المختار محمد النعماني يتحدث إلى الزميلة ثريا حسن زعيتر
صيدا:
<الوجيه> أو <المختار> لقب يُطلقه الناس على <كل من يفتح باب داره أمام الناس، ويسعى بالخير وخدمتهم دون أن تكون بالضرورة، له صفة رسمية - أي أنه منتخب من الشعب، ذلك أن <المختار> وفق مفهوم أبناء الأحياء الشعبية في المدن والبلدات والقرى الجنوبية، عمل وتواصل مع الناس وخدمتهم، والسعي الى إصلاح ذات البين، ومد يد المساعدة، وليس فقط إنجاز معاملات إدارية أو تبادل منافع••
وفي صيدا، كما بلدات وقرى شرقها ومعظم مناطق الجنوب، فإن ما يُميز عمل المخاتير، الترابط والتفاهم، والذي يتخذ حيناً شكل علاقات أخوية وصداقة، وحينا آخر التلاقي في رابطة خاصة بهم تكريساً لقناعتهم، على أن الأجمل في كل ذلك الإختلاف في إسلوب خدمة الناس، فمنهم من ما زال يعتمد إسلوبه <البدائي> في التعامل مع المواطنين•• وبعضهم الآخر طوّره مستخدماً <الإنترنت> و<الايميل> و<الفايس بوك>، للتواصل مع الناس وتسهيل أمورهم، والإجابة على أسئلتهم فيما يتعلق بما هو مطلوب لإنجاز المعاملات، دون أن يقصده ويتكبد عناء الإنتقال اليه••
والمخاتير في صيدا يجسدون هذه الصورة، بين الأكبر منهم سناً - والذي ما زال يحتفظ بأسرار المهنة وكواليسها•• وبين الأصغر - الذي يعتمد الحداثة <الانترنت> للتعارف على الناس والقرب منهم••
<لـواء صيدا والجنوب> يواكب عمل أكبر مخاتير صيدا الحاج محمد عبد الكريم النعماني، والأصغر سليم خليل عبود، حيث خلص الى أن الإسلوب يختلف، ولكن الهدف واحد، هو خدمة الناس••
النعماني: أكبر المخاتير يعتز المختار محمد عبد الكريم النعماني أنه أكبر مخاتير صيدا سناً، اذ يبلغ من العمر 81 عاماً، ويتولى مهمة <المخترة> منذ العام 1987 - أي قبل 23 عاماً، صحيح أنه لم يكن في ذلك الوقت انتخابات نيابية أو بلدية أو اختيارية، ولكن التعيين كان هو السائد، لأنه من المعروف أنه إذا توفي مختار، تم تعيين أكبر أعضاء المجلس الإختياري سناً، وهذا ما حصل في <حي الكشك>، اذ توفي المختار الأسبق نذير النعماني، فتم تعيين يوسف عجرة مختاراً، قبل أن يتوفى أيضاً، فتم تعيين أكبر الأعضاء سناً - أي النعماني، وما زال مختاراً بالانتخاب لدورتين متتاليتين، لثقة الناس به ومحبته•
ويقول المختار النعماني، الذي ينهمك حيناً داخل محله، في ذات حي <الكشك> قرب <الجامع الكبير> داخل أحياء صيدا القديمة، ببيع السمانة واللبن، وحيناً آخر بمراجعة معاملات المواطنين أو التوقيع والختم على صورة، <أن المخترة ليست فقط انجاز معاملات، بل هي خدمة الناس بكل نواحي الحياة - أي التواصل مع الناس والإطلاع على مشاكلهم، ومحاولة معالجتها>•
وأوضح أنه <في معاملات المخترة ليس هناك شيء صعب أو مستحيل، فتواجهنا عادة مشاكل تتعلق بالإهمال والتقصير، إنسان لم يسجل ولده في دائرة النفوس، وبات كبيراً في السن وليس لديه أوراق ثبوتية، فيحتاج الى معاملات والى محكمة، وإجراءات ادارية معقدة، فيما بعض المعاملات تحتاج الى توكيل محامٍ كي يتابعها قانونياً، وبعضها الآخر يحتاج الى مونة وتوصية>•
ويؤكد المختار النعماني أنه <كثيراً ما نسعى الى إصلاح ذات البين والصلح بين الناس، فإذا اختلف الزوج مع زوجته جاءنا شاكياً الأمر>•• قبل أن يضيف: <نتدخل بالكلمة الطيبة، ونهدأ الخواطر، فنجري مصالحة، ونجمع الشمل من جديد، والبعض يأتي ويحتاج الى مساعدة، فنجمع له ما تيسر من <الأجاويد> لنستر عائلة فقيرة أو محتاجة، تارةً نقدم أموالاً، وأخرى مساعدة عينية، كل شيء وفق تقديرنا للموقف>•
ويتوجه رئيس <رابطة مخاتير صيدا> كل يوم الى محله المتواضع، يطرح السلام على الناس، يصافح هذا ويقبل ذاك، ويقول: <إن محبة الناس هي رصيدي، فكثيراً ما أخدمهم بلا مقابل، الذي يدفعوه هو ثمن الطابع لأي معاملة إذا كانت تحتاجه، ولا أتقاضى أجرة، انها سنّة الحياة في الخدمات المتبادلة، وأحياناً الغني يدفع ليعوّض عن الفقير>•
شكاوى ووراثة وشكا المختار النعماني من صعوبة انجاز الهويات، بسبب النقص في عدد الموظفين في دائرة النفوس في صيدا، قائلاً: <لقد طالبنا من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ووزير الداخلية والبلديات زياد بارود، وزعماء المدينة، معالجة المشكلة، تلقينا وعوداً، وما زلنا ننتظر التنفيذ كي تنتهي معاناتنا>•
وأشار الى <أنه في الأيام العادية، ليس هناك ضغط في انجاز المعاملات، ولكن الأمر يختلف في الانتخابات، اذ نعمل على مدار الساعة، ولا ننجز كل ما هو مطلوب في الوقت المناسب، وعند التجنيس شهدنا حركة ازدحام على انجاز المعاملات، تراجعت الآن، ولكننا نتوقع أن تُعاود سيرتها مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية والاختيارية>•
وعلق على الاقتراح، الذي يطالب بضرورة أن يكون المختار حاصلاً على الشهادة الثانوية - قبل أن يرفضه مجلس الوزراء - موضحاً <إن الغالبية الساحقة من المخاتير في لبنان، لا يملكون مثل هذه الشهادة، فهل نقول لهم <استريحوا> في منازلكم، وبعضهم أفنى سنوات عمره في خدمة الناس والدولة>••
وأكد المختار النعماني <لم أندم على عمل المخترة في أي يوم من الأيام، لأنني مرتاح الضمير، فخدمة الناس واجب على كل انسان، فكيف إذا كان مختاراً>••، مشيراً الى <أن ولدي راغب في معاودة التجربة بأن يصبح مختاراً، وكثيراً ما أُرسله لتمثيلي في مناسبة اجتماعية، كحفل زفاف أو تقديم واجب التعازي في مأتم، إنها بداية الطريق للاختلاط بالناس، والإلتصاق بهم، ومعرفة نمط حياتهم، وتفكيرهم كي يخدمهم بطريقة أفضل>•
عبود: أصغر المخاتير أما مختار القناية سليم خليل عبود (35 عاماً)، فهو أصغر مخاتير صيدا، وعضو في الهيئة الادارية لـ <رابطة مخاتير صيدا>، وممثل الرابطة لدى الدولة اللبنانية، أنهى شهادة البكالوريا الثانية - قسم الفلسفة في ثانوية لبعا، ورث المخترة أباً عن جد•• فوالده الراحل خليل عبود كان مختاراً، وقبله جده سليم (الذي حمل اسمه)، فالمخترة في العائلة منذ 70 عاماً•
يقول: في الدورة الماضية ترشحت على المخترة وفزت، كان في السابق والدي خليل وقبله جدي سليم مختارين، ومحبة الناس والثقة بهما أوصلتني اليوم الى المخترة، فقرابة 70 عاماً في خدمة الناس ليس بالأمر السهل، وهذا المحل شاهد على الكثير من الحكايات، ما زالت أثارهما فيه وصورتهما ومفتاح عمره نحو 70 عاماً من عمر افتتاح <الميني ماركت> التي باتت علماً في حي الصباغ، من تسأل يرشدك فوراً الينا•
وأضاف: لقد اكتسبت بعض الخبرة قبل أن أصبح مختاراً، كنت أساعد والدي في مراجعة بعض المعاملات، فالمخاتير سابقاً غالبيتهم لا يجيدون الكتابة والقراءة بطلاقة، والدي كان يقرأ ويكتب، ولكنه يحتاج في بعض الأحيان الى مساعدة، كنت أقوم بذلك، أُراجع المعاملات الى أن تمرست بذلك، وبات لديّ إلماماً بها، وأصبحت اليوم عادية جداً•
وأشار الى <أن المخترة بمفهومي وعائلتي من قبل، ليس فقط انجاز معاملات، وانما تواصل مع الناس وخدمتهم، وكوني مختار جديد أو أصغر مخاتير المدينة، صحيح ليس لديّ كل المعلومات أو الخبرة كما كبار المخاتير، ولكنني أتعلّم، منهم، أسترشد بنصائحهم، ولذلك لم تواجهني صعوبات كثيرة، أو حتى معقدة، لكل مشكلة حل مهما صعبت، المهم أن نعرف كيفية معالجتها ادارياً، وعلاقاتي مع جميع زملائي وطيدة، إنني منفتح عليهم، أتأقلم مع العمل، وتربطني علاقة خاصة مع <رئيس الرابطة> المختار النعماني، الذي أعتبره بمثابة والدي، وكثيراً ما أطلب نصائحه>•
اقتراح واشادة ورأى <أن اقتراح إلزام المختار بحمل شهادة ثانوية، والذي لم يقره مجلس الوزراء، كان يحتاج الى دراسة متأنية ووقت أيضاً، لا نستطيع أن نزيل شريحة كبيرة من المخاتير سواءً في صيدا أو لبنان، فالمختار القديم لديه الخبرة والمعلومات الكثيرة، وهي غير متوفرة في المختار الجديد، حتى لو كان متعلماً، وإقترح أن يتم تعيين نائب مختار متعلم يساعده على إنجاز ما يصعب عليه من معاملات، أو يحتاج الى قراءة وكتابة وعلم>•• مشدداً على <أنني سألتزم بأي قرار تتخذه الرابطة بهذا الشأن، فنحن وحدة حال، وما يسري على أيٍ منا يسري على الجميع، بيننا المودة والاحترام والتفاهم>•
وتوجه بالشكر الى <وزير الداخلية والبلديات زياد بارود على جهوده، في ايجاد أفضل الحلول للمخاتير، حيث ركز على الضمان الاجتماعي، وهو ما يُريح الجميع، ولكن المهم أيضاً طابع المختار الذي بحثه، فهذا يُعطينا قيمة اضافية، ومكانة مرموقة أكثر في المجتمع، ولنزيد على ذلك بضرورة تخصيص راتب شهري من الدولة، بعض المخاتير يتواجدون في السراي الحكومي ويتقاضون أجراً على انجاز المعاملات، اضافةً الى الرسوم والطوابع• والبعض الآخر يُمارس العمل في محله أو منازله أو مكتبه الخاص، دون أن يتقاضى أي أجرٍ غير الرسوم - أي الطوابع• وهؤلاء يحتاجون الى راتب شهري يعزز مكانتهم الاجتماعية بين الناس، ويشعرهم بأن الدولة توليهم الإهتمام المطلوب>•
كومبيوتر وحداثة وبما أن المختار عبود - هو أصغر المخاتير، فإنه يجمع بين القديم والحديث، فيقول: أنا مدمن <انترنت>، أمضي نحو 20 ساعة في بعض الأيام أمام شاشة الكمبيوتر، لقد فتحت لي أفاقاً كثيرة للتعرف على أبناء حيي ومنطقتي، لقد أنشئت <فايس بوك> و<مجموعة> بإسم الهيئة الادارية لرابطة المخاتير، و<مجموعة> خاصة بإسمي، أتواصل مع الناس عبر <الإنترنت>، يسألونني أحياناًُ عن المعاملات وما المطلوب لإنجازها عبر رسائل بريدية• وأحياناً يأتون للتعرف عليّ، لقد أضفت الى مجموعة <الفايس بوك> كل أسماء أبناء الحي، ونحن على تواصل سواءً من كان منهم في لبنان أو الخارج، وبالتأكيد هذا التواصل يعزز وضعي انتخابياً بسبب الشعبية الكبيرة، والثقة والاحترام بيننا، ولم يكن هدفي كسب صوت انتخابي أو تأييد، لقد سعيت للتعارف على الجميع، وهؤلاء يمنحونني دعماً معنوياً وليس في صناديق الاقتراع فقط•
مخاتير مدينة صيدا
يوجد في مدينة صيدا 23 مختاراً موزعين على 13 حياً، وهم: محمد عبد الكريم النعماني وهلال حسن الجعفيل (الكشك)، ابراهيم سعد الدين عنتر ومحمد اسماعيل بعاصيري (الدكرمان)، عبد الرحمن مصطفى الرفاعي وكاظم مختار طالب (الزويتيني)، جميل البيلاني ويوسف حسن الزعتري (السبيل)، نزيه يونس الرفاعي (السراي)، زياد محمود حمود وفؤاد أحمد البني (الشارع)، أحمد عبد الرحمن السكافي وخالد أحمد السن (الكنان)، ابراهيم عبد الله ديماسي وأحمد خضر الغربي (المسالخية)، عمر محمد أديب اليمن وأحمد عز الدين القنواتي (الوسطاني)، أحمد طالب سعدية، محمود ديب السيد ونزيه مصطفى حيدر (رجال الأربعين)، الياس جوزيف الجيز (مار نقولا) ونزيه حجازي (مكسر العبد) وسليم خليل عبود (القناية)•
ثريا حسن زعيتر
Th@janobiyat.com
تعليقات: