اقترب مني صديقي الحاج علي وهمس في أذني وهو المعروف بصدقه وأمانته ونضاله مع الثورة وضد المحتلين قائلاً: لقد شاهدت حلماً وأنا في حيرة من أمري، حلماً له علاقة بجميع أبناء المدينة والجنوب بخاصة والطائفة بعامة، استوقفني وتأهبت كل أحاسيسي ونظرت إليه وهو المُقل في الكلام.
تدخل البعض ليقضي لهم حوائجهم، أثارني واستفزني ببراءته وطيبته، يا حاج صرخت به وكنا قد خرجنا من النادي الحسيني بعد أن شاركنا في مجلس عزاء في ذكرى وفاة (الإمام محمد الجواد(ع)). أكمل يا حاج وانتحيت به جانباً حتى لا يقاطعنا أحد، وشعرت بأن ما سيقوله يعنيني أكثر من غيري ولا أدري لماذا؟ قال: لقد شاهدت أبي الفضل العباس(ع) هنا في الحسينية بجماله وقامته الشامخة وهو بالنسبة لنا نحن النبطانيين رمز الوفاء والإيثار وهو ابن الإمام علي(ع) وشقيق الإمام الحسين(ع) وحامل لواء.
العباس(ع) قال لي أخبر إمام المدينة بأن لا يحزن إذا كان الحضور في النادي الحسيني في مجالس العزاء التي تقام لأهل البيت - جرياً على العادة منذ مائة عام - قليلاً حتى ولو كان الحضور لا يتعدى أصابع اليد الواحدة وأشار الإمام بيمينه وقال أنظر، فشاهدت الآلاف المؤلفة التي تحيط بالنادي الحسيني من كل الجهات تستمع وتبكي وتندب أهل البيت وأردف قائلاً أن هؤلاء مجموعات من الملائكة أذن لهم الخالق لحضور المجالس الحسينية لبركتها وعظمته.
إن أهل السماء يزاحمون أهل الأرض على الحضور طلباً للبركة ومواساة للمظلومين ولنيل رضا رب العالمين. سرحت في الذهن وقلت هنيئاً لنا نحن الموالين وأف لنا لا نعرف قيمة من نوالي ونعتقد بهم ألسنا أولى من أهل السماء بهم لقد نذرنا على حبهم والاقتداء بهم ونرجو شفاعتهم ونتبرك بأسمائهم ونقول فيهم أنهم وقود النصر وأمل الثوار وغاية الملهوف وبلسم الجراح وأنا جُبلنا من طينتهم ونترك كل شيء لأجلهم. ونستكثر عليهم حضور مجالسهم لبعض، والوقت لو أن المناسبة لنافذ أو متمول أو صاحب موقع أو لمطربة أو ممثلة لشاهدت الآلاف المؤلفة وامتلأت الملاعب والنوادي عن بكرة أبيها. ويل لنا، ماذا نفعل، إلى أين، وكيف نقابلهم ألا نخجل من أنفسنا؟
سألته هل أخبرت مولانا قال طبعاً وتخيلت الشيخ يبكي والحاج والحضور يبكون ويسكبون الدمع أنهاراً لتختلط مع دموع الملائكة لتصعد إلى السماء وتسقط رحمة على الجميع وكل دمعة تسقط على الأرض حزناً عليهم تصبح قبة تعانق السماء أنهم الضوء الذي يسطع في آخر حياتنا.
دعونا نراجع أيامنا كيف تمضي، وخدمة لمن تمضي هذا العمر، أزلام أو رجال، من أجراء وعبيد وكيف نستحق أن نكون موالين. إن هذا العمر لا يستحق نظرة عتب من محب يوم القيامة، وبالأحرى نظرة غضب من جبار السماوات والأرضين. عودوا إلى ذواتكم وإلى أصالتكم وارفضوا الذل والتبعية والعصبية وتحلوا بأخلاقهم وتذكروا قول علي(ع) الناس نوعان أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق..
تعليقات: