في مثل هذا اليوم من صباح الثامن عشر من نيسان، وقبل إحدى عشرة سنة من اليوم، وقعت مجزرة آل عابد في النبطية الفوقا. كان ذلك قبل ثماني ساعات من وقوع مجزرة قانا. يومها، في عدوان نيسان ,1996 آثرت عائلة حسن العابد التي كانت تسكن في «حي العقيدة»، الذي يشرف عليه موقعا الاحتلال الإسرائيلي في تلتي الدبشة وعلي الطاهر، أن تتشبث بأرضها. توالت الإنذارات التي كانت تبثها وسائل الإعلام الإسرائيلية وعملاؤها طالبة إخلاء المنازل تحت طائلة التهديد.
اطمأنت العائلة إلى مخبئها الآمن في الطبقة الأرضية لمنزل جارها علي جواد ملي الذي هجر الحي. لم تمهلهم المقاتلات الإسرائيلية طويلاً، فشنت غارة مفاجئة على المنزل ومزقته بالصواريخ، وأحالت أجساد ثمانية من أفراد العائلة الى أشلاء.
وحدهما ابراهيم (18 سنة) وشقيقته نجود (19 سنة) نجوَا من المجزرة، وقد حشرهما ركام المنزل بين كتل الإسمنت. راحا يصرخان طلباً للنجدة، أغمي عليهما، قبل أن ينقلا الى المستشفى.
للغارة حصيلة بشرية: الأم فوزية خواجة (43 سنة) والأبناء: علي (10 سنة)، محمد (12 سنة)، هدى (9 سنوات)، ندى (7 سنوات)، مرتضى (4 سنوات)، لولو (16 سنة) والرضيعة نور (4 أيام)، اضافة الى صهر العائلة الشهيد أحمد خليل بصل (23 سنة) وخطيب الناجية نجود.
كان الوالد حسن العابد يستعد لركوب الطائرة نحو مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، سمع بنبأ الغارة الإسرائيلية على البلدة، وعاد ادراجه قاصداً برادات المستشفيات في صيدا. هناك كشف عن وجوه الضحايا والأشلاء، عفّر وجهه بدماء أبنـائه قائلاً: «يا رب كنـت متوجهاً إليك.. فإذا بعائلتي تسبقني إليك».
اليوم، في الذكرى الحادية عشرة لحصول المجزرة، يؤثر رب العائلة حسن العابد عدم الخوض في تفاصيلها، باعتبارها تنكأ جراحه. أكثر ما يحز في نفسه هو احساسه بأن استشهاد عائلته وغيرها من ابناء البلد الصامدين، لم يساهم في توحيد البلد ورأب الصدع بين اللبنانيين، في وقت تكرس فيه الطائفية والمذهبية والتفرقة.
يثير العابد مشكلة عدم حصوله وولديه الناجيين على ضمان صحي يخولهم العلاج على حساب الدولة بكرامة.
بدوره، يرفض نجل حسن العابد ابراهيم التحدث عن المجزرة، التي ما زال يتلقى العلاج الجسدي والنفسي بسببها. يعمل إبراهيم في «تلحيم» وحدادة الآلات والجرارات الزراعية، وهي المهنة التي يعاني منها نظراً لإصابته الجسدية في المجزرة، علماً بأنه كان ورثها عن والده الذي تخلى عنها، مطالباً بتأمين عمل آخر له.
ويوضح العابد أنه سيبيع شقته السكنية، التي اشتراها له والده في بلدة تول من التعويضات بعيد المجزرة، ليبني منزلاً بالقرب من منزل والده في النبطية الفوقا.
أما شقيقته الناجية نجود فقد تزوجت من أحد أبناء البلدة، بعدما استشهد خطيبها السابق، وسافرت مع زوجها منذ فترة إلى تشيلي في أميركا اللاتينية حيث يعمل.
تعليقات: