الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله
هجوم 14 آذار على المقاومة: تنازع أدوار بين القوات والكتائب..
اختار الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطاب عاشوراء ان يتوجه الى المسيحيين بدعوة الى الحوار في ما بينهم، والى «قراءة دقيقة للمتغيرات الدولية ولحسابات المصالح، والا يقبلوا ان يبقى بعضهم يدفع بهم دائما الى الانتحار..».
لم يكد صدى كلام السيد نصرالله ينتهي، حتى اشتعلت ضده جبهة قواتية كتائبية، ومازالت مستمرة بالتناغم مع حلفاء آخرين مسيحيين ومسلمين في «14 آذار».ما يستولد السؤال التالي: لماذا اختار السيد نصرالله ان يخاطب المسيحيين؟
يمكن استخراج الإجابة على هذا السؤال من المسلسل الهجومي المستمر على المقاومة من قبل قوات سمير جعجع وكتائب أمين الجميل وحلفاؤهما، والذي نحا تصاعديا وبشكل عنيف في مرحلة تشكيل الحكومة، ثم في مرحلة إعداد البيان الوزاري، ثم في مرحلة إقرار البيان الوزاري في مجلس النواب، ثم في جلسة الثقة والمعلقات ضد بند المقاومة، وصولا الى الطعن الكتائبي غير الواقعي بهذا البند، وأخيرا وليس آخرا، حملة الدفاع عن القرار 1559 برغم ما يشكله هذا القرار من بعد انقسامي في البلد. وقبل كل ذلك الهجوم الدائم على «حزب الله» من قبل البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير.
ما من شك ان هذا المسلسل، ألقى بثقله التوتيري على مجمل المساحة السياسية الداخلية، ولا أفق له حتى الآن. واخطر ما فيه هو انه قابل للتفسير في أكثر من اتجاه، كونه يتواكب من حين الى آخر مع نفس خارجي بالتعابير ذاتها، من قبل أعداء المقاومة، وانه قابل للتوظيف، كما افترض كثيرون، بأنه يفتح، او ربما يكون قد فتح الأعين الخارجية، ومن ضمنها أعين الأعداء، على محاولة الاستثمار على إبطال المسلسل، ودفعهم الى مزيد من التمترس وراء استهداف المقاومة وإقلاقها باللعبة الداخلية وإبقائها في دائرة التصويب والقلق.
ويبرز في هذا السياق ما ذهب اليه سياسي بارز بقوله، ان تحذير السيّد نصرالله المسيحيين ممن يدفع بهم الى الانتحار، مبني على ريبة من محاولة استثمارية ما غير منظورة على أبطال المسلسل الهجومي الطويل تريد استعمالهم في تسويق أهداف خطيرة.
وثمة في السياق ذاته ايضا، من يقرأ بين سطور توجه السيد الى المسيحيين محاولة تذكير بأن بعض القوى السياسية في هذا الجانب ما تزال مصرّة على استحضار الماضي بكل رهاناته، ولا تريد الاعتراف بتطور الحاضر وبالتحولات الكبرى التى شهدها البلد في الفترة الاخيرة. علما ان القوى المراهنة لم تدفع هي ثمن رهاناتها الماضية، بقدر ما دفَّعته للمسيحيين بشكل عام.
وسط هذا المشهد، سعى السيد الى ان يضع نهاية هادئة لذاك المسلسل، ومن دون ان يستدرج الى سجال او مناكفة او مواجهة سياسية مع تلك القوى. واتخذ من المنبر العاشورائي منصة لطرح أكثر من موقف حواري على قاعدة ان المقاومة لا تريد لها أعداء في الداخل، وعلى هذا الأساس طرح الهدنة السياسية لمدة سنة، وطرح ايضا تجنب العناوين الخلافية، وطرح التصدي للعناوين الآيلة للتوافق حولها، لعل ذلك ينفع ويثني قوى الهجوم على المقاومة عما هي بصدده.
وكما هو واضح، فإن السيد لم ينجح في مسعاه، فاصطدم بالهجوم عليه بالاستفزاز اليومي. ومع ذلك، انتقل الى محاولة أخرى، تجلت في التوجه المباشر الى المسيحيين لعل الحوار في ما بينهم يوصل الى المرتجى. ويقول بعض العارفين ان السيّد نصرالله بصدد مدّ الحبل الى الآخر، ولن يقطعه برغم كل التصلب الذي قد يلقاه.
واما في مقابل ذلك، فتحضر الأسئلة التالية: لماذا سارعت قوات جعجع وكتائب الجميل الى إشعال الجبهة ضد طرح نصرالله، ولماذا اعتبرت قوات جعجع نفسها مستهدفة بكلام أمين عام «حزب الله»، فجاءت مسارعتها الى الرد على طريقة «كاد المريب ان يقول خذوني؟»
لا يستطيع مواكبون لحركة القوى المسيحية على ضفتي القوات والكتائب المجازفة في نفي او تأكيد فرضية وجود أجندة غير مرئية متصلة بحبال خارجية تتحكم بالهجوم على «حزب الله». كما لا يرون تكاملا في مواقف تلك القوى، حتى الهجومية منها، بل هو تنازع مواقف خلفيته إصرار الفريقين على تظهير الذات من خلال الرمي على المقاومة.
وتذهب شخصية مسيحية ابعد من الاشارة الى «التنازع»، فتشير الى أزمة حقيقية بين تلك القوى أشبه بنار تحت رماد، فثمة من يعيش الأزمة بوضعه السياسي وثمة من يعيشها بحجمه، وثمة من يعيشها في موقعه وكل ذلك يحمل تلك القوى على المخاطرة باستهداف المقاومة كعنوان جذاب، بهدف الحفاظ لدى جمهورها ولدى مموليها على قدرة تظهير للذات.
ما هو أفق الحملة على حزب الله، وهل في إمكان القوات والكتائب الاستمرار فيها وحيدين أم أنهما في حاجة الى من يعينهما ماديا ومعنويا؟
تتقاطع بعض القراءات السياسية عند التمييز بين القوات والكتائب، من حيث الحجم والفعالية والحضور المسيحي، فالحضور الكتائبي يحافظ على شكل تاريخي، بينما القوات دخلت مراحل متقدمة في إعادة التكوين والتأسيس وإعداد الكوادر وكل ما يتصل بالبنية والاطر التنظيمية. الا ان ذلك لا يخولها ان تخوض معركة سياسية حاسمة ما لم تكن متكئة على «الحليف المسلم» الذي سحب بعض القوى من مرحلة النسيان، ووضعها في موقع متقدم مرئي ومسموع، ومن دون دعم الحليف، فإن كل الصراخ السياسي والحملات الاعلامية التي تقوم تفقد قيمتها ووزنها، ولا تتعدى الضجيج الذي ينتهي مع انتهاء الصدى.
من هنا، يتكرر في أوساط سياسية كثيرة قريبة من «حزب الله» السؤال حول موقف تيار المستقبل، الذي يدخل شريكا في الحملة من خلال بعض أركانه، وبصورة اعنف من هجوم القوات والكتائب، بما لا ينسجم مع العلاقات الثنائية الهادئة والمستقرة بين الطرفين، والتي أثير حولها اقتراح في الآونة الأخيرة لتفعيلها وتكثيف اللقاءات.
بلغ المواقع العليا في التيار الحليف للقوات الكلام التالي: لقد نجحت زيارة دمشق في تأمين ايجابيات للبناء عليها، فهل ان ما يجري يخدم مرحلة ما بعد الزيارة، وهل ان انطلاق حكم الرئيس سعد الحريري، يخدمه اعتماد الازدواجية في الموقف؟ وقيل أيضا أطراف الحملة على «حزب الله» يستمدون الحيوية منكم، وانتم تؤمنون لهم الإعلام والصوت والصورة والتمويل. فهل انتم تسهلون أموركم ام تعطلونها؟
واخطر من كل ذلك، يضيف صاحب الكلام ان سمير جعجع يكاد يفاخر بأنه يجركم الى معركته. ولاسيما ان الواقع الداخلي لم ينح في اتجاه الاستقرار السياسي برغم زيارة الرئيس الحريري الى دمشق، وبرغم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، فالأمور لم تتغير مقارنة بما كانت سائدة قبل ذلك، من قبل تيار المستقبل والقوى الحليفة له، وهذا يشكل اكثر من تشويش ان لم يكن خطرا يهدد ايجابيات دمشق، وبالتالي بات مطلوبا من المعني الأول تقديم إجابات وخطوات تحمي زيارة الحريري الى دمشق وتعزز انطلاقته الحكومية.
وينتهي الكلام بالعبارة التالية: «لم يتوجه السيد في خطابه الى المسيحيين ليسمعوا وحدهم، بل ليسمع تيار المستقبل ايضا».
تعليقات: