عناصر أمنية خلال توقيف أحمد مرعي في فندقه بالأشرفية
ما هي حقيقة «ضابط الارتباط» بين «القاعدة» والمخابرات السورية؟
ثمة تضارب كبير بين ما يتناقله السياسيون والإعلاميون عن أحمد مرعي، وما يقوله جيران هذا الشاب ومعارفه. ويتحول التناقض في بعض النقاط إلى تعارض وتكذيب للمعلومات الأمنية. وفيما يختفي الشهود والأدلة في هذه القضية، يتخوف البعض من إلباس مرعي ذنوباً أكبر من حجمه بكثير
منذ ألْقَت القوى الأمنية القبض على أحمد مرعي في فندق park tower بالأشرفية بتاريخ 22/ 5/2007، تواظب قوى السلطة على تسويق مقتطفات من «اعترافاته» المفترضة. كان أبرزها بعد ساعات قليلة من اعتقاله، وقبل التحقيق معه، حين أعلن أنه «ضابط ارتباط بين ثلاثة أطراف، هي: فتح الإسلام، المخابرات السوريّة، وتنظيم القاعدة». وكشفت هذه المعلومات أن مرعي «استقدم أخيراً الكثير من المجموعات القريبة من تنظيم «القاعدة» عبر الحدود السورية إلى لبنان تحت عنوان حماية أهل السُّنّة».
وانطلاقاً ممّا سبق، بدأ التداول لاحقاً بروايتين منسوبتين «إلى مرجع أمني كبير ومطّلع على التحقيق مع موقوفي فتح الإسلام».
تقول الرواية الأولى إن «أحمد هو الشقيق الأصغر لمحمد وخضر مرعي اللذين اعتقلا في الاشتباكات التي دارت بين فتح الإسلام والقوى الأمنية في طرابلس». وكان أحمد «ملاحقاً بعدة تهم مثل إعطاء شيكات دون رصيد». ويقدم أصحاب هذه الرواية عدة تواريخ لتنقلات أحمد بين لبنان وسوريا، إضافة إلى توفيقه بين «السهر وإنفاق المال دون حساب» من جهة، ونشاطه في «تأمين انتقال المجاهدين إلى العراق» من جهة أخرى.
أما الرواية الثانية، فتستند إلى «التحقيق مع مرعي»، حيث أظهرت «الحقائق الأمنية» «لجوءه إثر بدء الاشتباكات إلى وادي خالد هرباً من الأجهزة الأمنية. فتم إيواؤه، وبقي في تلك المنطقة إلى أن استشهد أحد أبناء هذه البلدة العسكريين بعد يومين من المواجهات. فقرر مرعي ترك ملجئه، وأوصله أصحاب المنزل إلى مفرق الهرمل في عكار، ومن هناك انتقل إلى البقاع فالأشرفية. كما تبين للمرجع الأمني الكبير «أن مرعي تمكن من تهريب المدعو «أبو الليث»، وهو صهر شاكر العبسي، إلى سوريا قبل وقوع الاشتباكات بقرابة شهر».
وأجمعت المعلومات الصحافية المسربة من المصادر الأمنية الرفيعة أن أحمد مرعي من مواليد عام 1968.
غير أنّ زيارة وادي خالد، بلدة أحمد مرعي، ومنزليه في شارع المئتين وحي المنكوبين، والاستماع إلى أحاديث أشخاص عرفوه أو تعاملوا معه، تشكك بصدقية معظم هذه المعلومات المنسوبة إلى مراجع أمنية كبيرة، ويثير شكوك المتابعين لهذا الملف، ما يحتمل أن «يُلفّق» لمرعي المحاط بكثير من الشبهات والضبابية.
بداية، يتبين أن مرعي من مواليد عام 1981 وليس عام 1968. ويستغرب معظم أهالي وادي خالد، ممن التقت «الأخبار» بهم، اتهامه بنقل مقاتلين أو بلجوئه إلى البلدة بالتزامن مع اندلاع المواجهات في البارد، مؤكدين عدم زيارته بلدته خلال السنوات الثلاثة الماضية إلا مرة واحدة حين مرض عمّه.
أما خبر لجوئه إلى البلدة فيراه الناس كذباً يهدف إلى تضليل اللبنانيين وزيادة عزلة أهالي الوادي الذين أعادوا حساباتهم السياسية، وتراجع معظمهم عن دعم تيار المستقبل. ويؤكد هؤلاء أن الوادي من البلدات السنية النادرة في عكار التي لا تحظى القوى السلفية بوجود بارز فيها، إضافة إلى الطبيعة القروية من حيث تناقل الأخبار، وبالتالي فإن لجوء مرعي إلى البلدة أو مجرد مروره فيها كان سينتشر بين أبناء البلدة.
ويرى أهل الوادي أن الأكثر غرابة في الروايات المتداولة، ما يحكى عن ترف مرعي وحبه للسهر، مؤكّدين أن ابن مختارهم السابق، حين كان يتردد إلى البلدة قبل بضع سنوات، كان يملك سيارة من نوع مرسيدس 280 قديمة. وكان يقضي معظم وقته في منزل عمه، مفضلاً عدم الخروج من المنزل، ولم يسعَ يوماً للتواصل مع الشبان الذين من سنه. وينتهي هؤلاء بالسؤال عن مغزى المعلومات التي تتهم مرعي بتهريب صهر شاكر العبسي إلى سوريا قبل وقوع الاشتباكات بقرابة شهر. فيما لم يكن هذا الأمر يتطلب من صهر العبسي أكثر من الخروج سيراً من المخيم إلى الطريق العام، والتوجه بإحدى الفانات إلى الحدود اللبنانيّة ـــــ السورية، واجتيازها كأن شيئاً لم يكن. وعلى هامش نقض الروايات المتداولة، يستغرب أهل الوادي قول المراجع الأمنية إن مرعي هو الابن الأصغر لمختار وادي خالد السابق سليمان مرعي، فيما الحقيقة بحسب أمين سر الرابطة الثقافية في وادي خالد الدكتور فادي الأسعد أن خضر هو الشقيق الأصغر وأحمد يتوسط بين خضر ومحمد. وتطرح المستندات القانونية تساؤلات عن جدية كلام المراجع الأمنية على ملاحقتهم لمرعي. ويتبين بحسب كتاب صادر عن مكتب التحريات يحمل الرقم 449/ 205 بتاريخ 8/3/2007 أن ثمة تسع مذكرات توقيف غيابية صادرة عن قضاة التحقيق في جبل لبنان والشمال بحق أحمد مرعي تتعلق بجرائم تزوير واستعمال مزور واحتيال وإساءة أمانة وسرقة سيارة وتهريبها خارج الأراضي اللبنانيّة.
وفي طرابلس يستغرب أحد جيران سليمان مرعي قرب ساحة التل، كيف اطلعت القوى الأمنية على تنقلات مرعي بين لبنان وسوريا، وحددت تواريخها، ولم توقفه رغم مذكرات التوقيف الصادرة بحقه. علماً بأن زوجة مرعي ووالده وشقيقه محمد أوقفوا بتهمة المساعدة في سرقة سيارة، ولم يقبض على مرعي رغم تنقله العلني بين شقته في شارع المئتين ومنزل أهله القديم في حي الغرباء ومؤسسة والده التجارية قرب منطقة التل في طرابلس. ويقول الرجل المسن إن «الحاج سليمان» كان حاد الطباع، متديناً غير متعصب. وكان ولداه محمد وخضر يعملان معه، ويحضران يومياً إلى «مؤسسة مرعي للتجارة»، فيما كان الوالد شديد التذمر من سلوك أحمد غير المنضبط، ورفضه التفرغ لوظيفة وطلبه الدائم للمال. ويوضح أحد معارف المختار صحة ما يحكى عن ثروة مفاجئة أظهرها آل مرعي إثر انتقالهم من غرفتين صغيرتين في حي المنكوبين إلى أربع شقق في شارع المئتين. لكنه يعيد هذه الثروة إلى مبلغ كبير من المال، أخذه المختار من أحد نواب عكار السابقين، لقاء سحب ترشيحه النيابي عام 1996، إضافة إلى جمع المختار كمية كبيرة من الأموال كتبرعات لمنطقة وادي خالد، أثناء جولة له على عدة دول عربية».
وبموازاة هذه المعلومات المناقضة للروايات المتداولة عن أحمد مرعي، يؤكد الأسعد أنه لم يرَ مرعي في وادي خالد إلا أربع مرات طوال حياته، وخاصة أن والده كان سلّم ختم المخترة إلى شقيقه، نظراً لانشغالاته الكثيرة في طرابلس. ويقول الأسعد إن أقرباء المختار وزائريه في طرابلس كانوا يصفون أحمد بالـ«أزعر»، ويتحدثون عن علاقته الطيبة مع بعض عناصر المخابرات السورية في شارع مار مارون الطرابلسي. ويكشف أمين سر الرابطة الثقافية في وادي خالد عن خطف أحمد قبل بضع سنوات فتاة من قرية مجاورة للوادي، ورفضه تزوجها رغم تدخل أهلها والمخابرات السوريّة. علماً بأن أحمد تزوج عام 2004 فتاة تدعى ميراي ض. سجنت عام 2005 بعد مشاركته في عملية سرقة سيارة من مؤسسة «مايك كارز للتأجير». وفي رسالة وجهتها إلى قاضي التحقيق عباس جحا قالت إن أحمد استدان خلال السنوات الماضية أكثر من 200000$، وهو يتصرف وينفذ «ما يطلبه أهله لأنه لا خبرة لديه في هذه الأعمال». وتؤكد ميراي أن زوجها «كان على علاقة وثيقة بشقيقه محمد، وكان يخبره كل شيء، وكانا أشبه بالشركاء»، الأمر الذي يفسر اقتناع المراجع الأمنية بكل ما أدلى به محمد عن اطلاع أحمد على كل المخططات التي نوت «فتح الإسلام» تنفيذها.
وبالعودة إلى أرشيف آل مرعي في وادي خالد، يتبين أن المختار، وهو من الأشخاص القلائل في تلك المنطقة الذين كانوا، منذ ما قبل قانون التجنيس، حائزين الجنسية اللبنانية. وعام 1996 ترشّح للانتخابات النيابية عن المقعد السني قبل أن يسحب ترشيحه. وتزعّم المختار الدفاع عن صورة وادي خالد عام 2002 إثر الجريمة التي نفذها المجند حسين الخلف وأدت الى استشهاد المجند أنطوان كورد وإصابة أربعة عسكريين بجروح. وأصدر بياناً باسمه هو وآل خلف يطلب فيه عدم استغلال الحادث الفردي، مؤكداً «الثقة المطلقة في المؤسسة العسكرية وعلى رأسها قائد الجيش اللبـناني العماد ميشال سليمان المعروف بوطنيته الصادقة ومحبته لجميع أفـراد القـوات المسلحة اللبـنانية».
ووسط تضارب المعلومات، يقول أحد مخاتير وادي خالد الحاليين والمتابعين لهذا الملف إن السؤال عن مرعي يفترض أن يوجه أولاً وأخيراً لأحد أبرز القادة الأمنيين الذين كانوا على اتصال شبه يومي بمرعي، ولعل قلق هذا القائد الأمني مما يعرفه مرعي دفعه إلى الإسراع في انقضاض القوى الأمنية عليه في الأشرفية، وتحويله من سارق سيارات إلى ضابط ارتباط بين «فتح الإسلام» والمخابرات السورية و«القاعدة».
تعليقات: