حادث مرج الخيام
فريق لبناني دولي يتسلم الملف ... والجيش و«الطوارئ» يحبطان محاولة بحرية لاستهداف الألمان
«مجموعة سلفية» تحاول تقديم أوراق اعتمادها ... إلى «القاعدة»!
باريس :
علمت «السفير» استناداً إلى مصادر استخباراتية أوروبية متابعة للتحقيق في قضية الهجوم الذي تعرضت له دورية اسبانية في القطاع الشرقي من الجنوب اللبناني، يوم الأحد في الرابع والعشرين من حزيران المنصرم، وأدت إلى مقتل ستة جنود إسبان، أن الجانبين الدولي واللبناني قد توصلا في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة «إلى خيوط جدية قد تساعد في الكشف عن هوية منفذي هذا الهجوم الإرهابي الأول من نوعه الذي تتعرّض له «اليونيفيل» منذ انتشارها في الجنوب اللبناني في أعقاب «حرب تموز»، في الصيف الماضي.
وقالت المصادر التي كانت على تواصل مباشر مع أجهزة الاستخبارات ومكافحة الارهاب الإسبانية (يوجد ممثلان للجهازين في بيروت بالاضافة الى محقق قضائي)، إن الجيش اللبناني، استطاع الى حد كبير تقديم معطيات ومعلومات تفيد بأن مجموعة أصولية (سلفية) هي التي نفذت الهجوم المذكور، وإن عملية رصد واسعة النطاق تتمّ حالياً لعناصرها الذين أتوا من خارج منطقة جنوب الليطاني من أجل التنفيذ، ولكنهم استعانوا، قبل ذلك، على الارجح، بعناصر محلية في عملية الاستطلاع والتحضير للهجوم الذي استمر التحضير له فترة طويلة وسبقته محاولات أخرى لاستهداف وحدات أخرى في «اليونيفيل».
وتقاطعت هذه المعلومات مع ترجيح وزير الدفاع الإسباني خوسيه انطونيو ألونسو، أمس، (مدريد ـ «السفير») أن يكون منفذو العملية الارهابية في سهل الخيام «إرهابيون غير لبنانيين»، وأكد خلال مثوله بناء على طلبه أمام لجنة الدفاع في البرلمان الأسباني، أن المعلومات التي قدمها جهاز الاستخبارات الإسباني تفيد ان هذه المجموعة تلقت «دعماً من عناصر محلية مرتبطة بمنظمات إرهابية جهادية محلية».
وأكد ألونسو أن جهاز الاستخبارات الإسباني (سي ان اي) حسم أن العبوة التي وضعت في السيارة المفخخة تزن خمسين كيلوغراماً من المواد الشديدة الانفجار وأن التفجير تم عن بعد (لاسلكياً).
وأورد جهاز الاستخبارات الإسباني أن «منظمتين جهاديتين لبنانيتين» بات مشتبهاً بتورطهما في العملية رافضاً تحديدهما.
وأبلغ وزير الدفاع الإسباني النواب الإسبان الذين ركزوا أسئلتهم خلال الاستجواب حول مسؤوليته عما جرى وكيفية تفادي تكرار الهجوم أن موضوع تزويد الآليات الإسبانية في «اليونيفيل» بأجهزة تتضمن موجات لاسلكية للتشويش وكشف العبوات اللاسلكية، «لن ينفع في حال تعرّض وحداتنا لهجمات سواء عبر التفجير السلكي (الكابل) أو عن طريق الألغام أو العمليات الانتحارية».
وفيما رفضت مصادر أمنية لبنانية التعليق على المعلومات الأوروبية والإسبانية، اكتفت بالقول لـ«السفير» إنه تم تشكيل لجنة تنسيق ثلاثية تضم مساعد قائد قوات «اليونيفيل» وأحد ضباط الوحدة الإسبانية (مع فريق من الاستخبارات ومكافحة الإرهاب والقضاء الإسباني) ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد وضابطين لبنانيين هما قائد الشرطة القضائية العميد نبيل الغفري ومدير مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العقيد اسماعيل ابراهيم.
وحسب المعلومات فإن اجتماعاً أولياً عقد قبل أيام في مكتب المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا شارك فيه ممثلون عن الجهات الثلاث، وترافق مع قيام «اليونيفيل» والإسبانيين والقضاء العسكري اللبناني الذي عاين المكان مباشرة (القاضي فهد والقاضي جورج رزق)، وكذلك الأجهزة العسكرية والأمنية بتحقيقات ميدانية وتم بعدها رفع تقارير للمراجع المحتصة تبين أنها تتقاطع في جزء كبير من المعطيات الأولية.
واعترفت المصادر الاستخباراتية الأوروبية بأنه في الأيام الأولى للحادث ساد اعتقاد في أكثر من عاصمة أوروبية وخاصة في مكاتب الأمن ومكافحة الإرهاب في المفوضية الأوروبية بوجود علاقة لـ«حزب الله» بالتفجير بشكل أو بآخر، لكن المعطيات المتلاحقة من جهة والتحليلات والمعلومات الاستخباراتية من جهة ثانية، أديا إلى استبعاد هذا الاحتمال، وجاء تعاون «حزب الله» على الارض ليعطي مصداقية أكبر له، خاصة وأن قيادته السياسية والأمنية أبلغت «اليونيفيل» والأمم المتحدة أن الاعتداء يستهدف «حزب الله» واستقرار الجنوب اللبناني أولاً.
وقالت المصادر إن الجيش اللبناني قدّم عبر جهازه المخابراتي في وزارة الدفاع في بيروت وفي الجنوب، معلومات استخباراتية قيّمة جداً قبيل وقوع الحادث، خاصة في ضوء التهديدات التي أطلقتها «القاعدة» بلسان الرجل الثاني فيها أيمن الظواهري (مرتان) وكذلك من خلال التحقيقات مع عناصر من «القاعدة» و«فتح الإسلام» ومجموعات أصولية أخرى أفضت كلها إلى أن «اليونيفيل» قد تتعرّض لعمل إرهابي ما.
وأضافت المصادر أن الجيش اللبناني استطاع بالتعاون مع «اليونيفيل» قبل فترة زمنية من إفشال خطة كانت تقضي بالتعرض لأحد البوارج الألمانية في عرض البحر، وأن عملية رصد دقيقة قام بها الجيش اللبناني أدت الى اكتشاف عناصر مجموعة إرهابية كانوا يقومون في إحدى النقاط البحرية (على الأرجح مخيم نهر البارد)، بأعمال تدريب على الغطس بالتعاون مع مدربين محترفين وتم اتخاذ تدابير وضعت حداً للهجوم المذكور من دون الخوض في التفاصيل.
وأضافت أن الجيش اللبناني كان قد راجع أكثر من مرة قيادة «اليونيفيل» (الجنرال الفرنسي آلان بيللغريني) حول الاحتمالات والأهداف، خاصة بعد أن وضعت «اليونيفيل» سيناريوهات لاحتمالات تعرض سياراتها أو دورياتها لهجمات إرهابية على الطريق الساحلي الجنوبي، وتحديداً في منطقتي وادي الزينة وصيدا، وأن الجيش دعا إلى الأخذ بالحسبان احتمال أن تتعرض «اليونيفيل» لهجوم في إحدى مناطق النفوذ الاساسية لـ«حزب الله» في منطقة جنوب الليطاني بهدف ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد («اليونيفيل» و«حزب الله» والجيش اللبناني).
واللافت للانتباه هو توقف المصادر الاستخباراتية الأوروبية تفصيلياً عند المكان الذي استهدفت فيه الدورية الإسبانية، من حيث طبيعته الجغرافية ومن حيث تعقيده الديموغرافي (قرى شيعية ومسيحية) وفي قطاع (الشرقي) يكاد يكون الأكثر تنوعاً طائفياً (أيضاً سنة في العرقوب ودروز في حاصبيا)، وقالت إن من اختاره «إنما اختار مكاناً ملتبساً ولعل قبضة «حزب الله» فيه تكون الأشد رخاوة بالمقارنة مع بعض المناطق الجنوبية الصافية طائفياً ومذهبياً».
وأكدت المصادر أن قوات «اليونيفيل» استخلصت العبر من الحادث وهي أعادت تقييم حركتها وبعض الأنشطة التي ربما تكون سهّلت عملية استكشاف دورياتها.
ورداً على سؤال لـ«السفير»، قال الناطق الرسمي السابق باسم «اليونيفيل» تيمور غوكسيل العائد لتوّه من إسبانيا إنه يدور نقاش في اسبانيا حول قصور في المعلومات الاستخباراتية وهو مصدر الحماية الحقيقية وليس الإجراءات الأمنية الاحترازية وحسب، خاصة أنه سبقت الهجوم في هذه المنطقة المختلطة، تهديدات كثيرة.
وأضاف أن عملية من هذا النوع تؤدي وظيفة «البروباغندا المسلحة»، والفاعل على ما يبدو يحاول التموضع وتقديم اوراق اعتماده على الخريطة الإرهابية في لبنان، وقال «هذه البروباغندا (الدعاية) تفيد المعتدين في استقطاب الأموال والمؤيدين لهذا النوع من الأعمال وكأنه طلب علني للانضواء في مجموعة أكبر»، واستبعد تورط «حزب الله» قائلاً إنه «أذكى من أن يقال إنه تورط في عملية ستوجه أول أصابع الاتهام إليه».
وقال مصدر دبلوماسي أوروبي بارز لـ«السفير» إنه يؤيد النظرية التي تقول بأن «القاعدة» غير متورطة مباشرة لسببين أولهما أنه في معظم الحالات كان هذا التنظيم يعلن مسؤوليته بشكل واضح والسبب الثاني هو عدم تبلور هيكلية واضحة لـ«القاعدة» في لبنان حتى الآن، ذلك أن هناك مجموعات متفرقة في لبنان ودول أخرى تعمل تحت مظلة «القاعدة» العامة من دون أن تكون مؤتمرة بأوامر التنظيم المركزية مباشرة.
كوسران إلى بيروت
اليـوم مجـدداً
من جهة ثانية، قالت مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية لـ«السفير» إن مدير المخابرات السابق جان كلود كوسران سيصل إلى بيروت اليوم موفداً من وزير الخارجية برنارد كوشنير من أجل توجيه دعوات رسمية الى القيادات اللبنانية السياسية والمدنية التي ستشارك في الملتقى الحواري في باريس في منتصف هذا الشهر. يذكر أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة تلقى، مساء أمس، اتصالاً هاتفياً من كوشنير أبلغه خلاله بأن كوسران سيتوجه اليوم الى بيروت.
وأشارت المصادر الفرنسية الى أن العنصر الأهم في الدعوة الى الحوار أن «حزب الله» سيكون موجوداً على الطاولة اللبنانية في باريس بدعوة رسمية من الحكومة الفرنسية، وهذه نقطة في مصلحة الحزب ويجب أن يتعامل معها بصورة جدية.
وأوضحت المصادر أن اللقاء الذي عقد بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة اتسم بالصراحة، وخاصة عندما تم التطرق إلى موضوع «حزب الله» حيث شدّد رئيس الحكومة اللبنانية على أن «حزب الله» يمثّل فئة لبنانية كبيرة، وذلك في مواجهة المنطق الأميركي الضاغط على أوروبا، وخاصة على الفرنسيين، من أجل تبديل موقفهم الرسمي من «حزب الله» وصولاً الى وضعه رسمياً على لائحة المنظمات الارهابية.
ونقلت المصادر عن ساركوزي تأكيده أكثر من مرة للسنيورة أن فرنسا ستستمر بسياستها الداعمة للبنان.
تعليقات: