أحد عشر عاماً على عدوان نيسان 1996

قانا الجليل تحيي اليوم الذكرى الـ11 لـ«عرس» الدم الأول،

صور :

في مثل هذا اليوم من العام ,1996 كان مئات القرويين من قانا وصديقين ورشكناني وجبال البطم يعتقدون بأنهم «أحرف» من العدو الإسرائيلي. تركوا منازلهم وتوجهوا على عجل الى مقر القوة الفيجية العاملة ضمن اليونفل آنذاك في قانا.

ظن «اللاجئون» في وطنهم أنهم تخطوا الموت بعدما أصبحوا مسيجين بأعلام الامم المتحدة وجنود القبعات الزرق، لكن حمم القذائف الإسرائيلية التي كانت تتوزع على قرى ومدن الجنوب في عدوان نيسان، طاردت أرواحهم وأجسادهم الطرية لتمزقها أشلاء. ومن داخل «هنغارين» كبيرين، افترشوهما تحول مشهد جلسات الأطفال والنساء والشيوخ إلى كتل من اللهب وبحر من الدم ليسطر مجزرة العصر. كل ذلك قبل عدوان العصر، عدوان تموز ومجازره من قانا إلى الشياح إلى النبطية.. والتي اتسعت لتستبيح كل لبنان.

وعلى الرغم من فظاعة مجازر عدوان تموز الماضي بقيت مجزرة قانا 96 الأفظع من بين المجازر كل على حدة. تخطى عدد الشهداء المئة وستة اشخاص بينهم عشرات الاولاد والأطفال، صغيرهم محمد قاسم خليل ابن الـ17 يوماً، فيما أصيب 350 شخصاً لا تزال ندوبهم الجسدية والنفسية رفيقة أعمارهم ودروبهم أينما حلوا وذهبوا.

بين قانا الاولى وقانا الثانية وشقيقاتها بنات العدوان الأخير، عشر سنوات. الجزارون هم انفسهم. لا تطالهم محاكم ولا حتى عتاب على ما اقترفوه من قتل وتدمير وتهجير. أصبحت صور الشهداء «قلادات» على صدور الامهات والأباء، وأيقونات في صدور المنازل وها هي تتكاثر عدواناً بعد عدوان. يكبر الأطفال، أبناء الشهداء بعيداً عن أهلهم ليستعينوا بذاكرة ثقبها الدم والبارود آخر اللحظات، والعناقات وما تبقى من صدى الكلمات.

«أعيش المجزرة لحظة بلحظة، كانوا معنا، انطفأ نورهم»، بهذه العبارات تستعيد فاطمة بلحص من قرية صديقين ذكرى المجزرة بكل آلامها. فقدت بلحص زوجها قاسم خليل وأطفالها الثلاثة حسين وحسن ومحمد وعشرات من أفراد عائلتها. هي اليوم لا تقوى على الحديث عن مأساتها: «بعدهم محفورين بالقلب ما بيفارقوا مخيلتي أبداً».

تكره سونيا فرج التي يجاور منزلها موقع المجزرة العودة الى ذلك اليوم. آثار وأوجاع الإصابة التي تعرضت لها حيث كانت لجأت يفترشون الأرض وزوجها مع المئات ما زالت حاضرة منذ 11 عاماً «لم نعد نستطيع التحمل من كثرة ما أصابنا من عذابات حولت حياتنا الى قلق دائم».

لن يقصف المقر الدولي، هو ما اعتقده الجنوبيون «إلا أن هذا الاعتبار انقلب بسرعة البرق بعدما تساقطت القذائف على الآمنين الذين تحول المئات منهم الى اشلاء وسط برك من الدم»، هو جل ما تختزنه ذاكرة فرج.

حالة جميل سلامي الذي نجا من المجزرة لا تختلف كثيراً عن الناجين والمصابين.

أصبح جميل رفيقاً وصديقاً لكل الشهداء من أبناء قانا وصديقين ورشكناني وجبال البطم. يتذكر كيف انهمرت القذائف على رؤوس النساء والاطفال والعجز. لا يغيب «اليوم المشؤوم عن ذاكرتي». بات ظله الذي يرافقه في حياته اليومية.

«يحتل» جميل منذ احد عشر عاماً مقبرة شهداء مجزرة قانا، يتابع الزوار ويعرض لهم صور ضحايا المجزرة ويدلهم إلى المكان الذي سقطوا فيه. بالأمس كان منهمكاً بتنظيف القبور ووضع الأزهار البرية لكي يكتمل مشهد إحياء المناسبة اليوم.

يعجز محمد جعفر عضو مجلس بلدية قانا الذي كان اول المسعفين الى جانب جنود القوة الفيجية عن نسيان ذلك اليوم، بالنسبة له هو يوم يجمع كل الحزن على الضحايا الذين سقطوا دون ذنب سوى انهم من ابناء هذه الارض التي أعطت في سبيل الحرية والكرامة. كان جعفر يعمل مع القوة الفيجية «لم نكن نتوقع أن تذهب الهمجية الاسرائيلية الى هذا الحد من خلال قصف مقر تابع للامم المتحدة وبداخله مئات المدنيين العزل، ولكن ما حدث زاد من ايماننا بأن إسرائيل فوق كل القوانين والمحرمات الانسانية».

اليوم، يقيم الناجون من مجزرة قانا الأولى وأقارب شهدائها عزاءهم الخاص، يزينون قبور أحبتهم بالورود وزهور نيسان البرية التي حملوها بالأمس من قراهم. جهزوا المياه ولكنها لا تفيدهم سوى بغسل القبور دون كل ذلك الحزن المعشش في الذاكرة.

تعليقات: