بيروت –
QUALEB عنوان برنامج يختصر كلمتي «الجودة – لبنان». أرسى هذا البرنامج في مرحلته الأولى، والذي يموّله الاتحاد الأوروبي وتنفذّه وحدة الجودة في وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية، ركائز استكمال البنية التحتية للجودة وتطويرها، وتعميم ثقافتها على القطاعات الاقتصادية في لبنان سواء الخاصة والعامة. وخرجت الوحدة المنفّذة البرنامج بإنجازات، على رغم الظروف السياسية والأمنية التي شهدها لبنان على مدى فترة التنفيذ، إذ بدأ في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2004، وأنهى المرحلة الأولى في تشرين الأول الماضي. وتمثّلت هذه النتائج بوضع إطار قانوني يرعى تطبيق معايير الجودة ( 8 مشاريع قوانين)، وحصول 38 شركة ومؤسسة لبنانية على شهادة «أيزو»، وتحديث 16 مختبراً وطنياً.
ويستهدف هذا البرنامج اعتماد الشركات اللبنانية المعايير والمواصفات المعتمدة في أسواق أوروبا، ما يمكّنها من المنافسة في هذه الأسواق التي تضم 490 مليون مستهلك، وتطلقها إلى الأسواق العالمية الأخرى.
ويستكمل لبنان المرحلة الثانية من البرنامج منتصف عام 2010، لإنجاز الأهداف المرسومة فيه، في مجال المواصفات والمترولوجيا والاعتماد ودعم المختبرات الوطنية والمصادقة ومراقبة الأسواق، تحديداً حماية المستهلك، والجائزة اللبنانية للامتياز، ووضع سياسة وطنية موحدة للجودة. وأمل مدير برنامج الجودة في وزارة الاقتصاد والتجارة علي برو، أن «يصبح في إمكاننا القول إن لبنان حقق هذا الهدف نهاية عام 2013».
< تحدّثت «الحياة» إلى برو، عن نشأة برنامج الجودة وتطوّره وإنجازاته والمعوقات، ومراحله المستقبلية، فأوضح أن البرنامج «يندرج في إطار اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان». ولفت إلى أن هذا المشروع المموّل من الاتحاد الأوروبي «يشكّل عاملاً أساساً في استكمال البنية التحتية للجودة في لبنان وتطويرها، لتنمية حركة التبادل بين الاتحاد ولبنان، تحديداً في مجال تعزيز تصدير المنتجات اللبنانية إلى أسواقه وحماية المستهلك». إذ يمثل الاتحاد «الشريك التجاري الأول استيراداً، بفاتورة بلغت نحو 5.5 بليون دولار عام 2008، مشكلاً نسبة 40 في المئة تقريباً من فاتورة الواردات الإجمالية للبنان البالغة أكثر من 16 بليون دولار، فيما الصادرات الى الاتحاد الأوروبي التي كانت تشكل 23 في المئة من صادراتنا الإجمالية عام 1996 تراجعت تدريجاً ووصلت إلى نحو 9 في المئة عام 2004». وعزا هذا التراجع إلى «شروط التصدير التي باتت صعبة، بعد اعتماد الاتحاد مثل دول متقدمة أخرى، معايير ومواصفات في الجودة على المنتجات والسلع الداخلة إلى أسواقها، إضافة إلى عدم تطوير بنيتنا التحتية للجودة».
دفع هذا التراجع الاتحاد الأوروبي إلى إعداد دراسة بالتعاون مع القطاعين العام والخاص، أظهرت في نتيجتها، بحسب ما أشار برّو، إلى أن أسباب تراجع قيمة الصادرات يعود إلى «عدم التزام الصناعة اللبنانية في بعض قطاعاتها، بمواكبة تطور شروط التصدير الأوروبية المستحدثة، أو تلك المعتمدة في أسواق أخرى متقدمة في العالم، لجهة مواصفات الجودة ومقاييسها». لذا، وجد الاتحاد أن «الوسيلة الفضلى لمساعدة القطاع الإنتاجي في لبنان من ضمن اتفاق الشراكة، تطوير البنية التحتية للجودة، وهي تشمل المواصفات والمترولوجيا (الأوزان والمقاييس) والمختبرات والاعتماد والرقابة على الأسواق، بما يعني اعتماد المواصفات العالمية في التحاليل وتبنّي نظم إدارة الجودة في الإنتاج «شهادة أيزو».
ولفت برّو إلى أن الاتحاد الأوروبي قرر تنفيذ البرنامج بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والتجارة، «معتبراً أنها الإدارة المناسبة لتوليه، لأن ثلاثة عناصر تتعلق بالجودة من أصل خمسة هي من صلاحياتها ومهماتها».
15
مليون يورو
وموّل الاتحاد الأوروبي هذا البرنامج ودعمه على مدى 38 شهراً، لاستكمال تكوين البنية التحتية في لبنان، على الصعد القانونية والتشريعية وبناء القدرات والتأهيل، ودعم القطاع الخاص. وأشار مدير البرنامج إلى أن قيمة التمويل «بلغت 15 مليون يورو، فيما قدّمت الوزارة مساهمة عينية بمبلغ 400 ألف يورو في مقابل المكاتب والتجهيز ورواتب موظفيها».
بدأ تنفيذ المشروع في تشرين الأول 2004، على أساس خطة عمل وافق عليها الاتحاد وانتهت في نهاية عام 2007. لكن رأى الاتحاد، وفق برّو، «تمديد البرنامج لاستمرار الحاجة إلى استكمال البنية التحتية حتى تشرين الأول الماضي، وهو تاريخ إنجاز المرحلة الأولى. ورصد لفترة التمديد مبلغاً إضافياً بقيمة مليوني يورو».
وأثمر هذا البرنامج في مرحلته الأولى، إنجازات مهمة على الصعيد التشريعي، إذ أشار برّو إلى «وضع ثمانية مشاريع قوانين جديدة تتصل مباشرة بالجودة وتنظّم أحكامها وآلياتها»، ثلاثة منها موجودة لدى المجلس النيابي بعد موافقة مجلس الوزراء عليها، وخمسة لا تزال لدى الحكومة. واعتبر أن أهم مشروع هو «المتعلق بسلامة الغذاء بالتعاون مع «يونيدو» والإدارات الرسمية ونقابات القطاع الخاص المعنية، ومن شأنه تأمين الغذاء السليم وطمأنة الدول المستوردة». لكن مناقشة المشروع لم تنتهِ في المجلس النيابي، عازياً السبب إلى «ملاحظات الوزراء المعنيين المستجدة على بعض بنوده على رغم إقراره في مجلس الوزراء، والتي تتصل بالصلاحيات، لأن المشروع ينص على تشكيل هيئة علمية ومستقلة لسلامة الغذاء، مع العلم أن مهمتها تقتصر على اتخاذ القرار العلمي ومراقبة التنفيذ، الذي تتولاه الوزارات». وينتظر المشروع انتخاب اللجان النيابية لاستكمال النقاش. وأكّد «ان وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي اولى إقرار المشروع أهمية خاصة، نظراً إلى أثره في تنظيم القطاع في لبنان، وتقديم غذاء سليم للمستهلك».
«ليبنور» عضو في «أيزو»
يُضاف إلى هذا المشروع، آخر يطوّر مؤسسة المواصفات والمقاييس اللبنانية «ليبنور» إدارياً وفنياً وتقنياً. وأفضى دعم البرنامج إلى «تثبيت عضويتها الدائمة في المنظمة العالمية للتقييس «أيزو»، وإلى انضمامها الى مؤسسة المقاييس والمواصفات الأوروبية كعضو مشارك، إضافة الى تأسيس ثلاث قواعد معلومات لها وتدريب موظفيها».
وأعلن برّو «وضع سياسة وطنية عامة تتعلق بالجودة وتشمل كل لبنان بقطاعاته الاجتماعية والصناعية والاقتصادية، وستُعرض بعد موافقة وزير الاقتصاد والتجارة، على المعنيين في القطاعين العام والخاص لإبداء الملاحظات عليها، لتُحال بعد ذلك على مجلس الوزراء للمناقشة والإقرار». وقال: «بموجب هذه السياسة سيتمكّن لبنان من الارتقاء بجودة سلعه وخدماته ليصبح قادراً أكثر على المنافسة واختراق أسواق جديدة، وتقديم سلعة وخدمة أفضل للمستهلك».
تحديث 16 مختبراً
وحقق البرنامج إنجازات أخرى على الصعيد المؤسساتي، إذ لفت برّو إلى «دعم شبكة من 16 مختبراً تتوزع مناصفة بين القطاعين العام والخاص، لتحديث معداتها واتباع طرق الفحص والتحاليل المعتمدة دولياً». وبموجب خطة عمل البرنامج لدعم هذه المختبرات رُصد مبلغ 6 ملايين يورو لتجهيزها بالمعدات وتدريب الفنيين وتقديم الاستشارات من جانب خبراء محليين وأوروبيين، كما أشرك البرنامج معظم هذه المختبرات في برنامج المقارنات المخبرية الأوروبي - المتوسطي». وأوضح أن «الشرط كان حصول المختبرات على اعتماد دولي من هيئات اعتماد دولية، بحيث تصبح شهادة المختبر اللبناني معتمدة دولياً، وتنتفي بذلك الحاجة إلى الاستعانة بالمختبرات الدولية لإعادة التحليل». ونتيجة العمل، أعلن برّو أن «خمسة مختبرات تابعة للقطاع الخاص حصلت على الاعتماد الدولي، فيما يُتوقع حصول ثلاثة أخرى (اثنين منها تابعة للقطاع العام) على الاعتماد الدولي مع نهاية هذا العام أو مطلع العام المقبل». ولم تخلُ عملية دعم المختبرات الرسمية من المعوقات، بسبب البيروقراطية الإدارية، إذ اعتبر برّو أن «إجراءات إدارية بسيطة تعوق أحياناً عملية تطوير وتقدّم أساسية ومهمة». وأعدّ برنامج الجودة في إطار تأسيس البنية التحتية للجودة وتطويرها، أنظمة مجلس الاعتماد اللبناني (COLIBAC)، المنشأ بموجب قانون رقم 572 عام 2004، لكن أشار برّو إلى أن عمل المجلس «لم يفعّل نتيجة أسباب خارجة عن صلاحيات مجلس الإدارة، كتعيين المدير العام والموظفين، وعدم رصد موازنة للمجلس منذ تأسيسه حتى عام 2008، لكي يتمكن من العمل على رغم أنه جاهز قانونياً وفنياً». وأضاف: «لو كان المجلس يعمل لما كان لبنان يحتاج إلى استقدام هيئات اعتماد دولية لتقويم المختبرات المحلية، وهي عملية مكلفة مالياً». ولفت إلى أن برنامج الجودة، من ضمن خطته لتجهيز البنية التحتية البشرية لعمل المجلس، «أهّل 30 مقوّماً فنياً ودرّبهم، يتولون تقويم المختبرات والمكاتب الهندسية وغيرها، كما دُرّب 20 شخصاً في مجال المصادقة على شهادة التصنيع وكفاءة الأشخاص».
38 شركة
الى ذلك أنجز البرنامج خطوات كثيرة على صعيد القطاع الخاص على رغم تردد بعض أصحاب الأعمال بداية، عن المشاركة في مبادرة البرنامج المتعلقة بتأهيل الشركات والمصانع لتبنّي نظم إدارة الجودة والحصول على شهادة «أيزو» ذات الصلة. لكن نجح بإصرار فريق عمله في استقطاب 50 شركة ومؤسسة لبنانية إنتاجية في قطاعات متنوعة، إذ لفت برّو إلى أن «38 شركة ومؤسسة ومصنعاً حصلت نتيجة الدعم والتأهيل على شهادات أيزو، 19 منها تعمل في المجال الغذائي، ساهمت في فتح آفاق جديدة لها في الأسواق الخارجية، وانسحبت استفادة هذه المؤسسات على الشأن الإداري وطريقة الإنتاج، التي انعكست تحسناً في عملية التصدير».
وأشار برّو إلى «حصول مؤسستين رسميتين على شهادة أيزو للمرة الأولى في لبنان، هما وحدة الجودة في وزارة الاقتصاد والتجارة، ومؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية «ليبنور»، من خلال دعم البرنامج». وأعلن «ورود طلبات من مؤسسات رسمية أخرى ترغب في المشاركة في البرنامج، ما يعني أن التوعية حول أهمية الجودة تتعمّم أكثر». وأوضح أن «لا صلاحية للبرنامج بإلزام المؤسسات الخاصة بتطبيق مفاهيم الجودة والتقدّم للحصول على شهادات أيزو، لكن تعميم ثقافة الجودة بالتوعية والإرشادات والنتائج المحققة في مؤسسات مشاركة، حمّست المترددين على الطلب بالانضمام»، كاشفاً عن «تلقي إدارة البرنامج طلبات جديدة كثيرة».
إدراج ثقافة الجودة في التعليم
ولم تقتصر عملية التوعية وتعميم مفاهيم الجودة، على القطاعات التجارية والصناعية بل امتدت إلى المدارس والجامعات ومعاهد التعليم، إذ أكد برو «ضرورة السعي إلى إدراج بعض مواد الجودة في المناهج التعليمية في الجامعات والمعاهد الفنية والمدارس الثانوية».
وفي سياق تعميم هذه الثقافة، وضع البرنامج 12 دليلاً عن مختلف مجالات الجودة، تتناول في شكل مبسّط ما تعنيه، وتأثير اعتمادها على المنتجات والخدمات وعلى الصحة وسلامة الغذاء. وأعلن مدير البرنامج أن «عدداً من المؤسسات في الدول العربية طلبت تزويدها بهذه الكتيّبات».
وفي نتيجة المرحلة الأولى، وبمراقبة البرنامج وتيرة رفض المنتجات اللبنانية في الأسواق الخارجية منذ عام 2004، لاحظ برّو أن «رفض المنتجات اللبنانية تراجع حتى الآن بحدود 8 في المئة، كما ارتفعت نسبة الصادرات اللبنانية الى دول المجموعة الأوروبية الى 12 في المئة من صادراتنا الإجمالية عام 2008». ورأى أن «الهوة الكبيرة لا تزال قائمة بين الصادرات والواردات».
ولن يتوقف البرنامج في مرحلته الأولى، بل سيتابع المرحلة الثانية منتصف عام 2010، ورصد لها الاتحاد الأوروبي 4 ملايين يورو على ثلاث سنوات. وأعلن برّو أن «هذه المرحلة ستترّكز على خمسة محاور تتمثل في متابعة العمل مع المختبرات ليحصل العدد المتبقي منها على الاعتماد الدولي، فضلاً عن دعم ستة مختبرات جديدة بالتدريب والاستشارات، واستمرار العمل بالجائزة اللبنانية للامتياز، إذّ خُصص لها حيز مهم في خطة عملنا المقبلة، المتعلقة بحماية المستهلك ومراقبة الأسواق الاستهلاكية. وينسحب العمل أيضاً على تطوير عمل المؤسسات الرسمية الأخرى المعنية بمراقبة الأسواق، فضلاً عن قطاع التفتيش والمصادقة الذي يعتمد أساليب حديثة». وأشار إلى أن البرنامج «يدعم خمس شركات تعمل في مجال المصادقة لتصبح معتمدة دولياً، والاستمرار في تعميم حملة التوعية على الجودة، واستكمال دعم مجلس الاعتماد اللبناني ومؤسسة «ليبنور».
وكشف برّو عن أن البرنامج، بدعم من الاتحاد الأوروبي، «زوّد مختبر العلوم في جامعة القديس يوسف آلة قيمتها أكثر من مليون دولار، قادرة على تحليل أصل الغذاء ومنشئه من خلال مكوناته وقياس المواد الداخلة فيه. وهي الوحيدة المتوافرة في آسيا والشرق 112814b.jpg الأوسط، ويتوقع أن تستقطب طلبات فحص كثيرة من الدول العربية والآسيوية». وأكد «نجاح برنامج الجودة في تنفيذ معظم بنود خطة العمل بقدرة استيعابية لامست 90 في المئة، على رغم الأزمة السياسية والأمنية التي شهدها لبنان منذ عام 2004». وشدّد على أن البرنامج، «بفضل دعم الوزير الصفدي ووزراء الاقتصاد السابقين وتوجيههم، استطاع خلال السنوات الخمس الماضية أن يعمل خارج التجاذبات والتدّخلات السياسية».
* أوروبا جارتنا مشروع إعلامي مشترك متعدد الوسائط بين «الحياة» وتلفزيون «ال بي سي» وصحيفة «لوريان لوجور» الناطقة بالفرنسية، يموله الاتحاد الاوروبي ويهدف إلى تسليط الضوء على مشاريع الاتحاد وبرامجه في منطقة حوض المتوسط عبر تقارير تلفزيونية ومقالات صحافية تنشرها «الحياة» اسبوعياً وتحمل علامة المشروع.
المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد الاوروبي.
للاطلاع زوروا موقع: www.eurojar.org
تعليقات: