ماغي فرح: قارئة الفنجان... تحنّ إلى أيّام أبو ملحم

ماغي فرح: قارئة الفنجان
ماغي فرح: قارئة الفنجان


في كنف عائلة محافظة ومتوسطة الحال، ولدت ماغي فرح. فتاة شقراء جميلة، مجتهدة في مدرسة للراهبات في الأشرفية، لكن، ممنوعة من اللعب مع أولاد الجيران لأنّهم صبيان! سيطر مبدأ الحشمة على أدبيات أهلها الصارمة، فكان ارتياد الشاطئ ممنوعاً أيضاً. في الرابعة عشرة من عمرها، أصبحت ماغي «مادموازيل» بين أترابها في الحي الذي تسكن فيه. إذ بدأت تُعطي دروساً خصوصية لأولاد الجيران. وحتى اليوم، ما زالت تجتمع بهم، فهم كانوا جيران رحلة الشتاء والصيف، بين الأشرفية وسوق الغرب.

في المدرسة، حيث كانت الأولى في صفها دائماً، نصحها أستاذ الفلسفة بالدخول إلى «كلية الإعلام والتوثيق». سمعت ماغي نصيحته، وتناست رفض بيئتها لمهنة الصحافة. تذكر كيف سألها والدها بغضب: «شو يعني بدك تروحي ع البيوت وتعملي مقابلات مع العالم؟». مع ذلك، اقتنعوا بأنّهم لا يستطيعون الوقوف في وجه طموحها. لكن حالما أكملت سنتين في كلية الصحافة في كورنيش المزرعة، بدأت الحرب الأهلية، فاضطرت إلى إكمال تحصيلها في فرع الجامعة في منطقة فرن الشباك. رمت الحرب قذارتها، وأجهضت حلم ماغي بعالمٍ يُدخلها إلى الفنّ والثقافة. «لم يكن هذا عالمي الذي أردته». وتشير إلى أنّها لو ولدت في بلدٍ غير لبنان، لكانت قد توجّهت إلى الكتابة الأدبية والسينما.

سريعاً، دخلت الشابة «إذاعة صوت لبنان» بعدما «سمعت أنهم يريدون طلاب إعلام». هكذا، بدأت رحلتها في الصحافة مع برامج صباحية أفرغت فيها بعضاً من مخيلتها وثقافتها. تستفيض قارئة الفلك بالحديث عن ذكرياتها. حتى الذين قصفوا استديوهات الإذاعة كانوا من جماهير ماغي. تتذكر اتصالات جندي سوري عرفته بالصوت فقط. كان يُدعى عدنان. وكان خوفه عليها يشبه وجعها من مشاهد الذبح على الهوية. وبلهجة سورية، كان يبلغها بموعد القصف «آلو، ست ماغي، انزلي ع الملجأ، معنا أمر بقصفكن الساعة 6. أخاف أن لا أسمع صوتك صباح غد».

خلال هذه الفترة، وما تلاها من حروب، احتلّت ماغي فرح الفترة الصباحية في الإذاعة طوال أيام الأسبوع. وكانت هي أول من أدخل اللهجة اللبنانية إلى البرامج. تسلّمت إذاعة الأخبار وإدارة قسم الأخبار، في سنّ صغيرة. لم تطل فترة إدارتها، بعدما تركت الإذاعة التي عملت فيها 12 عاماً، يوم احتلت «القوات اللبنانية» مبنى الإذاعة، وأجبرت من لم يكن في صفوف «حزب الكتائب» على تركها. تركت بصمتها في برنامجها الإذاعي «الحكي بيناتنا» الذي قُدّم في الثمانينيات ثم نقلته إلى التلفزيون. كان البرنامج صديقها الذي لا يفارقها. تجاربها التلفزيونية بدأت في «أل. بي. سي.» عبر برنامج «الصفحة الأولى» الذي توقف بعد 13 حلقة فقط، ثمّ جاء «الحكي بيناتنا» الذي سطع نجمه خلال سبع سنوات، قبل أن تغادر «أم. تي. في.». كذلك الأمر بالنسبة إلى تلفزيون «المستقبل»، حيث قدّمت برنامجاً حمل اسمها، ثم توقف بعد أشهر على انطلاقه. وحالياً، تبدو فرح مرتاحة في «أو. تي. في» وبرنامجها «الحق يقال»، إذ «لا أحد يتدخل في عملي» كما تقول.

بالنسبة إليها، ثمة خطوط عريضة وواضحة في مهنة الصحافة. مثلاً، لا صداقات حميمة مع السياسيين تنتهك موضوعية الإعلامي. كذلك، ينبغي احترام الضيف بغض النظر عن مواقفه، ومقارعة الحجة بمثلها. من بين السياسيين تلفتها «ثقافة السيد حسن نصر الله ونبله في الكلام، وأسلوبه السهل الممتنع». يلفتها كريم بقرادوني بذكائه، وغسان تويني بحضوره الذي لا تنساه، وتحمل احتراماً لوليد جنبلاط. أما ميشال سماحة، فيعرف كيف يجسّد فكرته... هنا تستدرك قائلة: «لا يعني أن هؤلاء هم الأفضل، لكنهم يلبون شروط المقابلات الناجحة».

السيدة التي تقرأ الصحف كل صباح، تبحث بين سطور الخبر، هي التي اعتادت السياسة اللبنانية وما هو أبعد منها. في رأيها، لا أسرار في لبنان والأولويّة الحقيقيّة تبقى للعبة الأمم. أممٌ توقعت لها فرح السلام والحرب في كتبها الفلكية.

بالمصادفة، بدأت قصتها مع الفلك. عرف أحد الفلكيين برجها (الميزان) من دون أن تبلغه به. ما أثار فضولها مع أنها لم تكن مؤمنة بالفلك. شرح لها مقارنة حركة الكواكب بأحداث الأرض «أثبت لي أنه علم»، تقول. خضعت لدورات في «معهد الدراسات الفلكية» في فرنسا. درست بالمراسلة مع جامعة كندية. أما الحسابات، فبدأت بها مبكراً، قبل أن تصبح محترفة في تحليل حركة الكواكب وانعكاسها على الأرض وسكانها. لكن ألا تخدش تحاليلها الفلكية التي يعدّها كثيرون مضيعة وقت، صورة الإعلامية الموضوعية والناجحة؟ لا تنفي فرح هذا الأمر. «عانيت منه. لكن قلتُ لنفسي إنّي أريد أن أمارس شيئاً واحداً أحبه في هذه الحياة».

وهي ترى أن جديّتها هي التي «أعطت كتبها صدقيّة». تستشهد بحلقتها مع الوزير إبراهيم نجار الذي كتب لها مقدمة كتابها الأول، والوزير السابق ميشال سماحة، الذي يتابعها منذ فترة طويلة. بكل وضوح، كُتب الفلك هي متنفّسها الوحيد من السياسة، كما أنها «أعانتني مادياً حين توقفت لسبع سنوات عن العمل في التلفزيون». هل تعينها حالياً أيضاً؟ الإجابة بديهيّة: مبيعات كتابها هي الأعلى في الشرق الأوسط حسب قولها.

تحن إلى زمن «أبو ملحم» حيث كانت الأخلاق رفيعة، خلافاً للوضع الأخلاقي المتدهور في أيامنا. وهي لا توفر في نقدها، الإعلام «المرتخي والسخيف». تميل إلى الأغاني الرومانسية الحزينة وتحب الكلمة الجميلة، وتقرأ الشعر العربي القديم وأعمال موليير بكثرة. تزور باريس لحضور المسرحيات وشراء الكتب الكثيرة والتسوق. فكرياً، معتقدها هو الإنسان. أما سياسياً، فهي شديدة الوضوح «أنا علمانية. أمارس العمل السياسي في نظام علماني. أما في نظامنا الطائفي، فلا مكان لي».

5 تواريخ

أواخر الخمسينيات

الولادة في الأشرفية (بيروت)

1980

انطلاق برنامج «الحكي بيناتنا» على الإذاعة

1990

أصدرت أول كتاب عن التوقعات الفلكيّة في العالم العربي

2008

دخلت القفص الذهبي

2010

تعكف على الاهتمام ببيت الزوجية الجديد وتواصل تقديم برنامجها «الحق يُقال» على OTV

تعليقات: