الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يتلو الوثيقة السياسية للحزب التي أقرَّها مؤتمرُه العامُّ الأسبوع المنصرم
أعلن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الوثيقة السياسية للحزب التي أقرَّها مؤتمرُه العامُّ منذُ أيام، وذلك في مؤتمر صحافي متلفز بحضور جمع من السياسيين والصحافيين ورجال الاعلام. ورئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد ابراهيم امين السيد ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد.
وتضمنت الوثيقة مجموعة من البنود المتعلقة بالمقاومة والسياسة وهموم الناس والمجتمع اضافة الى نظرة حزب الله لعدد من القضايا اللبنانية الاقليمية والعالمية، وتحدد الوثيقة الخطوط العريضة التي ترسم سياسة حزب الله اتجاه العديد من القضايا لا سيما تحديد من هو العدو ومن هو الصديق.
وهنا نص الوثيقة السياسية كاملة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
قال الله تعالى في كتابه المجيد:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}. (العنكبوت: 69)
وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (المائدة: 35)
تهدف هذه الوثيقة إلى تظهير الرؤية السياسية لحزب الله، حيث تنطوي على ما نراه من تصورات ومواقف وما نختزنه من آمال وطموحات وهواجس، وهي تأتي - قبل أي شيء آخر - نتاجاً لما خبرناه جيداً من أولوية الفعل وأسبقية التضحية.
ففي مرحلة سياسية إستثنائية وحافلة بالتحولات لم يعد ممكناً مقاربة تلك التحولات من دون ملاحظة المكانة الخاصة التي باتت تشغلها مقاومتنا، أو تلك الرزمة من الإنجازات التي حققتها مسيرتنا.
وسيكون ضرورياً إدراج تلك التحولات في سياق المقارنة بين مسارين متناقضين وما بينهما من تناسب عكسي متنامٍ:
1- مسار المقاومة والممانعة في طوره التصاعدي الذي يستند إلى انتصارات عسكرية ونجاحات سياسية وترسُّخ أنموذج المقاومة شعبياً وسياسياً والثبات في المواقع والمواقف السياسية رغم ضخامة الإستهداف وجسامة التحديات.. وصولاً إلى إمالة موازين القوى في المعادلة الإقليمية لصالح المقاومة وداعميها.
2- مسار التسلط والإستكبار الأميركي - الإسرائيلي بأبعاده المختلفة وتحالفاته وامتداداته المباشرة وغير المباشرة والذي يشهد انكسارات أو انهزامات عسكرية وإخفاقات سياسية أظهرت فشلاً متلاحقاً للإستراتيجيات الأميركية ومشاريعها واحداً تلو الآخر، كل ذلك أفضى إلى حالة من التخبط والتراجع والعجز في القدرة على التحكم في مسار التطورات والأحداث في عالمنا العربي والإسلامي.
تتكامل هذه المعطيات في إطار مشهد دُوليّ أوسع، يُسهم بدوره في كشف المأزق الأميركي وتراجع هيمنة القطب الواحد لصالح تعددية لم تستقر ملامحها بعد.
وما يعمّق أزمة النظام الإستكباري العالمي الإنهيارات في الأسواق المالية الأميركية والعالمية ودخول الإقتصاد الأميركي في حالة تخبّط وعجز، والتي تعبِّر عن ذروة تفاقم المأزق البنيوي في الأنموذج الرأسمالي المتغطرس.
لذا يمكن القول: إننا في سياق تحولات تاريخية تُنذر بتراجع الولايات المتحدة الأميركية كقوة مهيمنة، وتحلُّل نظام القطب الواحد المهيمن، وبداية تشكّل مسار الأفول التاريخي المتسارع للكيان الصهيوني.
تقف حركات المقاومة في صُلب هذه التحولات، وتَبرز كمعطى إستراتيجي أساسي في هذا المشهد الدُّولي بعد أن أدت دوراً مركزياً في إنتاج أو تحفيز ما يتصل من تلك التحولات بمنطقتنا.
لقد كانت المقاومة في لبنان ومن ضمنها مقاومتنا الإسلامية سبّاقةً إلى مواجهة الهيمنة والإحتلال قبل ما يزيد على عقدين ونصف من الزمن، وهي تمسكت بهذا الخيار في وقت بدا وكأنه تدشينٌ للعصر الأميركي الذي جرت محاولات تصويره وكأنه نهاية للتاريخ. وفي ظل موازين القوى والظروف السائدة آنذاك إعتبر البعض خيار المقاومة وكأنه ضربُ وهمٍ، أو تهورٌ سياسي أو جنوح مناقض لموجبات العقلانية والواقعية.
رغم ذلك مضت المقاومة في مسيرتها الجهادية وهي على يقين من أحقية قضيتها وقدرتها على صنع الإنتصار، من خلال الإيمان بالله تعالى والتوكل عليه والإنتماء للأمة جمعاء والإلتزام بالمصالح الوطنية اللبنانية والثقة بشعبها وإعلائها القيم الإنسانية في الحق والعدالة والحرية.
فعلى مدى مسارها الجهادي الطويل وعبر انتصاراتها الموصوفة، بدءاً من دحر الإحتلال الإسرائيلي في بيروت والجبل إلى هروبه من صيدا وصور والنبطية وعدوان تموز 1993 وعدوان نيسان 1996 والتحرير في أيار 2000، فحرب تموز 2006، أرست هذه المقاومة صدقيتها وأنموذجها قبل أن تصنع انتصاراتها، فراكمت حقبات تطوُّر مشروعِها من قوة تحرير إلى قوة توازن ومواجهة ومن ثَمّ إلى قوة ردعٍ ودفاع، مضافاً إلى دورها السياسي الداخلي كركن مؤثّر في بناء الدولة القادرة والعادلة.
بالتزامن مع ذلك، قُدِّر للمقاومة أن تطور مكانتها السياسية والإنسانية، فارتقت من كونها قيمةً وطنيةً لبنانيةً إلى كونها - أيضاً - قيمةً عربيةً وإسلاميةً متألقةً، وقد أصبحت اليوم قيمةً عالميةً وإنسانيةً يجري استلهام أنموذجها والبناء على إنجازاتها في تجارب وأدبيات كل الساعين إلى من أجل الحرية والإستقلال في شتى أنحاء المعمورة.
إنّ حزب الله رغم إدراكه لتلك التحولات الواعدة وما يراه من مراوحة العدو بين عجز استراتيجية الحرب لديه والعجز عن فرض التسويات بشروطه، فإنه لا يستهين بحجم التحديات والمخاطر التي لا تزال ماثلةً، ولا يُقَلِّل من وعورة مسار المواجهة وحجم التضحيات التي تستوجبها مسيرة المقاومة واسترداد الحقوق والمساهمة في استنهاض الأمة، إلاّ أنه - في قبال ذلك - قد بات أشد وضوحاً في خياراته وأمضى عزيمةً في إرادته وأكثر ثقةً بربّه ونفسه وشعبه.
في هذا السياق، يحدِّد حزب الله الخطوط الأساسية التي تشكّل إطاراً فكرياً – سياسياً لرؤيته ومواقفه تجاه التحديات المطروحة.
(الفصل الأول)
الهيمنـة والإستنهـاض
أولاً : العالم والهيمنة الغربية والأميركية
بعد الحرب العالمية الثانية باتت الولايات المتحدة صاحبة مشروع الهيمنة المركزي والأول، وعلى يديها شهد هذا المشروع تطوراً هائلاً في آليات التسلط والإخضاع غير المسبوقة تاريخياً، مستفيدةً في ذلك من حصيلة مركّبة من الإنجازات المتعددة الأوجه والمستويات العلمية والثقافية والمعرفية والتكنولوجية والإقتصادية والعسكرية، والمدعومة بمشروع سياسي إقتصادي لا ينظر إلى العالم إلاّ بوصفه أسواقاً مفتوحةً ومحكومةً لقوانينها الخاصة.
إنّ أخطر ما في منطق الهيمنة الغربي عموماً، والأميركي تحديداً، هو اعتباره منذ الأساس أنه يمتلك العالم وأنّ له حق الهيمنة من منطلق التفوق في أكثر من مجال، ولذا باتت الإستراتيجية التوسعية الغربية - وبخاصة الأميركية - ومع اقترانها بالمشروع الإقتصادي الرأسمالي إستراتيجيةً عالميةَ الطابع، لا حدود لأطماعها وجشعها.
إنّ تحكّم قوى الرأسمالية المتوحشة، المتمثلة على نحوٍ رئيسٍ بشبكات الإحتكارات الدُّولية من شركات عابرة للقوميات بل وللقارات، والمؤسسات الدُّولية المتنوعة، وخصوصاً المالية منها والمدعومة بقوة فائقة عسكرياً، أدى الى المزيد من التناقضات والصراعات الجذرية، ليس أقلها اليوم: صراعات الهويات والثقافات وأنماط الحضارات، إلى جانب صراعات الغنى والفقر.
لقد حولت الرأسمالية المتوحشة العولمة إلى آلية لبث التفرقة وزرع الشقاق وتدمير الهويات وفرض أخطر أنواع الإستلاب الثقافي والحضاري والإقتصادي والإجتماعي.
وقد بلغت العولمة حدَّها الأخطر مع تحولها إلى عولمة عسكرية على أيدي حاملي مشروع الهيمنة الغربي، والتي شهدنا أكثر تعبيراتها في منطقة الشرق الأوسط بدءاً من أفغانستان إلى العراق وفلسطين فلبنان، الذي كان نصيبه منها عدواناً شاملاً في تموز العام 2006 وذلك باليد الإسرائيلية.
لم يبلغ مشروع الهيمنة والتسلط الأميركي مستويات خطرةً كما بلغها مؤخراً، لا سيما منذ العقد الأخير من القرن العشرين وحتى اليوم، وذلك في مسار تصاعدي إتخذ من سقوط الإتحاد السوفياتي وتفككه نقطة انطلاق، لما شكّله من فرصة تاريخية في الحسابات الأميركية للإستفراد بقيادة مشروع الهيمنة عالمياً، وذلك باسم المسؤولية التاريخية وبأنّ لا تمييز بين مصلحة العالم والمصلحة الأميركية، ما يعني تسويق الهيمنة كمصلحة لباقي الدول والشعوب لا بوصفها مصلحةً أميركيةً بحتةً.
لقد بلغ هذا المسار ذروته مع إمساك تيار المحافظين الجدد بمفاصل إدارة "بوش" الابن، هذا التيار الذي عبّر عن رؤاه الخاصة من خلال وثيقة "مشروع القرن الأميركي الجديد" التي كُتبت ما قبل إجراء الإنتخابات الأميركية عام 2000، ليجد المشروع طريقه إلى التنفيذ بُعيد استلام إدارة "بوش" الابن السلطة في الولايات المتحدة الأميركية.
لم يكن غريباً ولا مفاجئاً أن يكون أكثر ما أكدت عليه هذه الوثيقة - التي سرعان ما باتت دليل العمل لإدارة "بوش" - مسألة إعادة بناء القدرات الأميركية، والتي عكست رؤيةً استراتيجيةً جديدةً للأمن القومي الأميركي، بدا واضحاً تماماً أنها ترتكز على بناء قدرات عسكرية ليس باعتبارها قوة ردع فقط وإنما أيضاً باعتبارها قوة فعل وتدخّل، سواء للقيام بعمليات "وقائية" عن طريق توجيه ضربات إستباقية أم لأغراض علاجية من خلال التعامل مع الأزمات بعد وقوعها.
وجدت إدارة "بوش" بُعيد أحداث 11 أيلول 2001، أنها أمام فرصة سانحة لممارسة أكبر قَدْر من النفوذ والتأثير، من خلال وضع رؤيتها الإستراتيجية للهيمنة المنفردة على العالم موضع التطبيق تحت شعار "الحرب الكونية على الإرهاب" وهكذا قامت هذه الإدارة بمحاولات إعتُبرت ناجحةً في بدايتها وفق التالي:
1- عسكرة علاقاتها وسياساتها الخارجية إلى الحد الأقصى.
2- تجنّب الإعتماد على الأطر المتعددة الأطراف، والإنفراد باتخاذ القرارات الإستراتيجية، والتنسيق حيث هناك ضرورة، ومع حلفاء يمكن الركون إليهم.
3- حسم الحرب في أفغانستان بسرعة للتفرغ بعد ذلك للخطوة التالية والأهم في مشروع الهيمنة ألا وهي: السيطرة على العراق، الذي اعتُبر نقطة الإرتكاز الرئيسة لإقامة شرق أوسط جديد يتناسب مع متطلبات عالم ما بعد 11 أيلول. ولم تتورع هذه الإدارة عن اللجوء إلى كل أساليب التمويه والخداع والكذب الصريح لتبرير حروبها، لا سيما الحرب على العراق، وضد كل مَن يقاوم مشروعَها الإستعماري الجديد من دول وحركات وقوى وشخصيات. وفي هذا الإطار عمدت هذه الإدارة إلى إقامة تطابق بين "مقولة الإرهاب" و"مقولة المقاومة" لتنزع عن المقاومة شرعيتها الإنسانية والحقوقية، وتبرّر بالتالي خوض الحروب على أنواعها ضدها، في سياق إزالة آخر حصون دفاع الشعوب والدول عن حقها بالعيش بحرية وكرامة وعزة، وعن حقها بسيادة غير منقوصة وببناء تجاربها الخاصة وأخذ مواقعها وأدوارها في حركة التاريخ الإنساني حضارياً وثقافياً.
لقد تحوّل عنوان "الإرهاب" إلى ذريعة أميركية للهيمنة من خلال أدوات: الملاحقة/ الضبط والإعتقال التعسفي/ إفتقاد أبسط مقومات المحاكمات العادلة، كما نجدها في معتقلات "غوانتنامو"، ومن خلال التدخل المباشر في سيادة الدول وتحويلها إلى ماركة مسجلة للتجريم التعسفي واتخاذ إجراءات معاقَبة تطال شعوباً بأسرها، وصولاً إلى منح نفسها حقاً مطلقاً بشن حروب تدميرية وماحقة لا تميز بين البريء والمجرم، ولا بين الطفل والشيخ والمرأة والشاب.
لقد بلغت كلفة حروب الإرهاب الأميركية حتى الآن الملايين من البشر فضلاً عن مظاهر الدمار الشاملة، التي لم تُصِب الحجر والبنى التحتية فحسب وإنما بنية ومكونات المجتمعات نفسها، حيث جرى تفكيكها، وعَكْس مسار تطورها التاريخي، في عملية ارتكاس أعادت إنتاج صراعات أهلية ذات أبعاد مذهبية وطائفية وعرقية لا تنتهي. هذا من غير أن ننسى استهداف المخزون الثقافي والحضاري لهذه الشعوب.
لا شك أنّ الإرهاب الأميركي هو أصل كل إرهاب في العالم، وقد حولت إدارة "بوش" الولايات المتحدة إلى خطر يتهدد العالم بأسره على كل الصعد والمستويات. ولو جرى اليوم استطلاع عالمي للرأي لظهرت الولايات المتحدة كأكثر دولة مكروهة في العالم.
إنّ الإخفاق الذي مُنيت به الحرب على العراق وتطور حالة المقاومة فيه والإمتعاض الإقليمي والدُّولي من نتائج هذه الحرب، وفشل ما يسمى "الحرب على الإرهاب" خصوصاً في أفغانستان إلى تسجيل عودة قوية لحركة طالبان واعتراف بدورها والسعي لعقد تسويات معها، وكذلك الفشل الذريع للحرب الأميركية على المقاومة في لبنان وفلسطين بأدوات إسرائيلية، أدت إلى تآكل الهيبة الأميركية دُوليّاً وإلى تراجع استراتيجي في قدرة الولايات المتحدة على الفعل أو خوض المغامرات الجديدة.
إلاّ أنّ ما تقدَّم لا يعني بأنّ الولايات المتحدة ستُخْلي الساحة بسهولة بل ستقوم بكل ما يلزم من أجل حماية ما تسمّيه "مصالحها الإستراتيجية"، ذلك لأنّ سياسات الهيمنة الأميركية تنهض على اعتبارات إيديولوجية ومشاريع فكرية تغذّيها اتجاهاتٌ متطرفةٌ متحالفةٌ مع مركّب صناعي – عسكري لا حدود لجشعه وأطماعه.
ثانياً : منطقتنا والمشروع الأميركي
إذا كان العالم المستضعَف بأسره يرزح تحت نير هذه الهيمنة الإستكبارية، فإنّ عالمنا العربي والإسلامي يناله منها القسط الأوفر والأثقل، لدواعي تاريخه وحضارته وموارده وموقعه الجغرافي.
إنّ عالمنا العربي والإسلامي هو منذ قرون عرضةً لحروب إستعمارية وحشية لا تنتهي، إلاّ أنّ مراحلها الأكثر تقدماً بدأت مع زرع الكيان الصهيوني في المنطقة، ومن ضمن مشروع تفتيتها إلى كيانات متصارعة ومتنابذة تحت عناوين شتى. ولقد بلغت ذروة هذه المرحلة الإستعمارية مع وراثة الولايات المتحدة للإستعمار القديم في المنطقة.
يتمثل الهدف المركزي الأبرز للإستكبار الأميركي بالسيطرة على الشعوب بكل أشكالها: السياسية والإقتصادية والثقافية ونهب ثرواتها ويأتي في الطليعة نهب الثروة النفطية بما هي أداة رئيسة للتحكم بروح الإقتصاد العالمي، وبكل الأساليب التي لا تلتزم أي ضوابط أو معايير أخلاقية أو إنسانية، بما فيها استخدام القوة العسكرية المفرِطة، مباشرة أو بالواسطة.
وقد اعتمدت أميركا لتحقيق هدفها سياسات عامةً واستراتيجيات عمل، أبرزها:
1- توفير كل سبل ضمان الإستقرار للكيان الصهيوني، بما هو قاعدة متقدمة ونقطة ارتكاز للمشروع الأميركي الإستعماري والتفتيتي للمنطقة، ودعم هذا الكيان بكل عوامل القوة والإستمرار، وتوفير شبكة أمان لوجوده، ما يؤهله للعب دور الغدة السرطانية التي تستنزف قدرات الأمة وطاقاتها وتبعثر إمكاناتها وتشتت آمالَها وتطلعاتها.
2- تقويض الإمكانات الروحية والحضارية والثقافية لشعوبنا والعمل على إضعاف روحها المعنوية عبر بث حروب إعلامية ونفسية تطال قيمها ورموز جهادها ومقاومتها.
3- دعم أنظمة التبعية والإستبداد في المنطقة.
4- الإمساك بالمواقع الجغرافية الإستراتيجية للمنطقة، لما تشكّله من عقدة وَصْلٍ وفصل، براً وبحراً وجواً، ونشر القواعد العسكرية في مفاصلها الحيوية خدمةً لحروبها ودعماً لأدواتها.
5- منع قيام أي نهضة في المنطقة تسمح بامتلاك أسباب القوة والتقدم أو تلعب دوراً تاريخياً على مستوى العالم.
6- زرع الفتن والإنقسامات على أنواعها، لا سيما الفتن المذهبية بين المسلمين، لإنتاج صراعات أهلية داخلية لا تنتهي.
من الواضح أنه لا مجال اليوم لقراءة أي صراع في أي منطقة من مناطق العالم إلاّ من منظار إستراتيجي عالمي، فالخطر الأميركي ليس خطراً محلياً أو مختصاً بمنطقة دون أخرى، وبالتالي فإنّ جبهة المواجهة لهذا الخطر الأميركي يجب أن تكون عالميةً أيضاً.
ولا شك بأنّ هذه المواجهة صعبةٌ ودقيقةٌ، وهي معركةٌ ذات مدًى تاريخي، وهي بالتالي معركة أجيال وتستلزم الإستفادة من كل قوة مفترَضة، ولقد علّمتنا تجربتنا في لبنان أنّ الصعوبة لا تعني الإستحالة بل بالعكس فإنّ شعوباً حيةً ومتفاعِلةً، وقيادةً حكيمةً وواعيةً ومستعدةً لكل الإحتمالات تراهن على تراكم الإنجازات، تصنع النصر تلو النصر. وبقدر ما يصح هذا الأمر عمودياً عبر التاريخ فهو يصـح أفقيـاً بالإمتـداد الجغـرافي والجيو-سياسي أيضاً.
لم يترك الإستكبار الأميركي لأمتنا وشعوبها من خيار إلاّ خيار المقاومة، من أجل حياة أفضل، ومن أجل مستقبل بشري وإنساني أفضل، مستقبل محكوم بعلاقات من الأخوّة والتنوع والتكافل في آن، ويسوده السلام والوئام، تماماً كما رَسَمَت معالِمَه حركةُ الأنبياء والمصلحين العظام عبر التاريخ، وكما هو في تطلعات وأشواق الروح الإنسانية الحقة والمتسامية.
(الفصل الثاني)
لبـــــــــنان
أولاً : الوطــن
إنّ لبنان هو وطننا ووطن الآباء والأجداد، كما هو وطن الأبناء والأحفاد وكل الأجيال الآتية، وهو الوطن الذي قدّمنا من أجل سيادته وعزته وكرامته وتحرير أرضه أغلى التضحيات وأعزّ الشهداء. هذا الوطن نريده لكل اللبنانيين على حد سواء، يحتضنهم ويتسع لهم ويشمخ بهم وبعطاءاتهم.
ونريده واحداً موحَّداً، أرضاً وشعباً ودولةً ومؤسسات، ونرفض أي شكل من أشكال التقسيم أو "الفدرلة" الصريحة أو المقنَّعة. ونريده سيداً حراً مستقلاً عزيزاً كريماً منيعاً قوياً قادراً، حاضراً في معادلات المنطقة، ومساهماً أساسياً في صنع الحاضر والمستقبل كما كان حاضراً دائماً في صنع التاريخ.
ومن أهم الشروط لقيام وطن من هذا النوع واستمراره أن تكون له دولةٌ عادلةٌ وقادرةٌ وقويةٌ، ونظامٌ سياسيٌ يمثّل بحق إرادة الشعب وتطلعاته الى العدالة والحرية والأمن والإستقرار والرفاه والكرامة، وهذا ما ينشده كل اللبنانيين ويعملون من أجل تحقيقه ونحن منهم.
ثانياً : المقـاومـة
تمثّل "إسرائيل" تهديداً دائماً للبنان - الدولة والكيان - وخطراً داهماً عليه لجهة أطماعها التاريخية في أرضه ومياهه، وبما هو أنموذج لتعايش أتباع الرسالات السماوية، في صيغة فريدة، ووطن نقيض لفكرة الدولة العنصرية التي تتمظهر في الكيان الصهيوني. فضلاً عن ذلك فإنّ وجود لبنان على حدود فلسطين المحتلة، وفي منطقة مضطربة جراء الصراع مع العدو الإسرائيلي، حتّم على هذا البلد تحمّل مسؤوليات وطنيةً وقوميةً.
بدأ التهديد الإسرائيلي لهذا الوطن منذ أن زُرع الكيان الصهيوني في أرض فلسطين، وهو كيانٌ لم يتوانَ عن الإفصاح عن أطماعه بأرض لبنان لضم أجزاء منه، والإستيلاء على خيراته وثرواته وفي مقدمتها مياهه، وحاول تحقيق هذه الأطماع تدريجياً.
باشر هذا الكيان عدوانه منذ العام 1948، من الحدود إلى عمق الوطن، من مجزرة حولا عام 1949 إلى العدوان على مطار بيروت الدُّولي عام 1968، وما بينهما سنوات طويلة من الإعتداءات على مناطق الحدود، بأرضها وسكانها وثرواتها، كمقدمة للإستيلاء المباشر على الأرض عن طريق الإجتياحات المتكررة، وصولاً إلى اجتياح آذار 1978 واحتلال منطقة الحدود وإخضاعها لسلطته الأمنية والسياسية والإقتصادية في إطار مشروع متكامل، تمهيداً لإخضاع الوطن كلّه في اجتياح العام 1982.
كل ذلك كان يجري بدعم كامل من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية، وتجاهل إلى حدّ التواطؤ من قِبَل ما يُعرف بـ"المجتمع الدُّولي" ومؤسساته الدُّولية، وفي ظل صمت رسمي عربي مريب, وغياب للسلطة اللبنانية التي تركت أرضَها وشعَبها نهباً للمجازر والإحتلال الإسرائيلي من دون أن تتحمل مسؤلياتها وواجباتها الوطنية.
في ظل هذه المأساة الوطنية الكبرى، ومعاناة الشعب وغياب دولته وتخلّي العالم عنه، لم يجد اللبنانيون المخلصون لوطنهم سوى استخدام حقهم، والإنطلاق من واجبهم الوطني والأخلاقي والديني في الدفاع عن أرضهم، فكان خيارهم: إطلاق مقاومة شعبية مسلّحة لمواجهة الخطر الصهيوني والعدوان الدائم على حياتهم وأرزاقهم ومستقبلهم.
في تلك الظروف الصعبة، حيث افتقد اللبنانيون الدولة بدأت مسيرة استعادة الوطن من خلال المقاومة المسلّحة، وذلك بتحرير الأرض والقرار السياسي من يد الإحتلال الإسرائيلي كمقدمة لاستعادة الدولة وبناء مؤسساتها الدستورية، والأهم من ذلك كلّه إعادة تأسيس القيم الوطنية التي يُبنى عليها الوطن وفي طليعتها: السيادة والكرامة الوطنيتان، ما أعطى لقيمة الحرية بُعدَها الحقيقي، فلم تبقَ مجرد شعار معلَّق بل كرّستها المقاومة بفعل تحرير الأرض والإنسان وتحولت هذه القيم الوطنية إلى مدماك أساس لبناء لبنان الحديث، فحجزت موقعه على خارطة العالم وأعادت الإعتبار إليه كبلد يَفرِِض احترامَه ويفتخر أبناؤه بالإنتماء إليه بما هو وطن للحرية والثقافة والعلم والتنوع كما هو وطن العنفوان والكرامة والتضحية والبطولة. إنّ هذه الأبعاد مجتمعةً توّجتها المقاومة من خلال ما أنجزته من تحرير في العام 2000 ومن انتصار تاريخي في حرب تموز عام 2006، والذي قدّمت فيهما تجربةً حيةً للدفاع عن الوطن، تجربةً تحوّلت إلى مدرسة تستفيد منها الشعوب والدول في الدفاع عن أرضها وحماية استقلالها وصون سيادتها.
تَحقَّقََ هذا الإنجاز الوطني للمقاومة بمؤازرة شعب وفيّ وجيش وطنيّ، وأَحبطَ أهدافَ العدو وأوقعَ به هزيمةً تاريخيةً، لِتَخْرج المقاومة بمجاهديها وشهدائها ومعها لبنان بشعبه وجيشه بانتصار عظيم أسّس لمرحلة جديدة في المنطقة عنوانها محورية المقاومة دوراً ووظيفةً في ردع العدو وتأمين الحماية لاستقلال الوطن وسيادته والدفاع عن شعبه واستكمال تحرير بقية الأرض المحتلة.
إنّ هذا الدور وهذه الوظيفة ضرورةٌ وطنيةٌ دائمةٌ دوام التهديد الإسرائيلي ودوام أطماع العدو في أرضنا ومياهنا ودوام غياب الدولة القوية القادرة، وفي ظل الخلل في موازين القوى ما بين الدولة والعدو - الخلل الذي يدفع عادةً الدول الضعيفة والشعوب المستهدفة من أطماع وتهديدات الدول المتسلطة والقـوية، إلـى البحث عن صيغ تستفيد من القدرات والإمكانات المتاحة - فإنّ التهديد الإسرائيلي الدائم يفرض على لبنان تكريس صيغة دفاعية تقوم على المزاوجة بين وجود مقاومة شعبية تساهم في الدفاع عن الوطن في وجه أي غزو إسرائيلي، وجيش وطني يحمي الوطن ويثبّت أمنه واستقراره، في عملية تكامل أثبتت المرحلة الماضية نجاحها في إدارة الصراع مع العدو وحققت انتصارات للبنان ووفرت سبل الحماية له.
هذه الصيغة، التي توضع من ضمن استراتيجية دفاعية، تشكّل مظلّة الحماية للبنان، بعد فشل الرهانات على المظلات الأخرى، سواء أكانت دُوليّة أم عربية أم تفاوضية مع العدو، فانتهاج خيار المقاومة حقّق للبنان تحريراً للأرض واستعادةً لمؤسسات الدولة وحمايةً للسيادة وإنجازاً للإستقلال الحقيقي. في هذا الإطار فإنّ اللبنانيين بقواهم السياسية وشرائحِهم الإجتماعية ونُخَبِهم الثقافية وهيئاتِهم الإقتصادية، معنيون بالحفاظ على هذه الصيغة والإنخراط فيها، لأنّ الخطر الإسرائيلي يتهدّد لبنان بكل مكوناته ومقوماته، وهذا ما يتطلّب أوسع مشاركة لبنانية في تحمّل مسؤوليات الدفاع عن الوطن وتوفير سبل الحماية له.
إنّ نجاح تجربة المقاومة في التصدي للعدو، وفشل كل المخططات والحروب للقضاء عليها أو محاصرة خيارها ونزع سلاحها من جهة، واستمرار الخطر الإسرائيلي على لبنان وعدم زوال التهديد عنه من جهةٍ أخرى يَفرض على المقاومة السعي الدؤوب لامتلاك أسباب القوة وتعزيز قدراتها وإمكاناتها بما يساعد على تأدية واجبها والقيام بمسؤولياتها الوطنية، للمساهمة في استكمال مهمة تحرير ما تبقّى من أرضنا تحت الإحتلال في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبلدة الغجر اللبنانية، واستنقاذ مَن بقي من أسرى ومفقودين وأجساد الشهداء، والمشاركة في وظيفة الدفاع والحماية للأرض والشعب.
ثالثاً : الدولة والنظام السياسي
إنّ المشكلة الأساسية في النظام السياسي اللبناني، والتي تمنع إصلاحه وتطويره وتحديثه بشكل مستمر هي الطائفية السياسية. كما أنّ قيام النظام على أسس طائفية يشكّل عائقاً قوياً أمام تحقيق ديمقراطية صحيحة يمكن على ضوئها أن تحكم الأكثرية المنتخَبة وتعارض الأقلية المنتخَبة، ويُفتح فيها الباب لتداول سليم للسلطة بين الموالاة والمعارضة أو الإئتلافات السياسية المختلفة. ولذلك فإنّ الشرط الأساس لتطبيق ديمقراطية حقيقية من هذا النوع هو إلغاء الطائفية السياسية من النظام، وهو ما نص "اتفاق الطائف" على وجوب تشكيل هيئة وطنية عليا لإنجازه.
وإلى أن يتمكن اللبنانيون ومن خلال حوارهم الوطني من تحقيق هذا الإنجاز التاريخي والحساس - نعني إلغاء الطائفية السياسية - وطالما أنّ النظام السياسي يقوم على أسس طائفية فإنّ الديمقراطية التوافقية تبقى القاعدة الأساس للحكم في لبنان، لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور ولجوهر ميثاق العيش المشترك.
من هنا فإنّ أي مقاربة للمسائل الوطنية وفق معادلة الأكثرية والأقلية تبقى رهن تحقق الشروط التاريخية والإجتماعية لممارسة الديمقراطية الفعلية التي يصبح فيها المواطن قيمةً بحد ذاته.
إنّ إرادة اللبنانيين في العيش معاً موفوري الكرامة ومتساوي الحقوق والواجبات، تحتّم التعاون البنّاء من أجل تكريس المشاركة الحقيقية والتي تشكّل الصيغة الأنسب لحماية تنوعهم واستقرارهم الكامل بعد حقبة من اللاإستقرار سببتها السياسات المختلفة القائمة على النزوع نحو الإستئثار والإلغاء والإقصاء.
إنّ الديمقراطية التوافقية تشكّل صيغةً سياسيةً ملائمةً لمشاركة حقيقية من قِبَل الجميع، وعامل ثقة مطَمْئِن لمكونات الوطن، وهي تُسهم بشكل كبير في فتح الأبواب للدخول في مرحلة بناء الدولة المطَمْئِنة التي يشعر كل مواطنيها أنها قائمة من أجلهم.
إنّ الدولة التي نتطلع الى المشاركة في بنائها مع بقية اللبنانيين هي:
1- الدولة التي تصون الحريات العامة، وتوفر كل الأجواء الملائمة لممارستها.
2- الدولة التي تحرص على الوحدة الوطنية والتماسك الوطني.
3- الدولة القادرة التي تحمي الأرض والشعب والسيادة والإستقلال، ويكون لها جيش وطني قوي ومقتدر ومجهَّز، ومؤسساتٌ أمنيةٌ فاعلةٌ وحريصةٌ على أمن الناس ومصالحهم.
4- الدولة القائمة في بنيتها على قاعدة المؤسسات الحديثة والفاعلة والمتعاونة، والتي تستند الى صلاحيات ووظائف ومهام واضحة ومحددة.
5- الدولة التي تلتزم تطبيق القوانين على الجميع في إطار احترام الحريات العامة والعدالة في حقوق وواجبات المواطنين، على اختلاف مذاهبهم ومناطقهم واتجاهاتهم.
6- الدولة التي يتوافر فيها تمثيل نيابي سليم وصحيح لا يمكن تحقيقه إلاّ من خلال قانون انتخابات عصري يتيح للناخب اللبناني أن يختار ممثليه بعيداً عن سيطرة المال والعصبيات والضغوط المختلفة، ويحقق أوسع تمثيل ممكن لمختلف شرائح الشعب اللبناني.
7- الدولة التي تعتمد على أصحاب الكفاءات العلمية والمهارات العملية وأهل النزاهة بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية، والتي تضع آليات فاعلةً وقويةً لتطهير الإدارة من الفساد والفاسدين دون مساومة.
8- الدولة التي تتوافر فيها سلطة قضائية عليا ومستقلة وبعيدة عن تحكّم السياسيين، يمارس فيها قضاة كَفُؤون ونزيهون وأحرارٌ مسؤولياتِهم الخطيرة في إقامة العدل بين الناس.
9- الدولة التي تُقِيْم اقتصادها بشكل رئيس على قاعدة القطاعات المنتِجة، وتعمل على استنهاضها وتعزيزها، وخصوصاً قطاعات الزراعة والصناعة، وإعطائها الحيّز المناسب من الخطط والبرامج والدعم بما يؤدي الى تحسين الإنتاج وتصريفه، وما يوفر فرص العمل الكافية والمناسبة وخاصةً في الأرياف.
10- الدولة التي تعتمد وتطبق مبدأ الإنماء المتوازن بين المناطق، وتعمل على ردم الهوّة الإقتصادية والإجتماعية بينها.
11- الدولة التي تهتم بمواطنيها، وتعمل على توفير الخدمات المناسبة لهم من التعليم والطبابة والسكن الى تأمين الحياة الكريمة، ومعالجة مشكلة الفقر، وتوفير فرص العمل وغير ذلك..
12- الدولة التي تعتني بالأجيال الشابة والصاعدة، وتساعد على تنمية طاقاتِهم ومواهِبهم وتوجيههم نحو الغايات الإنسانية والوطنية، وحمايتهم من الإنحراف والرذيلة.
13- الدولة التي تعمل على تعزيز دور المرأة وتطوير مشاركتها في المجالات كافةً، في إطار الإستفادة من خصوصيتها وتأثيرها واحترام مكانتِها.
14- الدولة التي تُوْلي الوضع التربوي الأهمية المناسبة خصوصاً لجهة الإهتمام بالمدرسة الرسمية، وتعزيز الجامعة اللبنانية على كل صعيد، وتطبيق إلزامية التعليم الى جانب مجّانيته.
15- الدولة التي تعتمد نظاماً إدارياً لا مركزياً يعطي سلطات إداريةً واسعةً للوحدات الإدارية المختلفة (محافظة/ قضاء/ بلدية)، بهدف تعزيز فرص التنمية وتسهيل شؤون ومعاملات المواطنين، دون السماح بتحوّل هذه اللامركزية الإدارية الى نوع من "الفدرلة" لاحقاً.
16- الدولة التي تجهد لوقف الهجرة من الوطن، هجرة الشباب والعائلات وهجرة الكفاءات والأدمغة ضمن مخطط شامل وواقعي.
17- الدولة التي ترعى مواطنيها المغتربين في كل أصقاع العالم، وتدافع عنهم وتحميهم، وتستفيد من انتشارهم ومكانتهم ومواقعهم لخدمة القضايا الوطنية.
إنّ قيام دولة بهذه المواصفات والشروط هدف لنا ولكل لبناني صادق ومخلص، ونحن في حزب الله سنبذل كل جهودنا وبالتعاون مع القوى السياسية والشعبية المختلفة التي تشاركنا هذه الرؤية من أجل تحقيق هذا الهدف الوطني النبيل.
رابعاً : لبنان والعلاقات اللبنانية - الفلسطينية
كواحدة من النتائج المأساوية لنشوء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وتشريد أهلها منها، كانت مشكلةُ اللاجئين الفلسطينيين، الذين انتقلوا إلى لبنان ليعيشوا فيه مؤقتاً كضيوف لدى إخوانهم اللبنانيين ريثما يعودون إلى وطنهم وديارهم التي أُخرجوا منها.
وما عاناه الفلسطينيون واللبنانيون على حد سواء جراء هذا اللجوء، كان سببه الحقيقي والمباشر هو الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وما نتج عنه من مآسٍ وويلات أصابت شعوب المنطقة بأسرها ولم يقتصر ضررها على الفلسطينيين فقط.
كما أنّ معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لم تقتصر على آلام الهجرة القسرية واللجوء فقط إنما أضيفت إليها الإعتداءات والمجازر الوحشية الإسرائيلية، التي دمرت الحجر والبشر، كما حصل في مخيم النبطية الذي دُمّر بالكامل/ قساوة العيش في المخيمات في ظل ظروف تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم/ الحرمان من الحقوق المدنية والإجتماعية/ عدم قيام الحكومات اللبنانية المتعاقبة بواجبها تجاههم.
إنّ هذا الواقع غير الطبيعي بات يحتّم اليوم على السلطات اللبنانية المسؤولة ضرورة تحمّل مسؤوليتها، وبناء العلاقات اللبنانية - الفلسطينية على أُسس صحيحة ومتينة وقانونية تراعي موازين الحق والعدل والمصالح المشتركة لكلا الشعبين، وأن لا يبقى هذا الوجود وهذه العلاقات محكومةً للأمزجة والأهواء والحسابات السياسية والتجاذبات الداخلية والتدخلات الدُّولية.
إننا نرى أنّ النجاح في هذه المهمة يتحقق من خلال ما يلي:
1. الحوار اللبناني - الفلسطيني المباشر.
2. تمكين الفلسطينيين في لبنان من التوافق على اختيار مرجعية موحَّدة لهم تمثلهم في هذا الحوار، متجاوزين التباينات الحاصلة في الوضع الفلسطيني الأعم.
3. إعطاء الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية والإجتماعية، بما يليق بوضعهم الإنساني ويحفظ شخصيتهم وهويتهم وقضيتهم.
4. التمسك بحق العودة ورفض التوطين.
خامساً : لبنان والعلاقات العربية
إنّ لبنان العربي الهوية والإنتماء إنما يمارس هويته وانتماءه بوصفهما حالةً طبيعيةً أصيلةً في التكوين المجتمعي اللبناني.
كما أنّ المدى الحيوي والجغرافيا السياسية والعمق الإستراتيجي وسياسات التكامل الإقليمي والمصالح القومية، بوصفها محدِّدات إستراتيجية لموقع لبنان السياسي ومصالحه الكبرى، تحتّم عليه الإلتزام بالقضايا العربية العادلة، وفي طليعتها قضية فلسطين والصراع مع العدو الإسرائيلي.
كذلك، ثمة حاجةٌ أكيدةٌ إلى تضافر الجهود لتجاوز حالة الصراعات التي تشقّ الصف العربي، إذ أنّ تناقض الإستراتيجيات واختلاف التحالفات، رغم جِدّيتها وحِدَّتها، لا تبرّر الإنسياق في سياسات الإستهداف أو الإنخراط في المشاريع الخارجية القائمة على تعميق الفُرقة وإثارة النعرات الطائفية وتحريك عوامل التجزئة والتفتيت، بما يؤدي إلى إنهاك الأمة وخدمة العدو الصهيوني وتنفيذ المآرب الأميركية.
إنّ تطوير الممارسة السياسية القائمة على حصر النزاعات أو تنظيمها والحؤول دون انفلاتها إلى مجال الصراعات المفتوحة، هو خيار جدير بالتبنّي لإنضاج مقاربةٍ نوعيةٍ ومسؤولةٍ في التعاطي مع القضايا القومية، وكذلك البحث عن المشتركات لتعزيزها وتوفير فرص التواصل البنّاء على مستوى الحكومات والشعوب، لتحقيق أوسع إطار تضامني يخدم قضايانا.
وهنا يشكّل خيار المقاومة حاجةً جوهريةً وعاملاً موضوعياً لتصليب الموقف العربي وإضعاف العدو، بمعزل عن طبيعة الإستراتيجيات أو الرهانات السياسية المتخذة.
بناءً على كل ما تقدّم لا تجد المقاومةُ غضاضةً في تعميم عوائد الإستفادة من خيار المقاومة بحيث يطال مختلفَ المواقع العربية، ما دامت النتائج تندرج في إطار معادلة إضعاف العدو وتقوية وتصليب الموقف العربي.
وفي هذا الإطار، سجلت سوريا موقفاً مميزاً وصامداً في الصراع مع العدو الإسرائيلي، ودعمت حركات المقاومة في المنطقة، ووقفت الى جانبها في أصعب الظروف، وسعت الى توحيد الجهود العربية لتأمين مصالح المنطقة ومواجهة التحديات.
إننا نؤكد على ضرورة التمسك بالعلاقات المميزة بين لبنان وسوريا بوصفها حاجةً سياسيةً وأمنيةً واقتصاديةً مشتركةً، تُمليها مصالح البلدين والشعبين وضرورات الجغرافيا السياسية وموجبات الإستقرار اللبناني ومواجهة التحديات المشتركة، كما ندعو الى إنهاء كل الأجواء السلبية التي شابت علاقات البلدين في السنوات القليلة الماضية والعودة بهذه العلاقات الى وضعها الطبيعي في أسرع وقت ممكن.
سادساً : لبنان والعلاقات الإسلامية
يواجه عالَمُنا العربي والإسلامي تحدياتٍ تطال مجتمعاتنا بمكوناتها المختلفة ما يقتضي عدم التهاون بخطورتها.
فالإحتقان الطائفي والتوترات المذهبية المفتعَلة، وعلى الأخص بين السنّة والشيعة، واختلاق التناقضات القومية بين كُرد وتركمان وعرب، وإيرانيين.. وتخويف الأقليات وترهيبها، والنزف المسيحي المستمر من المشرق العربي وخاصةً من فلسطين والعراق فضلاً عن لبنان، كل ذلك يهدد تماسك مجتمعاتنا، ويقلل من منعتها، ويفاقم من عوائق نهضتها وتطورها.
وبدل أن يمثِّلَ التنوعُ الديني والقومي مصدر غنًى وحيويةً إجتماعيةً فقد أسيء توظيفُه، وتم استخدامه كعامل تمزيق وفُرقة وتفتيت مجتمعي.
إنّ الحالة الناجمة عن هذا الإستخدام السيئ هي حصيلة تقاطع لسياسات غربية متعمدة، وأميركية تحديداً، مع ممارسات وتصورات داخلية عصبوية لا مسؤولة، بالإضافة إلى بيئة سياسية غير مستقرة.
إنّ أخذ هذه الحقائق بعين الإعتبار يبدو ملحّاً، ومن الجدير والضروري إدراجها كأحد الإهتمامات الجوهرية في برامج القوى والإتجاهات الأساسية بما فيها الحركات الإسلامية التي تقع على كاهلها مسؤولية خاصة في التصدي لهذه التحديات ومعالجة تلك المشكلات.
يؤكد حزب الله على أهمية التعاون بين الدول الإسلامية في المجالات كافةً، وهو ما يمنحها قوة تضامن في وجه المخططات الإستكبارية، وحمايةً مجتمعيةً من الغزو الثقافي والإعلامي، ويحضّها على الإستفادة من خيراتها في تبادل المنافع المختلفة بين هذه الدول.
وفي هذا الإطار يَعتبر حزب الله إيران الإسلام دولةً مركزيةً مهمةً في العالم الإسلامي، فهي التي أسقطت بثورتها نظام الشاه ومشاريعه الصهيونية - الأميركية، ودعمت حركات المقاومة في منطقتنا، ووقفت بشجاعة وتصميم الى جانب القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
إنّ سياسة الجمهورية الإسلامية في إيران واضحةٌ وثابتةٌ في دعم القضية المركزية الأُولى والأهم للعرب والمسلمين وهي القضية الفلسطينية، منذ إعلان انتصار الثورة الإسلامية المباركة بقيادة الولي الفقيه الإمام الخميني (قده)، وفتح أول سفارة فلسطينية مكان السفارة الإسرائيلية، وقد استمر هذا الدعم بأشكاله كافةً الى يومنا هذا بقيادة الولي الفقيه الإمام الخامنئي (دام ظلّه)، ما أدى الى تحقيق انتصاراتٍ بارزةٍ لأول مرة في تاريخ الصراع مع الصهاينة الغزاة.
إنّ اختلاق التناقض مع الجمهورية الإسلامية في إيران من قِبَل بعض الجهات العربية يمثّل طعناً للذات وللقضايا العربية، ولا يخدم سوى "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية.
فإيران التي صاغت عقيدتها السياسية، وبَنَتْ مداها الحيوي على قاعدة "مركزية القضية الفلسطينية" والعداء لـ"إسرائيل" ومواجهة السياسات الأميركية والتكامل مع البيئة العربية والإسلامية، يجب أن تُقابَل بإرادة التعاون والأخوّة، والتعاطي معها كقاعدة استنهاض ومركز ثقل استراتيجي وأنموذج سيادي واستقلالي وتحرري داعم للمشروع العربي - الإسلامي الإستقلالي المعاصر، وقوةً تزيد دول وشعوب منطقتنا قوةً ومنعةً.
إنّ العالم الإسلامي يَقْوى بتحالفاته وتعاون دوله. ونؤكد على أهمية الإستفادة من عناصر القوة السياسية والإقتصادية والبشرية.. الموجودة في كل دولة من دول العالم الإسلامي، على قاعدة التكامل والنصرة وعدم التبعية للمستكبرين.
ونذكّر بأهمية الوحدة بين المسلمين، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، والحذر مما يسبب التفرقة بينهم كالإثارات المذهبية وخاصةً بين السنّة والشيعة، ونحن نراهن على وعي الشعوب الإسلامية في التصدي لما يحاك من مؤامرات وفتن على هذا الصعيد.
سابعاً : لبنان والعلاقات الدُّولية
إنّ معايير الإختلاف والنزاع والصراع في رؤية حزب الله ومنهجه إنما تقوم على أساس سياسي - أخلاقي بالدرجة الأولى، بين مستكبِر ومستضعَف، وبين متسلط ومقهور، وبين متجبّر محتل وطالب حرية واستقلال.
كما يَعتبر حزب الله أنّ الهيمنة الأُحادية تُطيح بالتوازن والإستقرار العالميَين وبالأمن والسلم الدُّوليَين.
إنّ دعم الإدارة الأميركية اللامحدود لـ"إسرائيل" ودفعها للعدوان وتغطية احتلالاتها للأراضي العربية، بالإضافة إلى هيمنة الإدارة الأميركية على المؤسسات الدُّولية، وازدواجية المعايير في إصدار وتنفيذ القرارات الدُّولية، وسياسة التدخل في شؤون المجتمعات الأخرى، وعسكرة العالم واعتماد منطق الحروب المتنقلة في النزاعات الدُّولية، وإثارة القلاقل والإضطرابات في كل أنحاء العالم، يضع الإدارة الأميركية في موقع المعادي لأمتنا وشعوبنا، كما يحمّلها مسؤوليةً أساسيةً وأُولى في إنتاج الإختلال والإضطراب في النظام الدُّولي.
أما السياسات الأوروبية فإنها تتأرجح بين العجز وقلة الفاعلية من ناحية والإلتحاق - غير المبرَّر - بالسياسات الأميركية من ناحية ثانية، ما يؤدي فعلياً إلى تجويف النزعة المتوسطية في أوروبا لصالح هيمنة النزعة الأطلسية، بخلفياتها الإستعمارية.
إنّ الإلتحاق بالسياسات الأميركية - وخاصةً في مرحلة إخفاقها التاريخي - يشكّل خطأً استراتيجياً لن يؤدي إلاّ إلى مزيد من المشكلات والتعثر والتعقيدات في العلاقات الأوروبية - العربية.
إنّ على أوروبا مسؤوليةً خاصةً بفعل الإرث الإستعماري الذي ألحق بمنطقتنا أضراراً فادحةً لا تزال شعوبنا تعاني من نتائجها وتأثيراتها.
ولأنّ شعوباً أوروبيةً لها تاريخ في مقاومة المحتل فإنّ واجب أوروبا الأخلاقي والإنساني - قبل السياسي - يفرض عليها الإعتراف بحق الشعوب في مقاومة المحتل، على قاعدة التمييز بين المقاومة والإرهاب.
وبحسب رأينا: إنّ مقتضيات الإستقرار والتعاون في العلاقات الأوروبية - العربية تستوجب بناء مقاربة أوروبية أكثر استقلاليةً وأكثر عدالةً وموضوعيةً. وسيكون متعذراً بناء المدى الحيوي المشترك، سياسياً وأمنياً، من دون هذا التحول الكفيل بمعالجة مَواطن الخلل المولِّدة للأزمات واللاإستقرار.
ومن ناحية أخرى ننظر بكثير من الإهتمام والتقدير للتجربة الإستقلالية والتحررية الرافضة للهيمنة في دول أميركا اللاتينية، ونرى مساحات واسعةً من التلاقي بين مشروعها ومشروع حركات المقاومة في منطقتنا، بما يُفضي إلى بناء نظام دُوليّ أكثر عدالةً وتوازناً.
إنّ ملاقاة تلك التجربة تشكّل باعثاً لآمال واعدة على المستوى العالمي، بالإستناد إلى هوية إنسانية جامعة وخلفية سياسية وأخلاقية مشتركة. وفي هذا السياق سيبقى شعار "وحدة المستضعفين" أحد مرتكزات فكرنا السياسي في بناء فهمنا وعلاقاتنا ومواقفنا تجاه القضايا الدُّولية.
(الفصل الثالث)
فلسطين ومفاوضات التسوية
أولاً : قضية فلسطين والكيان الصهيوني
شكّل الكيان الصهيوني منذ اغتصابه لفلسطين وتشريد أهلها منها في العام 1948، برعاية ودعم من قوى الهيمنة الدُّولية آنذاك، عدواناً مباشراً وخطراً جِدّياً طالا المنطقة العربية بأكملها، وتهديداً حقيقياً لأمنها واستقرارها ومصالحها، ولم يقتصر أذاه وضرره على الشعب الفلسطيني أو الدول والشعوب المجاورة لفلسطين فحسب، وما الإعتداءات والتوترات والحروب التي شهدتها المنطقة بفعل النزعة والممارسات العدوانية الإسرائيلية إلاّ الدليل والشاهد على مقدار الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني وبالعرب والمسلمين جراء الجريمة ضد الإنسانية التي ارتكبها الغرب عندما أقدم على زرع هذا الكيان الغريب في قلب العالم العربي والإسلامي، ليكون اختراقاً معادياً وموقعاً متقدماً للمشروع الإستكباري الغربي عامةً، وقاعدةً للسيطرة والهيمنة على المنطقة خاصةً.
إنّ الحركة الصهيونية هي حركة عنصرية فكراً وممارسةً، وهي نتاج عقلية إستكبارية إستبدادية تسلطية، ومشروعها في أصله وأساسه هو مشروع إستيطاني تهويدي توسعي. كما أنّ الكيان الذي انبثق عنها قام وتمكّن واستمر عبر الإحتلال والعدوان والمجازر والإرهاب، بدعم ورعاية واحتضان من الدول الإستعمارية، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي ترتبط معه بتحالف إستراتيجي جعلها شريكاً حقيقياً له في كل حروبه ومجازره وممارساته الإرهابية.
إنّ الصراع الذي نخوضه وتخوضه أمتنا ضد المشروع الصهيوني - الإستعماري في فلسطين إنما هو قيامٌ بواجب الدفاع عن النفس ضد الإحتلال والعدوان والظلم الإسرائيلي - الإستكباري الذي يتهدد وجودنا ويستهدف حقوقنا ومستقبلنا، وهو ليس قائماً على المواجهة الدينية أو العنصرية أو العرقية من جانبنا، وإنْ كان أصحاب هذا المشروع الصهيوني - الإستعماري لم يتورعوا يوماً عن استخدام الدين وتوظيف المشاعر الدينية وسيلةً لتحقيق أهدافهم وغاياتهم.
وليس ما ذهب إليه الرئيس الأميركي "بوش" وخَلَفُه "أوباما" وقادة الكيان الصهيوني معهما، من مطالبة للفلسطينيين والعرب والمسلمين بالإعتراف بيهودية "دولة إسرائيل" إلاّ أوضح دليل على ذلك.
إنّ النتيجة الطبيعية والحتمية أن يعيش هذا الكيان الغاصب المفتعَل مأزقاً وجودياً يؤرِّق قادتَه وداعميه، لكونه مولوداً غير طبيعي وكِياناً غير قابل للحياة والإستمرار ومعرَّضاً للزوال. وهنا تقع المسؤولية التاريخية على عاتق الأمة وشعوبها أن لا تعترف بهذا الكيان مهما كانت الضغوطات والتحديات، وأن تواصل العمل من أجل تحرير كل الأرض المغتصبة واستعادة كل الحقوق المسلوبة مهما طال الزمن وعظمت التضحيات.
ثانياً : القدس والمسجد الأقصى
يدرك العالم بأسره مكانة وقداسة مدينة القدس والمسجد الأقصى، فالمسجد الأقصى هو أُولى القِبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله (صلّى الله عليه وعلى آله وسلَّم)، وملتقى الأنبياء والرسل (عليهم صلوات الله أجمعين)، ولا يُنكِر أحدٌ عظيمَ مكانته لدى المسلمين كمَعْلَمٍ من أكثر المعالم قدسيةً عندهم، وعمقَ علاقته بالإسلام كواحد من أهم الرموز الإسلامية على وجه الأرض.
ومدينة القدس بما تحتضن من مقدسات إسلامية ومسيحية، تتمتع بمكانة رفيعة لدى المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
إنّ استمرار الإحتلال الإسرائيلي لهذه المدينة المقدسة مع ما يرافق ذلك من خطط ومشاريع تهويدية وطرد أبنائها ومصادرة بيوتهم وممتلكاتهم وإحاطتها بأحياء يهودية وأحزمة وكتل إستيطانية وخنقها بجدار الفصل العنصري، بالإضافة إلى المساعي الأميركية - الإسرائيلية المتواصلة لتكريسها عاصمةً أبديةً للكيان الصهيوني باعتراف دُوليّ، كلها إجراءات عدوانية مرفوضة ومدانة.
كما أنّ الإعتداءات الخطيرة المتواصلة والمتكررة على المسجد الأقصى المبارك وما ينفَّذ في نطاقه من حفريات وما يُعَدّ من خطط لتدميره، تشكّل خطراً جدياً وحقيقياً يهدد وجودَه وبقاءه ويُنذر بتداعيات خطيرة على المنطقة بأسرها.
إنّ واجب نُصرة القدس وتحريرها والدفاع عن المسجد الأقصى وحمايته، هو واجبٌ ديني ومسؤوليةٌ إنسانية وأخلاقية في عنق كل حرّ وشريف من أبناء أمتنا العربية والإسلامية وكل أحرار وشرفاء العالم.
إننا ندعو ونطالب العرب والمسلمين على الصعيدين الرسمي والشعبي، وجميع الدول الحريصة على السلام والإستقرار في العالم، لبذل الجهود والإمكانيات لتحرير القدس من نير الإحتلال الصهيوني، وللمحافظة على هويتها الحقيقية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
ثالثاً : المقاومة الفلسطينية
إنّ الشعب الفلسطيني وهو يخوض معركة الدفاع عن النفس ويكافح لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة في فلسطين بمعناها التاريخي وواقعها الجغرافي إنما يمارس حقاً مشروعاً تُقِرّه وتُوجِبه الرسالات السماوية والقوانين الدُّولية والقيم والأعراف الإنسانية.
وهذا الحق يشمل المقاومة بكل أشكالها - وفي مقدمتها الكفاح المسلح - وبكل الوسائل التي تتمكن فصائل المقاومة الفلسطينية من استخدامها، خاصةً في ظل اختلال موازين القوى لمصلحة العدو الصهيوني المتسلح بأحدث أسلحة الفتك والدمار والقتل.
ولقد أثبتت التجارب - التي شكلت دليلاً قطعياً لا يدع مجالاً للشك والإرتياب على امتداد مسيرة الصراع والمواجهة بين أمتنا وبين الكيان الصهيوني منذ اغتصابه لفلسطين وحتى يومنا هذا - أهمية وجدوى خيار المقاومة الجهادية والكفاح المسلح في مواجهة العدوان وتحرير الأرض واستعادة الحقوق وتحقيق توازن الرعب وسد فجوة التفوق الإستراتيجي عبر المعادلات التي فرضتها المقاومة بإمكانياتها المتاحة وإرادتها وعزيمتها في ميدان المواجهة، وخير شاهد ودليل على ذلك ما حققته المقاومة في لبنان من انتصارات متتالية، وما راكمته من إنجازات ميدانية وعسكرية ومعنوية على امتداد تجربتها الجهادية، لا سيما عبر إرغام الصهاينة على الإنسحاب الإسرائيلي الكبير في أيار العام 2000 من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة، أو عبر الفشل المدوي للجيش الصهيوني في عدوان تموز العام 2006، والذي حققت فيه المقاومة انتصاراً إلهياً وتاريخياً واستراتيجياً غيّر معادلة الصراع بشكل جذري، وألحق أول هزيمة بهذا المستوى بالعدو الإسرائيلي، وأسقط أسطورة الجيش الذي لا يُقهر.
والدليل الآخر على ذلك هو ما حققته المقاومة في فلسطين من إنجازات متواصلة عبر تجربة الثورة الفلسطينية وخيار الكفاح المسلح الذي انتهجته، وعبر انتفاضة الحجارة الأولى وانتفاضة الأقصى الثانية، وصولاً إلى الإندحار القهري للجيش الإسرائيلي عبر الإنسحاب الكامل من قطاع غزة في العام 2005 بلا قيد أو شرط وبلا تفاوض أو اتفاق، ومن دون تحقيق أي مكسب سياسي أو أمني أو جغرافي، ليكون ذلك أول انتصار ميداني - جغرافي - نوعي بهذا الحجم وهذا المستوى وهذه الدلالة لخيار المقاومة في فلسطين، كونه أولَ انسحاب إسرائيلي إضطراري بفعل المقاومة، ضمن حدود فلسطين التاريخية، والدلالات التي يحملها هذا الأمر بالغة الأهمية في مجرى الصراع بيننا وبين الكيان الصهيوني على الصعيد الإستراتيجي. كما أنّ الصمود الرائع للشعب الفلسطيني المجاهد ومقاومته في غزة في مواجهة العدوان الصهيوني سنة 2008 درس للأجيال وعبرة للغزاة والمعتدين.
فإذا كانت هذه هي جدوى المقاومة في لبنان وفي فلسطين، فماذا كانت جدوى الخيار التفاوضي التسووي؟ وما هي النتائج والمصالح والمكاسب التي حققتها المفاوضات في كل مراحلها وعبر كل الإتفاقات التي أنتجتها؟ أليس المزيد من الغطرسة والتسلط والتعنت الإسرائيلي والمزيد من المكاسب والمصالح والشروط الإسرائيلية؟
إننا إذ نؤكد وقوفنا الدائم والثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، بثوابتها التاريخية والجغرافية والسياسية، نؤكد بشكل قاطع وجازم مساندتنا وتأييدنا ودعمنا لهذا الشعب وحركات المقاومة الفلسطينية ونضالها في مواجهة المشروع الإسرائيلي.
رابعاً : مفاوضات التسويـة
كان موقفنا ولا يزال وسيبقى تجاه عملية التسوية وتجاه الإتفاقات التي أنتجها مسار مدريد التفاوضي عبر "اتفاق وادي عربة" وملحقاته و"اتفاق أوسلو" وملحقاته ومن قبلهما "اتفاق كامب ديفيد" وملحقاته، موقفَ الرفض المطلق لأصل ومبدأ خيار التسوية مع الكيان الصهيوني، القائم على أساس الإعتراف بشرعية وجوده، والتنازل له عما اغتصبه من أرض فلسطين العربية والإسلامية.
هذا الموقف هو موقف ثابت ودائم ونهائي، غير خاضع للتراجع أو المساومة، حتى لو اعترف العالم كله بـ"إسرائيل".
ومن هذا المنطلق ومن موقع الأخوّة والمسؤولية والحرص، فإننا ندعو المسؤولين العرب إلى أن يلتزموا خيارات شعوبهم عبر إعادة النظر بالخيار التفاوضي وإجراء مراجعة لنتائج الإتفاقات الموقَّعة مع العدو الصهيوني، والتخلي الحاسم والنهائي عن عملية التسوية الوهمية الظالمة المسمّاة زوراً وبهتاناً "عملية السلام"، لا سيما وأنّ مَن راهنوا على دور للإدارة الأميركية المتعاقبة كشريك ووسيط نزيه وعادل في هذه العملية، قد عاينوا بما لا يقبل الشك أنها خذلتهم، ومارست عليهم الضغط والإبتزاز، وأظهرت العداء لشعوبهم وقضاياهم ومصالحهم، وانحازت بشكل كامل وسافر إلى جانب حليفها الإستراتيجي الكيان الصهيوني.
أما الكيان الصهيوني، الذي يتوهمون إمكانية إقامة سلام معه، فقد أظهر لهم في كل مراحل المفاوضات أنه لا يطلب السلام ولا يسعى إليه، وأنه يستخدم المفاوضات لفرض شروطه وتعزيز موقعه وتحقيق مصالحه وكسر حدّة العداء والحاجز النفسي لدى شعوبهم تجاهه، عبر حصوله على تطبيع رسمي وشعبي مجاني ومفتوح، يحقق له التعايش الطبيعي والإندماج في النظام الإقليمي وفرض نفسه كأمر واقعي في المنطقة والقبول به والإعتراف بشرعية وجوده، بعد التخلي له عن الأرض الفلسطينية التي اغتصبها.
من هنا فإننا ندعو ونتوقع ونأمل من كل العرب والمسلمين على الصعيدين الرسمي والشعبي العودةَ إلى فلسطين والقدس كقضية مركزية لهم جميعاً، يتوحدون حولها ويلتزمون تحريرها من رجس الإحتلال الصهيوني الغاشم، والقيامَ بما يمليه عليهم واجبُهم الديني والأخوي والإنساني تجاه مقدساتهم في فلسطين وتجاه شعبها المظلوم، وتوفيرَ كل مستلزمات الدعم لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وتمكينه من مواصلة مقاومته، ورفضَ كل مشاريع التطبيع مع العدو الصهيوني وإسقاطها، والتمسكَ بحق عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وديارهم التي أُخرجوا منها، والرفضَ القاطع لكل البدائل المطروحة من توطين أو تعويض أو تهجير، والعملَ الفوري على فك الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني لا سيما الحصار الشامل لقطاع غزة، وتبنّي قضية أكثر من أحد عشر ألف أسير ومعتقل في السجون الإسرائيلية، ووضعَ الخطط والبرامج العملية لتحريرهم من الأسر.
الخــاتمــة
هذه هي رؤيتنا وتصوراتنا، حَرِصْنا في البحث عنها أن نكون طلاب حق وحقيقة. وهذه هي مواقفنا والتزاماتنا، سعينا أن نكون فيها أهلَ صدق ووفاء، نؤمن بالحق وننطق به وندافع عنه ونضحي من أجله حتى الشهادة، لا نبغي في ذلك سوى رضا خالقنا وإلهنا رب السماوات والأرض، ولا نرجو من ذلك سوى صلاح أهلنا وشعبنا وأمتنا وخيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسةً في سلطان ولا ابتغاءً لشيء من الحُطام، وإنما كان إحياءً للحق وإماتةً للباطل ودفاعاً عن مظلومي عبادك وإقامةً للعدل في أرضك وطلباً لرضاك والقرب منك، على هذا قضى شهداؤنا، وعلى هذا نمضي ونواصل العمل والجهاد، وقد وعدتنا إحدى الحُسنيين إما النصر أو التشرّف بلقائك مخضّبين بدمائنا.
ووَعْدُنا لك يا رب، ولكل عبادك المظلومين، أن نبقى الرجالَ والنساء الصادقين في العهد، والمنتظرين للوعد، والثابتين الذين ما بدّلوا تبديلاً.
----------------------------------------------------------------
وهنا نص حوار أمين عام حزب الله مع الصحافيين بعد تلاوته الوثيقة السياسية للحزب :
- سؤال: في الشق اللبناني لاحظت غياب أي كلمة عن الهوية العربية، والتي أتت في الشق الثاني، لكني إستغربت أن يخلو كل المقطع اللبناني من التأكيد على الهوية العربية، ليس فقط في الوطن اللبناني والكيان السياسي اللبناني وإنما أيضاً بالتصور السياسي أو المنظور السياسي لحزب الله. أما الملاحظة السياسية الثانية وبنفس المنطق هناك نقص في البرنامج الاقتصادي الاجتماعي الذي يُفترض بكثير من اللبنانيين أن يتوقعون من حزب الله أن يكون متقدماً إت لم بكن رائداً في هذا المجال، يعني أن واضح أن حزب الله في جمهوره الأساسي، في القطاعات الأساسية المنتسبة إليه، أي قطاعات من الفقراء والفلاحين وصغار الكسبة والعمال ، الذين يالكاد أن يصلوا إلى متوسطي الدخل، كنا نفترض ولا زلنا أن حزب الله هو حزب قائد مناضل بالمعنى الطبقي، بمعنى إنصاف المظلومين، في حال ترجمناه بالمعنى العصري، يعني العمال والكادحين والفقراء والفلاحين وأبناء الطبقة الوسطى، بأن يكون هناك نوع من برنامج سياسي متكامل لهذا القطاع؟
*جواب: أولاً نحن ليس لدينا أي عقدة أو مشكلة نسميه هذا الإصرار تطور وتحول وهذا أمر طبيعي لأن الناس تطور وأيضاً العالم كله في الأربع وعشرين سنة تغير ، هناك النظام الدولي تغير والنظام الإقليمي تغير وكذلك الوضع في لبنان تغير وهذا أمر طبيعي، وبالنسبة لنقطة الهوية العربية، يلاحظ الإستاذ طلال(سلمان)) أن هذا كله تحت عنوان لبنان، فتحت عنوان لبنان جعلنا وضعنا الوطن المقاومة الدولة العلاقات العربية والإسلامية كله تحت عنوان لبنان وبالتالي نجد أن بشكل طبيعي عندما تكلمنا عن العلاقات العربية فهذه ليست خارج مقطع لبنان. النقطة الثالثة فمن طبيعة الحال أننا نقدم اليوم وثيقة وليس برامج، وفيها نعبر عن رؤية وتصورات وخطوط عريضة ومواقف عامة، أما البرامج فنلاحظ أنه حتى في المنظومة العامة لقانون الإنتخاب نحن لم نتكلم عن قانون الإنتخاب بالتفصيل، تكلمنا عن مواصفاته، فالوثيقة تراعي الخطوط العريضة أما البرامج يعلن عنها بشكل مستقل كما ورد في البرنامج الإنتخابي الذي أعلنا عنه في الإنتخابات الماضية، أعتقد كان يوجد في البرنامج الإقتصادي فسحة واسعة من الآراء والأفكار لحزب الله، كل الذي تكلمنا عنه حتى تحت عنوان الدولة إذا أردنا الدولة تكون بهذه المواصفات وبهذه الشروط ، هذا بحاجة لبرنامج، لا يقوم علينا لوحدنا، بل برنامج نتفاهم عليه وشركاؤنا في الوطن لنقدر أن نحققه إن شاء الله.
- سؤال: إشارة الوثيقة إلى حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تبدو بصورة عامة وكأنها تشبه إشارة أي خطاب سياسي لأي قوة لبنانية تتحدث عن الحقوق المدنية لللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبعد سبعة عشرة سنة من تجربة الحزب في المجلس النيابي ووجوده في الحكومة ووجوده داخل ، بشكل أو بآخر في دائرة القرار، كيف لنا أن نتصور أن الحزب سوف يبادر إلى خطوة ما من أجل تحويل شعار منح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية إلى خطوة عملية؟
*جواب: هذا الموضوع ورد في البيان الوزاري للحكومة السابقة، لكن للأسف أجواء التوتر السياسي للبلد منعت أن يقدر الإنسان أن يحقق شيء على هذا الصعيد وعلى أكثر الصعد، لأن البلد بقي يعيش في حالة توتر وكل الأولوية منصبة على الخروج من هذا التوتر، الحكومة الحالية التي تعبر لنقل عن حكومة إئتلاف وطني وتعاون وطني ووحدة وطنية، هذا البند مذكور بشكل واضح فيها، أعتقد أن هناك جدية لهذا الموضوع، وقد لمسنا عند رئيس الحكومة وعدد من القوى السياسية، ونحن سنبذل جهداً، بالنهاية هذا الموضوع يتوقف على متابعة وبذل الجهد في إطار مؤسسات الدولة، بالحكومة وهناك ما له علاقة أيضاً بمجلس النواب، نحن إن شاء الله سنبذل جهد وذلك مع القوى السياسية التي نلتقي معها على هذا الهدف، وذلك ضمن القيود التي ذكرناها لنعمل طمأنة لما بخدم ولما يحافظ قضيتهم وهويتهم، حنى أن هناك محظور دائم يُطرح وهو أن إعطاء الحقوق المدنية والإجتماعية قد يؤدي للتوطين، يعني نحن ليس لدينا خيارين، إما نعطيهم حقوقهم الإجتماعية والمدنية تؤذي إلى التوطين وإما نُبقيهم في الوضع المعيشي المأساوي الذين يعيشون فيه، كلا يوجد هنالك حل وسط وهو أن نعطيهم الحقوق المدنية والإجتماعية التي لا تؤدي إلى التوطين والتي تحفظ هويتهم وقضيتهم، وهذا الموضوع بالتأكيد بحاجة إلى متابعة وجهد وهو ليس بحاجة إلى كلام أكثر من الفعل.
- سؤال: عن التباين بين الديموقراطية التوافقية والديموقراطية الصحيحة التي تعتمد على إلغاء الطائفية السياسية، في هذا الموضوع ما هو السبيل برأيكم لإلغاء الطائفية السياسية من دون أي مشاكل في لبنان، خصوصاً أن عدداً كبيراً من اللبنانيين بُعشش فيهم مبدأ الطائفية وإعتادوا على هذا المبدأ، فكم هذا الموضوع لن يُسبب مشاكل من جديد في لبنان؟
*جواب: لنكن واقعيين، إلغاء الطائفية السياسية في لبنان من أصعب الأُمور، وللأسف الشديد أن كثيراً ممن نادوا ويُنادوا بإلغاء الطائفية السياسية هو ليس جاداً في هذا الأمر، يعتي هذا شعار سياسي لكي يقول أننا مدنيين ومنفتحين وحضاريين وما شاكل، باعتبار أن النظام الطائفي هو نظام قبلي يعود إلى القرون القديمة الموغلة في التاريخ، لا يعنيني ما يقال عن الموضوع،في واقع الحال هذا الموضوع صعب ولذلك الآن لا أحد يستطيع أن بقول بجملة أو جملتين كيف نستطيع إلغاء الطائفية السياسية دون الوقوع في هذا المحظور، في كل الأحوال الدعوة التي وجهها دولة الرئيس نبيه بري لتشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية إستفزت البعض ، ولا داعي لأن تستفز هذا البعض، لأننا عندما نقول تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية، يعني تشكيل هيئة وطنية وليس إلغاء للطائفية ، يمكن يظل هذا الحوار خمس سنين أو عشر سنين أو عشرين سنة أو ثلاثين سنة الله أعلم، بالنهاية لا أحد يقدر يجلس ويقول كيف يمكن إلغاء الطائفية السياسية، يجب أن نجلس مع بعض ونتكلم بصراحة عن مخاوفنا وهواجسنا والتطمينات والضمانات وكيف نقوم بالإلغاء، ممكن بعد نقاش طويل وعريض بين ممثلي القوى الشعبية اللبنانية والقوى السياسية والقوى المتنوعة الطائفية والمذهبية وغيرها وقوى المجتمع المدني وما شاكل أن نوصل إلى نتاج مفاده أن لا نجلس ونضحك عل بعضنا، هذا بلد لايمكن إلغاء الطائفية السياسية فيه، حيث ترتاح وسائل الإعلام ونرتاح من المواقف السياسية والإستهلاك والشعارات المستهلكة التي لا فائدة منها، ونأتي لنقول أن ما إتفق عليه في الطائف في هذه النقطة لا يمكن تحقيقه، فلا يمكن إلغاء الطائفية السياسية، إذاً لنحافظ على النظام الطائفي لكن لنحاول نصلح أو نعدل أو نطور أو نحدث حتى لا نظل حيث نحن، لذلك أعتقد أن الخطوة الطبيعية بإتجاه هذا الهدف هو تشكيل هيئة وطنية عليا تجلس وتحاور وتناقش بهدوء ودون ضغط ودون عجلة، هذا الأمر هو الأساسي والحيوي.
- سؤال: الكلام عن المقاومة اللبنانية ودورها ودعمها والإلتفاف حولها وإعتمادها خياراً إستراتيجياً يقابله خلافُ في الداخل اللبناني لدى بعض الأطراف والجهات حول هذه المقاومة مما يحول دون أن بيكون دورها فاعلاً بالشكل المطلوب بالشكل الذي جاء في الوثيقة السياسية، كيف السبيل للخروج من ذلك؟
*جواب: صحيح هناك نقطة خلاف ونحن نتفهم هذا الخلاف، بمعزل عن دوافعه وحقيقة دوافعه لنتفهمه، وأنا دائماً كنت أقول نحن لا ندعي ولم ندعي يوماً أن المقاومة في لبنان حظيت بإجماع وطني، بل إدعيت في بعض المناسبات أنه لا توجد مقاومة في التاريخ حظيت بإجماع وطني، على طول في موضوع المقاومة هناك ناس مع وناس ضد وناس حياديين يعني لا مبالين، وعلى طول في تاريخ الإحتلالات يوجد مقاومين ويوجد ناس تعاونوا مع الإحتلال ويوجد ناس جلسوا يتفرجون، وحتى الذين رفضوا الإحتلال يوجد ناس أخذوا المنحى السياسي في المعارضة والمقاومة ويوجد ناس لجأوا إلى العمل المسلح، فهذا أمر طبيعي فلماذا نحن في لبنان،فما هو العجيب أن هذا هو نقطة خلاف، فعلى طول التاريخ كانت نقطة خلاف وبقيت نقطة خلاف فليس هناك مشكلة طالما أننا نتفهم بعضنا ونتكلم مع بعضنا. ثانياً أنا أقول لكم بكل صراحة أن الإجماع الوطني على المقاومة كان شرط كمال ولم يكن شرط وجود، يعني أنه طوال التاريخ كان لدى الشعوب خلاف حول مسألة المقاومة، فلو أتت شريحة من الشعب لتأخذ خيار لمقاتلة المحتلين، نستطيع أن تقوم لمقاتلة المحتلين وتعمل مقاومة دون أن تحصل على إجماع، نعم لو حصلت الإجماع فهذا أفضل وأقوى وأسرع لتحقيق النصر، هذا أقل الإلتباسات والإشكالات الوطنية، لكن نحن لسنا زاهدين في الحصول على إجماع وطني على المقاومة بل بالعكس نحن حريصون وساعون لأن يكون هناك إجماع وطني لأن هذا شرط كمالٍ كما قلت، أعتقد أن اللقاءات والحوار وحتى في البيان الوزاري وباللجنة المكلفة وغداً عندما نعمل سوياً في الحكومة وعلى طاولة الحوار والتلاقي والنقاش، التعاون بين القوى السياسية المختلفة، نحن ليس لدينا عدو في الساحة اللبنانية الداخلية ومستعدون للتعاون مع الكل ونتساعد مع الكل لإنجاح هذه الحكومة وإنجاز أولوياتها بمعزل عن تحفظ البعض أو موقفهم من بند المقاومة، هذا لا يعني أن نعود إلى إصطفافات، إذاً هذه النقطة مختلفين حولها لكن هناك الكثير من النقاط متفقين حولها، لنتعاون فيما نحن متفقون عليه ونستمر في الحوار فيما نحن مختلفين فيه.
ـ سؤال: هل بتحديدكم لمحورية دور المقاومة ولوظيفتها, ولأسس إستراتيجيتها الدفاعية تكونوا فعلا حسمتم الإستراتيجية الدفاعية ولم يعد هناك من جدوى لطاولة الحوار, وهل هذا يعني أيضا بأنه حصرية القرار بالسلم والحرب تبقى بيد المقاومة؟
ـ جواب: نعم الذي أنا قلته اليوم هو ليس جديد بموضوع المقاومة , بموضوع إيجاد صيغة تعاون ما, الآن هذه صيغة تعاون تتطلب تأكيد وتفصيل ونقاش بين الجيش الوطني اللبناني وبين المقاومة الشعبية, هذا الأمر أنا طرحته أصلا على طاولة الحوار قبل حرب تموز في الجلستين الأخيرتين التي سبقت الحرب, وهذه رؤيتنا المعروفة ونحن لا نكشف سراً, واليوم على طاولة الحوار القوى السياسية تطرح رؤاها حول الإستراتيجية الدفاعية حتى نصل الى الخاتمة ويلم البحث حتى يصاغ, طبعا نحن ممكن, هذا الموضوع طلبوا منا ان نقدمه بشكل خطي لأنه يوم ذاك أنا قدمته بشكل شفهي, وليس لدينا مشكلة, وأنا أقول نحن سوف نقدم مطالعة خطية حول الإستراتيجية الدفاعية لكن بعد انتهاء كل القوى من عرض أفكارها وهكذا نكون قد سمعنا للكل وقرأنا الكل ونقاشنا الكل وممكن هذا أن يحدث تطوير ما في موقفنا أو في فكرتنا, لكن حتى هذه اللحظة في موضوع التجربة التي عشناها هي تجربة تعاون بين المقاومة والجيش محكومة بمجموعة جيدة من الضوابط هذه التجربة أثبتت نجاحها , ونحن نقول بان هذه التجربة فينا نستفيد منها حتى نحمي البلد ونصيغها بإستراتيجية دفاعية ويتطلب الموضوع نقاش وتفصيل أكثر, لا أقول اليوم لم يحسم هذا الأمر, هذا قول قلناه قبل حرب تموز.
أما موضوع النقاش حول حصرية قرار السلم والحرب بيد الدولة فنحن أصلا مسلمين ان الدولة هي المسؤولة عن اتخاذ القرار السياسي العام في كل الشأن العام وهذا الموضوع ليس عنا نقاش فيه, والبعض يقول بأنه لازم أن تقولوا, وأنا حاضر بان أقوله وان اشهد عليه شاهدين عادلين, (وأنا اشهد عليه الدنيا كلها), ما في مشكلة, المشكلة هي في غياب الدولة وتحملها المسؤولية ولا يكفي أن أضع هذه المسؤولية وهذا الامتياز في "جيبة" الدولة وهي غائبة, أنا أقول للدولة أن تكون حاضرة وقوية وقادرة وأنت اتخذي القرار, بالعكس انأ حاضر لأكثر من هذا وإذا بتذكروا خطابي 22 أيلول بعد حرب تموز نحن كنا واضحين انه عندما تصبح في دولة قوية وقادرة وعادلة ومطمئنة تحمي البلد وتحرر الأرض , ساعة إذن ما في داعي أن نناقش إستراتيجية دفاعية فالدولة هي التي تحمي البلد وما هو الداعي لوجود مقاومة شعبية أساسا.
نحن هنا نقول هذا النقاش مسلمين فيه وان كان أنا اعتبر هذا النقاش نقاش نظري لان قرار السلم والحرب في المنطقة هو في يد إسرائيل لا في الدولة اللبنانية ولا في يد المقاومة ولا في يد العرب ولا في يد المسلمين للأسف الشديد, الذي يأخذ قرار الحرب والسلم في المنطقة هي أميركا وإسرائيل فقط.
ـ سؤال : في العام 1985 تحدثتم عن قيادة واحدة وحكيمة هي الولي الفقيه والتزامكم في هذه القيادة , اليوم تتحدثون عن تطور وتحول في موضوع الحزب , كيف ستوفقون بين بناء الدولة والالتزام بهذه القيادة وهل أصبح حزب الله حزبا لبنانيا بالكامل؟ وتحدثتم عن بناء دولة المؤسسات , هل يعني ذلك تخلي حزب الله عن اللجوء إلى السلاح ونظرية السلاح وللدفاع عن السلاح في أي ظرف كان؟
ـ جواب: أولا: نحنا قدمنا وثيقة سياسية ما عالجنا الجوانب العقائدية او الايديولوجية أو الفكرية, أحب أن أكون صريح وواضح نحن موقفنا من مسالة ولاية الفقيه هو موقف فكري وعقائدي وديني وليس موقف سياسي خاضع للمراجعة.
ثانيا: بالنسبة لنا كيف نجمع بين إيماننا بولاية الفقيه وانخراطنا بالحياة السياسية اللبنانية وبناء مؤسسات الدولة الجواب عليه دليل الإمكان الوقوع, دليل انه جمعنا, فنحن انخرطنا في المجلس النيابي وكان لنا كتلة نيابية فاعلة وشاركنا في الانتخابات النيابية في الأعوام 1992 – 1996 -2000 – 2005 والانتخابات الأخيرة أيضا ودخلنا إلى الحكومة اللبنانية من العام 2005 وشاركنا في الحكومات المتعاقبة التي تشكلت وكان وزراءنا موجودين وفاعلين ولكن الظروف السياسية والتوتر السياسي كان قائم بالبلد وعلى كل حال لم يمنعنا نحن بل منع كل القوى السياسية التي شاركت بالحكومة أنها تعمل انجازات حقيقية فعلية, إذن لا يوجد أي تناقض برأينا بين إيماننا والتزامنا بولاية الفقيه بالمعنى الذي نفهمه وبين انخراطنا في الحياة السياسية ومشاركتنا كشريحة لبنانية وازنة في بناء مؤسسات الدولة كما نظرنا إليها وتحدثنا عنها قبل قليل.
أما الشق الثاني من السؤال أجاب سماحته قائلا :( أنت عما ترجع تفتح مشكل من أول وجديد) على كل حال, نحن في هذا الموضوع وكما يقال على هامش المفاوضات حول تشكيل حكومة الوطنية اعتقد إننا تناقشنا فيه مطولا مع عدد من القوى السياسية وفي مقدمها رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري واعتقد انه كلنا بات مطمئنا بما يكفي وليس هناك أي حاجة لطرح مسائل أو أسئلة أو مخاوف من هذا النوع.
ـ سؤال: هل يمكن القول بأنه في هذه المرحلة الجديدة بعد أن استطاع حزب الله ان يكون حاميا للبنان وبعد ان صنع قوة ردع ضد إسرائيل , وبما أنكم لم تذكروا بان سلاح حزب الله سيستخدم لمساعدة الفلسطينيين لتحرير فلسطين , طبعا صنعتم قوة ردع للرد على إسرائيل من خلال المعادلة التي فرضها حزب الله : هل أصبحت المقاومة المسلحة أو صيغة الدفاع رغم أهميتها ثانوية بعد بناء الدولة المطمئنة ؟ وفي هذا السياق وتحديدا بتقوية ودعم الجيش اللبناني نرى مساعدة الولايات المتحدة للجيش اللبناني وقد شهدنا للرئيس سليمان عدة زيارات بهذا الغرض ,هل يمكن ان يكون هناك تكتل ضمن الحكومة اللبنانية الجديدة للتشجيع على المساعدات من غير الولايات المتحدة بما في ذلك الجمهورية الإسلامية في إيران وقد سمعنا من بعض الرؤساء هذا ولاسيما من الوزير وليد جنبلاط؟
ـ جواب: لا, بالذي تحدثت عنه واضح بان المقاومة ما زالت مهمة أساسية, ولا اعتقد بأننا عملناها بالمرتبة الثانية, بالمرتبة الأولى المقاومة ما زالت موجودة وفينا ان نقول رفعنا موضوع المشروع الوطني بالمساهمة في بناء الدولة الى المرتبة الأولى, ما ردينا المقاومة للمرتبة الثانية ولأنه بالحقيقة بناء دولة وبناء مؤسسات دولة وتثبيت السلم والاستقرار والأمن في لبنان من أهم شروطه ان يكون وطننا آمنا وقويا ومنيعا في مواجهة التهديدات والأطماع الإسرائيلية الدائمة, ولذلك أنا اعتقد أكثر من هذا بان وجود المقاومة الفعلي والحقيقي هو من أهم الشروط الضرورية لتمكين اللبنانيين من بناء دولتهم التي يتطلعون إليها.
أما موضوع تسليح الجيش, على كل حال أي مسعى لتسليح الجيش هو مسعى جيد ونحن ما عنا "فيتو" ولا مشكلة , ونحن موقفنا واضح من الإدارة الأميركية نتيجة سلوكها وأداءها وما عنا عداء ذاتي, عنا عداء موضوعي بهذا الموضوع, لكن إذا أرادوا أن يسلحوا الجيش اللبناني بما يمكنه من الدفاع نحن ليس لدينا أي مشكلة بهذا الموضوع , لكن أنا اعتقد بان الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في العالم ما سلحوا ولن يسلحوا الجيش اللبناني للدفاع عن لبنان. لكن لا يمنع من بذل الجهد.
والآن في الحكومة هل نسعى للطلب من دول أخرى أن تسلح الجيش اللبناني نحن ليس لدينا مانع, نحن في الانتخابات في ناس اعتبروا ان هذا الكلام يطعن فيه , في الوقت الذي هو ليس موضع طعن لما قلنا إننا حاضرين أن نساعد وحتى الجمهورية الإسلامية في إيران تساعد في تسليح الجيش اللبناني, اعتقد إيران فيها تساعد, وسوريا في الماضي ساعدت وفيها تساعد, وهناك دول عربية أخرى تستطيع أن تساعد, وحتى ما هو مطلوب في تسليح الجيش اللبناني وهو ليس على حد المعجزات العسكرية لان الرهان بشكل أساسي هو على الفكر والعقل والإرادة والعزم والعقيدة القتالية ومدرسة القتال عموما التي نعتبرها نحن عموما كلبنانيين والإستراتيجية الدفاعية التي نعتمدها وبالتالي إمكانية تسليح الجيش اللبناني بما يساعده على الدفاع عن الوطن برأي هذا ممكن إلا إذا بقينا مصرين ألا نطلب ذلك إلا من عدونا الذي لم يسمح لنا أن نصبح أقوياء.
- سؤال: اسبوع وتنال الحكومة اللبنانية الثقة , نتحدث عن حكومة فيها موالاة ومعارضة , حتى اللحظة من يلعب دور المعارضة داخل الحكومة لم يكن حزب الله وحلفاءه بل فريق اساسي من مسيحيي 14 آذار يعني فريق الموالاة, هل هناك انقلاب وتبدل في الادوار وهل ستشهد الساحة اللبنانية تحالفات سياسية جديدة مستقبلا؟
جواب: اعتقد انه يمكن ان يكون من المبكر الجزم بان الامور تسير في هذا الاتجاه, في كل الاحوال نحن في المعارضة او القوى السياسية المؤتلفة في اطار المعارضة والممثلة حاليا في الحكومة من خلال وزراءنا, اعلنا ان وجودنا في الحكومة لن يكون على قاعدة معارضة وموالاة وانما على ان يكون وزراءنا وزراء لكل اللبنانيين ووزاراتهم في خدمة كل الشعب اللبناني, واعلنا ايضا اننا حريصون على الانتهاء من المتاريس والعمل كفريق واحد, ونحن مصرون على هذا التوجه, لذلك انا اتصور خارج الحكومة يمكن ان تبقى الائتلافات والأطر السياسية , فهذا امر طبيعي, وحرص كل فريق على حلفاءه, لكن في داخل الحكومة نعم هناك موضوع واحد قد تختلف الآراء وتتفاوت الافكار والمواقف والتصويت ايضا, فقد نشهد في موقف ما بعض قوى الموالاة وبعض قوى المعارضة يتفقان وبعض قوى الموالاة وبعض قوى المعارضة ترفض ما يتفق على او ما يراه الطرف الآخر , يعني كما يقال في العامية تصبح القصة على الحبّة, على الموضوع, على الملف, سيصبح النقاش على هذا الاساس مع حرص الجميع على ان نكون محكومين لروح وفاقية ترعى المصلحة الوطنية العليا وليس مصالح ائتلافاتنا السياسية او احزابنا وطوائفنا وهذا ما اعتقده منطقيا خلال الفترة المقبلة.
سؤال: قيل انكم عبرتم عن رضاكم عن موقف الرئيس سعد الحريري ولكن ما رأيكم بتصريحات نواب من كتلته ضد المقاومة والحديث عن ذكرها في البيان الوزاري انه يتعارض مع القرار 1701 , والسؤال الثاني الى اين يذهب حزب الله في علاقته مع الحزب الاشتراكي وتيار المستقبل, ايضا هناك من يتحدث عن ان الحزب فقد شرعيته الشعبية, حضرتك تحدثت عن الاجماع الوطني , وهناك من يتحدث ان الحزب فقد شرعيته الشعبية بعد الانتخابات النيابية رغم وجوده في البيان الوزاري, فماذا تقول لهؤلاء الذين تحدثوا عن افتقاد المقاومة لشرعيتها الشعبية؟
جواب: بالنسبة لتصريحات بعض الاخوان نواب كتلة المستقبل فهم يقدرون ان يعبروا عن آرائهم ونحن نحترم أي رأي سواء اكان موافقا ام مخالفا ونحيل هذا الامر الى موقف رئيس الكتلة الذي هو نفسه رئيس الحكومة والذي ستحصل حكومته برئاسته على الثقة بناء على هذا البيان الوزاري, لذلك اعتقد ان هذا الموضوع لا يؤسس الى مشكلة لدينا , طبعا من المفترض ان يكون موقف النواب في الكتلة منسجما مع بعضهم البعض ويتكلمون بلغة واحدة, هذه المشكلة عندهم وهم انشاء الله يحلّونها. العلاقة مع الحزب التقدمي الاشتراكي ومع تيار المستقبل , لا يوجد فيها حدود الى اين تذهب, ونحن في علاقتنا مع كل القوى السياسية اللبنانية حريصون ان نذهب الى ابعد مدى ممكن طالما ان هذه العلاقات تخدم تماسكنا الوطني واستقرارنا وسلمنا الاهلي وعيشنا الواحد وليس فقط المشترك, وتخدم الاهداف التي قرأتها في الوثيقة اغلبها في الاحد الادنى نجمع عليه كلبنانيين, فطالما نحن نلتقى على اهداف ونتواصل ونتحاور فنحن لا نضع خطوطا حمرا للعلاقة , اعتقد ان هذه العلاقة تتطور مع الوقت, طبعا هذا لا يعني على الاطلاق الخروج من علاقاتنا وتحالفاتنا وصداقاتنا مع كل القوى والتيارات السياسية التي كانت معها وكنا معها, لان ما يجمعنا الان هو الذي كان سببا لتفرقنا في الماضي, فطالما ان ما اختلفنا عليه انتهى وعدنا والتقينا من جديد على ما نرى فيه هذه المصلحة الوطنية الكبرى سنستمر سويا بلا مشكلة, اما الكلام عن المقاومة فقدت شرعيتها الشعبية فهذا لا اساس له على الاطلاق, واذا كان المقصود هو نتائج الانتخابات فالجميع في لبنان وفي خارجه يعرف ان الانتخابات النيابية محكومة لقانون انتخابات طائفي ومذهبي ومناطقي , وليس شرطا ان تعبّر دائما الاغلبية النيابية عن أغلبية شعبية, قد تعبّر عنها وقد لا تعبّر, ونحن قلنا بعد الانتخابات ان مجموع الآراء التي حصلت عليها المعارضة على المستوى الشعبي كانت اكبر من الآراء الاخرى, على الرغم من انني اعتقد ان هناك شرائح شعبية كبيرة صوّتت للوائح الموالاة في بعض المناطق نتيجة لبعض المناخات السياسية وليس لها موقف سلبي من المقاومة بل هي مؤيدة للمقاومة وبالتالي ان لا اعتقد اننا يمكن ان نحاكم شعبية المقاومة على قاعدة نتائج الانتخابات النيابية التي لها قانونها ولها ظروفها.
- سؤال: فيما يتعلّق بالوثيقة اولا الدستور اللبناني يتحدث بوضوح عن لبنان كوطن نهائي لجميع ابناءه, الوثيقة التي قرأتها قبل قليل تشير الى رفض الحزب لتقسيم لبنان وفدرلته وما شابه ولكنها لا تشير الى موقف الحزب بشكل واضح من أي طرح عقائدي او فكري يمكن ان يكون مستقبلا يتعلق بضم لبنان او دمجه بمحيطه العربي او الاسلامي علما ان هذه المسألة هي هاجس عند كثير من الافرقاء اللبنانيين منذ استقلال لبنان, فهل هناك موقف واضح للحزب في هذه النقطة؟
المسالة الثانية تتعلق بموضوع الاستراتيجية الدفاعية , فقد ذكرتم في الوثيقة التي قرأتها ان الاستراتيجية الدفاعية يجب ان تقوم على المزاوجة بين مقاومة شعبية وجيش يحمي لبنان, الا يعد هذا تراجعا عن موقف الحزب السابق من ان المقاومة باقية الى حين قيام دولة قوية قادرة وعادلة, يعني ان هذا الموقف يوحي بان المقاومة باقية حتى ولو صار لدينا جيش قوي يستطيع ان يحمي لبنان؟
السؤال الاخير يتعلق بموقفك الاخير منمسألة تجار المخدرات , فسابقا الحزب كان دعا الدولة الى اعادة النظر في القضايا المرفوعة على تجار المخدرات والمروجين وما شابه على اعتبار ان هناك وضع انساني متراكم في مناطق محددة ادى الى هذا الوضع, في المرة الاخيرة كان هناك موقف متشدد للحزب دعا فيه الى عقوبات وما شابه بحق التجار, فلماذا تبدل الموقف بهذا الشان؟
جواب: في النقطة الاولى , نحن كنا واضحين باننا نعتبر لبنان وطننا , الجدل حول انه وطن نهائي او لا, احب ان اقول لك بالدرجة الاولى انه نحن ممن يشعر بان هذا الوطن هو نعمة, ليس فقط رسالة بل هو نعمة, فهذا التركيب في الجغرافيا, في التنوع والتعدد, بما وصلنا اليه, امكن في تحقيق انجازات كبيرة جدا وتاريخية, الان اذا جئنا لنقول انه نهائي ام لا , احيانا يقول البعض انه يجب ان تقولوا انه نهائي لتبعثوا الاطمئنان, سماحة الامام موسى الصدر كان واضحا جدا وهو كان يتكلم باسم كل هذا الخط وهذا الطريق عندما اعتبر ان لبنان وطن نهائي, لكن ممكن ان يقول احدنا انه نهائي وفي لحظة ما يخرج من اعتباره نهائيا, لذلك اعتقد بان الشعار ليس سببا للطمأنة بل توافقنا جميعا بان هذا الامر كغيره من الامور الاخرى التي تحكم وجود البلد هي يجب ان تكون ميثاقية وخاضعة لارادة اللبنانيين واجماعهم, وحتى انا لا اقول 50 او 60 او 70 بالمائة, بل اقول لاجماع لبناني او شبه اجماع لبناني في القضايا التي تعني وجود هذا البلد, ما نحتاجه هو تكريس وتعزيز هذه الارادة, بالمناسبة صحيح ان كل الحركات الوطنية والقومية والاسلامية لها نظرة حول الوطن العربي والوطن الاسلامي وموضوع اتفاقية "سايكس بيكو" وتقسيم العالم العربي والاسلامي الى كيانات والى اقطار, حسنا هذا امر حصل, اليوم نحن امام حقيقة واقعة, اسمها ان هناك دولا وكيانات واقاليم , بالمناسبة ما ندعو اليه نحن ليس وحدة اندماجية لا في العالم العربي ولا في العالم الاسلامي, وانما ندعو الى اتحاد بين الدول العربية والاسلامية يحفظ لهذه الدول ولهذه الاقاليم ولهذه الاوطان خصوصياتها وشخصياتها وسياداتها ويمكن هذا الاتحاد من اضافة قوة بعضها الى بعض, نعتقد ان هذا الطرح هو الطرح الواقعي الممكن, في الموضوع الفكري والعقائدي يبقى الانسان يتكلم ليس عن وطن عربي او اسلامي فقط بل عن الكرة الارضية كوطن واحد, واذا اخذنا الوقائع بعين الاعتبار فنحن نعتقد ان هذه الصيغة هي الصيغة الامثل, طبعا هناك حركات اسلامية اخرى لها رأي حاد في هذه المسألة, لا مشكل تبقى هذه من النقاط التي يمكن ان تكون خلافية.
في موضوع المزاوجة بين المقاومة والجيش , انا قلت انه طالما هناك خلل بموازين القوى, طالما ان هناك غياب للدولة القوية والقادرة فالمطلوب المزاوجة, لكن لو توفرت الدولة القوية والقادرة فلا داعي حتى لهذه المزاوجة, الدولة هي التي تحمل المسؤولية وتدافع عن البلد.
وفي موضوع مذكرات التوقيف الذي ذكرته في مناسبة الانتخابات , تكلمت عندها عن عموم مذكرات التوقيف في البقاع, لم اكن اتكلم عن خصوص مذكرات التوقيف التي لها علاقة بالمخدرات, اريد ان الفت الى انه هناك اكثر من ثلاثين الف مذكرة توقيف بحق ناس في البقاع, فيها جزء ان هناك مذكرات بحق من بنى دون ترخيص, وجزء منها بسبب بعض المخالفات للقانون الفلاني , اذا الثلاثون الف مذكرة ليست كلها لها علاقة بالمخدرات وزارعتها وتجارتها, هناك الكثير من العناوين رغم ان هناك مشاكل في المنطقة لها علاقة بالضم والفرز وبأمور اخرى, ما تكلمنا عنه نحن في مرحلة الانتخابات لم نطلب عفوا بل قلنا ان المطلوب تأليف لجنة قانونية برلمانية , وزارية وحقوقية , او قضائية تجتمع وتضع هذه الثلاثين الف مذكرة توقيف, هناك مذكرات توقيف صادرة قبل عشرين او ثلاثين سنة , حسنا هذا الشخص او المواطن اصبح صالحا ولم يرتكب مخالفة منذ ثلاثين عاما وبقيت بحقه مذكرة التوقيف, لذلك نحن جئنا ودعونا الى اعادة النظر بمذكرات التوقيف وتصنيفها, وبالتالي هناك جزء كبير من مذكرات التوقيف يمكن ان نتجاوزها نتيجة مرور الوقت او نتيجة تواضعها او تفاهتها, نعم هناك مذكرات توقيف لها علاقة بجرائم القتل , حتى من الناحية الدينية هل استطيع ان اسامح القاتل؟ هناك جهتان معنيتان بان يسامحا القاتل هما الحق العام والحق الخاص أي عائلة القتيل, اما موضوع تجارة المخدرات, في نظرنا هو موضوع حساس, يجب ان ينظر فيه ايضا, فاذا وجد في ما له علاقة بملفات قديمة جدا فهو قابل للدرس, لكن في الوضع الحالي فلا, كل من يقوم بتجارة مخدرات في رأينا هو ما اعلناه بالمناسبة قبل ايام, انا اعتقد ان هؤلاء مجرمون لانهم يقتلون روح الشباب ويدمرون مجتمعا بكامله, فالرصاصة تقتل واحدا اما هؤلاء فيقتلون مجتمعا باكمله بثقافته وروحه واخلاقه وامنه وسلامته الروحية والنفسية والعقلية وبالتالي سلمه واستقراره, في هذا الموضوع انا اعود واجدد الدعوة الى التشدد مع جميع مروجي وتجار المخدرات دون هوادة.
ـ سؤال: فيما يتعلق بالوثيقة، خصوصاً عندما تتحدثون عن العلاقات العربية – العربية أو اللبنانية العربية أو المقاومة العربية كيف يمكن الاستفادة من واقع المقاومة وما تمثله المقاومة من مقبولية في حل بعض الخلافات العربية – العربية أو العربية الداخلية، وهنا أسأل : كنتم قد توجهتم بنداء إلى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بخصوص الحرب الداخلية، إلى أين وصلت جهودكم وكيف تعلقون على التدخل السعودي في حرب اليمن واستهداف المدنيين؟
ـ جواب: ليس لدينا أي مانع، وأنا ذكرت في قلب الوثيقة أنه يهمنا أن تستفيد الأمة العربية، الحكومات، الشعوب، قوى المقاومة الأخرى، القوى السياسية الأخرى، من ناتج المقاومة، من انجاز المقاومة، من انتصارات المقاومة، هذا الموضوع ليس لدينا مشكلة فيه. من جملة الإيجابيات أن المقاومة بدأت تتمتع بمكانة، وفي أي مكان نستطيع أن نوظف هذه المكانة لمصلحة التوحيد والجمع نحن نفعل ذلك، وأحياناً نفعل ذلك بعيداً عن الإعلام نتيجة الإحراجات الرسمية والسياسية والإعلامية، هذا في الخط العريض.. ففيما يتناسب مع ظروفنا وإمكاناتنا نحن حاضرون لتوظيف هذه المكانة لأي مصلحة عامة. في موضوع اليمن، كان لدينا موقف وكانت لدينا مناشدة في أكثر من مناسبة، لكن في الحقيقة نحن لم نعرض وساطة بسبب التعقيد القائم في موضوع اليمن وتقديرنا بأن وساطتنا لن تؤدي إلى نتيجة بسبب هذا التعقيد، بل قد تعقد الأمور. وإذا لاحظتم هناك بعض التيارات السياسية، التيار الصدري على سبيل المثال بقيادة الأخ سماحة السيد مقتدى الصدر، اتصلوا بالسفارة اليمنية وعرضوا وساطة بأن يذهب وفد من التيار الصدري إلى اليمن ويعمل على إيجاد تسوية لهذا الأمر، فكان التعليق من السيد الرئيس علي عبد الله صالح أن الدليل على أن التيار الصدري له علاقة بالحوثيين هو أنه عرض وساطة، مع أن هذا لا يشكل أي دليل، يعني عندما تأتي جهة وتعرض وساطة فهذا لا يعني أنها داعمة لهذه الجماعة أو تلك المجموعة، فكيف إذا جاء حزب الله ليعرض وساطته، بكل صراحة أنا أعرض الأمور كما هي، في الوقت الذي نقرأ كل يوم في الصحف وخصوصاً بعض الصحف العربية التي تقول أن حزب الله يمول ويدرب ويسلح ، وهذا كله غير صحيح، بل وصل الأمر إلى أن حزب الله يقاتل في اليمن وأنه يقود المعارك وأن هناك نقلاً عن إحدى الصحف العربية التي قرأت فيها قبل أيام خبراً مضحكاً مفاده أن خمسين شهيداً لحزب الله استشهدوا في اليمن وأن حزب الله يحاول إخفاء الأمر وهو مربك في كيفية دفنهم! نحن نقدر أن نخبئ شهداء! لعلنا نحن من أهم حركات المقاومة في الدنيا التي تعلن شهداءها وتفتخر بشهدائها، وشفافة في موضوع شهداءها ومعنية أن تأتي لعائلة الشهيد وتقدم لها تقريراً تفصيلياً عن مكان استشهاد ابنها، لأنه لهذا الانسان حرمة وكرامة. عندما نصل إلى مستوى نحن متهمين فيه بالدعم والتأييد والتسليح والتدريب وقيادة العمليات إلى حد المشاركة وسقوط شهداء من الحزب، فالذي يتهمنا بهذه الطريقة هل تتوقع مني أن أذهب وأعرض وساطة في اليمن! هناك أناس لأنهم لا يملكون أي دليل ويريدون أن يزجوا بحزب الله في الموضوع يأتون ويقولون لك أن المقاتلين الحوثيين يستفيدون من تكتيكات حزب الله في القتال، هذا ليس ذنبنا، لأن المقاومة في لبنان قدمت مدرسة في القتال، يمكن أن يستفيدوا منها باليمن، ويمكن أن يستفيدوا منها بأمريكا اللاتينية، ويمكن أن يتعلمها الإسرائيلي ويستفيد منها أيضاً، لكن هذا ليس إدانة لنا، هذا إدانة لكل الذين لا يستفيدون من مدرستنا في القتال لتحرير أرضهم واستعادة المقدسات على سبيل المثال.
ما يجري في اليمن نحن دعونا إلى وقف القتال، والآن أنا أجدد دعوة لوقف القتال، وتحدثنا في الوثيقة عن المدرسة التي سوف تقلل الخلافات وتزيد التواصل وتحاصر النزاع، فنحن لسنا من دعاة توسيع النزاع، نحن من دعاة وقف القتال سواءً داخل اليمن أو بين السعودية والحوثيين في اليمن وأن يبادر الجميع إلى التعاون وإلى بذل الجهود من أجل وقف هذا النزف الذي يخسر الناس فيه جميعاً، وليس المطلوب أن نصب الزيت على النار، هذا هو موقفنا، ومع ذلك أحب أن أعلن وأقول: إذا أحد ما يعتقد أننا نستطيع أن نفعل شيئاً في اليمن سنعتبر أن هذا من واجباتنا وسنباشر العمل على هذا الصعيد، ولكن المقدمات والمعطيات وظروف الموضوع وتعقيداته لم توصلنا نحن كحزب الله إلى هذا النتيجة.
تعليقات: