جمعيات اهلية تعمل على الارض لمواجهة آفة تعاطي المخدرات


لم يعد الادمان على المخدرات مشكلة محلية تعاني منها بعض الدول، بل اصبحت اليوم مشكلة دولية تتكاتف لأجلها الهيئات الدولية والاقليمية، للتوصل الى حلول جذرية للتخلص منها، حيث تجتمع الكفايات العلمية والطبية والاجتماعية من اجل محاولة علاج ما يترتب على هذه الآفة من مخاطر.

ولعل التقديرات التي قامت بها شبكة الشرق الاوسط وشمال افريقيا للحد من مخاطر استخدام المخدرات (منارة) والتي اظهرت وجود حوالى مليون متعاطٍ بالمخدرات عن طريق الحقن، فضلاً عن وجود اعداد اكبر من المتعاطين بغير الحقن الذين هم بخطر التدرج لاستبدال وسيلة التعاطي.

الى جانب ذلك، ففي اغلب الاحيان يتشارك متعاطو المخدرات في ما بينهم بالحقن والابر الامر الذي من شأنه ان يؤدي الى اصابتهم بفيروس الايدز.

انطلاقاً من خطورة الوضع، قامت شبكة الشرق الأوسط وشمال افريقيا للحد من مخاطر استخدام المخدرات (منارة) بطرح هذا الموضوع، مع خبراء في هذا المجال، من اجل تبادل الخبرات المتوفرة في المنطقة، واعتماد (استراتيجية للحد من هذه المخاطر).

مدير شبكة (المنارة) ومدير جمعية العناية الصحية في لبنان ايلي الاعرج تحدث عن الضغط النفسي الذي يتعرض له المصابون بـ (الايدز) وفيروس التهاب الكبد وفيروس نقص المناعة البشرية، بسبب التهميش الاجتماعي والقوانين الدولية التي تحد من خيارات المدمن، في طلب المساعدة والعلاج.

كما لفت الاعرج الى الحد من مخاطر استخدام المخدرات في وقايته من الاصابة بالايدز، من خلال توعية المدمنين على المخاطر التي يتعرضون لها نتيجة التعاطي، أو نتيجة الطريقة التي يتعاطون بها، خصوصاً اذا ما تشاركوا في الحقن.

مشروع عمل في الشارع

وعليه، تقوم في لبنان من خلال جمعية العناية الصحية، بالتعاون مع البرنامج الوطني لمكافحة (السيدا) بمشروع عمل في الشارع حيث توجد مجموعات مدربة من الشباب، تنزل الى الشارع لتقدم التوعية ووسائل الوقاية بالاضافة الى بطاقة تضم حوالى 50 مؤسسة في لبنان، تستطيع الاهتمام بهم، فضلاً عن امكان خضوعهم لفحص للسيدا والالتهاب الكبدي.

فالاحصاءات التي أجرتها منظمة الصحة العالمية حول متعاطي المخدرات عن طريق الحقن في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، تشكل العامل الأكبر لانتشار وباء فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) والتهاب الكبد الفيروسي حيث يوجد 530.000 شخص يتعايشون مع فيروس (الايدز) في الشرق الاوسط.

الا ان الحد من المخاطر يستهدف بالدرجة الاولى معرفة اسباب هذه المخاطر وتحديدها، بالاضافة الى القرارات ذات الصلة بالمداخلات الملائمة اذ لا بد من الأخذ بعين الاعتبار العناصر التي تجعل من مستخدمي المخدرات عرضة لهذه المخاطر.

عناصر الخطورة

تساهم بعض العناصر في زيادة المخاطر ذات الصلة بالمخدرات منها بعض الممارسات التعسفية والسياسات المقيِّدة والعقابية، بالاضافة الى تصرفات وخيارات الأفراد والتنكر للعناية الطبية وخدمات الحد من المخاطر. وعليه، ولتجنب أو التخلص من تلك العناصر، لا بد من وجود استراتيجية عمل تدعم الأفراد في مسيرة تغيير سلوكهم، وتحدّي القوانين الوطنية والدولية والسياسات التي تخلق بيئة خطرة تعزز استخدام المخدرات، وتساهم في ظهور مخاطرها.

وقد شهد اقليم شرق المتوسط في الفترة الماضية، تطبيق استراتيجيات تخفيض مخاطر استعمال المخدرات، وهي تطورات ايجابية في هذا الشأن.

التنسيق مع الدولة

يقول الأعرج ان التنسيق مع الدولة يتم من خلال البرنامج الوطني لمكافحة (السيدا) والشرطة القضائية ومكتب المباحث الجنائية،. (هذا التعاون يسمح لنا بالتحرك في الشارع بحرية، حيث أصبح هناك شبه لجنة تتابع هذا الموضوع وتتشارك مع بعضها، لتدارك المشاكل والاعلان عن المخاطر التي يتعرّض لها هؤلاء الأشخاص.

وكنتيجة لهذا المشروع، فان غالبية المدمنين اقتنعوا بأهمية عدم المشاركة بالحقن مع بعضهم بعضا، وأهمية حماية أنفسهم والاخرين، ما يعني ان هذه الاستراتيجية هي الخطوة الأولى نحو التفكير وخلق علاقة ثقة مع المتعاطي، لنصل في مراحل متقدمة الى مرحلة العلاج.

الادمان وآثاره السلبية

يمكن تشبيه المدمن على انه قتيل بين الأحياء، نحيل وشبه عاجز، وعن الآثار الصحية، تؤكد الأبحاث الطبية في هذا المجال ان تعاطي المخدرات ولو من دون ادمان، يؤدي الى نقص في القدرات العقلية، كما يصاب المدمن بنوبات من الهذيان والارتعاش وفقدان الوعي وتلف الكبد، وتضخم الطحال، فضلا عن التهاب الأعصاب المتعددة، منها العصب البصري الذي يؤدي الى العمى والقيء المتكرر وفقدان الشهية، وما ينجم عن ذلك من نوبات اسهال وإمساك وسوء هضم، مع سوء امتصاص للغذاء.

بالنسبة الى الآثار الاقتصادية، فهو انسان غير منتج، يلحق خسارة كبرى للمجتمع من خلال الانفاق على علاجه من الأمراض التي ينتجها الادمان، وعلى انشاء مصحات لعلاج آفة الادمان بالذات. كما انه وبسبب تدهور صحته، يصبح المدمن عاطلاً عن العمل، وعضواً غير منتج في المجتمع، يميل الى ارتكاب الجرائم، وينفق موارده لتحصيل المخدرات.

من هنا، بات من الضروري تفعيل استراتيجيات للحد من مخاطر استخدام المخدرات في المنطقة وتعزيزها، وتنبيه المجتمع المدني بشأن الآثار الضارة المترتبة على تلك الأنشطة، والعمل على توسيعها وتطويرها.

تعليقات: