ديانا في المستشفى
تغصّ عينا ديانا زريق بالدمع. تسبق دموع ابنة الأحد عشر عاماً صرخة ألم لا تتمكن من وصفه. حزينة هي، تتمدد على سرير المستشفى في النبطية. لن تتمكن تلميذة المدرسة التي بالكاد تخطو نحو مراهقتها، من السير مجدداً. تشعر أن شيئاً كبيراً تغير في جسدها الصغير. يمسك حسين (شقيقها الأصغر ـ سبعة أعوام) بيدها مواسياً. هو لم يسلم من العبوة المشؤومة، لكن إصابته اقتصرت على جروح طفيفة «الحمد لله». «حاولت مساعدتها»، يقول، «رأيتها تطير في الهواء، بس ما قدرت امشي.. كانوا رجليي كلهن دم»، يتمتم وهو ينظر إلى ديانا.
أمس الأول، كانت ديانا تنتظر حافلة المدرسة، عندما بتر انفجار كفرفيلا قدمها اليسرى على الفور، وأصابها إصابات بالغة كادت تعطّل اليمنى.
صمت العائلة تكسره حيرة الطبيب المعالج الدكتور علي طفيلي، وتساؤلاته عن المواد المستعملة في العبوة المنفجرة: «لا أعرف نوعية المتفجرة، فهي لا تحوي شظايا حديدية أو أي شيء صلب، كلها مواد قريبة من الرمل وسوداء، محرقة وتخرق الجسد بشكل غريب، لم أشاهد قط مثل هذه المواد». ويستبعد طفيلي أن تكون العبوة من القنابل العنقودية: «القنابل تحوي شظايا عادةً، هنا لا شظايا، بل مواد حارقة جدا».
اليوم «لا مدرسة»، والكثير «ممن يحزنون».. ستبقى في سرير داخل غرفة العناية الفائقة في مستشفى النبطية الحكومي، ضحية مجرمٍ لا تعرفه، ولا تعرف أسباب فعلته ودوافعها. أسئلة تدور في رأس ديانا، كما تدور في أروقة المستشفى والأهل: «لماذا؟»، تسأل جدة ديانا بغضب.
يقول د. طفيلي إن وضع ديانا مستقر، «رغم أنها تحتاج إلى الكثير من العمليات الجراحية، فهي فقدت الساق اليسرى، وتعرضت الساق الثانية لنزيف حاد في الشريان، الا اننا تمكنا من حمايتها من البتر وعمدنا إلى ترميم العظم». يستغرب طفيلي قوة الحروق التي خلفتها العبوة «وجدنا حروقا كثيرة على مسافة ثلاثين سنتمترا فوق الإصابة الأساسية»، ليتوقف عند وضع ديانا النفسي: «سيئ جداً.. بكاء ووجع يزداد عندما تنظر إلى قدميها وتجد أن إحداهما أقصر من الأخرى».
يخيم صمت واجم على العائلة ليخترقه بين الحين والآخر صراخ ديانا كلما نظرت إلى قدميها. لم يشأ الطبيب ولا العائلة إخبارها بأنها فقدت قدمها اليسرى. تبدو الصغيرة وكأنها تستشعر مصابها.. تنظر إلى شقيقها وتقول رغم وجعها: «ما بعرف شو يلي صار، طرنا عن الارض.. وقعت، وبلّش يكر الدم من رجليي». منذ أن استيقظت من تأثير مخدر العملية، لم تتمكن ديانا من النوم: «كلما أغمض عينيّ أشعر بأنني لا أزال أطير، وهو ما حصل معي لحظة وقوع الانفجار». بعد إصابتها، شعرت ديانا بأن قدمها «طرية وفقدت الإحساس بها». شاهدت حسين، شقيقها، يطير ويقع على درج المنزل: «حاولت مساعدته»، تقول. ثم تصمت وتذرف دمعة من عينين متورمتين، لتكمل ونظرها يبقى معلقاً بحسين: «ما قدرت قوم، فحاولت السير على يديّ، مثل يللي ما عندهم رجلين، صرت أمشي على ايديي حتى اقدر أوصله، بس ما قدرت أوصل بسرعة»، تقول وكأنها توبخ نفسها لأنها عجزت عن مساعدته. نسيت ديانا وجعها وألمها، في تلك اللحظة، «أشعر وكأني من دون رجلين.. كأنني مشلولة، ما عم اقدر حرّكهم».
تقف والدة ديانا بالقرب منها، ترفض الكلام هاربةً من تبيان حجم مأساتها أمام ابنتها. تسأل عن الفاعل الذي سرق الكثير من طفولة ديانا وتركها لألم تجهل حتى الآن حدوده وكيفية تفاعلها معه. خالة ديانا تنفجر غضبا وهي تسأل عن «ذنب ديانا التي ستحمل إصابتها لما تبقى من عمرها وحياتها».
في المدرسة، ترك مقعد ديانا شاغراً.. رفاق الصف يفتقدون تلك الصغيرة التي لم تتغيب ولو ليوم طوال العام الجاري. وها هم لا يصدقون ما حصل معها. يعتزم الصغار زيارة زميلتهم في المستشفى للاطمئنان عليها، وفي محاولة للتخفيف من ألمها، «رح ناخد لها ورد، وكمان هدية، لأنها بتحب الهدايا»، تقول فاطمة، رفيقتها المفضلة.
تعليقات: