اللواء جميل السيد خلال مؤتمره الصحافي
قراءة في مضمون المؤتمر الصحافي الثاني ومدلولاته السياسية والقانونية..
تطوّرت حركة اللواء الركن جميل السيّد وفريقه القانوني من مرحلة الدفاع، خلال فترة الاعتقال التعسفي بناء لإفادات شهود الزور محمّد زهير الصدّيق، وهسام هسام، وعبد الحليم خدّام، وعبد الباسط بني عودة، وإبراهيم ميشال جرجورة، وأكرم شكيب مراد، وأحمد مرعي، إلى مرحلة الهجوم المستميت لمحاسبة هؤلاء المضلّلين لمجريات التحقيق وحرفه عن اتجاهه السليم، من دون إغفال ملاحقة كلّ من جنّدهم ومولّهم ورعاهم وآواهم ولقنهم شهاداتهم المزيّفة من سياسيين وإعلاميين وأمنيين وقضاة لبنانيين ودوليين.
ومن يتمعن في مضمون المؤتمر الصحافي الثاني للواء السيّد منذ خروجه من الاعتقال التعسفي، بشهادة مدعي عام المحكمة الخاصة بلبنان القاضي الكندي دانيال بيلمار، يدرك أنّ الخناق بدأ يضيق على شهود الزور ومشاركيهم في التضليل، وأنّ السيد لن يترك هؤلاء ينعمون بالراحة والمال الوفير الذي أغدق عليهم، والدليل سيل الدعاوى القضائية التي رفعها ضدّهم وهي بدأت في فرنسا ضدّ الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية المستقلّة القاضي الألماني ديتليف ميليس والعقيد السابق جوني عبده، وانتقلت إلى سوريا لمحاكمة حملة جنسيتها الصدّيق وهسام وخدّام وجرجورة ومراد و.. و...
كما أنّ هناك اثنتي عشرة دعوى أمام القضاء اللبناني الذي تنازل عن حقّ مواطن لبناني في مقاضاة من افترى عليه وغشّ الرأي العام اللبناني والعربي والعالمي على مدى ثلاث سنوات وثمانية أشهر، وأحالها على المحكمة الخاصة بلبنان، من دون وجه حقّ، وهي غير مختصة، ويدرك من أحالها أنّ هذه المحكمة لا تملك صلاحية البحث فيها، ممّا يطرح علامات استفهام كثيرة حول الدوافع التي أملت اتخاذ هذه الخطوة غير القانونية.
أسباب الادعاء في سوريا
وقد طرح اللواء الركن السيّد في مؤتمره الصحافي الثاني يوم الأربعاء في 28 تشرين الأوّل الماضي، الأسباب التي حملته على الادعاء أمام القضاء السوري على شهود الزور المذكورين، ففصّلها وفقاً للأزمة العميقة والخلل الذي اعترى الازدواجية بين عمل لجنة التحقيق الدولية المستقلة وبين القضاء اللبناني الذي كان أداة لتنفيذ قرار سياسي يحمل أبعاداً داخلية وإقليمية.
ما هي الترجمة الحرفية لأبرز ما ورد في فحوى المؤتمر الصحافي مع أنّ «اللبيب من الإشارة يفهم»؟.
القرار السياسي الإقليمي:
غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري صدر قرار دولي باعتبار سوريا مسؤولة عن هذا الاغتيال مستبقاً نتائج التحقيق، ما دلّل على وجود قرار سياسي بمعاقبة سوريا خصوصاً أنّه أتى كوسيلة لتنفيذ القرار 1559 الصادر في 3 أيلول عام 2004، والذي يدعو إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان، مع التذكير بأنّه صدر في اليوم نفسه الذي مدّد فيه مجلس النوّاب اللبناني ولاية الرئيس إميل لحود ثلاث سنوات إضافية.
وكان القرار السياسي يقضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلّة برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس أوكلت إليها مهمّة تنفيذ الاتهام السياسي لسوريا وإعطائه شكلاً قضائياً، فكلّ الأمور في خدمة السياسة حتّى ولو غلّفت بصبغة قانونية وقضائية.
صفقة ميليس الفاشلة
وبما أنّ اللواء الركن جميل السيّد هو الشخصية الأكثر رمزية في حقبة الوجود السوري في لبنان، فقد قرّر ميليس ومعاونه مواطنه الشرطي غيرهارد ليمان، البدء به للنفاذ إلى سوريا، وأجرى مفاوضات سرّية معه أقرّ فيها ميليس بعدم وجود أيّ دليل قضائي ضدّ سوريا، إنّما طلب من اللواء السيّد أن ينقل إلى الرئيس بشّار الأسد الرغبة الدولية بأن تخترع سوريا ضحية تحمّلها مسؤولية اغتيال الحريري، وينتهي الموضوع على غرار ما حصل مع العقيد معمّر القذّافي في قضيّة «لوكربي» الشهيرة.
أدرك السيّد خطورة الصفقة التي يعرضها ميليس، وأكثر من ذلك، مخطّط التهويل الدولي، فرفض كلام ميليس وليمان، وكانت النتيجة أن زجّ به في السجن مع الضبّاط الثلاثة الآخرين اللواء علي الحاج والعميدين مصطفى حمدان وريمون عازار لاتهام سوريا عبرهم سياسياً، باعتبار أنّه لا يوجد دليل قضائي واحد يدينها، وهم قابضون على زمام الأمن في لبنان.
لقد ارتكب القرار السياسي خطأ مدوّياً برّر الفشل الكبير لاحقاً، وهو أنّ مجلس الأمن الدولي اختار أداة قضائية لتنفيذ قرار سياسي، ولا يمكن للأداة القضائية أن تكون مطواعة في يد السياسة إلاّ بالقدر الذي توفّر فيه السياسة، الأدلّة القضائية.
وفي ظلّ غياب هذه الأدلّة، اضطرت السياسة إلى اللجوء إلى شهود زور يبرّرون ولو بالشكل، اعتقال الضبّاط الأربعة، والاتهام السياسي لسوريا عبر هؤلاء الضبّاط.
ومع مرور الزمن، اضطرّت السياسة أيضاً، إلى حماية شهود الزور ومنعهم من مواجهة الضبّاط، وذلك لئلا ينكشف أمر أكاذيبهم وخداعهم باكراً، ولكي يستمرّ مسلسل الاتهام السياسي لسوريا لأطول مدّة زمنية ممكنة في سبيل تمكين «التغيير السياسي المرتقب» في سوريا من أن يحصل، غير أنّ سوريا بقيت صامدة، ولم يعط توقيف الضبّاط السياسي أيّة نتيجة سريعة وحاسمة، كما أنّ الضغط عليهم لم ينفع لكي يتحوّلوا بدورهم إلى شهود زور ضدّ سوريا، فعجز القرار السياسي عن أن يتحوّل إلى اتهام قضائي ضدّ سوريا، وبعدما تشكّلت المحكمة الخاصة بلبنان تحوّل الرأيان اللذان سبق لرئيسي لجنة التحقيق الدولية المستقلة القاضي البلجيكي سيرج برامرتز والقاضي الكندي دانيال بيلمار عن مصداقية شهود الزور المطعون فيهم أصلاً، والذي أبقاه القضاء اللبناني سرّياً، ومن دون وجه حقّ، إلى قرار بإطلاق سراح الضبّاط الأربعة وفوراً، وهذا ما فعله قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين يوم الأربعاء في 29 نيسان 2009، خاتماً بذلك جرح الاعتقال التعسفي في جسد جريمة اغتيال الحريري.
تغيير سياسة الشرق الأوسط
ووضع اللواء السيّد قرار توقيفه مع الضبّاط الثلاثة الآخرين، في سياق الإرادة الدولية بتغيير سياسة الشرق الأوسط، واعتبر أنّ هذا التغيير استند إلى كذبتين هما: حيازة نظام صدّام حسين في العراق أسلحة دمار شامل لتبرير الحرب عليه، ثمّ الاعتذار علناً بحجّة اقتراف أجهزة الاستخبارات خطأ بالنسبة إلى هذه الأسلحة المدمّرة، ومسؤولية سورية عبر الاتهام السياسي للضبّاط الأربعة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأوضح في مؤتمره الصحافي أنّ الحرب التي شنّت على لبنان في شهر تموز عام 2006، كانت بديلاً جاهزاً سلفاً لفشل الاتهام السياسي لسوريا عبر توقيف الضبّاط الأربعة، وذلك بعد انكشاف كذب الصدّيق وهسام وخدّام.
افتراءات الشهود.. توضّح الرؤية
حماية شهود الزور:
إنّ شهادة الزور التي تناوب على افتعالها والإدلاء بها جيش جرّار من الشهود الذين لم يروا شيئاً لا قبل الاغتيال ولا خلاله ولا بعده، هي جريمة مستقلّة عن اغتيال الرئيس الحريري، وارتكبت بعد هذا الاغتيال، وأعطيت الأوامر بحماية شهود الزور من المحاسبة لئلا يكشفوا هوّيّة من حرّضهم وموّلهم وحماهم على مدى ثلاث سنوات وثمانية أشهر.
ومن يستعد تدفّق شهود الزور، يلاحظ أنّ القرار الكبير بحمايتهم وجد له تعبيراً في تصرّف السلطة اللبنانية على الشكل التالي:
شهود تبرير التوقيف وهم: الصدّيق وهسام وخدّام.
شهود تبرير استمرار التوقيف وهم: جرجورة وبني عودة ومراد ومرعي.
وقد اتخذ قرار حمايتهم الواحد تلو الآخر ونفّذ بشكل تقني مدروس. فنظام المحكمة الخاصة بلبنان لا يسمح لها بمحاكمتهم وكان يمكن إدراج بند في هذا النظام يسمح بمحاكمة شهود الزور، لأنّهم ضلّلوا لجنة التحقيق الدولية المستقلّة باعتبار أن المحكمة والادعاء العام هما استمرار لهذه اللجنة، وبما أنّه لم يوضع مثل هذا النصّ في نظام المحكمة، فهذا يعني أنّ هناك قراراً بعدم محاكمتهم دولياً.
ولا بدّ من التذكير، بأنّ قانون العقوبات اللبناني ينص صراحة، على محاكمة شاهد الزور، وبأنّ نظام المحكمة مأخوذ بنسبة كبيرة من القوانين اللبنانية، كما أنّ القاضيين اللبنانيين رالف رياشي وشكري صادر شاركا مع مكتب الأمم المتحدة القانوني في إعداد نظام المحكمة وهما يحفظان القوانين اللبنانية عن ظهر قلب.
محاسبة شهود الزور
وعلى الصعيد اللبناني، تقدّم اللواء الركن السيّد بجملة ادعاءات مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي ضدّ جميع شهود الزور، وشهاداتهم هي جنايات إمّا أنّها ارتكبت على الأراضي اللبنانية وإمّا أنّ نتائجها حصلت بالكامل على الأراضي اللبنانية، والقانون اللبناني كما القضاء اللبناني مختصان لملاحقتهم، لا بل من واجب القضاء اللبناني ملاحقة هذه الجرائم، لكنّ القرار جاء معاكساً وبإرسال هذه الادعاءات الشخصية إلى مقرّ المحكمة في لاهاي في هولندا من ضمن ملفّ اغتيال الرئيس الحريري، مع العلم المسبق من السلطة اللبنانية بأنّ المحكمة الخاصة بلبنان غير مختصة، وهذا يعني وجود إرادة لبنانية سياسية بعدم محاسبة شهود الزور، والاستمرار في حمايتهم بغية الحفاظ على المكتسبات التي تمّ جنيها طوال السنوات الماضية.
وقد عبّر الرئيس المكلّف سعد الحريري رسمياً عن موقفه بعدم محاكمة هؤلاء الشهود في مناسبتين أشار إليهما اللواء السيّد في مؤتمره الصحافي، أولاهما عندما ردّ على المؤتمر الصحافي الأوّل للسيّد الذي طالبه بإجراء المحاسبة اللازمة فأحاله على لاهاي، وثانيهما تمثّلت في البيان الرسمي الذي أصدره باسمه المحامي محمّد مطر وبرّر فيه عدم اختصاص القضاء اللبناني.
وإزاء القرار السياسي اللبناني الرافض لمحاسبة شهود الزور، ونظام المحكمة الخاصة بلبنان الذي وضع خصيصاً لعدم محاسبة شهود الزور، لم يبق أمام اللواء السيّد سوى اختصاص القضاء السوري تبعاً لجنسية شهود الزور، فلجأ إلى هذا القضاء، لئلا تبقى جريمة احتجاز حرّيته، من دون عقاب.
تعليقات: