لدينا في مستشفياتنا كما أن التغطية الماديّة موجودة. فوزارة الصحّة وبهدف تشجيع المستشفيات على الاعتناء بالواهب، تغطّي تكاليف إنعاشه حين يؤخذ قرار الوهب إلى حين الاستئصال. أما الأطباء الذين يتابعون الحالة فتتكفّل اللجنة الوطنيّة بتأمين مصاريفهم مباشرة.
والمستشفيات بحسب إسطفان، ما من شيء يمنعها من متابعة الواهب، باستثناء بعضها التي لا تملك الإمكانيات الكافيّة للإنعاش وغيره. «ونحن ما زلنا نحاول إدخال هذه الثقافة التي قد لا تكون منتشرة كما يجب». أما المستشفيات التي تقوم بالزرع فهي ستّة، خمسة خاصة بالإضافة إلى مستشفى بيروت الحكومي. وفي ما يتعلّق بالأطبّاء، يؤكّد إسطفان بأنه لدينا عدد كاف من المتخصّصين لا سيّما بالزرع. «الأصحّ أنه لدينا عدد فائض بما أنه ليس هناك من أعضاء للزرع!».
سوسيه تبرّعت بأول كبد في لبنان والشرق الأوسط.. فكبرت باتريسيا
قبل أحد عشر عاماً، وفي مثل أيّام تشرين هذه، دخلت سوسيه ساباجيان إلى مستشفى الجامعة الأميركيّة في بيروت، سيراً على الأقدام. «سحايا في الدماغ»، شخّص الأطباء مرضها، على الرغم من عدم ارتفاع حرارتها وعلى الرغم من قدرتها على الانحناء. فدخلت في غيبوبة أو «كوما»، في اليوم نفسه. كانت الأحداث تتسارع. لم يستوعب أحد ما حصل. لكن الفيروس كان قاتلاً. وفي اليوم التالي، أعلن الأطباء «موتها الدماغي».
في ذلك الخريف، كانت سوسيه في الخامسة عشرة من عمرها، وقد بدأت للتوّ عاماً دراسياً جديداً. «كانت متل الفلّ»... وتمسح مارغو (عمّتها) دموعها وهي تصرّ على الابتسام.
هناك، في المستشفى، كانت تقضي هذه المراهقة الشقراء، ذات العينين الزرقاوين الواسعتين، أيامها الأخيرة على هذه الأرض: «كنا بحاجة إلى تقبّل وداعها وفهم ما حصل لها. كنا نراقبها بينما تبقي الآلات على تنفّسها». هناك، كانت مارغو متأهّبة تحاول التماسك في حين إن الوالدين منهكان. سوسيه ابنتهما الوحيدة! وتخبر العمّة كم كان التواجد هناك صعباً، حتى «حضر من يسألنا إذا ما كنا نرغب بالتبرّع بكبد صغيرتنا. ففي المستشفى طفلة في الثالثة والنصف من عمرها قد تستفيد منه.. وتعيش».
«صراحة، تعذّبنا لدرجة... (وتمسح دموعها) لم أحتج إلى أكثر من دقيقة لأجيب: إذا كنتم تستطيعون إنقاذ شخص آخر، فلتفعلوا». تضيف مارغو كمن يريد التبرير: «الغالي راح عندنا. وأن نساهم في مدّ الحياة لأحدهم...»، تتــوقّف للــحظة قبل أن تكمل: «ومن ثم، إذا كنا نحن في موقع هذه الفتاة الصغيرة... كيف كنا لنشعر؟». وفي محاولتها لإقناع العائلة، راحت تردّد: «حتى ما يتــعذّب غيرنا مثلنا».
هكذا، وبفضل كبد سوسيه، أُنقذت باتريسيا التي أصبحت اليوم صبيّة في الرابعة عشرة من عمرها تزور مارغو من وقت إلى آخر مع والدها.
لم تنقذ عمليّة الوهب تلك طفلة بريئة فحسب، بل جعلت لبنان يسجّل أوّل عمليّة زرع كبد في الشرق الأوسط، وقد أجريت على يد وزير الصحّة العامة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور محمد جواد خليفة.
في 29 تشرين الأوّل 1998، أخرجت سوسيه من المستشفى، وإنما محمولة. جسمهما لم يشــوّه كما قد يعــتقد البعض. هي عادت إلى الأرض كما كانت مراهقة جميلة وباسمة: «أصلاً، شو يعني يكــون فيه نصــف وقــيّة زيــادة أو ناقص بجسمها تحت الأرض؟»، تسأل مارغو: «هناك فتاة استعادت حياتها في الخارج».
في البداية، لم يكن هناك أي اتصال بين عائلة سوسيه وعائلة باتريسيا. لكن مارغو راحت تتّصل بالمستشفى يومياً للاطمئنان على تطوّر حالة الصغيرة التي بقيت في العناية الفائقة طوال شهرين: «أما اليوم، وسنة بعد سنة، كلّما رأيتها تكبر، أشعر بفرح. فأهلها مبسوطين وهي كمان». وتغصّ...
بعد عامين على وفاة سوسيه، قضى والدهـا قــهراً: «طوال سنــتين بقــي يبكي صغيرته. لم يتحمّل الفراق فتوقّف قلبه. وتحوّلت المصيبة إلى اثنتين».
وتتذكّر مارغو هنا كيف سألها أخوها بعد الوفاة مباشرة: «لماذا لم تهبوا عيني سوسيه؟ كانتا جميلتين!». فتمسح دموعها التي لا تجفّ. لكنها تمسحها وتبتسم. ابتسامتها لا تفارقها، على الرغم من كلّ ذلك الألم الواضح في عينيها وفي صوتها. ثم تشرح أنه كان من الصعب التبرّع بالقرنيّتين، فهما كانتا قريبتين من موقع المرض الذي أصاب دماغها.
اليوم، تقول مارغو وبفخر: «أنا واهبة وعندي بطاقة». لكنـها تؤكّد أن قلّة هم الذي يعرفون أو الذين يرغبون بمعرفة الحقيقة حول عملــيّة الوهب: «وبصراحة، لو لم يسألنا الأطــباء إذا ما كنا نرغب بذلك، لما كنا فكّرنا. لوعتنا كانت كبيرة حينها».
وهي ترينا صورة سوسيه التي تحتفظ بها في محفظتها، إلى جانب صورة أخيها، تقول مارغو: «أكيد، لو أنها تراقب من الأعلى، سوف تكون راضية لما آلت إليه حالة باتريسيا».
من أجل «بطاقة تبرّع»
هل تعتقد بأنك بحاجة إلى أعضائك بعد وفاتك؟ وماذا إذا ما كانت قادرة على إنقاذ حياة إنسان آخر؟ قد يكون غريباً كما قد يكون صديقاً أو حتى أخاً أو حبيباً؟
إذا كنت مستعداً لوهب أيّ من أعضائك وأنسجتك بدلاً من تركها تتحلّل في الأرض، يمكنك أن تعبّر عن ذلك بملء «بطاقة تبرّع» واستمارة مرفقة بها.
احتفظ بالبطاقة كما تحتفظ بهويّتك. ولا تنس أن تخبر عائلتك بقرارك. فالقانون اللبناني يجيز لهم نقض رغبتك حتى ولو كانت وصيّة منظّمة.
يكفي أن تعبّر عن رغبتك. أما تقييمك الطبي كواهب فلا يحصل إلا عندما يحين الوقت. وإذا برز أي مانع طبي، يجمّد كل شيء.
لملء الاستمارة والحصول على البطاقة، لست مضطراً للذهاب إلى مركز اللجنة الوطنيّة في بيت الطبيب اللبناني - تحويطة فرن الشباك. يمكنك القيام بذلك عبر الإنترنت على الموقع الآتي: www.nootdt.org
أو يمكنك دائماً الاتصال على 01398171 – 03532908 لأي استفسار.
... وسليم كان ميّتاً فنبض قلب كريم وأحياه
في العاشر من أيلول 2006، انتهى انتظاره الطويل. كلّ شيء تغيّر في حياته. هو سليم عبيد، مواليد عام 1954. أما سكنه ففي جرود الضنيّة.
طوال 24 عاماً، أرهق المرض قلب سليم... قلباً كان شاباً في أحد الأيام. لكنه، وعلى الرغم من كل تلك الآلام، حاول التحدّي. فتــزوّج وأنجب ثلاثــة أولاد وبــنتاً. لكنه لم يستطع أن يبــقى «قبــضاي» طويلاً. فراح جــسمه ينــهك كلّما ضعف قلبه أكثر.
وكانت رحلة سليم قد بدأت مع قلبه العليل عام 1983. بداية، خضع لعمليّة زرع بطّارية في الأردن: «فالأوضاع الأمنيّة في لبنان فرضت ذلك».
«منذ ذلك الحين، وأنا أعاني». اضطرّ لتبديل البطّارية مرّات عدّة: «لكنها دائماً ما كانت تسبّب لي إزعاجاً ما. خصوصاً أنني كنت أسير في طرق ترابيّة».
وضعفت عضلة قلبه كثيراً، فقدّر الأطباء نسبة عملها بعشرين في المئة. وفي عام 2003، أتى الرأي الطبّي جازماً: «زرع قلب».
في تلك المرحلة، «كنت ميّتاً بس مفتّح عيوني... على الفاضي. كنت عاجزاً حتى عن السير كما يجب. وإذا ما أردت صعود الدرج مثلاً، كان يقف ابني خلفي ويدفعني شيئاً فشيئاً حتى أبلغ وجهتي». وراح يقضي أيّامه على الطريق بين المستشفى في بيروت وبيته في الشمال. لم يستطع الأطباء شيئاً خلال «رحلاته» الطويلة تلك. فهم سبق وجزموا: «إما زرع قلب وإما الموت».
ومن أين يؤتى بقلب؟! «بقيت منتظراً منذ عام 2003 حتى انفرجت عام 2006». وقع حادث سير مروّع في منطقة عجلتون الكسروانيّة. ضحيّته شاب في الثانية والعشرين من عمره: «وتمّ استدعائي على عجل إلى مستشفى قلب يسوع في الحازميّة. هناك، راح قلب كريم (اسم مستعار) ينبض في جسمي.. المنهك».
خلال شهر من الزمن، بقي سليم في العناية المركّزة يستعيد قواه ويتأقلم مع قلب ينبض حيويّة. لكنه، وعلى الرغم من وضعه الذي كان لا يزال دقيقاً، راح يصرّ على التعرّف إلى أهل واهبه. وكان اللقاء مع الوالد المفجوع الذي قال له: «هيدي رزقتك»... «الله عطاك ياه مش أنا». كانت شجاعة كبيرة منه.
لكن سليم الفرحان بقلبه الجديد يردّد: «نحن لا نطلب أن تموت الناس حتى نأخذ قلبها... الله يطوّل بعمر الجميع... بس الله سبحانه وتعالى قرّر هيك».
اليوم، ترتبط العائلتان بعلاقة وثيقة. فابن الضنيّة لا يترك مناسبة إلا ويعبّر خلالها عن امتنانه. وهو لا يفوّت مناسبة إلا ويزور أهله: «هناك، يستقبلونني كأنني ابنهم». من جهته، يزور والد كريم مراراً جرود الضنيّة حيث يقضي وقتاً مع من ينبض بين ضلوعه قلب ولده الذي أرداه الموت باكراً.
بعد ثلاث سنوات على عمليّة الزرع، سليم بحالة جيّدة. لكنه ملزم بإجراء فحوصات روتينيّة مرّة كلّ ثلاثة أشهر لمراقبة استقرار وضعه الصحّي. وعلى الرغم من استعادته لحياته الطبيعيّة، ما زال سليم غير قادر على تحمّل الإجهاد الكبير. هو كان يعتاش من النحل والعسل، وما زال اليوم... إلا أنه يقول ضاحكاً: «أصبحت مشرفاً!».
سليم ممتنّ للحياة ولأهل كريم ولله. ولأن إنقاذ حياة لا يتطلّب سوى «إرادة طيّبة» بالنسبة إليه، هو الذي واجه الموت عن قرب، يعلن باعتزاز أن زوجته وأولاده هم اليوم متبرّعين واهبين.
الإسلام والمسيحيّة يوحّدان نداءهما: هبوا أعضاءكم!
لأن وهب الأعضاء مسألة إنسانيّة دقيقة تتداخل فيها اعتبارات متشعّبة، ولأن جميع القضايا الحساسة في لبنان تحتاج إلى «مباركة» دينيّة تختلف باختلاف إيمان أو انتماء مواطن إلى طائفة ما أو مذهب معيّن، كان لا بدّ من التوقّف عند رأيين دينيين أكاديميّين يختصران توجّه الطوائف المسيحيّة كما الإسلاميّة في هذا الخصوص.
في الوهب معاني الرحمة
«الدين المسلم يحرّم وهب الأعضاء»، بحسب ما يتداوله البعض. لكن القاضي الشيخ محمد نقّري، وهو أستاذ في جامعة القديس يوسف - كليّة الحقوق، يشير إلى أن هذه «أفكار خاطئة لآراء بعض من الفقهاء». ويشرح أن «معارضة فكرة وهب الأعضاء ما هي إلا رأي ضعيف يقابله رأي راجح توافق عليه جميع المذاهب الفقهيّة، لا بل تشجّع الإنسان، على التبرّع بأعضائه في حال الموت. وفي الحياة، التبرّع بالأعضاء التي لا تشكّل خطراً على المتبرِّع».
لكنه يلفت إلى أن الفقهاء اتّفقوا على «عدم جواز نقل الخصيتين ولا المبيض لأنها تنقل الصفات الوراثية».
من جهة أخرى، يشدّد نقّري على «عدم جواز تلقّي أي بدل مادي نظير عمليّة الوهب، حتى ولو كان إكراميّة للمتبرّع».
ويعيد نقّري جواز وهب الأعضاء إلى «قواعد المفاضلة في الشريعة الإسلاميّة والتي تجيز ارتكاب أخفّ الضررين دفعاً لأعظمهما». فيشرح أنه «إذا ما كانت لدينا مصلحة إنقاذ المريض وأمامنا ضرر تشريح الجثّة وأخذ عضو منها، تتجاوز المنفعة حدود الأضرار اللاحقة فتتقرّر مصلحة إنقاذ المريض».
ثم تأتي «قاعدة شرعيّة ثانية تنصّ على أن الضرورات تبيح المحذورات. فترفع الحرمة عن الإنسان إذا ما وجد الشخص نفسه في حالة يخشى فيها حصول ضرر على نفسه بحيث يكون ضرراً حقيقياً. فيلتجئ إلى المنهي عنه والمحظور من أجل دفع الضرر المتأتّي جرّاءه، إذا كان قد أشرف على الهلاك».
من جهة أخرى، كانت «رابطة العمل الإسلامي» قد وافقت على أخذ عضو من جسم إنسان حي ليزرع في جسم حي. ويشرح نقّري أن هذا «هو مشروع حميد إذا ما توفّرت الشروط» المذكورة أعلاه.
بالنسبة إلى نقّري، فإن «الآيات القرآنيّة تدعو إلى الخير وكذلك أحاديث نبويّة حثّت على مساعدة الإنسان لأخيه الإنسان، بحيث ينفّس كربه وهمّه. فالذي يحيي نفساً واحدة، يحيي الناس جميعاً. وعندما يفيد أحدنا إنساناً واحداً كأنما أمّن الإفادة للإنسانيّة جمعاء». ففي هذه، بحسب نقّري «معاني الرحمة التي تنادي بها الشريعة الإسلاميّة والأديان السماويّة جمعاء». لكنه يلفت إلى أن الناس عادة «لا يقاربون هذا الموضوع لأن فيه «موتاً»... وتبقى الحاجة إلى التوعية».
.. وهو فضيلة دينيّة فائقة
حتى لو لم تُنشر تعاليم صارمة حول تحريم الدين المسيحي وهب الأعضاء، إلا أن كثيرين يعتبرون أن أجسامنا ليست ملكاً لنا وبالتالي علينا أن نعود بها إلى التراب كما خلقنا بها.
لكن الأب الدكتور لويس الخــوند، وهو أســتاذ محــاضر في جامعة الروح القدس - الكسليك، لا يوافق على ما أتى معتبراً أنه في حالة الموت، «الإنسان الروح ذهب مع الرب في حين أن التراب رجع إلى التراب». ويوضح أن «الديانة المسيحيّة تستند إلى العقل والإيمان».
فيشرح أن «في العقل: كل الناس أخوة. وصحــّة الإنسان هي القيمة الأولى لأن الإنسان هو القيــمة المطلــقة. أما في الإيمــان: فالله خلق الإنسان لذاته. والله بذاته في خدمة الإنسان. لذا، نستنتج هنا أن الإنسان هو القيمة المطلقة، وبالنتيجة، فإن الحياة البشريّة هي كذلك. الإنسان عليه حقّ ولديه واجب للحفاظ على صحّته، خصوصاً من لديه حاجة ما». يضيف: «الأصحاء ملزمون بالسقماء من بـاب الأخوّة الآدميّة والبنوّة الإلهيّة».
ويستعيد قول للقديس إيليوناوس «مجد الله هو الإنسان الحيّ. الله يتمجّد بصحّة الإنسان، خصوصاً أننا جميعنا أعضاء بعضنا البعض وكل واحد أعضاء لآخرين». ويشدّد على أن «الوهب فضيلة إنسانيّة دينيّة مسيحيّة مميّزة فائقة».
ويشير الخوند إلى أن «القضيّة الطــبيّة هي التي تحــكم من ناحيــة نقل الأعضاء. والكنيسة تترك الأمر للطبّ من الناحية العــلميّة». لكنها تتّفق مع الطب على أن موت الإنسان المحتّم هو الموت الدماغي. وبالتالي، هو لن يكون موجــوداً في جــسمه البــيولوجي: «لذا، نتمنّى أن يوصي بأعضائه للمحتاجين إليها». يضيف: «هي كليتان، قلب، رئتان، كبد، قرنيّتان، وغيرها... كل ما لم يتمكّن من وهبه في حياته يعطيه في مماته وبتفوّق».
الكنائس المسيحيّة جميعها توافق بحسب الخوند على عمليّة الوهب: «فلا يجوز أن ندفن كنوزاً غالية في التراب. مع التركيز على أن الكنيسة مع مجانيّة وسلامة الوهب على الرغم من قيمة الأعضاء، التي لا تقدّر. تخيّلوا أن شخصاً واحداً قادر أن يحيي ستّة أشخاص... هل هذه مزحة؟».
وفي ما يتعلّق بالنقل من إنسان حيّ، يعتبره خوند أمراً دقيقاً لا يُسمح به بسهولة: «فالحيّ أحقّ بحياته. لكن عندما تضطر أم مثلاً لوهب ابنها كلية، حينها تأتي الموافقة».
وهب الأعضاء إذاً «فضيلة إنسانيّة»، يمكّننا من خلال وصيّة أن نفعل خيراً في مماتنا أكثر من حياتنا. هذا ما يخلص إليه الخوند متسائلاً: «شو يعني يطلع عند ربّه ناقص؟ هو يذهب مع إرادته الطيبة ونيّته الحسنة... أليس هذا ما يهمّ؟».
لكن، وعلى الرغم من تلك الإيجابيّة التي اتّفقت عليها الكنيسة كما الشريعة الإسلاميّة، ما زلنا نلاحظ رجال دين يفرضون رؤيتهم الشخصيّة أو يملونها على بعض المؤمنين إلى أيّة ديانة انتموا. فاقتضت الإشارة علّ ينجح هؤلاء بتغليب آراء طوائفهم ومذاهبهم الإنسانيّة على آرائهم الخاصة التي تساهم في حرمان كثيرين من فرصة حياة جديدة.
تعليقات: