جامع أبو بكر الصديق
أصولها من إذرِعْ الحورانية ومن قبائل العرب وآفاقها إنسانية الهوى..
جديدة مرجعيون واقع حضاري يعكس طبيعة الحياة الواحدة. ونموذج جنوبي يُحتذى. هنا محاولة للكشف عن جوانب هذه التجربة ومقدمة في التاريخ والتكوين والجذور. وكتابات من الخوري فيليب حبيب الدُّقلة (مطرانية الروم الأرثوذكس)، ومن إمام مسجد أبي بكر الصديق الشيخ جمال ناصر (دائرة الأوقاف الإسلامية).
ومن مدرّس مادة الرياضيات والعارف بتاريخ الحيادرة المنتشرين بكثافة مركّزة في جديدة مرجعيون، كظاهرة خاصة، تعكس طبيعة هذا التنوّع الغني يبادر الخوري فيليب الدّقلة: هذه هي جديدة مرجعيون وهؤلاء هم أهلها الذين ينطقون بألفاظ رنانة مملوءة بالروح الذي يغني. هم الذين يجيدون الكلام إن أنت بقيت صامتاً، هم الذين يسلّمون الحرف ويكشفون لك المعنى، هم الذين ينطقون بالأسرار ويفضون أختامها، هم الذين يطبقون الوصايا ويحفظونها. هم الذين يسقون في الخارج لتولي الثمر، هم الذين يبتغون الحقيقة لا الفصاحة، الفهم لا الجدال – التفكير لا الفضول المغزى الروحي أولاً وأخيراً. وقضيتهم الكبرى هي قضية إيمان لا فهم وتواضع لا استكبار وهضم لا حشو رأس هو الذين يقولون: تكلم يا رب، فإن عبدك يسمع (1 ملوك 3: 9).
فجديدة مرجعيون هي بلدة قديمة وجديدة، وقد ورد ذكرها في الكتاب المقدس، مدينة عيون القديمة – ويشهد على وجود هذا، المدينة القديمة الأنقاض الموجودة حتى يومنا هذا، في المنطقة التي تعرف باسم "تل دبين" والموجودة على مسافة قريبة من منازل المدينة للجهة الجنوبية الشرقية حيث وجدت آثار وسراديب وآوان خزفية.
من حوران إلى الجنوب
مدخل الخلية الحيدريةوعن الأصول المرجعيونية يقول الخوري الدّقلة: ينحدر معظم أهالي الجديدة من منطقة حوران السورية، وتحديداً مدينة اذرع، والذين نزحوا عنها إثر ظروف اقتصادية صعبة واضطهاد ديني وسياسي وقحط، وذلك منذ العام 1613. واللافت أن هؤلاء الحوارنة، اتخذوا الجنسية اللبنانية، وأصبحوا من الأبناء المهمين في الجديدة. وساعدوا على تقدمها وازدهارها.
وكانت البلدة منقسمة بطبيعة سكانها إلى فريقين بلديين وحوارنة، وكانت أحياناً كثيرة تبرز بينهما منازعات ومشاحنات، إلا أن الوقت كان كفيلاً بإزالتها عبر السنين والزمن.
جديدة مرجعيون، تتميز عن غيرها من البلدات الجنوبية، بأن أبناءها تربوا في بيئة متماسكة بعاداتها وتقاليدها، وتتميز عائلاتها بالمحافظة والإيمان الديني، فترى في بيروت أبناءها الشيخ المسلم والكاهن المسيحي جنباً إلى جنب، فالحياة الواحدة المشتركة بين أبنائها تتجلى بوجود عدد من الأماكن الدينية، فحين زيارتك لهذه البلدة يلفت انتباهك وجود الجامع على بعد خطوات من الكنيسة الأرثوذكسية، التي بدورها تبعد خطوات عن الكنيسة الكاثولكية فالكنيسة المارونية، كذلك يوجد الكنيسة الإنجيلية.
عروبة، حيدرية وعلمنة
ويضيف الدقلة: فالأكثرية هم روم أرثوذكس يأتي بعدهم الروم الكاثوليك وتليهم الأقليات من إسلام وإنجليين وموارنة. علماً أن أول عائلة قطنت الجديدة هي من آل الغوطاني (سلامة – غوطة الشام). أما إذا اتجهت غرباً ترى تلة عليها، تدعى اليوم البويضة، كنيسة مار الياس الحي، والتي شيّدها أبناء البويضة والجديدة معاً، وهو نبيّ لدى الطوائف كافة، فيتشارك المسلمون والمسيحيون، كل سنة في العشرين من شهر تموز، فهو بالنسبة لهم الحلم المنتظر، فالاحتفالات تبدأ قبل أسبوع بمهرجانات شعبية تفتتح بالصلاة وتنتهي بالأغاني والموسيقى والدبكة الحيدرية.
وقد تميز أبناء الجديدة بميولهم العروبية، مؤكدين أن العروبة ليست مرادفاً للإسلام وحسب، فهم لطالما تغنوا بها مؤدين دورهم بكل صدق وأمانة، فالمرجعيوني لم يقبل على نفسه الذل والخضوع للإسرائيلي عندما كان محتلاً للجنوب، فآثر ترك بلدته والعيش في العاصمة أو الهجرة إلى الخارج، ولم يعد إليها إلا بعد عملية التحرير بتاريخ 25 أيار 2000 يوم وقف لبنان وقفة العزة والكرامة والإباء صفاً واحداً، قلباً واحداً، صوتاً واحداً في وجه إسرائيل.
وعن طبيعة الحس القومي العربي وأصوله يقول الخوري الدّقلة: تميّز أبناء الجديدة بتمسكهم بالمبادئ الإنسانية والإخلاص للوطن والقومية فهم لطالما أكدوا التمسك بالتعايش والترفع عن البغضاء والطائفية، المرجعيوني دائماً يدعو إلى المحبة وإلى تغليب العقل على العاطفة وإلى إحباط مشروع تدمير الوطن وتهجيره. والدليل على انفتاحه فنرى الزواج المدني، والعلمنة، والزواج المختلط بين الطوائف، والمشاركة في المآتم والأفراح.
تحديات ورجالات
ويلخص الدقلة مأساة مرجعيون بالقول: لقد شهدت هذه البلدة ظاهرة هجرة ونزوح كبيرتين لأبنائها، ابتدأت من سنين عديدة ابتدأ بالحرب العالمية الأولى، والثانية، ثورة الدروز عام 1925، حرب عام 1948، حرب الاحتلال الإسرائيلي على لبنان عام 1976، وآثار العدوان عام 2006، بالرغم من فقدان جديدة لقسم كبير من أبنائها، إلا أن ذلك لم يحد من طبيعة الحياة الواحدة. ولم يجعل عقول أبناء مرجعيون تنحصر وتنغلق. وهي التي عوّدتنا على إبداعات الكبار من رجالاتها في مجالات الطب والأدب والصحافة والهندسة وغيرها. ومن تلك الأسماء يبرز اسم الشاعر والأديب الناقد الطريف جورج جرداق، رائد زرع القلوب في العالم الدكتور مايكل دبغي، الأديب والمؤرخ والصحافي شكري أديب سويدان، والأديب والكاتب والصحفي أسعد رحال، الدكتور المهندس أسعد قطيط وغيرهم الكثير الكثير من أبناء البلدة لا يتسع المجال لذكرهم في هذه المقالة.
للحدّ من الهجرة
ويختم الخوري الدّقلة منوهاً بالتضحيات والمساهمات الكبيرة التي قدمها أهالي البلدة في سبيل إعلاء شأنها عالياً، وذلك عن طريق مساعدتهم للعديد، من إخوانهم المقيمين في البلدة، بتأمين موارد رزق وعمل لهم في الخارج أمثال رجل الأعمال والمحسن الكبير آمال الحوراني، هذا بالإضافة إلى إقامة عدد من المشاريع الثقافية والإنماية بهدف تشجيع المقيمين بالعدول عن فكرة الهجرة والنزوح، مثل تطوير المدرسة الكلية بإنشاء مركز ثقافي، ترميم الأرصفة والطرقات، تطوير شبكة المراسلات، تطوير مركز البلدية والسراي الحكومي، وجود عدد من المؤسسات المالية، تطوير السوق البلدي....، إقامة المهرجانات صيفاً بهدف تقديم فرص عمل ولو مؤقتاً لقسم كبير من أهالي البلدة.
تجربة فريدة
عن آفاق التجربة والتعاون الإسلامي – المسيحي ومعانيه الإنسانية والاجتماعية الواحدة حكى إمام مسجد أبي بكر الصديق في مرجعيون الشيخ جمال ناصر فأكّد على العلاقة الاجتماعية بين أبناء وأهالي مرجعيون المبنيّة على التآخي والتراحم والمودّة الجامعة والتي تجعل من مرجعيون بلدة وقضاءً نموذجاً مشرقاً ومشرِّفاً ووجهاً حضارياً متقدّماً للحياة الحرة الواحدة بين أبناء الوطن، المتعدّد بطوائفه، المتوحِّد بعبادة وأبنائه لله الواحد، ينشدون الإخلاص لبعضهم ولبلدهم. ومن خلال بعض مشاركاتي في المناسبات الدينيّة والاجتماعية، يتأكد التعاون بيننا وبين الأخوة والأخوات "الآباء والقسيسين والراهبات" على التعاون المشترك في نشر دعوة لمحبة والرحمة الإلهية التي تكرّس وحدة الهدف الديني لبناء الإنسان المستنير فيه تعالى بنور الحق ولخدمة الخلق. وما زلنا نعمل سوية لرفع راية الإنسانية فوق كل شعارات الطائفية والعصبية المفرّقة لأولادنا عن السبيل الصحيح وهو "حياة واحدة في وطنٍ واحد لمصير واحد".
أبرز ما يؤكد هذه المعاني أن أحد أبناء جديدة مرجعيون المهندس أمال عيسى الحوراني الذي قام بتقديم مبنى حديث أشاده على نفقته الخاصة ملحقاً بأوقاف مرجعيون الإسلامية تابعاً لمسجد أبي بكر الصديق في حيّ السراي، أسماه "مشروع عيسى بن مريم الاجتماعي" لا يسعني أن أقول لحضرته إلا قول الله تعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان".
عن الحيادرة وتاريخهم وسبب وجودهم في مرجعيون قال المتابع لهذا التاريخ ناصر الدَّكروني؛ وهو أحد أبناء العائلة الحيدرية: إن الحيادرة هم قبيلة من القبائل العربية التي وفدت إلى لبنان من شبه الجزيرة العربية قبل أربعمئة سنة، واتخذت من ضفاف نهر الليطاني "غربي مرجعيون" وفي منطقة العيشية والجرمق موطناً لها، ومع مرور الزمن توافدوا إلى ربوع جديدة مرجعيون منذ أكثر من مئة وستين سنة من تاريخ هذا اللقاء، وقد أصبحوا جزءاً من المواطنة اللبنانية بحسب إحصاء 1932 م.
وهم بالتأكيد من المسلمين السُّنَّة. عددهم حوالى ثلاثة آلاف نسمة، موزّعون على الأراضي اللبنانية، وغالبيتهم من أبناء "جديدة مرجعيون". وهذه العائلة الحيدرية تتمتع بعلاقات ودية ومميزة في حسن الجوار مع أهالي البلدة ومحيطها. أما على الصعيد الاجتماعي فقد أسس الحيادرة نادياً ثقافياً اجتماعي تحت اسم "رابطة أبناء العائلة الحيدرية" سنة 1993م، ويعمل هذا النادي على وحدة موقف أبناء العائلة وتوحيد قرارهم.
تعليقات: