عائلة الدكتور كامل مهنا تلتف حوله وحول الوزير كوشنير
أصدقائي الأعزاء..
جرت العادة أن يكون الوسام نهاية الرحلة المرتبطة بالهم العام، إلا أنه بالنسبة لي وقفة تأمل لمراجعة تجربة أردناها خدمة لهذا البلد ولمواطنه، الذي يحتاج منا أن نقدم له خير ما لدينا، وهي وقفة المحارب ليحدد مساره في المستقبل، فقضايا الفئات المعرضة والأقل حظاً ستبقى التحدي الذي يفرض الأمن والسلام الاجتماعيين، في وطن قاسى الأمرين للخطر. وهو التحدي الذي اخترنا نحن بإرادتنا مع إخوة وأصدقاء في مؤسسات المجتمع المدني أن نواجهه بالتعاون مع القطاع العام، ملتزمين بعهد لا تنطفئ شعلتها في النفس. ويقيننا أن الذي أخذ على نفسه عهداً أن يرتبط بمفهوم الناس هو الأقدر على خدمتهم، والأقدر على الإحساس بتطلعاتهم. والأكثر انحيازاً من دون هوادة إلى هذه الفئات المعرضة والذي قرر القطاع المدني أن يتبنى قضاياها وأن يكون صوتها القوي جداً.
قد لا أستطيع أن أعبر لكم عن مدى فخري واعتزازي بهذا التمييز الذي مُنح إلي، أولا" لأنه من قبل رئيس الجمهورية الفرنسية نفسه، و من ثم لأن صديقي الوزير برنار كوشنير سيتولى تقديمه لي، وأخيرا" لأن تمييزا مماثلا سيُمنح لصديقي البروفسور فؤاد بستاني.
سنة 1995 منحني الرئيس فرنسوا ميتران وسام جوقة الشرف برتبة فارس، ولكن كان علي أن انتظر ثلاث سنوات لكي أتسلمه فعليا، وذلك بفضل جهود السيد كوشنير. وها هو اليوم يعود ليقلدني شارة وسام جوقة الشرف برتبة ضابط، و كلي أمل أن نستمر معا"لما فيه تعزيزا" لإنسانية الإنسان.
إن هذه المناسبة الإستثنائية، تعيدني إلى ثلاتة وثلاثين سنة خلت، إلى حيث ولدت قصة صداقة في مناخ حقد وموت.
أصحاب السعادة، سيداتي سادتي،
السنين تمر، و المراكز تتغيير، ولكن الصداقة تدوم، ويمكن أن تغير سياسات الدول.
بدأت مسيرة التعارف بيني وبين السيد كوشنير سنة 1976، خلال حصار منطقة النبعة ومخيم تل الزعتر، وكان قد توجه بمهمة إلى تلك المناطق بصفته رئيس أطباء بلا حدود، وذلك بعد لقائه بالإمام موسى الصدر، وكنت حينها الطبيب الوحيد الذي يعمل في تلك الساحة، ولا أنسى أني وجدت نفسي وحيدا" عندما أُخلي الفريق الطبي التابع لأطباء بلا حدود. ولكن بفضل هذه اللحظات الفريدة، ولدت صداقة بين شخصين تجمعهما القناعة بأهمية العمل الإنساني المبني على التضامن.
وقد أستوحيت من تجربتي مع أطباء بلا حدود، مشروع جمعية " النجدة" الإجتماعية التي كانت تعمل في المخيمات الفلسطينية، وجاء تأسيس مؤسسة عامل التي لم تتوقف عن التوسع يوما" والتي أصبحت" نموذجا" فريدا"على الصعيد الوطني و العربي، استكمالا" لهذه المسيرة.
سنة 1982، التقيت مجددا" مع برنارد كوشنير في خضم الإجتياح الإسرائيلي، و لم تكف دروبنا يوما"عن التلاقي في كل التجارب التي مر بها لبنان، و في كل المواقف،كانت اجتماعاتنا المكثفة مثمرة على الصعيد الإنساني. فقد أنشأنا شبكة كبيرة من المستوصفات والعيادات والمراكز الطبية، في مناطق النزاع، وسعينا إلى تيسير نقل الجرحى إلى المستشفيات الفرنسية لمعالجتهم. وفي سنة 1989، وصل كوشنير الذي أصبح وزير الشؤون الإنسانية إلى لبنان ترافقه سفينة معدة لنقل الجرحى اللبنانيين. وبما أنه، في ذلك الوقت، كان للبنان حكومتان، وقد تم التواصل مع رئيسي الحكومتين،سليم الحص و ميشال عون، والعمل على نقل الجرحى من المنطقتين. ويمكنني أن أقول بكل فخر أنني أستطعت،إلى حدّ ما أن أُأثر على رؤيته للبنان، كما استطاع هو أن يؤثر في مسيرتي الإنسانية. ولكن بينما.فضّل كوشنير الإندفاع نحو السياسة، بقيت أنا في مجال العمل الإنساني، متوقعا"،أن بلد مثل لبنان تمزقه الصراعات الطائفية و المذهبية، بحاجة إلى التضامن ليشمل كل المواطنين ويتخطى المواقع، نحو بناء الإنسان المواطن والدولة المدنية.
بعد هذا العرض التاريخي، قدلاحظتم أصدقائي الأعزاء، أنني و برنارد كوشنير قد ترافقنا عى طريق الحياة، تابعتُ مسيرة صعوده، وتابع مسيرتي. فمنذ ثلاث وثلاثون عاما"، شارك كوشنير باللأحداث التي عاشها بلدنا، كما لو كان أحدا" من أبنائه، و لايزال.
خلال كل هذه السنوات، سعينا سويا" إلى تطوير العمل الإنساني المبني على التضامن، والذي تحول إلى عمل مهني متخصص، وكما يقول برنار كوشنير، إلى "بزنس خيري"، لأن اللغة الطاغية على مجتمعاتنا اليوم هي لغة العلاقات المادية، إذا فالتحدي يكمن في كيفية العودة بالعمل الإنساني إلى معناه الأصلي، خصوصا" بعد الأزمة الإقتصادية العالمية،التي أعطت فرصة للعودة إلى مزيد من الحضور لمؤسسات الدولة، و دفعت المجتمع إلى الإلتزام أكثر بقضايا الشعوب.
على مر السنين، وكلما كانت عامل تتوسع بفروعها لتشمل كل المناطق اللبنانية، كنت أتمسك أكثر بمبادئي التي يحتل فيها العمل الإنساني المرتبة الأولى، طاغيا" على كل الحسابات الأخرى.
وفي كل مرة كان كوشنير يسألني فيها: لماذا لم أصبح نائبا" أو وزيرا"؟ كنت أجيبه مكرّرافي: لبنان نظاما"طائفيا"، و انا أعمل على تعزيز دور المجتمع المدني وبلورة إنسانية الإنسان بمعزل عن خياراته.
اليوم، بفضل هذا التكريم، اشعر أن هذا النهج هو الذي يكرم .
و بهذه العقلية، قام صديقي برنارد كوشنير، الذي أصبح وزير الخارجية في حكومة بلاده، بدعوة كل الأحزاب اللبنانية و ممثلين المجتمع المدني، لأول مرة في لبنان، إلى مؤتمر سان كلود، في تموز 2007، و قد كان هذا اللقاء مناسبة شديدة الأهمية بالنسبة للبنان، و ليس هذا فحسب، إنما أيضا تجسيدا" لسياسة الفرنسية الجديدة، التي وضعت تحت شعار الأنفتاح على كل الأطراف اللبنانية و تشجيع الحوار. و منذ ذلك الحين لم يبتعد برنارد كوشنير عن هذا الطريق، فقد قام،منذ تكليفه بوزارة الخارجية،بثماني زيارات إلى لبنان، محافظا" في خطاباته التي ألقاها على تشجيع الحوار بين كل الأفرقاء اللبنانين، عبر سفراء بلاده في بيروت، أولا" أندريه باران، و حاليا" دانيال بياتون.
وفي هذا السياق فإن قيامنا بتأسيس "عامل بلا حدود" يهدف إلى تعميم الفكر الإنساني المبني على التضامن، والتزام بقضايا الشعوب العادلة، وخصوصا" فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، وهي القضية المركزية في الوطن العربي.
سيداتي،سادتي،
إن هذا الوسام الذي يمنح إلي، لا يكلل قصة صداقة فحسب، إنما مسيرة طويلة مهداة إلى العمل الإنساني، و إلى التضامن في عالم يفتقد الكثير منه، ويبحث عن أساسات جديدة ليُبني عليها.
بفضل هذا التمييز، وبفضلكم، أصدقائي، أشعر أنني أكثر تمسكا" بالمحافظة على هذا النهج، و تكثيف الجهود والمشاريع الإنمائية، لمحاربة الظلم و تحقيق المساواة، و مساعدة الناس للحفاظ على كراماتهم.
أصدقائي الأعزاء، أشكركم من كل قلبي على دعمكم المستمر، كما أشكر رئيس الجمهورية الفرنسية نيكولا ساركوزي وصديقي الوزير كوشنير، على هذا التكريم الذي يتجه نحو القلب، والذي أتقاسمه مع كل من رافقني في مسيرتي المليئة بالمصاعب،حيث نجدف عكس التيار،دون كلل أو ملل، للدفاع عن قضايا الشعوب العادلة، وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني.
وشكرا".
* كلمة ألقاها الدكتور كامل مهنا بمناسبة تقليده وسام جوقة الشرف برتبة ضابط من الوزير برنارد كوشنير في قصر الصنوبر تاريخ 23/10/2009
------------------------------------------------------
وكان وزير الخارجية الفرنسية الدكتور برنارد كوشنير، قد قلد بحضور السفير الفرنسي ديني بيتون كلا من الدكتور فؤاد البستاني نقيب الأطباء السابق وسام جوقة الشرف برتبة كومندور والدكتور كامل مهنا رئيس مؤسسة عامل وسام جوقة الشرف برتبة ضابط، وذلك باسم رئيس الجمهورية الفرنسي نيكولا ساركوزي، وذلك تقديراً لجهودهما في المجال الإنساني والوطني.
.حضر الحفل الدكتور محمود بري ممثلاً رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري، وزير الإعلام طارق متري ممثلاً رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، النائب أحمد فتفت ممثلاً الرئيس المكلف سعد الحريري، الرئيس حسين الحسيني، الرئيس سليم الحص، نائب رئيس مجلس الوزراء اللواء عصام أبو جمرة، وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، وزير الثقافة تمام سلام، وزير الدولة نسيب لحود، والنواب قاسم هاشم، مروان حماده، ابراهيم كنعان، سيمون أبي رميا، فؤاد السعد، محمد قباني، علي فياض، ياسين جابر علي عسيران، مروان حمادة، جيلبيرت زوين، ميشال موسى، فؤاد السعد. الوزراء السابقون: الياس سابا، ميشال اده، طلال الساحلي، ميشال خوري، أسعد دياب، شارل رزق، عدنان مروة. رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق عدنان القصار. النائبان السابقان أحمد سويد واسماعيل سكرية، السفيرة البريطانية فرانسيس غاي، السفير الكندي مارسيل باجيه، السفير السويسري فرانسوا باراس، السفير الدانماركي جان توب كريستانسن، ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ستيفان جاكميه، رئيس الصليب الأحمر الدولي جورج كومينوس، نقيب الصحافة محمد البعلبكي، نقيب المحررين ملحم كرم، د. محمد ياسين ممثل نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، د. وليد عمار ممثلاً وزير الصحة د. محمد جواد خليفة، د. ألبير جو خدار ممثلاً الوزير سليمان فرنجية، توفيق مهنا ممثلاً رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، المطران بولس مطر، المطران الياس كفوري، اللبنانية الأولى السابقة منى الهراوي، الشاعر أدونيس، رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان، سفير لبنان في عمان عفيف أيوب، رئيس تحرير جريدة السفير طلال سلمان، رئيس الجامعة اليسوعية رنيه شموسي، قاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر، رئيس جمعية المقاصد محمد أمين الداعوق،، رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي روجيه نسناس، رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، المديرة العامة السابقة في وزارة الشؤون الاجتماعية السيدة نعمت كنعان، نائب اأمين عام الحزب الشيوعي سعد الله مزرعاني، د. فوزي العضيمي نقيب المستشفيات العربية، د. غالب محمصاني، د. يوسف الخليل، العميد عدنان اللقيس، مدير عام جريدة السفير ياسر نعمة، رئيس النادي الثقافي العربي عمر فاضل، السيد سميح البابا، فعاليات من المجتمع المدني: غسان صياح، خالد المهتار، د. نواف كبارة، د. موسى شرف الدين، د. شكيب دياب، د. أنطوان حداد، د. أحمد عز الدين، د. علي حمادة، محمد علي عبد الله أمين سر الجامعة الثقافية العالمية، العقيد غالب مهنا، د. موسى شرف الدين، السيدة سعاد سلوم، حسين طهماز، إقبال دوغان، حيان حيدر، سايد فرنجية، دة. فهمية شرف الدين، د. علي حمادة، الإعلاميون وليد عوض، جورج غانم، واصف عواضة، حلمي موسى، ورده الزامل، سكارليت حداد، باسمة عطوي، نقولا ناصيف، زهير هواري، جمال العيط، أعضاء الهيئة الإدارية لمؤسسة عامل، ودبلوماسيون وفعاليات خيامية وممثلون عن الهيئات ومنظمات المجتمع المدني وعائلتي البستاني ومهنا.
وألقى كوشنير كلمة تحدث فيها عن لبنان وشعبه المتميز والمنفتح على العالم، وعبر عن سعادته لوجوده في هذا البلد الذي يتطور بشكل مستمر، مثنياً على جهود مهنا والبستاني وتفانيهما في خدمة الإنسان اللبناني على الرغم من كل المحن والظروف التي مرت ببلدهما.
. وشكر البستاني وزير الخارجية الفرنسي على المبادرة، منوهاً بالدور المهم الذي يلعبه لدعم لبنان. وتحدث عن الصداقة التي تربطه به وعن السنوات التي أمضاها في خدمة الطب في لبنان.
أما د. مهنا فلفت الى "أن الوسام لا يتوج قصة صداقة، بل مسيرة طويلة مهداة إلى العمل الإنساني، وإلى التضامن، مؤكداً »تكثيف الجهود والمشاريع الإنمائية لمحاربة الظلم وتحقيق المساواة ومساعدة الناس«.
كوشنير يقلد الدكتور كامل مهناالوسام
تعليقات: