زيتون حاصبيا والعرقوب.. «مونة» العائلة بتعبها

تصوير عمر يحيي
تصوير عمر يحيي


أصحابه ينطلقون مع الفجر لجمع موسم الخير رغم "عين الطاووس"

حاصبيا، العرقوب ـ

ذبابة وعثة الزيتون وعين الطاووس امراض أصابت أشجار الزيتون ما أدى الى تراجع لافت في إنتاجه بحيث لم يصل الى 25 % وفي بعض الأماكن الى ما دون الـ 10 % مقارنة بالأعوام الماضية ومناشدات المزارعين لم تتوقف لدعم هذه الشجرة المباركة، التي يعتاش منها ابناء منطقة حاصبيا والعرقوب الشهيرة بزيتونها.

المزارعون يعتنون طوال العام بزيتونهم حتى يحين قطافه، وإذا به دون المستوى المطلوب، ورغم ذلك فهم ينطلقون يومياً مع ساعات الفجر الأولى لجني المحصول مهما كان، حيث تتشارك العائلة من صغيرها الى كبيرها في قطافه، ومنهم من يأتي من اماكن إقامتهم في المدن الى قراهم للمشاركة في ثقافة تشبثهم بارضهم وتأكيد إنتمائهم الى قراهم وحقولهم بمعزل عما تعوضه عليهم تلك الشجرة.

أم انور عيسى (عمرها 70 سنة) التي تعيش وأبناءها في بيروت تأتي معهم في عطلة نهاية الأسبوع لقطاف الزيتون وجمع محصولهم وهي تقول: ثلاث سنوات ما في زيتون، ونقوم بجمعه بالحبة، وإذا حسبنا كلفة فلاحته ورش المبيدات الحشرية وتعبنا نكون خاسرين والفلاح يبقى مغدوراً، ونقول بكل الأحوال مهما كان المحصول فهو نعمة من الله."

أبو بسام الشعار من الهبارية، هو الآخر يأتي من بيروت ليساعد أهله، يتحلق معهم حول شجرة الزيتون لقطافها، يعتبر ان "الفلاح في هذه المنطقة حقه مهدور وفي ظل تراجع كمية المحصول يكاد لا يكفيه لتأمين قوته وعائلته لأن الإعتماد المعيشي يتوقف عليه"، ويناشد "وزارة الزراعة تقديم الدعم اللازم للمزارعين في هذه المنطقة وتأمين المبيدات الحشرية والأدوية اللازمة لمكافحة الأمراض التي تصيب الزيتون".

اما قريبته أم يوسف التي تتكئ على عكازها فتشير الى أنه لندرة وغلاء اليد العاملة يحاولون بجهدهم والتعاون في ما بينهم لجني وقطف الزيتون، خاصة وان أجر العامل يفوق الأربعين الف ليرة، وتقول: "رغم مرضي آتي معهم للمساعدة قدر الإمكان لأن الرزق غال ويحتاج الى مشاركة الجميع في جنيه حتى وإن كان شحيحاً".

ام حسن طه، من كفرحمام وعمرها 75 سنة يساعدها ولدها وزوجته، تقول: "الرزق القليل بيريح وهذا العام ثمار الزيتون ليست بالمستوى المطلوب عموماً وفي بعض الأماكن يكاد يكون معدوماً"، وهي لا تعرف شيئاً عن الأسعار لأن ما تجمعه من زيت وزيتون هو مونة لها ولأولادها.

من جهته عدنان القادري من كفرشوبا يعتبر ان "الموسم يؤمن مونة السنة للعائلة وإذا زاد منه القليل فهو يكاد لا يكفي لفلاحة الأرض ورشها بالمبيدات الحشرية، وان اكبر مشكلة تتسبب في تراجع إنتاج الزيتون هي عين الطاووس"، مناشداً وزارة الزراعة "إيجاد حل فعلي وجذري لمكافحة هذه الآفة التي تصيب الزيتون كل عام".

يوسف عبد الحي من بلدة عين جرفا، تساعده زوجته وأولاده، كانت معهم طفلتهم الرضيعة التي تعطي أملاً بالمستقبل، يتحدث عن "الحرمان الذي تعيشه المنطقة في كافة القطاعات وخاصة القطاع الزراعي الذي يشكل الشريان الأساسي في معيشة ابناء المنطقة"، وعن الزيتون يشير الى ان الموسم "دون المستوى المطلوب وذلك لعدم توفر الأدوية اللازمة لمكافحة الأمراض، إضافة الى غياب الدولة ووزارة الزراعة التي يقع عليها واجب الإلتفات نحو المزارع إن لجهة تأمين الأدوية اللازمة أو الإرشاد الزراعي وإيجاد أسواق لتصريف الإنتاج".

التعب كثير والرزق قليل والمزارعون مصرون على الإستمرار في زراعة الزيتون والإهتمام به قدر الإمكان في منطقة باتت تمتاز بأجود انواع الزيت والزيتون، وهم يطورونها ضمن قدراتهم المادية وخبرتهم الزراعية، مع مطالبتهم الدائمة لوزارة الزراعة والمعنيين بإيلاء هذه الشجرة الإهتمام الكافي لجهة التوعية والإرشاد الزراعي المطلوب لتطويرها وتحسين نوعية المحصول وكميته.

الزيتون·· أشجار النور المباركة لدعم معيشة الأهالي في حاصبيا..

الأمراض وقلّة المتساقطات والبرد أضعف الموسم والمزارعون يطالبون بالمساعدة..

حسين حديفة،

حاصبيا -

تعتبر زراعة الزيتون في منطقة حاصبيا إحدى الدعائم الأساسية في معيشة شريحة كبيرة من المجتمع الحاصباني وتأتي في المرتبة الأولى للزراعات التقليدية المتبعة في المنطقة منذ عقود طويلة، وتحتل البساتين المغروسة بهذه الشجرة المباركة أو شجرة النور كما جاء في الكتب السماوية ما نسبته 75% من مساحة الأراضي الزراعية في هذه المنطقة، وتشير الاحصاءات التي أعدتها التعاونيات الزراعية بالتعاون مع بعض المؤسسات والجمعيات المهتمة بهذا الحقل الى أن عدد أشجار الزيتون المنتجة في قضاء حاصبيا وصل الى حدود المليون ونصف المليون شجرة غالبيتها من النوع البلدي المؤصل موزعة على حوالى 60 ألف دونم من الأراضي البعلية بينها ما يقارب 300 شجرة معمّرة تعود الى العهد الروماني وما قبل·

وبحسب هذه الاحصاءات أيضاً فإن كمية الزيت المنتجة سنوياً في موسم الحمل تتعدى الـ 160 ألف صفيحة من النوع الجيّد، في حين ينخفض هذا المنتج الى ما دون الـ 40 ألف صفيحة في موسم الشح كما يسميه المزارعون·

وما لا يختلف عليه اثنان أن الزيتون الحاصباني كما زيته يتمتعان بجودة عالية ومواصفات مميّزة قلّما تجدها في زيوت أخرى حتى في أرقى الدول الزراعية في الشرق الأوسط أو في أوروبا ويعود ذلك بحسب العديد من الدراسات الموثقة الى طبيعة منطقة حاصبيا ومناخها المعتدل وتربتها الخصبة التي تتلاءم مع مثل هذه الزراعة إضافة الى الطرق والوسائل الزراعية التي ما زال المزارع الحاصباني يتمسك بها عملاً بنصيحة الآباء والأجداد لجهة الاعتناء بهذه الشجرة المباركة من حراثة وتقليم بعيداً عن الكيماويات والمبيدات والتكنولوجيات الحديثة المعتمدة في مناطق أخرى، بعدما بدأت آثارها السلبية وما ينتج عنها من أمراض تظهر على هذه الشجرة وتعيق نموّها·

مزارعو الزيتون في قضاء حاصبيا بكّروا هذا الموسم في قطاف زيتونهم ويرون فيه أنه أضعف المواسم منذ أكثر من 30 عاماً حيث أن نسبة الانتاج منخفضة جداً وإن كانت تختلف بين موقع وآخر إلا أنها وفي أحسن الأحوال لا تتعدى الـ 25% من كمية الانتاج المعتادة في مواسم الحمل·

ويعزو مزارعو المنطقة سبب هذا الشح في الانتاج الى عوامل مناخية وطبيعية أبرزها قلة المتساقطات وموجة البرد والصقيع التي اجتاحت بساتين الزيتون في أيار الماضي أيام العقاد فقضت على الأزهار بنسبة 90%، ناهيك عن العديد من الأمراض والطفيليات التي بدأت تظهر على أشجار الزيتون أخطرها مرض عين الطاووس وهذا ما يتطلب مكافحة قوية بالأدوية والمبيدات الزراعية وهذا ما يفوق قدرة المزارعين الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد منذ سنوات عديدة·

مزارعو الزيتون في منطقة حاصبيا وبالرغم من ضعف موسمهم الى درجة أنه خيّب آمال معظمهم يأملون أن يتمكّنوا من تصريف إنتاجهم لهذا الموسم باكراً نظراً للأسعار المرتفعة لهذا المنتج هذه الأيام بعدما وصل سعر صفيحة الزيت الجديد الى حدود الـ 250 ألف ليرة قبل أن تغرق الأسواق المحلية بالزيت والزيتون المستورد من الخارج على غرار ما كان يحصل في المواسم السابقة وتسبب منافسة قوية للإنتاج الوطني وعندها يضطر المزارع الى بيع منتوجه بأبخس الأسعار أو أن يبقى أسير الخوابي لسنوات وسنوات·

مزارعو الزيتون في هذه المنطقة يرفعون الصوت عالياً مطالبين وزارة الزراعة وكل الجهات المعنية ضرورة التدخل لإنقاذهم مما يعانون منه من خلال تنظيم دورات إرشادية وتأمين أدوية وأسمدة ومعدات زراعية للمزارعين بأسعار تشجيعية كما هو متبع في كل الدول الزراعية وخلق أسواق محلية لتصريف إنتاجهم بأسعار مقبولة·

وفي منطقة حاصبيا أكثر من 30 معصرة لعصر الزيتون غالبيتها حديثة الصنع في حين أن البعض الآخر ما زال بدائياً ويعمل على الحجر، وهذه المعاصر بدأت العمل منذ أسبوعين تقريباً في وقت ما زال فيه العديد من هذه المعاصر تقفل أبوابها بحيث يفضل أصحابها عدم تشغيلها هذا الموسم بسبب قلة الإنتاج وارتفاع كلفة اليد العاملة مما يعني أن ما يشكو منه المزارع ينطبق أيضاً على أصحاب المعاصر الذين يعيشون المعاناة نفسها كما يقول الشيخ أنور جبر صاحب إحدى المعاصر، معتبراً أن شح الموسم الى هذا الحد انعكس سلباً على أصحاب المعاصر وزادت من خسائرهم بسبب ارتفاع أجرة اليد العاملة والغلاء الفاحش لقطع الغيار إضافة الى ثمن المحروقات حيث نضطر الى تشغيل المولدات الكهربائية لتأمين الطاقة في ظل التقنين الحاد والعشوائي للتيار الكهربائي·

وطالب جبر المسؤولين بضرورة دعم أصحاب المعاصر ومساعدتهم على تصريف إنتاجهم من خلال إيجاد أسواق محلية وبأسعار تشجيعية تتناسب وكلفة الانتاج بعيداً عن المنافسة الأجنبية·

بدوره عصام نور الدين من بلدة الهبارية قال: الموسم هذا العام دون الوسط لكن نوعية الزيت ممتازة والأسعار مرتفعة وسعر صفيحة الزيت يفوق الـ 225 ألف ليرة، وهذه الأسعار مقبولة قياساً للمواسم السابقة بحيث بيعت صفيحة الزيت بحدود الـ 100 ألف ليرة أي بسعر التكلفة تقريباً·

وشدد نور الدين علىضرورة تساهل المسؤولين مع أصحاب المعاصر في هذه المنطقة لجهة تأمين رخص ونقل زيبار الزيتون من معاصرهم على نفقتهم الخاصة فهذا يرتب أعباء إضافية على المعاصر وبالتالي ينعكس سلباً على المزارعين·

المزارع محمد قصب من بلدة كفرشوبا وصف الموسم بالماحل، عازياً السبب في ذلك الى عوامل الطقس·

واعتبر قصب أن المزارع في هذه المنطقة يواجه منذ ثلاث سنوات تراجعاً ملحوظاً في إنتاج الزيتون، وكذلك بالنسبة لكمية الزيت المنتجة حيث أن مقطوعية <المد> أي 20 كلغ من الزيتون يجب أن تعطي بحدود 5 كلغ زيت إلا أن هذه الكمية انخفضت هذا الموسم الى النصف والمزارع في حيرة من أمره فهو لا يعرف السبب ولا السبل لمعالجته·

وطالب قصب الوزارات المعنية وبخاصة وزارة الزراعة أن تولي القطاع الزراعي في لبنان عامة وفي هذه المنطقة بالذات اهتماماً خاصاً للنهوض بهذا القطاع وذلك من خلال دعم التعاونيات الزراعية في كل بلدة وقرية وتأمين مهندسين ومرشدين زراعيين من الوزارة لتوجيه المزارع وإرشاده ومدّه بالأدوية والأسمدة والمعدات الزراعية التي تمكّنه من مواجهة الصعوبات التي تعترضه·

وحذّر قصب من الأمراض التي بدأت تضرب أشجار الزيتون منذ سنوات عدة الى درجة أن بعضاً من هذه الأشجار أصابها اليباس الكامل·

المزارع زياد عبد الحي من قرية عين جرفا قال: زراعة الزيتون بالنسبة لنا هي المورد الأساسي والوحيد في معيشتنا ونحن نعمل في هذه الزراعة منذ عشرات السنين والمواسم سنة تكون وافرة والسنة الثانية تنقص الكمية الى ما دون النصف، لكن هذا الموسم فاق التوقعات حيث انخفضت نسبة الانتاج الى ما دون الـ 25% مما شكّل خيبة أمل عند غالبية المزارعين·

وطالب عبد الحي المسؤولين بضرورة دعم المزارع في هذه المنطقة كي يقوى على التشبث بأرضه وبيته وأن لا يضطر للانتقال الى المدينة بحثاً عن مصدر آخر لمعيشته·

رئيس بلدية كفرشوبا عزات القادري لفت بدوره الى مشكلة القنابل العنقودية التي خلّفها عدوان تموز 2006 في بساتين الزيتون والأراضي الزراعية في العرقوب وخاصة في كفرشوبا وكفرحمام وحلتا، معتبراً أنها أصعب وأخطر المشاكل التي تواجه المزارع في هذه المنطقة·

وقال القادري: بالأمس خسرنا الفتى رامي شبلي وجرح شقيقه خضر بينما كانا يعملان في قطاف الصنوبر، وهناك أيضاً العديد من الجرحى بسبب هذه الموبوءات التي تهدد حياة المزارعين ورعاة الماشية في كل لحظة·

وشدد القادري على ضرورة وضع خطة شاملة وسريعة من قبل الجهات المعنية لتنظيف المنطقة من هذه الموبوءات كي يتسنىلأبناء المنطقة الوصول الى أملاكهم واستغلالها بأمان وراحة بال·

تصوير عمر يحيي
تصوير عمر يحيي


أم محمد تلمّ المحصول - حسين حديفة
أم محمد تلمّ المحصول - حسين حديفة


 تأهيل معصرة لبدء الموسم - حسين حديفة
تأهيل معصرة لبدء الموسم - حسين حديفة


مزارع يعمل على قطاف الزيتون - حسين حديفة
مزارع يعمل على قطاف الزيتون - حسين حديفة


تعليقات: