البقدونس.. اهتمام طبي بفوائده وكيفية تناوله
الرياض:
إن كنت تريد فيتامين «سي» كي تقاوم نزلات البرد وتحمي شرايين قلبك ودماغك، عليك بتناول صحن من «التبولة» الغنية بأوراق البقدونس. ذلك أن كمية فيتامين «سي» في البقدونس تعادل ثلاثة أضعاف ما في البرتقال.
وان كنت تريد حديدا كي ترفع الهيموغلوبين في دمك وتزيد من دفق الأوكسجين إلى عضلاتك ودماغك، عليك بالبقدونس. ذلك أن كمية الحديد في البقدونس تعادل تلك التي في السبانخ.
ومع تساوي كمية الحديد في كليهما، فإن ما يميز البقدونس هو المحتوى العالي لفيتامين «سي». ومما تشير إليه المصادر الطبية كعامل يرفع من قدرة الأمعاء على امتصاص الحديد هو توفر فيتامين «سي» معه. ولذا ينصح طبيا بتناول حبوب فيتامين «سي» مع تناول حبوب الحديد عند معالجة حالات فقر الدم، أو ما يُعرف بالأنيميا. والبقدونس أفضل من السبانخ، لأن كمية فيتامين «سي» في كل 100 غرام من البقدونس هي 133 ملغراما (ملغم)، بينما كمية فيتامين «سي» في نفس الوزن من السبانخ هي 28 ملغم فقط.
* تميز صحي للبقدونس
* ولكن لا يقف تميز أوراق وسيقان البقدونس عند هذا الحد، بل هناك فوائد صحية عالية. ويحاول الباحثون الطبيون معرفة هذه الفوائد الصحية، لجلاء حقائق التأثيرات الصحية الإيجابية لمكونات غذاء الآباء والأجداد، وبخاصة حرص السابقين على تناول «الطيبات» من أصناف المنتجات الغذائية الطبيعية. ووفق ما هو متوفر من معلومات علمية حول الدراسات التي تمت على البقدونس، لا يجب أن يغيب البقدونس عن مكونات الطعام اليومي لمن أراد الصحة من غذائه. ويلاحظ علميا أن الفوائد الصحية للبقدونس نابعة من العناصر التالية:
أولا: التركيبة الفريدة، في احتوائها على العناصر الغذائية والمجموعات التقليدية من المعادن والفيتامينات، التي تعطي البقدونس فوائد صحية سريعة عبر إمداده الجسم بحاجته اليومية من تلك العناصر الغذائية، وكذلك في تسهيل عمل أعضاء الجسم بكفاءة، ووقايتها من الأمراض.
ثانيا: نوعية الزيوت الطيارة التي تحتوي عليها أوراق وسيقان البقدونس، والدراسات الطبية التي حاولت معرفة تأثيراتها الطبية.
ثالثا: نوعية المركبات الكيميائية للمواد المضادة للأكسدة، بكل ما هو معلوم طبيا حول فوائدها الصحية والطبية.
رابعا: تأثيرات مركبات البقدونس الكيميائية على وظائف الكلى، ومساهمتها في إدرار البول، وربما أيضا في تخليص الجسم من السموم.
خامسا: الدراسات الواعدة حول تأثيرات البقدونس على شرايين القلب.
* قيمة غذائية عالية
* ودعونا نراجع ما تقوله نشرات وزارة الزراعة في الولايات المتحدة عن كمية ونوعية العناصر الغذائية التي تحتوي عليها أوراق البقدونس، إذ إن كمية 100 غرام من البقدونس الطازج تحتوي على 36 سعرة حرارية (كالورى)، وعلى 6.3 غرام من الكربوهيدرات، منها نحو غرام واحد من السكريات الحلوة الطعم، ونحو 3.5 غرام من الألياف النباتية. وبها أيضا 3 غرامات من البروتينات، ونحو 1 غرام من الدهون النباتية.
وبالنسبة إلى المعادن والفيتامينات، تحتوي تلك الكمية على فيتامين «كيه» (K) بمقدار 1650 وحدة دولية، أي ما يعطي الجسم حاجته اليومية منه بنسبة 1600 في المائة، وعلى كمية 130 ملغم من فيتامين «سي» (C)، أي ما يعطي الجسم حاجته اليومية بنسبة 230 في المائة. وعلى كمية 150 ميكروغراما (مكغم) من فيتامين «الفوليت» (Folate)، أو «بي - 9» (B - 9)، أي إعطاء الجسم حاجته اليومية منه بنسبة 40 في المائة. وعلى كمية 6.2 ملغم من الحديد، أي 50 في المائة من الحاجة اليومية إليه.
كما يحتوي على كميات 140 ملغم من الكالسيوم، و560 ملغم من البوتاسيوم، و1.2 ملمغ من الزنك، 50 ملغم من المغنسيوم، أي إمداد الجسم من كل واحد من هذه المعادن الأربعة بنحو 15 في المائة من نسبة الحاجة اليومية إلى أي منها.
ثم إنه يحتوي على كميات نحو 640 وحدة دولية من فيتامين «إيه» (A)، و0.2 ملغم من فيتامين «بي - 2» (B - 2). أي نسبة 13 في المائة من الحاجة اليومية إلى أي واحد منهما، وعلى 1.3 ملغم من فيتامين «نياسين»، أو «بي - 3» (B - 3)، و0.4 ملغم من فيتامين «بانتوثينك» (Pantothenic acid)، أو «بي - 5» (B - 5)، و0.1 ملغم من فيتامين «بي - 6» (B - 6)، و0.1 ملغم من فيتامين «ثيامين»، أو «بي - 1» (B - 1). أي إمداد الجسم بنحو 10 في المائة من الحاجة اليومية إلى أي من هذه الفيتامينات الأربعة.
إذن، نحن نتحدث عن منتج نباتي ذي قيمة غذائية عالية في محتواه الممتاز أو الجيد من عناصر غذائية هامة ومفيدة للجسم. ويمكن ببساطة تناول هذه الكمية القليلة من البقدونس، وفي دقائق معدودة، عبر إحدى الإضافات لمكونات طبق السلطة أو التبولة.
* زيوت البقدونس والسرطان
* تحتوي أوراق وسيقان البقدونس على مركبات من الزيوت الطيارة (Volatile oil components). ومما توصل الباحثون إلى معرفته مركبات مايريستيسين (myristicin)، ومركبات «ليمونين» (limonene)، ومركبات «إيوجينول» (eugenol)، ومركبات «ألفا - ثيجين» (alpha - thujene). ومما توصلت إليه الأبحاث أن لهذه الزيوت الطيارة تأثيرات إيجابية في خفض احتمالات نمو الأورام السرطانية، وذلك على حيوانات التجارب المختبرات، وبخاصة أورام الرئة. ومما أشارت إليه تلك الأبحاث، عمل مركبات «مايريستيسين» على تعطيل مركبات كيميائية مسرطنة، تُدعى «بينزوبايرين» (benzopyrenes). وهي مركبات موجودة في دخان السجائر ودخان حرق الفحم والحطب وغيرها. ولذا تصنف بأنها مادة طبيعية تعمل كـ«واقٍ كيميائي غذائي» (chemoprotective food).
والحقيقة أن البحث العلمي في التأثيرات الصحية لمركبات مايريستيسين بدأ عند دراسة تفاعلها مع إنزيم «غلوتاثيون - إس - ترانسفيريز» (glutathione - S - transferase). وبتعطيلها لمفعول هذه المادة، فإنها تخلص الجسم من أضرارها على أنسجة أعضاء شتى فيه.
وتُعتبر كمية مركبات «مايريستيسين» في البقدونس أقل بكثير جدا مما هو موجود منها في جوزة الطيب (nutmeg)، ولذا فإن تناول البقدونس لا يتسبب في الآثار السلبية لتناول جوزة الطيب.
ومعلوم أن تناول كميات كبيرة من جوزة الطيب، أي نحو 20 غراما، يؤدي إلى حصول الهلوسة والنشوة وزغللة العينين وزيادة نبضات القلب والتوتر والإمساك وإعاقة التبول، وذلك بسبب الكميات العالية من مادة «مايريستيسين» فيها.
* مضادات الأكسدة
* وتُعتبر أوراق البقدونس أحد المنتجات النباتية العالية المحتوى بالمواد المضادة للأكسدة. ومركبات المواد المضادة للأكسدة فيها تشمل فيتامين «سي» (C)، وفيتامين «إيه» (A)، وفيتامين «الفوليت»، ومركبات «مايريستيسين» من الزيوت الطيارة، ومركبات ليوتيولين (luteolin).
ومجموعة هذه المركبات تعطي فاعلية لخفض نسبة تراكم المواد الضارة التي تحتوي على الجذور الحرة في الجسم. ومعلوم أن تراكم الجذور الحرة في الجسم هو أمر يتسبب بعدة تأثيرات سلبية في زيادة نشاط عمليات التهابات المفاصل والرئة والشرايين وغيرها. وأيضا في زيادة ترسب الكولسترول داخل جدران الشرايين. وكذلك في زيادة تأثر الجلد وغيره وظهور الإصابات السرطانية وعلامات الشيخوخة بفعل التعرض للعوامل الفيزيائية في أشعة الشمس، وللعوامل الكيميائية للمواد المسرطنة. ولهذا، تحتاج أجسامنا إلى توفر مضادات الأكسدة الغذائية لتخفيف تلك العمليات السلبية التي تحدها الجذور الحرة.
وأثبتت الدراسات الطبية الجدوى الصحية لتناول المواد المضادة للأكسدة حينما يكون مصدرها الغذاء الطبيعي، ولكنها لم تستطع الجزم بجدوى تناول الحبوب الدوائية المحتوية على تلك المواد حينما يتم إنتاجها بطريقة صناعية، وبخاصة في التأثيرات الإيجابية لفيتامين «سي» (C) على صحة الرئة ووقايتها من السرطان بسبب المواد المسرطنة في دخان التبغ. وأيضا في التأثيرات الإيجابية لفيتامين «الفوليت» في الوقاية من سرطان القولون وعنق الرحم. ومعلوم أن فيتامين «الفوليت» ضروري لحصول الانقسامات خلال عمليات توالد الخلايا (cell division)، ولذا هو مهم في منع الإصابات بأورام القولون وعنق الرحم اللذين يتميزان بسرعة انقسام الخلايا.
* شرايين القلب والبقدونس
* يحتاج القلب إلى أغذية صحية تعطيه النشاط وتحميه من الأمراض. وعناصر مثل البوتاسيوم والمغنسيوم والكالسيوم، هي ما تحفظ لعضلة القلب التوازن في قوة الانقباض والاسترخاء. كما تحفظ لها انتظام سريان الكهرباء وصدور النبضات بإيقاع منتظم.
وفيتامين «الفوليت»، وبقية مجموعة فيتامينات «بي» (B)، تسهم في تخليص الجسم من المركبات الكيميائية للـ«هوموسيستين» (Homocysteine)، وتحويله إلى مركبات خاملة وغير مؤذية. ومعلوم أن مواد «هوموسيستين» تتسبب في تلف وضرر في شرايين القلب عبر زيادة وتيرة حصول عمليات تصلب الشرايين العصيدي «atherosclerosis»، وبخاصة عند مَن لديهم ارتفاع في الكولسترول أو ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري. ولذا يُنظر طبيا إلى ارتفاع نسبة «هوموسيستين» كإحدى علامات ارتفاع احتمالات خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب.
كما يحتاج القلب إلى فيتامين «سي» الطبيعي، كمادة مضادة للأكسدة، لتخفيف تراكم الكولسترول في الشرايين التاجية. ومعلوم أن ثمة عدة عوامل ترفع من احتمالات ترسب الكولسترول في داخل جدران الشرايين، ومع مرور الوقت وزيادة هذا التراكم تنشأ التضيقات داخل مجرى الشرايين التاجية. وبالتالي ترتفع احتمالات حصول الجلطات القلبية أو نوبات ألم الذبحة الصدرية. وإحدى الخطوات الهامة في «ترسيخ» ترسب الكولسترول داخل جدران الشرايين هي أكسدة الكولسترول بفعل مواد «الجذور الحرة». ولذا فإن تخليص الجسم، وشرايين القلب بالذات، من هذه الجذور الحرة، وسيلة لمنع «ترسيخ» ترسب الكولسترول في الشرايين.
وتناول أحدنا للبقدونس يؤمّن له غالبية هذه المواد الغذائية المفيدة للقلب، لا سيما أن البقدونس يوفرها لنا دون إثقال لكاهل الجسم بكميات عالية من طاقة السعرات الحرارية. ذلك أن كل 100 غرام من البقدونس تحتوي فقط على 36 كالورى، أي ما يعادل أقل من نصف تفاحة أو من ربع شريحة خبز «توست».
تعليقات: