عاصي الحلاني
.
بعد عشرين عاماً على مسيرته الفنية، تحقّق حلمه الأثير بالوقوف على أدراج مدينة الشمس. هكذا، أدّى دور البطولة في «أوبرا الضيعة» لعبد الحليم كركلا، في «مهرجانات بعلبك» خلال الصيف الماضي. لا تغيب عن باله صورة وديع الصافي، وهو يضع على كتفيه العباءة... وقف على الخشبة إلى جانب الصافي، وجوزف عازار وهدى. «كان حلمي أن أقف في المكان الذي أبدع فيه عمالقة الفن والطرب والتراث في لبنان والعالم العربي والغربي، أمثال وديع الصافي وفيروز وصباح ونصري شمس الدين»، يسرّ إلينا عاصي الحلاني خلال لقاء مسائي في بيته في منطقة الحازمية. ذاك الحلم رافقه مذ كان طفلاً يهوى الغناء.
عالمه الأنقى والأمثل، كان عالم الميجانا والدلعونة والدبكة، ومنه انطلق إلى الشهرة العربيّة، بعد مشاركته في «ستوديو الفن» عن فئة الأغنية الفولكوريّة عام 1988. ابن الأسرة البعلبكيّة، والرقم 11 بين أولادها الثلاثة عشرة، ولد في جديدة المتن، حاملاً اسم محمد مزين الحلاني. حين كان في الخامسة، اشتعلت نيران الحرب الأهليّة، وصارت الأسرة تترك بيروت وتلجأ إلى ضيعتها، الحلانيّة، المرميّة عند أطراف بعلبك، حيث يلتمّ شمل «الحلانيّين» بعيداً عن القذائف والقنّاصين.
ترك أهل قريته بعاداتهم وتقاليدهم بصماتهم على شخصيته الفنيّة. مثّلت حفلات المدرسة المتنفّس الوحيد لصوت الطفل، وشجّعه الأهل والرفاق على الغناء في أعراس الضيعة، وأداء المواويل والعتابا والدلعونا. ثم كان يشبك يديه الصغيرتَين بأيدي رجالها المعروفين على مستوى بعلبك والبقاع والمنطقة، بسبب إتقانهم الدبكة الشعبية «البدّاوية». أمّا والده، فكان يعزف على المنجيرة (الناي) وكان أحد أشهر «دبّيكة» المنطقة. وكذلك كان جدّه عازف ناي يتنقّل من عرس إلى آخر وصولاً إلى زغرتا وسائر قرى الشمال ومدنه.
قبل «ستديو الفن» الذي مثّل عتبته الفعليّة إلى عالم الشهرة، سجّل الحلاني أغنية «يا رمّال» وهو في سن السادسة عشرة (1986)، ثم أتبعها في العام التالي بأغنية «سلمت عليك». لكنّ الأغنيتين لم تنالا النجاح المتوقّع. في ذلك الوقت، أطلق عاصي على نفسه الاسم الفني الذي بات معروفاً به بدلاً من اسم محمد مزين الحلاني «تيمناً بالراحل الكبير عاصي الرحباني وبنهر العاصي»، يخبرنا.
في عام 1987، بعد سنتين على انطلاقة برنامج «ستديو الفن» على lbc، تقدم الحلاني بطلب وجرّب صوته. وفي مطلع 1988، أطل من البرنامج الذي يعدّه سيمون أسمر ويشرف عليه، عن فئة الفولكلور اللبناني. «نصحتني اللجنة بغناء هذا اللون، وكانت تضم إلى جانب سيمون أسمر، زكي ناصيف ورفيق حبيقة. سألني يومها زكي ناصيف: أنت من أين؟ فأجبت من بعلبك، سألني هل أغنّي ميجانا وعتابا؟ قلت طبعاً. وقتها غنيت بيت عتابا، وقال لي ناصيف تابع بهذا اللون».
في عام 1989، انطلقت شرارة حرب «الإلغاء»، وكان اسم عاصي قد بدأ يتردّد... لكن ماذا عساه يفعل والحرب وضعت أوزارها؟ خاف أن ينساه الناس بعدما حفر له مكانة في قلوبهم. قرر نجم «الهوّارة» تخطي الحواجز بصعوبة كبيرة، واستعان بتسجيلات «أل. بي. سي.» للأغاني التي ردّدها في «ستديو الفنّ».
بعد الحصول عليها، توجه إلى شركة «ريلاكس إن» في محلة الغبيري والتقى مديرها أحمد موسى، وطلب إليه وضع تلك هذه الأغاني ـــــ من بينها «الهوارة» و«دلعونا» و«هيقالو» و«شروقي» ـــــ على كاسيت... نزل الألبوم في اليوم التالي في الأسواق اللبنانية. وخلال عشرة أيام، صار اسم عاصي الحلاني وأغانيه على كل لسان، وراح يقدّم الحفلات في مختلف المناطق اللبنانية رغم الأوضاع الصعبة.
بعد انتهاء الحرب الأهليّة، عاد سيمون أسمر من قبرص ليقدم برنامج «دراج الفن»، واستضاف في إحدى حلقاته عاصي الحلاني. يتذكر النجم تلك الإطلالة التي «تركت أثراً كبيراً عند الناس، ومعها بدأت المسيرة. مسيرة عشرين سنة تقريباً. قدمت حينها ألبومي الأول «بيتك قصر»، وفيه أغنيات لعازار حبيب ورفيق حبيقة. وبعدها «محلانا سوا سوا» من إعداد زكي ناصيف وألحانه. ثم كان ألبوم «مهر الزينة»، و«وانا مارق مريت»، ثم «يا ميما»»... وكرّت السبحة حتى صار يُصدر ألبوماً في كل سنة... وقد بلغ هذا العام رصيده عشرين ألبوماً، بعدما صدر أخيراً ألبومه الجديد «عاصي 010» الذي يتألّف من 16 أغنية. كذلك سيعيد في أيار (مايو) المقبل تقديم مسرحية «أوبرا الضيعة» في قلعة محمد علي باشا في القاهرة. وسيكون ضيف الشرف في مسرحية «زايد والحلم» التي ستعرض في بيروت الشهر المقبل.
لم يكتفِ «فارس الغناء العربي»، وهي التسمية التي أطلقها عليه الإعلامي جورج إبراهيم الخوري، بتأدية اللون التراثي، بل أنشد كل الألوان اللبنانية والمصرية والخليجية، ولحّن نحو 50 أغنية من أغانيه نالت شهرة واسعة على نحو «هلا بالخيل طلت الخيالة»؛ و«من الجرد ونهر العاصي»، و«يا ناكر المعروف»، و«القرار» من كلمات نزار قباني وغيرها... الفنان البعلبكي أبدع في تأدية الدبكة الشعبية في «أوبرا الضيعة» في كنف عميد الفولكلور عبد الحليم كركلا. وهي في رأيه «شيء ورثته بالجينات لا بالعلم، من العائلة، من البيئة التي أنحدر منها، بيئتنا البعلبكية لا تزال تحتفظ بالتراث. بمفهومي، الوطن تراث وأرض وشعب؛ ومن دون هذه العناصر الثلاثة، يستحيل صناعة الوطن».
يعتزّ عاصي الحلاني بمجموعة من الأغاني الوطنية التي قدمها في أكثر من مناسبة. «كنت موجوداً بصوتي في أيام الفرح وأيام الحزن، وكنت أترجم أحاسيس الناس ومشاعرهم. الأغنية الشعبية تعبّر كثيراً عما في دواخل الإنسان من مشاعر. وفي بعض الأحيان، لا شيء يستطيع أن يُخرج الحزن منك إلّا الموسيقى والكلمة. لهذا غنّيت للجنوب، وفلسطين، وسوريا، وبيروت، في أغنيات مثل «يكون بعلم الكون النايم» و«قوتنا بوحدتنا» و«بعدك ساكت».
5 تواريخ
1970
الولادة في جديدة المتن (شرق بيروت)
1986
سجل أولى أغانيه «يا رمال» ثم أغنية «سلمت عليك»، وأطلق على نفسه اسم عاصي
1988
أطل من برنامج «ستديو الفن» ونال الميدالية الفضية
عن فئة الأغنية الفولكلورية
2009
أدى دور البطولة في «أوبرا الضيعة» لكركلا إلى جانب جوزف عازار وهدى ووديع الصافي
2010
صدر ألبومه «عاصي 010» وسيعيد تقديم «أوبرا الضيعة» في القاهرة. ويحلّ ضيف شرف في مسرحية «زايد والحلم» التي ستعرض في بيروت الشهر المقبل
تعليقات: