عائلة بول جلخ
غريس تصطحب بناتها الثلاث... انتحاراً صوّرت شريط فيديو لتحكي قصّتها !
لا يعني الهدوء الذي عاشته بلدة بحرصاف المتنية أمس أن مأساة أودت بحياة أربع من مواطناتها. ربما لأن الخبر لا يصدّق: أمّ تضع السمّ لبناتها الثلاث في الطعام، ثم تلتحق بهنّ مسجلة كلّ التفاصيل على شريط فيديو، معترفة بجريمتها وأسبابها
إنها الساعة الثانية والنصف ظهراً. تقرع أجراس الكنيسة فتعيد إلى البلدة الصامتة بعضاً من الحياة. ليست رهبة الموت بالتأكيد ما أخرست أهالي بحرصاف أمس، فلطالما كان الموت فرصة للصراخ والإفراج عن آلام المعزّين والمواسين. لكن البحث عن سبب الصمت ليس صعباً، فالخبر بحدّ ذاته كاف ليصيب الجميع بالصدمة: غريس كسّاب، الأم المثالية وفق أكثر من شخص، سمّمت بناتها الثلاث: مليسا (13 عاماً)، ماديسون (10 أعوام) وألفردا (7 أعوام)، ثم التحقت بهنّ. السيدة الأربعينية، التي «لم تعد قادرة على العيش» وفق ما جاء في تسجيل صوتي تركته قبل وداعها الحياة، أعدّت سلطة الفواكه المجففة لبناتها ببرودة، انتظرت حتى فعل السم فعلته ثم التحقت بهنّ، معلنة أنها المسؤولة كي لا يتهم آخرون.
الخبر صادم، وهو غريب عن المجتمع اللبناني، وبالنسبة إلى أهالي بحرصاف هو «أمر لا يمكن أن يحصل عندنا»، يقول رجل كان واقفاً أمام صالون كنيسة مار يوحنا لمحدّثه، هامساً. الكلّ يتهامس هنا، وأي محاولة لتسقّط أي معلومة تواجه بردة فعل عدائية، تصل مع خوري القرية إلى استعمال عبارة نابية لطرد مراسلة إحدى محطات التلفزة من المكان.
تقترب الساعة من الثانية، فتبدأ باصات المدارس بالمرور في الشارع الرئيسي للقرية. ينزل منها بعض التلاميذ عابسين، كأنهم يعرفون أن بلدتهم تواجه حدثاً استثنائياً تعلن عنه أجراس الكنيسة الصاخبة مع تمام الثانية والنصف.
تضج الحركة في الشارع الذي يربط الكنيسة بمستشفى بحنّس حيث جثث الضحايا. لكنها لا تغيّر كثيراً من جمود المجتمعين في صالون الكنيسة ومحيطها. الصمت سيّد الموقف، وإن خرق يمكن سماع عبارات عن «الكارثة» و«المصيبة» التي ألمّت ببول. آخرون يترقبون الطريقة التي سيعامل بها جثمان الأم «المجرمة»، وفق تعبير سيدة كانت تنقل استنكار رجال الدين لطلب حمل تابوتها أو إدخاله إلى الكنيسة. لكن الأمور سارت سيراً شبه طبيعي، حملت توابيت الأطفال البيضاء في مقدمة الجنازة، وتابوت الوالدة في نهايتها، كما سمح بإدخاله إلى الكنيسة على أساس أن الأم «قد تكون مريضة وإلا لما ارتكبت ما ارتكبته»، لكن العظة لا تتطرق إلى الأم بأي حرف. لكنها تتيح للحزن الأنيق الذي لفّ الكنيسة أمس، أن يخرج بعض الصرخات من عقالها عندما أعلن منح الفتيات الثلاث الزرّ الذهبي الذي تمنحه مدرسة يسوع ومريم لمتخرّجاتها.
هذا الجدل الذي شغل بعض المعزّين الآتين من خارج القرية، لم يرد على لسان أحد من المقيمين فيها. نسمع همساً من سيدة قريبة من عائلة الزوج المفجوع بول جلخ، أن غريس كسّاب كانت أمّاً مثالية تهتم ببناتها كثيراً، وهذا ما تقوله جارتها الأرمنية أيضاً.
تروي السيدة أن قريبها بول، زوج غريس، يعمل في الدول العربية مربّياً للخيول. وهو كان في لبنان قبل أسبوع. أما زوجته غريس، وهي من كسروان، فهي تقيم وحدها مع بناتها الثلاث في منزل ملاصق لمنزل أهل زوجها. كما تقيم إحدى شقيقاتها في منزل قريب. وقد اعتادت غريس أن تقلّ بناتها صباح كل يوم إلى مدرسة «يسوع ومريم» في الرابية، ثم تعود لتصطحبهنّ بعد الظهر. لكنها، أول من أمس الخميس، لم تخرج من البيت. ولم تنتبه الجدة، والدة بول، إلى الأمر لأنها كانت مرتبطة بواجب الخدمة في الكنيسة، وعندما عادت وجدت السيارة أمام البيت فاعتقدت أن غريس أقلت البنات إلى المدرسة وعادت.
قبل ذلك بقليل، وتحديداً مساء الأربعاء كان بول، الزوج، يتحدث مع زوجته عبر الهاتف من أبو ظبي، على ما يبدو قبل تنفيذها لمخططها، وقد أنهى اتصاله بها بالقول: «معي اتصال آخر، أعاود الاتصال بك لاحقاً». لكنه عندما أعاد الاتصال لم يتلقّ الردّ. كرّر المحاولات، وعندما يئس شعر بأن أمراً غير طبيعي قد حصل فقرر العودة إلى لبنان قبل الموعد الذي كان حدّده لذلك.
وصل بول إلى بحرصاف مساء الخميس، فوجد باب المنزل مقفلاً. ولأنه لا يحمل المفتاح طلب من شقيقتها المقيمة في البلدة أن تعيره المفتاح لأنها تحتفظ بنسخة عنه، فيما ردد آخرون أنه قد يكون عمد إلى فتح الباب بالقوة. وعندما دخل إلى المنزل وجد أسرته كلها قد فارقت الحياة، وبناته يرتدين ثياب النوم (البيجامات)، مع وجود شريط فيديو مسجّل صادرته القوى الأمنية. ومع انتشار الخبر، بدأت وسائل الإعلام بالوصول إلى البلدة.
مضمون الشريط هو السرّ الوحيد الذي لم يجرؤ أحد على إفشائه، لا همساً ولا علانية، واكتفت سيدة كانت تبكي بالقول عبر الهاتف لمحدّثها إن الراحلة كانت تقول: «ما بقى فيي عيش».
وقد أكد مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» أن الفيديو الذي وجدته القوى الأمنية في المنزل «يحوي تسجيلاً بالصوت والصورة للأم، تتهم فيه زوجها بخيانتها وبإقامة علاقات خارج إطار زواجهما». وقد تأكدت هذه المعلومات للمسؤول بعد الاطلاع على شريط الفيديو في مفرزة الجديدة القضائية، مرجحة أن يكون «الزوج دخل المنزل بعدما خلعه بمساعدة بعض الجيران». ولفت المسؤول الأمني إلى أن التحقيقات لا تزال جارية للتأكد من وجود شخص آخر قام بدور المصوّر أو ساعد غريس بتسجيل الفيديو، وخاصةً أن القوى الأمنية «تشتبه بأن التسجيل قد تم قبل حصول الجريمة بوقت قليل، وهو الأمر الذي يصعّب (ولا ينفي) فرضية قيام المرأة بالتصوير بمفردها قبيل الجريمة».
أولادها جزء منها؟
بناءً على المعلومات المتوافرة عن المأساة، أشار الدكتور في علم النفس عباس مكي إلى ثلاثة احتمالات قد تكون دفعت غريس كساب إلى القيام بما فعلته. أوّل هذه الاحتمالات أنها قد تكون في حالة توتر شديد، وثانيها رغبتها بالقول إن بناتها لها، ملكها، وهي أولى بهنّ وإنها بخيارها قتلهنّ تحميهنّ من التعرّض لاحقاً لما تعرضت هي له. وثالثاً أنها باصطحابها الأولاد معها، تنفصل كلياً عن زوجها. أي أنها تعتقد أنها من خلال إلغائها لنفسها وأولادها الذين يشكلون جزءاً منها، إنما تلغي ما فعله زوجها. باختصارٍ تلغي نفسها لتلغي فعلته.
--------------------------------------------------------------
الأنوار:
كتبت نهاد طوباليان:
بحرصاف شيعت ضحايا المأساة الرهيبة وسط الذهول والحزن..
صمت مطبق خيَّم على بلدة بحرصاف أمس وسط حزن وذهول بعد الحادثة المفجعة التي حلَّت بعائلة بول جرجي جلخ وأودت بحياة زوجته غريس وبناته الثلاث ميليسا، ميدسون والفريدا... صمت تقطعه خطوات متسارعة لأبناء البلدة والجوار باتجاه صالون كنيسة ما يوحنا ليس فقط لتقديم واجب العزاء، انما أيضاً للمشاركة في المصاب الجلل، فيما الجميع غير مصدِّق ما حصل، فغريس لطالما كانت توزع فرحها وابتسامتها على كل مَن تلتقي.
وفيما تتردد كلمة إنها ساعة التخلّي والله ينجينا على أكثر من شفة، تغرق عائلتا الجلخ وكساب عائلة غريس بالحزن... فالزوج بول الذي اكتشف ما حلَّ بعائلته اثر عودته من البحرين مساء أمس الأول، أقل ما يمكن وصف حالته ب المنهارة، تماماً كما سائر أفراد العائلة، من الجدة جانيت الجلخ والأعمام والخالات... وفي باحة الكنيسة وجوه الناس واجمة غير مصدِّقة.
وإذ غابت صور الضحايا من الصالون، فقد حضرت بالأسماء في ورقة النعي المعلَّقة على مدخل الكنيسة، متوّجة ب ينعي بول جرجي شكري جلخ زوجته غريس شفيق كساب، وبناته ميليسا، ماديسون، الفريدا... نعي يستوقف ويقطع الصمت حول ظروف هذه الحادثة المفجعة... تماماً كما محيط منزل عائلة جلخ وسط البلدة والذي يلفه الهدوء بعدما غادرت الحياة الطابق الأرضي من المبنى المؤلف من ثلاث طبقات والذي يتقاسمه الأشقاء بول وبشير وجان كلود.
سيارتا الضحية غريس ٤٠ عاماً الأولى جيب ليكسوز كحلي اللون والثانية من نوع سوبارو ستايشن، مركونتان أمام المنزل، ولم يتحرك محركهما منذ صباح أمس الأول، فيما نسوة البلدة ينظرن اليهما ويعلقن مذهولات لقد حضرنا عرس غريس وبول عام ١٩٩٥، وهي من القليعات، كانت امرأة بتجنن، جميلة وصاحبة ذوق مرهف تعشق النظافة والترتيب، وقد حولت منزلها الى جنة، والابتسامة لا تفارق وجهها.
أحد سكان الحي الذي أكد على أن وضع عائلة بول المادي جيد وان الزوج - يعمل في الخليج كمربٍّ ومدرب للخيول - لفت الى أنه لم يلحظ خروج غريس من منزلها طيلة يوم الخميس، كما ولم ينتبه ما اذا كانت الفتيات قد توجهن الى مدرستهن يسوع ومريمكما العادة. وقال: ما حدث لا يصدق ويجنن. ويطرح تساؤلات كثيرة لن نجد لها أجوبة لأن هذه العائلة كانت نموذج العائلة السعيدة.
شريط فيديو
ومع تعذر الحديث مع الوالد المفجوع وأي من أفراد العائلتين ذكر أن القوى الأمنية وضعت يدها على شريط فيديو مسجل، تسرب الى الاعلام بعض من مضمونه، ومفاده أن الزوجة غريس صورت كيفية إعدادها سلطة الفاكهة المجففة ودسها السم فيها في المطبخ، ومن ثم دخولها الى غرفة النوم حيث كانت الفتيات ميليسا ١٣ عاماً وميدسون ١٠ أعوام والفريدا ٧ أعوام بثياب النوم في الأسرّة، وبعد تأكدها من التهام الفتيات الطبق، تناولته بنفسها بعدما أعلنت فيه أنها لم تعد تتحمل، وتريد وضع حد للضغوط ولحياتها وبناتها.
وقالت مصادر أمنية إن الشريط يتضمن سجالاً هاتفياً مع زوجها، اضافة الى قولها بأنها لا يمكن أن تدفن لأن عملها غير مقبول، مطالبة بحرق جثتها وانها أعطت السم لبناتها لأنها تحبهن ولاتريد تركهن بلا أم. وربطت الأم فعلتها ب غاب زوجها بول الموجود خارج البلاد منذ عشرة أعوام للعمل من أجل إعالة عائلته وانها لم تعد تتحمل هذا الوضع.
تشييع الضحايا
وقد شيعت في كنيسة مار يوحنا في بحرصاف، غريس الجلخ وبناتها الثلاث. وشارك في المأتم، الى والد الضحايا بول الجلخ، رئيس إقليم المتن الكتائبي بيار الجلخ ممثلا الرئيس أمين الجميل، النائب آغوب بقرادونيان والسيدة جويس أمين الجميل وأعضاء الهيئتين التعليمية والادارية في مدرسة يسوع ومريم حيث كانت تتعلم البنات، وحشد من الاقرباء والاصدقاء وأبناء المنطقة.
وترأس الصلاة الجنائزية رئيس مدرسة يسوع ومريم الاب جوزف طنوس الذي قال: كم نحن في حاجة اليوم في هذا الموقف بالذات الى أن نضع ذواتنا في أيدي الرب يسوع القائم من الموت، نرفع له ذاتنا بهذا الصليب الثقيل الذي نحمله على أكتافنا، ونقول له يا رب إننا لا نفهم ماذا يحصل ولا نستطيع استيعاب هذه الحقيقة، لكننا نؤمن بأننا إذا كنا بين يديك فأنت قادر على حمايتنا ورعايتنا.
وقلد رؤساء الاقسام في مدرسة يسوع ومريم البنات الثلاث الزر الذهبي الذي تمنحه المدرسة عادة لخريجاتها.
البروفسور البستاني
هذا، وحول التحليل النفسي لهذه المأساة، قال البروفسور أنطوان البستاني: هناك نوع من الاكتئاب الشديد الذي يصل الى الشعور بالذنب لدى الانسان، ويشتد لدرجة يلامس فيها الهذيان أو يصبح هذياناً كما هي حالة هذه السيدة، بحيث تعتقد في مثل هذه الحالة أنها مسؤولة عن عذاب أولادها لأنها أعطتهم الحياة، لذا تجد أن عليها اراحتهم كما ستريح نفسها بالانتحار.
وأضاف: ان المصاب بالاكتئاب يقتنع بأن الانتحار هو الحل الأفضل والأنسب للذنوب التي يعتقد أنه اقترفها.
واذ لفت الى حول مثل هذه الحالات في العديد من البلدان ولكن بنسبة نادرة، أضاف: ان ما حصل هو الشواذ وليس القاعدة، ذلك أنه حين يبدأ الهذيان يغيب المنطق ويحل مكانه المنطق الهذياني والتشاؤمي الذي يؤدي الى الانتحار.
------------------------------------------------------------
اللواء:
مأساة، فاجعة، مجزرة أم جريمة؟
كلمات دون هول ما عرفته منطقة بكفيا وجوارها وتحديدا بلدة بحرصاف التي نامت وإستفاقت عاجزة عن وصف ما حصل داخل منزل آل الجلخ ومصدومة من فظاعة الحدث الذي أودى بحياة الأم غريس الجلخ 40 عاما وبناتها الثلاث: ميليسا 13 سنة- ماديسون 10 سنوات- الفريدا 7 سنوات في منزلهن في البلدة·
وكان رب العائلة بول جورج الجلخ الذي يعمل مدرّب خيل عاد من زيارة للخليج استغرقت ستة أيام، لكن أحدا لم يفتح له، فكسر باب المدخل الرئيسي حيث فوجىء بزوجته وبناتهما الثلاث جثثا·
وتبين من التحقيقات الأولية ان غريس وبناتها قضين بفعل التسمم بعد ما تناولن 4 أطباق من الفاكهة المصنعة ممزوجة بمادة اللانت المسممة تمّ تحضيرها في المنزل·
كما تمّ إكتشاف شريط فيديو في منزل العائلة سجلته الأم يتضمن سجالا هاتفيا مع وزوجها بول الذي يعمل في البحرين إضافة الى قولها بأنها لا يمكن ان تدفن لأن عملها غير مقبول مطالبة بحرق جثتها وانها أعطت السم لبناتها لأنها تحبهم ولا تريد تركهن بلا أم·
وربطت الأم فعلتها بـ<غياب زوجها بول الموجود خارج البلاد منذ عشرة أعوام للعمل من أجل إعالة عائلته وأنها لم تعد تتحمل هذا الوضع·
واظهر شريط الفيديو الذي اصبح بحوزة قوى الامن الداخلي غريس شفيق كساب الجلخ تسأل بناتها الثلاث عن الهدايا التي يريدونها من والدهم بمناسبة عيد الميلاد القادم·
ووسط قرع الأجراس شيعت بعد ظهر أمس، البنات الثلاث في كنيسة مار يوحنا في بحرصاف· بعدما احضرت جثثهن في نعوش بيضاء، بينما احضر نعش الام مختلفاً·
وأمس، وبناء لاشارة النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان اقفل التحقيق بما انه ثبت ان لا متهم في القضية وتقرر تسليم الجثث لذويها لدفنها·
بول جلخ عاد من أبوظبي واكتشف المأساة
بول جلخ في التشيع
التشيع
تعليقات: