فندق السان جورج
ما زال فندق السان جورج منتصبا. لكنه اشبه بـ، بل هو، نصب فني قام به "نحات" من المدرسة التدميرية في النحت عندما يقيم الفنان شهادته على القوة الساحرة للخراب.
بت في هذه الحقبة من عمري مترددا في تبني "قضايا" البورجوازيين، حتى لو اني قبل سنوات، بعد الألفين وبعد انتخابات بيروت التي كرست رفيق الحريري زعيما غير مسبوق لـ"السنية السياسية"، كتبتُ مبديا اعتراضي على استمراره – اي الرئيس الحريري وقد عاد رئيسا للوزراء – في محاربة تولي الاصحاب التقليديين لفندق السان جورج ترميمه وادارته... واصراره على تملك الفندق. اتصل بي على عادته يومها في المناسبات المتباعدة التي تهمه ليقول لي: انت معي او مع اعدائي؟ قلت له، وكان الوقت صباحا، انت تعرف انه بات لي عدد من الاعداء بسبب مواقفي الايجابية منك. الامور ليست قطعا مطروحة بهذه الطريقة. وانا حتى لا اعرف فادي خوري شخصيا. رد "رحمه الله": "سأشرح لك عندما نلتقي". والتقينا بعد شهرين ولم يفتح الموضوع! ثم اختلفنا في موضوع يتعلق هذه المرة بذوي الدخل المحدود وشرائح الطبقة الوسطى اي موضوع الايجارات وخضت حملة فعلية في "النهار" ضد مشروعه للايجارات. لكنه ايضا في المرات النادرة التي كان يحدد لي موعدا فيها، لم يكن يفتح هذا الحديث... حديث الايجارات، رغم تعدد المواضيع المحلية التي كان يهتم بها مع زواره.
قضية السان جورج لها جاذبية خاصة، لا بل تصلح ربما لتكون موضوع رواية لتاريخ لبنان السياسي الحديث في مبنى واحد. في فندق واحد. تاريخ البورجوازية اللبنانية في عهدها الذهبي بعد تأسيس الكيان حتى انهيار وسط بيروت عام 1975، ومعها بعد اشهر تحول مبنى السان جورج مركزا "عسكريا". يمكن لرواية "الفندق" الذي اصبح رمزا لكل انواع "اللبنانية" و"اللبننة" من خدَمِه الى موظفيه الى اصحابه، الى ناديه السياسي الى زواره رجالا ونساء، ديبلوماسيين ورجال اعمال وصحافيين لبنانيين وعربا واجانب ان تصبح رواية لبنان قبل الحرب وخلالها بما فيها قصص المقاتلين الذين "اقاموا" فيه... الى ما بعد الحرب... عندما اصبح داخل حدود "السوليدير"... فقط بسبب رغبة الرئيس رفيق الحريري في تملكه واطلاقه باسم مشروعه الاعماري... مع انه جغرافيا، يقع بمحاذاة منطقة "السوليدير" وليس ضمنها.
رفض فادي خوري باسم ورثة الفندق ان يبيع كما هو معروف. مع هذا الرفض الذي يشارف الآن حوالي العقد ونصف العقد من الزمن، نشأ صراع بين الابن الطبيعي للبورجوازية الخدماتية اللبنانية، وبين ابن غير عادي للبورجوازية الجديدة في لبنان، بل الاب غير العادي لهذه البورجوازية التي حصلت على امكانات خرافية من "البترو دولار" في زمن فورته الاولى في السبعينات وتحولت الى قوة سياسية، تستكمل سيطرتها على "السنية السياسية" في النظام الطائفي مع الابن سعد الحريري.
حتى لا نضيع في متاهات التحليل، ما اريد ان اقوله باختصار هنا:
لقد كان اصرار رفيق الحريري على تملك "السان جورج" خطأ جوهريا لما انطوى عليه من "عنف" سياسي وسلطوي لا زلتُ حتى اليوم مستغربا لماذا اصر عليه، بل لماذا وقع فيه اصلا وهو الشخص الذي اظهر حرصه على احتضان رموز من البورجوازية المسيحية التقليدية، بينها عدد من النواب الذين دعمهم في بيروت منذ العام 2000. كما ان مسألة "العراقة" كانت تعنيه في إظهار وجهه "المعتدل" ناهيك بان رفض آل الخوري العنيد بالمقابل للتخلي عن الفندق ادى الى تأخير بدء عمله في وقت كان فيه الرئيس الحريري بأمس الحاجة الى رمز سياحي (وحتى ثقافي) بهذه الاهمية لدعم مشروعه الاعماري في تلك الفترة من التسعينات على انه اعادة احياء للبنان؟...
رفض ورثة الفندق واصروا... فواجهتهم "سوليدير" بتضييقات تعسفية فعلا ما زالت متواصلة.
لقد آن الاوان ان يضع سعد الحريري حدا لهذا الخطأ الفادح، حتى لو كان مصدره والده المرحوم. انه صاحب عهد جديد، وباستطاعته ان يغير لتأكيد طريقته الخاصة في النفوذ والسياسة. جل من لا يخطئ حتى لو كان من "الآلهة" كما هو الآن رفيق الحريري الذي تقف صورته بين صور "آلهة" آخرين للطوائف اللبنانية الكبيرة.
موضوع "السان جورج" يتعلق مثل تغييرات "بلاط القصر" بشخص سعد الحريري وليس بالصراع الاقليمي! ويستطيع رئيس الوزراء الجديد ان يظهر قوة في استدعاء فادي خوري وإعلامه بان المرحلة السابقة يجب ان تنتهي وانه – اي فادي – تعرض لظلم لم يكن جائزا باي شكل، وانه – سعد الحريري – سيوعز بالكف عن كل المضايقات العملية (وعلى رأسها سد معظم واجهته البحرية!!) التي مورست ضد... الفندق ذي القيمة السياحية الكبيرة.
في هذا "القتال" المرير – الذي يشبه الروايات – بين وارث رأسمالي تقليدي وبين قوة رأسمالية ضخمة... القوة ستكون في الاعتراف بالخطأ... والقدرة على التغيير.
لقد كانت سعة صدر رفيق الحريري في الكثير من الاحيان اكبر مما اظهره مع "السان جورج"... ألم يضحك كثيرا في اول حكومة الفها وجاءه كاريكاتور "ستافرو" عنه بعد زيارته الاولى لمصر كرئيس وزراء وهو يسأل امام الاهرامات في الجيزة: كم ثمنها؟
المهم ان يثبت سعد الحريري قدرته على التراجع حين يلزم الامر، وعندها ستصبح رمزية "السان جورج"... عنوانا لقوته لا لضعفه.
اما مناسبة هذا الكلام... فهو اننا في بداية عهد جديد... يقوم بعدد من المراجعات الصغيرة والكبيرة... لتكن بينها هذه.
-----------------------------------------------------------------
وجار رد سوليدير على مقال "الفندق"
كما يلي:
تعديات "شركة السان جورج" على "سوليدير"
ورد في عدد جريدتكم رقم (23934) تاريخ 19 كانون الثاني 2010 مقال موقع من الصحافي السيد جهاد الزين بعنوان "الفندق"، اي فندق السان جورج، يتضمن مغالطات ومزاعم مخالفة للواقع والقانون تتعلق بشركة سوليدير،
وتبيانا للحقيقة وتوضيحا للأمر امام الرأي العام تفيدكم شركة سوليدير بما يلي:
1 – بتاريخ 15/11/1995 صدر قرار مجلس الوزراء رقم (83) الذي قضى بالموافقة على ما يلي:
- زيادة عامل الاستثمار لفندق السان جورج لجهة تشييد طابقين اضافيين.
- تكليف شركة الفنادق الكبرى للشرق ش.م.ل. التي تملك فندق السان جورج ("شركة السان جورج") تنفيذ أشغال ردميات بحرية في محيط فندق السان جورج لقاء تمليك شركة السان جورج مساحة (6٫133 م2) بعد انجاز اشغال الردم والترتيب.
- الترخيص لشركة السان جورج باشغال (2٫045 م2) من الاملاك العمومية في محيط فندق السان جورج والمرفأ السياحي الغربي.
2 – بتاريخ 7/3/1997، وعملا بقرار مجلس الوزراء رقم (83) تاريخ 15/11/1995 تم التوقيع بين مجلس الانماء والاعمار وشركة السان جورج، على عقد تضمن وضع احكام قرار مجلس الوزراء رقم (83/95) اعلاه موضع التنفيذ، بحيث انه، وبشكل خاص، جرى تمليك شركة السان جورج مساحة (6133 م2) المذكورة في العام 2000 بعد انجاز اشغال الترتيب المذكورة.
3 – لم يتضمن المقال اشارة الى الاسباب التي حالت دون اقدام شركة السان جورج حتى تاريخه على انجاز اعمال ترتيب واعادة ترميم وتأهيل وزيادة بناء فندق السان جورج رغم التسهيلات المذكورة اعلاه. وتجدر الاشارة الى انه وبنتيجة تقديم ملف رخصة البناء لدى بلدية بيروت تبدي الاخيرة ملاحظاتها بهذا الشأن من اجل اتمام ملف الرخصة، ولم تبين شركة السان جورج رغم مراجعاتها الاعلامية والقضائية العديدة ما يوضح اسباب عدم استحصالها على رخصة ترميم وزيادة بناء فندق السان جورج، الامر الذي يفيد عن عدم تقيد شركة السان جورج بالشروط القانونية المفروضة بهذا الشأن.
4 – تستغرب شركة سوليدير القول بأنها تمارس اعمالا تعسفية بحق فندق السان جورج واصحابه باعتبار ان شركة سوليدير تكتفي بالدفاع عن حقوقها نتيجة التعديات المستمرة من قبل شركة السان جورج ولا سيما في ما يتعلق بحق شركة سوليدير باستثمار وتشغيل المرفأ السياحي الغربي، في حين ان شركة السان جورج لم تتوقف يوما عن الممارسات التعسفية، بحيث انها تقدمت بمراجعات ابطال لجميع المراسيم التي صدرت بشأن منطقة وسط بيروت وان لم تكن لها مصلحة في الامر او صفة التدخل، كما انها تعمل على منع المطورين العقاريين من تشييد المشاريع التطويرية في منطقة الردم بما في ذلك مشروع تطوير العقار 1456/ميناء الحصن على رغم من المنفعة العامة الناتجة من تلك المشاريع سواء لجهة زيادة ايرادات الدولة وبلدية بيروت كما لجهة زيادة فرص العمل.
5 – ان الزعم الآن ان المرحوم الرئيس الشهيد الحريري كان يرغب في تملك فندق السان جورج هو، بحسب علمنا، زعم مخالف للواقع، ويشكل تجنيا على الحقيقة وتجاهلا للعمل الدؤوب الذي كان الرئيس الشهيد يتفانى في سبيله من اجل دعم كل المشاريع التي تعزز ازدهار وتنامي الحركة الاقتصادية في لبنان بحيث انه لم يتوان يوما عن تقديم كل التسهيلات لأصحاب تلك المشاريع بما في ذلك وبشكل خاص التسهيلات العائدة لفندق السان جورج، والدليل على ذلك ما جرى استصداره من قرارات ادارية لتسهيل اعادة ترميم وتأهيل وزيادة بناء فندق السان جورج كما تم توضيحه في البندين (1) و(2) اعلاه.
في ضوء ما تم تبيانه اعلاه، وعملا بأحكام قانون المطبوعات، ترجو شركة سوليدير من حضرة رئيس تحرير جريدة "النهار" نشر هذا البيان التوضيحي كاملا في الصفحة ذاتها من عدد جريدة النهار ليوم الاربعاء الواقع فيه 20 كانون الثاني 2010.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
(الشركة اللبنانية لتطوير واعادة اعمار منطقة وسط بيروت ش.م.ل. (سوليدير))
تعليقات: