قتل 74 ضابطاً وجندياً صهيونياً في 1982 ولم يكشف عن هويته إلا بعد 3 سنوات

لوحة للشهيد قصير في موقع العملية (حسين سعد)
لوحة للشهيد قصير في موقع العملية (حسين سعد)


أحمد قصير الاستشهادي الأول الذي دمر «مقر الحاكم العسكري» في صور..

صور:

الزمان 11ـ 11ـ 1982.. المكان مقر ما يسمى «الحاكم العسكري الإسرائيلي» في بناية «عزمي» في جل البحر على مدخل صور الشمالي. العملية: استشهادية، والمنفذ سيبقى مجهولاً، ولكن الحصيلة تخطت الـ74 قتيلاً إسرائيلياً، من بينهم «الحاكم» طبعاً وعدد كبير من الضباط، إضافة إلى عشرات الجرحى. سيعرف اللبنانيون والعالم، وبعد مرور وقت طويل على العملية، وبالتحديد حوالى ثلاث سنوات، أي عام 1985، أن المنفذ هو البطل المقاوم الاستشهادي احمد جعفر قصير (18 عاماً) من دير قانون النهر. يومها أعلن السيد حسن نصر الله، ولم يكن حينذاك الأمين العام للحزب، أعلن اسم قصير في احتفال تأبيني لأبطال المقاومة في دير قانون النهر نفسها.

في ذلك اليوم التشريني كانت السماء تمطر، وكان الغزاة الإسرائيليون الذين يتوزعون المبنى المؤلف من ثماني طبقات على حدود مستشفى جبل عامل «يتلطون» من الشتاء، فيما كان القليل منهم، وهم حراس المقر يراقبون كباقي الأيام و«يستمتعون» بتعذيب وصراخ أسرى لبنانيين وفلسطينيين كانوا معتقلين في الطبقة السابعة من المبنى.

كانت الساعة تقارب السابعة صباحاً من يوم خميس، وما هي إلاّ لحظات حتى تحول المبنى إلى ركام ومقبرة لجثث الضباط والجنود الإسرائيليين المدججين بأسلحة القتل. بعد الانفجار الكبير ساد الإرباك وكثرت التحليلات العسكرية الإسرائيلية حول أسباب الانفجار، ومنها انه ناجم عن خلل في البناء او وضع عبوات كبيرة في ارجاء المبنى، الى ان تبين ان الهجوم ناجم عن سيارة مفخخة بكميات كبيرة من المتفجرات قادها شاب في مقتبل العمر لم تعرف هويته ولا الجهة المسؤولة في حينه.

في التاسع عشر من أيار من عام 1985 اعلنت المقاومة الإسلامية «حزب الله» تبني الهجوم واسم منفذ العملية احمد قصير من بلدة ديرقانون النهر. ويومها كشف عن أن قصير اقتحم مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي الذي كان يضم القيادة العسكرية الإسرائيلية بسيارة «بيجــو» محملة بالمتفجرات بعدما تم تأجيل العملية يوماً واحداً لأسباب طارئة، مشيرة إلى أن اثنين من المقاومين ودّعا قصير على مســافة قصيرة من المبنى قبل تنفيذ العملية بدقائق.

كما تحدثت في معلوماتها عن جملة من التفاصيل تتعلق بخصائص المقر وأهميته بحيث كان يضم مكاتب تابعة مباشرة للمخابرات الإسرائيلية ووحدة المساعدة التابعة للقيادة الإسرائيلية في المنطقة.

تُذكر هذه العملية، التي حصدت اكبر عدد من القتلى الإسرائيليين دفعة واحدة على مدى الصراع العربي الإسرائيلي، وشكلت انعطافة بالغة الأهـمية على مستوى تكبيد العدو خسائر كبيرة ومؤلمة.

ويقول ز.ف.، وهو احد المعتقلين الفلسطينيين، ومن بين الشهود الذين عاشوا لحظات الموت والسعادة في آن واحد، إنه يتذكر تلك اللحظات التي مر عليها سبعة وعشرون عاماً وكأنها وقعت منذ أيام. كان ز.ف. نائماً مع مجموعة من زملائه المعتقلين اللبنانيين والفلسطينيين في الطبقة السابعة من مبنى الحاكم العسكري الإسرائيلي المعروف ببناية «عزمي»، نسبة الى احد قياديي حركة فتح عزمي الصغير، وبالتزامن كان الجنود الاسرائيليون قد تجمعوا داخل المبنى بعدما دهمت الأمطار خيمهم في الموقع المحاذي.

«عند حصول العملية وجدت نفسي على بعد عشرات الامتار من المبنى» يقول ز.ف. «حينها التفتُ إلى الخلف وإذ بالمبنى أصبح على الأرض وأعمدة الدخــان تتصاعد نحو السماء وسط ارتــفاع أصوات الاستغـاثة الــتي كان يطلــبها من بقي من الجنود علـى قيد الحياة.

استغل ز. ف. حالة الإرباك التي ولدها الانفجار وهرب من المنطقة إلى مكان آمن حاملا معه جروحه التي أصيب بها.

يعبر ز.ف. عن السعادة العارمة التي منحه إياها الهجوم «وما تزال إلى اليوم»، مضيفاً «أن الحزن الوحيد الذي تُرك آنذاك هو استشهاد عدد من إخواننا ورفاقنا المعتقلين».

ويقول معتقل آخر يدعى سامي لـ«السفير» إنه لم يكن قد مضى على إحضاره سوى يوم واحد إلى مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في جل البحر، «يوم أمضيته بالتعذيب من قبل جنود الاحتلال الذين قيدوني ووضعوا في رأسي «الكيس» الأسود».

في صبيحة يوم الخميس وبينما كان الجنود يصحبونه الى الحمام، وأثناء السير في احد ممرات المبنى، يقول سامي «دوّى انفجار هائل يشبه الزلزال، بعده وجدت نفسي بين الركام وأنا ملــطخ بالدمـاء فيما كنت اسمع عويل الجنود المصابين». يومها نقل سامي إلى المستشفى مع الجنود المصابين وظلَّ معتقلاً لأشهر.

على بعد امتار قليلة من مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي الذي بات من الماضي بعد 11 تشرين الثاني 1982، وتحول اليوم إلى موقف للسيارات، كانت الممرضة المتدربة سلام عطوي تطبب إحدى المريضات في مستـشفى جبل عامل.

تقول سلام إنها كانت مع غيرها ممن في المستشفى تتابع بشكل يومي حركة الجنـود الإســرائيلـيين في المقر «الذي كانت تفصله امتار عن مبنى المستشفى، وحينها كان الجنود يمعنون في اقتحام المستشفى وإهانة طاقمه الطبي».

في صبيحة الحادي عشر من تشرين الثاني سمعت سلام صوت انفجار كبير هزَّ المستــشفى ونــشر الذعر في صفــوف الموجودين من مرضى وأطباء وممرضين وغيرهم.

«ما هي إلا دقائق قليلة، تقول سلام «حتى شاهدنا المبنى مدمراً على الارض، فيما كنا نسمع صراخ الجنود الإسرائيليين الذين بقوا أحياء».

تابع طاقم المستشفى «عمليات رفع الأنقاذ في البداية حيث كانت الجرافات الإسرائيلية تنتشل أشلاء الضباط والجنود الاسرائيليين من تحت الركام وسط إجراءات أمنية كبيرة وهبوط متكرر للطوافات المروحية التي كانت تنقل القتلى والجرحى من ساحة الانفجار، في الوقت الذي وصل وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون بمروحية لتفقد المكان.

يقول محمد فندي، احد الممرضين في المستشفى منذ ذلك الوقت «حوّل الجنود الإسرائيليون المستشفى بعد هذه العملية الى ثكنة عسكرية ووضعوا عدداً من المصابين الاسرى في الطبقة الأولى، وقاموا باحتجاز طاقم المستشفى بداخله طيلة ايام عمليات الإنقاذ والجرف التي استمرت سبعة أيام».

ويشير فندي إلى أن إحدى نوافذ قسم المحاسبة كانت تطل مباشرة على مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي الذي كان قبل الاجتياح مقراً لحركة فتح «وكنا نشاهد تحركات الجنود والضباط الاسرائيليين في المقر ومحيطه الى ان جـاءت العــملية الاستــشهادية التي دمـرت المقــر عن بكرة أبيه».

ويستذكر فندي مشهد الجثث الممزقة للجنود الاسرائيليين الذين كانوا يغطون المكان وسط حال من الإرباك والذعر والخوف الذي كان ينتاب الجنود القادمين الى المنطقة لرفع الأنقاض ونقل القتلى والجرحى.

--------------------------------------------

رسالة إلى شهيد

يصادف اليوم تاريخ أول عملية استشهادية للمقاومة الإسلامية، نفذها الشهيد أحمد قصير في 11 تشرين الثاني 1982. للمناسبة، وجّهت السيدة خديجة حرز رسالة إلى ابنها حسن ياسين الذي استشهد خلال حرب تموز 2006:

حسن... يا ضياء العين، يا حبة القلب وسيّد الروح،

سلام عليك، سلام إليك، سلام على روحك، على بدنك الطاهر الذي اغتسل بالنجيع المقدس.

حبيبي، اشتقت إليك كثيراً كثيراً حتى يكاد الحنين أن يكوي فؤادي، مع أنني لم افتقدك، فأنتَ معي، في قلبي، في الدم الذي يجري في عروقي، بأنفاسي التي تستنشق نسائم الجنوب العابقة بعطر دمك الزكي.

أراك حبيبي في كلّ لحظة وكلّ التفاتة.

لقد رأيتك في فرحة العائدين إلى القرى الحبيبة، وهدأ قلبي وقلت الحمد الله إن دمك لم يذهب هدراً، فهذا الجنوب يضجّ بفرحة العائدين إليه. فهنا البناؤون وهنا الزارعون. وأنت حبيبي فوق كلّ تلة تزهو بشهادتك وفوق كل جبل في عاملة شامخاً عالياً يتحدى، حسونة، هكذا كان يحلو لي أن أناديك وما زلت أردّدها، وسأبقى، كنت تحب أن تعرف يومياتي ولعلك ما زلت تحب ذلك، فهي كما عهدتها مليئة بحب العمل والعطاء وزادها ألقاً أنها لك وعنك، ففي الصباح وقبل كل شيء أجمع لك باقات من الآيات الكريمة معطرة بالصلاة على الحبيب وأهله، ثم يكون الحديث مع الأخوات والزوار عنك وعن الأشياء التي تحبها، وهكذا تحدثني عنك وصمتي بك وإلى لقائك شوقي.

أفتش عنك في المساء طيفاً يضيء ليلي، وأبحث عنك في الصباح لأستمد نشاطي من عزيمتك التي لم تفتر يوماً.

أستحضر كلّ ما فيك من عزّ وعنفوان وتحد لأشحن نفسي صبراً على فراقك الأليم الذي لا يشبهه ألم، كما كان عشقك للشهادة والهاً وعميقاً وكُنت أخاف ألا تُرزقها، ومن أجل ذلك كان دعائي لله تعالى أن يهبك مُناك.

ها أنا حققت حلمك واستجاب الله دعائي، فسقطت شهيداً، وبدلاً من أن أحضنك كعادتك في كل لقاء، احتضنت الأرض والوهاد وسقيتها دمك وعرقك. أبيت إلا أن تتجذر فيها وتذيب روحك قطرة قطرة لتسقيها مثلما تسقي أنهار الجنوب جذور السنديان والغار، فأنت نهر من العطاء لا ينضب.

حسونة: ساعة زفّ إلينا نبأ الشهادة، هوّن عليّ أنك في عين الله وفي سبيل إعلاء كلمة الله، فهنيئاً لك حبيبي جنّتك، ومبارك لكل الذين يعيشون اليوم نشوة النصر وفرحة الحرية والانعتاق من الإحساس بالضعف والدّونية، ولن أبكي بعد اليوم لأن الدموع لا تسقي أشجارنا، ولن تبني لنا الآهات داراً. فلن أبكيك ولن أنزوي في ثياب الحداد، بل سأحمل رسالتك وأكمل الطريق الذي بدأته، واضعة يدي بيد أولادك، أحضنهم بمهجتي وبأشفار عيوني وهذا عهدي لكَ.

نم قرير العين واستمتع بصحبة من أحببت من آل الرسول ولا تنسني من الدعاء، وأرجو ألا تبخل باستدعائي إليك فما عهدتك بخيلاً.

أمّك خديجة حرز

-----------------------------------------------------------

سمير مطوط شهيد من الرعيل الأول بطل أول عملية أسر ناجحة

سمير مطوط، اسم لأحد أبرز شهداء المقاومة الإسلامية وقادتها العسكريين من الجيل التأسيسي. ربما لذلك، لم يكن سهلاً الوصول إلى الكثير من المعلومات عنه، فأغلب رفاقه، الذين بقوا أحياءً، هم اليوم من قادة المقاومة الذين يصعب التواصل معه لأسباب أمنية

مهى زراقط

في 17 شباط 1986، استنفرت إسرائيل قواها العسكرية، دباباتها وطائراتها الحربية، وتقدمت جنوباً متجاوزة الشريط الحدودي الذي كانت قد تراجعت إليه عام 1985. وفي الأيام السبعة التي تلت هذا التاريخ، نفذت قوات الاحتلال مجموعة من الإنزالات العسكرية، واعتقلت عشرات الشبان في القرى التي دخلتها، بحثاً عن جنديين إسرائيليين استطاعت المقاومة الإسلامية أسرهما.

هذا التاريخ سيدخل في سجّل المقاومة تحت عنوان «عملية كونين»، التي سُميت لاحقاً «عملية الأسيرين» والتي تعدّ أول عملية أسر ناجحة ينفذها المقاومون، بعد محاولات عدة. وسيدخل في السجل أيضاً أن قائد تلك العملية كان الشهيد سمير مطوط، أو جواد وفق اسمه الجهادي.

يومها، وعلى ذمة الرواة، وصل الشهيد مطوط إلى الأوزاعي حيث كان يقيم وعائلته. ركن السيارة التي كان يقودها جانباً وسأل الناس المتجمهرين: «ماذا يحصل؟». أخبره شقيقه أن المقاومة أسرت جنديين. وقف قليلاً بين الجموع مستمعاً إلى ما يتداولونه من حديث، ثم دخل البيت، غيّر ثيابه وانطلق مجدّداً بسيارته التي يقال إن الأسيرين كانا فيها.

قد تكون عملية أسر الجنديين إحدى أشهر العمليات العسكرية التي قادها سمير مطوط. فقد انتشرت أخبارها وبعض التفاصيل عنها انتشاراً واسعاً في أوساط جمهور المقاومة، لما حملته من رمزية. ذلك أن قائد عملية الأسر استشهد بعد عام من تنفيذها، مع ثلاثة من رفاقه (حسن شكر، جعفر المولى وحسن كسرواني) خلال اقتحام موقع علي الطاهر. وقد احتفظت إسرائيل بجثمانه تسعة أعوام، حتى تاريخ عملية التبادل عام 1996. يومها بادل حزب الله الجنديين الاسرائيليين اللذين أسرهما مطوط ورفاقه، بـ45 أسيراً من معتقل الخيام، ورفات أجساد 123 شهيداً مقاوماً.

لكن هذه العملية، بالنسبة إلى المقاومة الإسلامية، ليست إلا واحدة من العمليات الناجحة، التي كان يقودها سمير، بعد أن يخطط لها. هو صاحب عدد من الإنجازات، ويعدّه الحزب أحد القادة الميدانيين، ممّن يسمّون الجيل التأسيسي. مجايلوه في المقاومة اليوم، أو من بقي منهم حياً، هم من القادة الذين يصعب التواصل معهم حالياً لأسباب أمنية. يذكره بعض رفاقه بصفاته القتالية المميزة: «مندفع على نحو استثنائي وصاحب قدرة مميزة على التخطيط للعمليات الناجحة والإبداع في ساحة العملية. كان قادراً على استشراف الأخطار التي يمكن أن تبرز خلال العمليات ومبادراً لتداركها باتخاذ القرار الصائب». جواد هو من جيل المقاومة التي كانت تفتقر إلى الأسلحة الحديثة والخبرات، فكانت تتعلم ميدانياً وتراكم الخبرات التي ستستفيد منها الأجيال اللاحقة. يسجّل له رفاقه في المقاومة أنه «قدّم جديداً على صعيد تكتيكات الإسناد الناري للمقاومين خلال عمليات الاقتحام، وكان حريصاً على حمايتهم خلال عمليات الاقتحام والانسحاب». وتنقل شقيقته عن أصدقائه قولهم لها: «لم يترك يوماً جريحاً أو شهيداً في ساحة عملية كان يشارك فيها».

من صوره النادرة، واحدة له على دبابة إسرائيلية استطاع أسرها مع رفاقه. فهو لم يكن يحب الظهور، وكان يتضايق من بعض التسجيلات التي يُسمع فيها صوته، خشية أن تعرف هويته. تقول شقيقته زينب: «مرة رأيت يده وسمعت صوته، وعندما سألته نفى نفياً مطلقاً». زينب لم تكن تعرف الكثير عن شقيقها خلال حياته، «كان كتوماً جداً، ومتواضعاً. أحد أصدقائه قال لي مرة ممازحاً: شقيقك قائدنا، يأمرنا فننفذ، فعلّق هو بالقول: شو بدّك فيه، عم يمزح». ويروي آخر من أبناء الأوزاعي أن سمير أصيب مرة ودخل إلى المستشفى مع صديقه «ولم يعرف أحد أن الإصابة كانت بسبب عملية، بل ظن الجميع أنه انفجار قارورة غاز».

أهالي الحي الذي كبر فيه يعرفونه شاباً مؤمناً، يهتم بالأطفال كما بكبار السن. كان من مؤسسي الكشاف في الأوزاعي، وينظم نشاطات ترفيهية وثقافية لأطفال الحي. تقول شابة تتلمذت علي يديه: «هو من علّمني الوضوء، وكان يقرّبنا من الدين بأسلوب لطيف وواع. يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من دون أن يكون جافاً أو قاسياً بل محباً وخدوماً».

استشهاده عام 1987 أحدث صدمة لأبناء الاوزاعي الذين كانوا يعرفون القليل عنه مقاوماً. تتذكر شقيقته أنها تلقت الخبر عندما كانت تعزي أهل الشهيد حسن شكر، الذي استشهد معه في العملية ذاتها: «لم أكن أعرف أن سمير كان معه، ولم تكن المقاومة قد تأكدت بعد من استشهاده. لاحظت خلال وجودي في البيت أنهم ينظرون إليّ بطريقة مختلفة ثم استدعاني الشباب وقالوا لي بداية إن سمير مفقود، وبعدما أجروا عدداً من الاتصالات، عادوا وأبلغوني بتأكد خبر استشهاده وطلبوا مني نقله إلى والدتي».

الوالدة أم محمد، زغردت عندما سمعت الخبر... فالعائلة مؤمنة بأن الشهادة «عز وكرامة وفخر.. نعم، القلب يدمع لكننا لا نقول ما يغضب الله»، تقول زينب التي لا تملّ من الحديث عن شقيقها لأولادها الفخورين به. ابنها يحمل اسم جواد، وابنتها كتبت عنه في موضوع التعبير الذي سئل فيه التلامذة عن شخصية لبنانية قدّمت شيئاً لبلدها.

أما الوالدة، فقد عاشت ما بقي من حياتها تحلم بيوم تزور فيه قبره. حلم لم يتحقق لأنها توفيت قبل 40 يوماً من استعادة رفاته. كان يوماً حزيناً في حياة العائلة، إلا أن زينب تروي أن ما كان يواسي أمها «زيارات سمير المتكررة لها إلى البيت. أمي كانت تراه وكان يؤنسها بين وقت وآخر». لا تفرض زينب على أحد أن يصدّق ما تقوله وما كانت تراه أمها «لكننا من الناس الذين يؤمنون بأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون».

المقاومة تستمر بدعم الناس

وجوه متعدّدة يمكن رؤية مطوط (الصورة) من خلال ما بقي من آثاره التي تحافظ عليها مؤسسة الشهيد. ففي تسجيلات نادرة له، نراه خطيباً بمناسبة استشهاد أحد رفاقه «المفتي» أو الشهيد محمد يوسف. بنبرة واثقة، يحكي الشاب العشريني عن المقاومة الإسلامية «التي لن تستمرّ إلا بدعم الناس». يقول إن المعركة مع اسرائيل أزلية، ويعاهد الشهداء الذين سبقوه «أن نستمرّ على خطاهم». وفي مشهد آخر نراه يفتح خريطة رسمت عليها إشارات لمواقع عسكرية وطرقات ويتناقش مع رفاقه فيها باسماً. أما غاضباً، فيمكن سماعه وسط رفاقه يشدد على أهمية الدقة في تنفيذ العملية.

----------------------------------------------

تعليقات: