الحوار هو الحديث بين فريقين يتم فيه تداول الكلام بطريقة متكافئة
يعود أصل كلمة الحوار إلى ( الحَوْر ) وهو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء،
والحوْر النقصان بعد الزيادة لأنه رجوع من حال إلى حال،
التحاور : التجاوب ، تقول : كلمته فما حار إلي جواباً ،
أي: ما رد جواباً ،
قال الله تعالى : (إنه ظنّ أن لن يحور) أي : لن يرجع،
وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام ،
والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة.
والحوار في الإصطلاح هو نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر ، ولكل منهما وجهة نظر خاصة هدفها الوصول إلى الحقيقة ، بعيداً عن الخصومة أو التعصّب , بطريق يعتمد على العلم والعقل ، واستعداد كلا الطرفين لقبول الحقيقة ولو ظهرت على يد الطرف الآخر.
ولا بدّ أن نعرف أنَّ للحوار أركانا وشروطا من المفروض مراعاتها، وأهم هذه الشروط الإعتراف بالآخر والقبول به، حتى لو كان يقف على طرف النقيض مما تؤمن به أو تعتقده وتتبناه ، لأنّ ثقافة الحوار تبتني على احترام التنّوع والإختلاف ، بعيدا عن كلّ تعصّب أو إلغاء ، أو هيمنة وإرهاب فكري .
كما أنَّ الفوقية و إدعاء العصامية حاجز أمام لغة الحوار ، لأنك عندما تحاور الآخر بذهنية المتفوق أو الأعلم ، وأنَّ رأيك هو الحق المطلق فإنك تحكم على الحوار بالعقم، فالأجدر بك أن تنطلق في حوارك من القاعدة التي رسمها الشافعي حين قال :" رأيي صواب يحتمل الخطأ , ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ." وعلى هذا فإنَّ الحوار البنّاء هو الذي يدفعك إلى التحرّي عن مكامن الحقيقة حين تقرأ فكرك بلغة النقد ، وتقرأ فكر غيرك بلغة التأمّل والإنفتاح !
ثم إنَّ الحوار مفردة وسلوك نحتاجه في كل جوانب حياتنا الإجتماعية ، وفي كل دوائر هذه الحياة بدءا من الأسرة التي أراها النواة الأولى لمجتمع متحاور متصالح مع نفسه ، فعندما تسود لغة الإعتراف والحوار بين الزوج والزوجة في دائرة الحياة الزوجية ، ويحتكم الزوجان فيما يحصل بينهما من اختلاف في الرأي إلى طاولة الحوار المستديرة ، وتنطلق هذه اللغة الرائعة لتكوّن جسور التواصل مع الأبناء في دائرة الأسرة ، و يعبّر الأبناء عن آمالهم وتطلّعاتهم في جو أسري مستمع ومتفهم ويتبادلون مع الوالدين الرأي والمشورة ، فإنَّ ذلك سيكون سبباً حتمياً لبناء بيئة مجتمعية راقية وخلاّقة .
من هنا فإنَّ الإحتكام إلى الحوار يتطلّب تربية تواكب الفرد من مرحلة الطفولة إلى الشباب ، ليكون الحوار ممارسة مألوفة لديه ، ومبدأ أساسيا من مبادئ التعامل مع الآخر .
وبالإنطلاق إلى المجتمع الواسع حيث تختلف الآراء وتتنوّع الثقافات وتتعدد الإنتماءات فإنَّ الحاجة إلى الحوار تشتدّ وتزداد ، وذلك درءا لما يمكن أن يتولّد عن الإختلاف من خلاف وخصومة قد تعّبر عن نفسها بأشكال العنف والإقصاء .
إنَّ حاجة المجتمع إلى الحوار كحاجته للماء والهواء ، لأنَّ مجتمعاً لا يؤمن بلغة الحوار هو مجتمع يختنق فيه الإنسان ويتجمد فيه الفكر ويموت الإبداع !
ثم إنَّ الحوار لا ينحصر في زاوية من زوايا الإعتقاد أو الفعل ، وإنما يشمل كل جوانب الحياة النظرية والعملية ، فلا محرمات في الحوار سواء أكان دينياً أو سياسيا, أو ثقافياً أو تربويا أو ..
لأنَّ من حقّ الإنسان أن يؤمن بصحة معتقداته وما يتلى عليه من أوامر ونواهي باسم الدين ، ولقد أراد الله لنا أن نؤمن عن تبصّر ومعرفة ، وأن لا يكون إيماننا موروثا على قاعدة هذا ما وجدنا عليه آباءنا .. فمن حقي أن أعرف حكمة التشريع في الوجوب وحكمته في المنع والتحريم ، ليكون إيماني تسليماً وانقيادا عقليا لا استسلاما وإذعانا قهريا !.. ولعلّنا في هذا الزمن الذي تسوّق فيه الفتوى على منابر الفضائيات أحوج ما نكون إلى البحث والتأمّل والتحليل ..لأنَّ الكثيرين ممن يدعوّن حصرية التمثيل الإلهي في الأرض تحولوا إلى سماسرة ووسطاء يبيعون الناس أمتارا في الجنة أو يبوؤنهم مقاعدهم من النار !
وكما في الدين كذلك في السياسة ، فإن من حقي أن أحاور من يتربّع على عرش السلطة ، ومن واجبه أن يستمع إلي ، من حقي أن أكون شريكاً حقيقياً في مشروع الدولة ، ومواطنا يحظى بحقوق المواطنة ، من حقي أن أعبّربحرية عن رأيي موافقة أو اعتراضا ، من حقي أن أُعامل كإنسان محترم في إنسانيته حراً في معتقده وانتمائه ورؤاه ..
ولعلني أرسم في هذه السطور شكلاً مثالياً لا يتطابق مع المعهود المعاش في وطننا العربي الكبير لأنَّ المتربّع على كرسي الحكم لا يغادره إلاّ للقاء الله ، ثم يأتي من بعده وريثه الأول والثاني والثالث وإلى ما لا نهاية ، ومع هذا الواقع يصبح الكلام بتداول السلطة تجرّءا على هيبة الملك، وتمرّدا على شرعية النظام وخيانة وطنية عظمى، وتصبح صناديق الإقتراع أكذوبة متبادلة بين الحاكم والشعب !..
إضافة للدين والسياسة كذلك في الفكر والثقافة ، فالحوار الهادئ والموضوعي والقائم على أسس علمية ومنطقية سليمة من شأنه أن يغني المخزون الثقافي والمعرفي لدى الفرد والمجتمع ، ويساعد في تقريب وجهات النظر وتدوير الزوايا ، وحلّ المشكلات والنزاعات ، كما أنّه يوفّر منبراً حراً للتعبير عن وجهات النظر في مختلف الميادين الفكرية والثقافية .
حبذا لو استطعنا تعميم لغة الحوار علّنا نعبر كهوف تخلفنا إلى مراقي السمو الإنساني الرفيع !..
* كاتب وباحث لبناني
تعليقات: