تنذكر وما تنعاد
تكثر عمليات السلب والنشل في مدينة الشويفات، القلق يسيطر على الأهالي، الذين تتنوّع انتماءاتهم الطائفية والحزبية والسياسية. إحصاء عدد الحوادث أمر صعب، والمسؤولون ينفون أي طابع سياسي لها، ويدعون إلى تسيير دوريات أمنية
كانت أمل محمود أبو مجاهد تقصد، متجراً لبيع الخُضَر على طريق الشويفات ـــــ صيدا القديمة، ولدى وصولها إلى أمام المحل أقدم راكبا دراجة نارية على نشل حقيبتها، ولمّا حاولا الفرار لحق بهما صاحب المتجر نادر حيدر ، وتمكّن من استرجاع الحقيبة، إلّا أن أحدهما أطلق عليه النار من مسدس حربي، فأصابه في بطنه. هذه الحادثة وقعت قرابة الحادية عشرة من قبل ظهر الاثنين الماضي، بعد مرور وقت قليل، جرى التعرّف إلى مطلق النار عليه، وهو ح. م. ع.(24 عاماً)، الذي كان في حوزته مسدسان من نوع «غلوك» و«بكر» عندما أُلقي القبض عليه.
مع توارد الأخبار عن الحادث، عاد القلق ليخيم على حياة مدينة الشويفات اليومية، فمسلسل النشل الذي يمارسه راكبو الدراجات النارية مستمر.
إصابة حيدر جعلت المسألة تتخذ أبعاداً تتعدى الجانب الأمني، لتشمل السياسة في منطقة تتعدّد فيها انتماءات السكان الطائفية والحزبية والسياسية.
يشكو أهالي المدينة من غياب القانون «الذي يجب أن تحميه القوى الأمنية»، ويؤكّدون أن «في المنطقة عدداً لا بأس به من المجرمين والهاربين من العدالة، وخاصةً أن بعض الأحياء في المدينة لجهة الضاحية الجنوبية لا تدخلها الدولة، ويصعب العمل بالتنسيق مع أحزاب المنطقة دائماً»، ويضيف بعض المشتكين إنه «لا يمكن أيّ حزب أن يتحمّل أعباءً أمنية في أحياء مكتظة بالسكان». يقول جهاد ص. إن «الأهالي يخافون من التوتر والمشاكل التي تنشب بين فئات متنوعة تقطن المدينة، من أحزاب وعشائر وأهالي قرى نزحوا إلى هنا. هذا الوضع يسهم في توفير بعض الحماية للمجرمين والعابثين بأمن الناس».
القصّة في مدينة الشويفات يطول شرحها وتتشعّب، وهي المدينة الأكبر في لبنان من حيث المساحة، التي تبلغ 18،675 كلم2، أي إنها أكبر من مدينة بيروت بكلم واحد. ويشغل مطار بيروت الدولي مساحة 3 كلم2 من أراضيها.
يؤكّد مسؤولون أمنيون ومحليون أنه يصعب إحصاء عدد المشاكل اليومية التي تقع في الشويفات، وهكذا لم يستغرب كثيرون تعرّض منزل النائب خالد زهرمان، الكائن في حيّ الأمراء، قبل أسابيع، لعملية كسر وخلع بدافع السرقة، نفّذها لصوص، مستعملين قارصاً حديدياً لفتح الباب وخلعه، وقد تمكّن اللصوص من سرقة مصاغ ومجوهرات قُدّرت قيمتها بنحو 25 ألف دولار أميركي.
تحوّلت أحياء «اليهودية» و«الدوحة» و«القبة» و«العمروسية» النموذج الأمثل لهذا الوضع، بعدما «أضحت مسرحاً للصوص ليل نهار»، وفق ما يردّد بعض السكان، ويلفت هؤلاء إلى أن العمليات شملت البيوت والمحال والسيارات، من دون حسيب ولا رقيب. بادر الأهالي إلى توفير الحماية الذاتية للبيوت والمحال عبر الاستعانة بالأقفال الحديدية وأجهزة الإنذار المبكر. تحمّل عفاف س. «مخفر الشويفات المسؤولية، إذ لم يكلّف عناصره أنفسهم عناء معاينة الأمكنة التي تعرّضت للسرقة»، وتطالب بـ«استحداث مخفر خاص لبشامون وعرمون نظراً إلى كبر مساحة المنطقة، وعدم قدرة مخفر واحد على تغطيتها بالكامل، بسبب افتقاره إلى الإمكانات المادية والبشرية. ولا يمكن البلديات أن توفّر الحراسة، ما حدا بالسكان إلى اعتماد وسائل حماية ذاتية بائسة».
أفسدت عمليات السرقة حياة أبناء المدينة فباتوا يعيشون حالة من القلق والخوف
رئيس بلدية الشويفات هيثم الجردي نفى لـ«الأخبار» ما يردّده البعض «عن وجود مشكلة سياسية في المنطقة، لأنّ ما يقع أحداث فردية، لكنها أضحت مقلقة، نعمل مع كل الأحزاب لمعالجة المشكلة، لكن ليس هناك من أعداد كافية من رجال قوى أمن»، مضيفاً إن إمكانات مخفر المدينة لا تكفي لوضع حد للمشاكل القائمة، وخاصةً أن عدد سكان المدينة يفوق الـ 600 ألف نسمة من حي السلم إلى دوحة الحص، وقال الجردي «نحن في البلدية لدينا جهاز أمن مكوّن من رجال شرطة، ولكن صلاحياته محدودة جداً، وخاصةً أننا في مواجهة مع لصوص مسلحين في معظم الأحيان حتى في وضح النهار، ولا يمكننا المغامرة بحياة موظفينا»، وتساءل الجردي «هل تدفعنا الدولة إلى الأمن الذاتي؟ ما حدث بالأمس يتكرّر كل يوم، وتزداد الأزمات، من سرقات ونشل في النهار، وخاصةً على الطريق الرئيسي في المدينة، وكسر وخلع واعتداء على منازل وبيوت في الليل، وقد أفسدت عمليات السرقة حياة أبناء المدينة، الذين باتوا يعيشون حالة من القلق والخوف، وأصبحنا قلقين على مصير أبنائنا وبناتنا، لمجرد وجودهم في المنازل، إن المؤتمر الصحافي الذي عقدناه أول من أمس كان صرخة استغاثة نوجّهها إلى وزير الداخلية زياد بارود، والهدف منه أن نتعاون على حل هذه الأزمة، كي نتفرغ لاستكمال مهمّاتنا الإنمائية».
طالب الجردي وزارة الداخلية والأجهزة المختصة بإرسال وتنظيم «دوريات من أجهزة مدنية تتخفّى عن اللصوص والمجرمين كي تتمكّن من السيطرة على الأرض والواقع من استقصاء وتحرٍّ وغيرهما».
من الصحراء إلى دوحة الحص
تعدّ الشويفات أكبر مدينة في لبنان، تفوق مساحتها مساحة العاصمة بيروت، فهي تمتد من صحراء الشويفات صعوداً إلى محيط عين عنوب، وصولاً الى بشامون وعرمون وخلدة حتى دوحة الحص. تحولت الشويفات، على مراحل مختلفة منذ ما قبل الحرب الأهلية، إلى قبلة للنازحين من كل المناطق، واكتظت أحياؤها بالسكان والقاطنين والمصانع والعمال وورش البناء، ويعيش بعض المزارعين في ما بقي من أراضٍ زراعية فيها. يُقدّر رئيس بلديتها هيثم الجردي لـ«الأخبار» العدد بـ«600 ألف نسمة. وهي أكبر مدينة صناعية». لا بد من الإشارة إلى أن الشويفات تعدّ الآن أكبر المدن الصناعية في لبنان، ففيها ما يزيد على 150 مصنعاً، وهذا يتطلب وجود عدد كبير من العمال والصناعيين، هذا العامل «يجعل مهمة حفظ الأمن صعبة» وفق ما قال الجردي.
لقطة
خلال مرور رشيد و. (51 عاماً) في الشويفات، اعترض مجهولان طريقه، وكانا على متن سيارة تيدا، بنفسجية اللون، يحملان مسدسين وينتحلان صفة أمنية، وطلبا منه أن يبرز أوراقه الثبوتية، ثم عمدا إلى تفتيشه وسلباه مبلغ أربعة ملايين ليرة، قبل أن يفرّا إلى جهة مجهولة. من الحوادث التي حصلت في المنطقة أيضاً، إطلاق نار على ناد رياضي عائد لمحمد ع. وذلك من قبل شخص ظل مجهول الهوية، فأصيبت واجهة المبنى بأضرار، من دون أن تُعرف الأسباب والملابسات. وفي اليوم نفسه، ادّعت رانيا ط. على مجهول ملثّم، بتهمة تهديدها بمسدس حربي وسلبها محفظتها. وذكرت في ادّعائها أن العملية حصلت قرابة منتصف الليل، وأن الفاعل ركب في سيارة رباعية الدفع من نوع «X 5» ثم فرّ إلى جهة مجهولة.
تعليقات: