مريم نايف سعد
إن الله تعالى خلقنا لنعبده..
وجعل الدنيا لنا دار عبادة، نحيا فيه ممراً للعبور إلى الحياة الخالدة في الآخرة.
لم يقتصر مفهوم العبادة على الصلاة والصوم والحج والزكاة والعمرة، بل جعل العيش بهناءِ بما يرضي الله عبادة..
أطلق حمام الحرية بين يدي الإنسان ليحيا كما يشاء، لكنه عزف موسيقى تضحى كل نغمة من نغماتها ركيزةً يعتمدها الإنسان في الوصول إلى السعادة.. وأيّ خللِ في أيِّ من النغمات سيؤدي إلى تزعزع واضطراب في الموسيقى وبالتالي اهتزاز السعادة..
هذا الخلل يحدثه الإنسان بنفسه حين ينسى أو يتناسى عقد نغمةِ من النغمات المعزوفة فيهز سعادته ويجلب لنفسه التعاسة من جهة، ويخل بسعادة الآخرين من جهةِ ثانية.
أمورُ كثيرة تؤدي إلى السعادة..
منها الصدقة..
منها الإحسان منها التسامح..
منها الكرم ومنها الإخاء!
بالصدقة يُدفع البلاء..
وبالإحسان يكسب الإنسان مودة الآخرين..
وبالكرم يشعر بالطمأنينة وراحة البال..
وبالإخاء يتناغم الإنسان مع باسلات الحياة.
فبالإخاء يعرف الإنسان أن مع وجود الموج العاصف لا بدّ من وجود الشاطئ المرسى، ومع وجود غابة وحشةٍ وضالة لا بدّ من وجود كهفٍ آوٍ، ومع كل دمعٍ ذارف لا بد من وجود منديلٍ يمسح ويحن، ومع كل نجاح هنالك أيدٍ تصفق.
لولا الإخاء لما وجد الإنسان لنفسه مكانة وقدرة على الإكمال والمثابرة.. فحين آخى الرسول (ص) بين الأنصار والمهاجرين كان له هدفٌ يسمو فوق كل الأهداف وهو عيش المسلمين بوحدة وقوة وبسلام تحميه صلابتهم وظهورهم التي لا تُطعن مهما كانت الأسباب فتكون الكفوف مشدودة عند الضراء وتكون البسمات والصفقات تعلو عند السّرّاء فلا ينسى احدٌ أحداً ولا يطعن أحدٌ أحدا ولا تُحنى رؤوسٌ يوماً بطمأنينتهم بوجود من يرفع الرؤوس لهم دوماً ولا يخذلهم حتى ولو تآخى السيف ورقبته!
من هنا يعلن الإنسان معنى الإنسان الإخاء:
فبالهمزة إتكال وائتلاف وائتمان وإتحاد وإنسانية..
وفي الخاء خير الثقة وخدمة عند الحاجة وخصال الأمانة وخليل الوحشة..
وبالألف الثقة والصدق والمحبة والمجاورة والعون..
وبالهمزة الخاتمة إخلاص وأمانة ألفة آمال.
لذا فالإخاء ليس كلمة في قاموس بل قاموسٌ من الكلمات تحوي في معناها ما لا يحويه سواها ومن لا يفهم معناها ويغوص في مضمونها ما كان سباحاً ماهراً في عالمها وكان طوق نجاةٍ زائف لمن ظنّ أنّه آخاه يوماً.
إن الإخاء ليس كلمة تُقال بل هي أمانة تُحمل ولا يكفي أن نشعر بها بل أن نشعر الآخرين بها ونطبق أوجهها كافة. ومن كان بلا قدرةٍِ على احتمال هذه الأمانة فلا يدخل من بابها لأن من دخل فيه وأخلّ فيها يكون قد زعزع مكنون الثقة لدى من حسبه يوما أخاً له وحفر في داخله فجوةً لا تُسدّ أبداً لأن الثقة كالزجاج ما إن يُكسر لن يصلح من جديد حتى ولو تمّ جمعه فإن الشوائب والثغرات لا تزال تضعفه رويداً رويداً.
لذا تجدر بالإنسان المبادرة إلى تحقيق الإخاء للتقرّب من الله تعالى.
إني قد عشت الإخاء بألوانه كلها فوجدته جنّةً على الأرض وأحسست فيه بجوار الله، إلاّ أنّ بقعةً سوداء لطخت الرّؤية وحطمت الزجاج وأوصلتني إلى أن أطلب يوماً العيش وحيدة، لكنّي عدت وفكرت مليّاً بأن الزجاج المحطم وكاسره يمكن أن يُرميا أو حتى ينمحيا من صفحات النسيان فلا يكن له أثرٌ، ويبدأ الجدّ لبناء زجاجٍ جديد لمن يعرف حقاً كيف يصون الأمانة.
وجعل الله في قلوبنا نوراً يهدي به أبصارنا ويبعد عنا وسوسات أنفسنا والشيطان ويجعلنا أخوة وأسوة في رحاب الله.
تعليقات: